الكرملُ جديدٌ، وفي المكتبات خلال أيام../ حسن خضر

عدد مزدوج يغطي ربيع وصيف العام 2012، يعرج على محمود درويش وسميح القاسم وغيرهما…

الكرملُ جديدٌ، وفي المكتبات خلال أيام../ حسن خضر

غلاف العدد الجديد من "الكرمل الجديد"

|حسن خضر|

صدر خلال الأيام القليلة الماضية عدد “الكرمل الجديد”، وهو عدد مزدوج يغطي ربيع وصيف العام 2012، وقد تعددت موضوعاته، وإن كان في صدارتها محمود درويش، كما جرت وستجري العادة. في عادة كهذه ما يبقي النص الدرويشي مفتوحاً على قراءات دائمة، وما يحميه من التحوّل إلى أيقونة باردة.

في العدد، أيضاً، مقابلة طويلة أجراها علاء حليحل مع سميح القاسم. القاسم رمز من رموز الثقافة الوطنية. لن نتمكّن من كتابة تاريخ بلادنا في الحقل الأدبي والثقافي دون التوّقف طويلاً أمام أسماء كبيرة في طليعتها سميح القاسم. سميح وأخوته محمود وإميل وتوفيق وغسّان وجبرا، هؤلاء أجمل ما فينا.

هناك، أيضاً، نص محاضرة لأمنون راز ألقيت في معهد الدراسات العليا في برلين، ونُشرت باللغتين الألمانية والإنكليزية. وقد حرصت المجلة على نقلها إلى العربية لأهمية ما جاء فيها.

وما جاء فيها يُغني النقاش بشأن الصراع في فلسطين وعليها. يدعو راز في محاضرته إلى ثنائية القومية كإطار للتفكير، بمعنى ضرورة اعتراف الإسرائيليين بحقوق الفلسطينيين القومية في فلسطين، وبحق العودة غير المشروطة للاجئين الفلسطينيين. ويرى أن هذا السياق يمكّن الفلسطينيين والإسرائيليين من بلورة حلول سياسية تقوم على مبدأ المشاركة، والمسؤولية، والاعتراف المتبادل. وقد عقد مقارنات لافتة للنظر بين “غيرشوم شولم” و”حنه آرندت” من ناحية، ومحمود درويش وإدوارد سعيد من ناحية ثانية.

وفي العدد نفسه فصل من رواية هي الأولى لمحمود شقير. عُرف محمود شقير حتى الآن كأحد أبرز كتّاب القصة القصيرة في فلسطين والعالم العربي. ولكنه يغامر، في العمل الجديد، بمحاولة إعادة بناء تاريخ فلسطين على مدار فترة تمتد عقوداً من الزمن، بصيغة روائية. والمهم في الأمر أن الرواية لا تنتمي إلى جنس الرواية التاريخية، ولكنها تضع الفاعل الروائي في مسارات تاريخية يمكن تعريفها والتعرّف إليها. وفي هذا ما ينطوي على الكثير من الوعود والتحديات والرهانات.

ومن بين الموضوعات التي تميّز العدد الجديد مقابلة خاصة أجرتها نرمين الشيخ مع جيل النجّار، وهو أحد الأسماء اللامعة في عالم الأكاديميا الغربية، بيد أن هذه الصفة تختزل شيئاً أهم، وهذا ما تحاول المقابلة ـ التي نقلها إلى العربية رنا بركات وعبد الرحيم الشيخ ـ تقديمه إلى القارئ العربي. يتجلى الأهم في ظاهرة جديدة نسبياً، لكنها تعود في أصولها إلى فتوحات إدوارد سعيد في تفكيك فكرة الاستشراق، وكيفية توليف الأنا والآخر في النسق الثقافي الغربي.

تكاد تكون أفكار إدوارد سعيد مقبولة أو مفهومة على نطاق واسع في الوقت الحاضر، بقدر ما يتعلّق الأمر بعالمي الشرق والإسلام، وكيف أعاد الغرب إنتاجهما في سياق مشروع للهيمنة الكولونيالية. لكن المهم أن صورة اليهودي التحقت بهذا الإطار الفكري العام، استناداً إلى فرضية أن الغرب، ومنذ سقوط الأندلس، أعاد أيضاً إنتاج اليهودي كآخر، وفي سياق مشروع الهيمنة نفسه، الذي أُنتج فيه الشرقي والمسلم. وهذا جديد.

ومن هذا الجانب يكتسب مشروع النجّار، وباحثين آخرين، أهمية فائقة. فمن شأن فتوحات معرفية، وبلورة مفاهيم جديدة، تبديد كل ميثولوجيا الثقافة الغربية (المسيحية ـ اليهودية) التي يُعتقد اليوم، وعلى نطاق واسع، أنها تمثل البنية التحتية للحضارة الغربية، وأن فيها ما يبرر تجليات كثيرة أوروبية وغربية في النظام السياسي والعقد الاجتماعي، والتفوّق على مستويات مختلفة.

ومع هذا كله، فإن فتوحات معرفية في هذا الجانب تنسف كل الوهم الصهيوني بشأن الدولة اليهودية، طليعة الحضارة الغربية، المحاصرة بين الشرقيين والعرب والمسلمين في الشرق الأوسط. بمعنى آخر، سيتمكن اليهود عمّا قريب من العثور على تأويلات جديدة لتاريخهم، لن تكون منسجمة مع التأويل الصهيوني للتاريخ، بل ستكون نفياً له، وفي مجابهة عنيدة معه.

ثمة بعض المسائل التقنية التي تستحق التوقف، ولكن ليس طويلاً. ومنها، على سبيل المثال، أن المحرر في سعيه إلى تمويل المجلة، أطل للمرّة الأولى في حياته على عالم المال والمموّلين، فاكتشف ما يستحق معالجة منفصلة، والنتيجة في جميع الأحوال لم تكن مرضية.

ثمة الكثير من سوء الفهم، والنظرات الاستشراقية (التي تصبح مضحكة عندما يعتنقها فلسطينيون) إضافة إلى الجهل. وهذه الأشياء مجتمعة تُسهم في تبديد أموال كثيرة، ولا تعود بالكثير من الفائدة على الفلسطينيين بالمعنى الثقافي. على أية حال، هذه الأشياء لا تستحق أن تُذكر في هذا المقام.

المهم، استخلاص الدروس. ولعل الدرس الأوّل في هذا الشأن، أن ما لا يتمكن الفلسطينيون من تمويله بأموالهم، وجهدهم الذاتي، لن يرتد عليهم بطريقة إيجابية تُسهم في تعزيز الثقافة والهوية.

وطالما نحن في هذا السياق، ثمة ما يبرر إعادة الفضل لأهله، وفي هذا الصدد فإن العدد الجديد لم يكن ليصدر لولا الدعم المادي والمعنوي من جانب مؤسسة فلسطين الدولية، والصديق الدكتور أسعد عبد الرحمن، الرئيس التنفيذي للمؤسسة، الذي كان صادقاً ووفياً.

صدق في ضرورة الحفاظ على ميراث محمود درويش الثقافي، لا باعتباره أيقونة، بل طاقة فكرية وإبداعية دائمة ومتجددة. وكان وفياً لذكرى وذاكرة محمود درويش، وقد ربطت بينهما صداقة، بالمعنى الإنساني والثقافي والسياسي، استمرت عقوداً طويلة من الزمن.

هل قلنا كل ما يجب أن يُقال؟ ثمة الكثير دائماً، المهم أن الكرمل جديدٌ، وفي المكتبات خلال أيام.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>