“ذكرى الشهداء”- كذبةٌ أيديولوجية/ ميسان حمدان

“ذكرى الشهداء”- كذبةٌ أيديولوجية/ ميسان حمدان

بعد ستّةٍ وستّين عامًا من الاحتلال، وبعد أكثر من خمسين عامًا من فرض التجنيد الإجباري على الشباب العرب الدروز، ومع انتهاج السياسة المدروسة المبرمجة لمدةٍ تفوق المئة عام، نجحت المؤسسة الصهيونية في عسكرتها لفكر الكثيرين، لكن هناك من كشف ويكشف هذه الكذبة الأيديولوجية.

image

.

|ميسان حمدان|

جاء في لسان العرب:

الشهيدُ: المقتول في سبيل الله، والجمع شهداء.

أي أن “ذكرى الشهداء” تعني: ذكرى من قُتلوا في سبيل الله.

وسبيل الله وفق المعجم الجامع والوسيط تعني: كل ما أمر الله به من خير.

أمّا الله فهو الله.

مشهد:

أقف في المحطّة، متأخّرةً عن المحاضرة في جامعة حيفا التي تبعد عن قريتي عسفيا بضع دقائق، أنتظر الباص، ذاك الغريب.

تجلسُ بجانبي امرأةٌ في الأربعين من عمرها، تقفُ ابنتها بجانبها (طالبة مدرسة)، ومن الجهة الأخرى يجلسُ طفلٌ، ابنها، على ما يبدو أنه لم يدخل المدرسة الابتدائية حتى الآن.

تمرُّ سيّارةٌ عسكريّةٌ كبيرة، تحملُ على الأقلّ ستّة جنودٍ.

الطفل: يمّا شو هذول؟

الأم: هذول جنود يمّا، في الجيش.

الطفل: جنود؟!

الأم: اه إلا، بكرا بس تكبر بدك تروح ع الجيش انت كمان، زيهن.

الطفل: بس أنا بدّيش أروح.. (بنبرةٍ حزينةٍ بريئة)

الأم: لااا، كيف يمّا، كيف بدك تصير زلمة لكان؟

-صمتٌ مطلق-.

حقيقة:

مكانة الجسد في العقيدة التوحيدية في المذهب الدرزي:

لا مكانة للجسد حسب العقيدة الدرزية، إذ أن أحد أهم الركائز في هذه العقيدة هو التقمّص (تناسخ الأرواح البشرية)، فالقدسيّة تكمنُ في الرّوح التي تنتقل بعد الموت الى جسدٍ آخر، أما الجسد الميّت فلا قيمة له إطلاقاً فهو أمرٌ فانٍ، وعليه يتعامل الدروز مع فكرة الموت على أنها أمرٌ عابر، طقوس الجنازة والدفن جميعُها تدلّ على ذلك، التابوت ليس إلا صندوق خشب بسيطا مغطّى بقماشٍ أبيض. والجثث لا تدفن في قبور مع شواهد تخلّد أسماء أصحابها، لا توارى الثرى، فالمقابر عندنا ليست ككل المقابر، هي غرفٌ مظلمة توضع التوابيت بها على بعضها،  لا قبور من حجر ولا يجوز على الدروز أن يزوروا موتاهم إطلاقاً.

ذلك وأكثر، فعند امتلاء المقبرة بالأموات ومن أجل إفساح المكان للوافدين الجدد يتم حرق التوابيت بعد جمع بقايا عظام الراحلين القدامى في تابوت واحد.

وهذه ممارسة ينتهجها الدروز أينما وجدوا.

وقد جاء في موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام الكلام التالي:

“فإنّ الجسد البشريّ في عقيدة الدروز هو ثوبٌ أو قميص للرّوح، تتقمص فيه الرّوح عند الولادة وتنتقل منه بالموت فورًا إلى جسد مولودٍ إنسانيّ آخر.”

النفاق:

“إحياء ذكرى الشهداء الدروز في المقبرة العسكرية في قرية عسفيا: أقيمت المراسيم المركزية إحياءً لذكرى الشهداء الدروز الذين ضحّوا بحياتهم في معارك إسرائيل وحروبها والبالغ عددهم ٣٦٥ شهيدًا”. (موقع الأخبار العربية ٢٠١٠).

“أحيت قرية بيت جن ذكرى الشهداء في المقبرة العسكرية بحضور العائلات الثكلى، مجلس محلّي بيت جن، لفيف من الضيوف، مشايخ وأهالي ووجهاء من القرية”. (موقع القلعة ٢٠١٢).

“ككل عام وبمشاركة المئات من أبناء الطائفة الدرزية، أقيمت في المقبرة العسكرية في عسفيا الساعة الحادية عشرة، مراسيم إحياء ذكرى الشهداء الدروز الذين سقطوا في حروب ومعارك إسرائيل منذ قيام الدولة. فقدت الطائفة الدرزية ٣٨٦ شهيدًا في المعارك من أروع أبنائها، منهم ٥٠ من دالية الكرمل و٤٢ من عسفيا”. (موقع بلدنا ٢٠١٢).

“مراسيم إحياء ذكرى الشهداء ٦٥ سنة لقيام دولة إسرائيل: وقد جرى الاحتفال المركزي في المقبرة العسكرية في عسفيا، بإدارة عضو الكنيست السابق أمل نصرالدين رئيس مؤسسة الشهيد الدرزي، ممثل دولة إسرائيل وعدد كبير من المشايخ والضباط والمسؤولين من كافة القرى الدرزية، وقد تُليت الصلاة على أرواح الشهداء ووُضعت أكاليل الزهور باسم المؤسسات المختلفة. عدد الشهداء الدروز ٣٩٢ شهيدًا”. (موقع العمامة ٢٠١٣).

*هناك مقابر عسكرية في القرى التالية: عسفيا، بيت جن، حرفيش، المغار، جولس، يانوح وشفاعمرو. (موقع العمامة).

*يُدفن في هذه المقابر كل شابٍ درزي يسقط في إحدى المعارك، أو من يموت خلال فترة خدمته في الجيش الاسرائيلي. توضع جثّته في قبرٍ من حجر ويُحفر على الحجر اسمه وتاريخ موته. يضعون شاهداً على القبر

ويزور أهل الشاب وأقاربه قبره مرّة كل سنة في يوم “ذكرى الشهداء”، ويضعون أكاليل الورد بمشاركة العديد من المشايخ الذين يتلون الصلاة هناك.

الآني:

“مكان إقامة مؤلف النشيد الوطني الإسرائيلي “هتيكڤا”: نفتالي هرتز أمبر، أُقيم بيت الشهيد الدرزي في دالية الكرمل، واعتُرف به كموقع تذكاري رسمي، وفي وقتٍ لاحق كموقع تراث وطني”. (موقع هنا ٢٠١٢).

“تردد إلى المكان في السنوات الأخيرة وزير الجبهة الداخلية أريه ديختر، الجنرال يوم طوف سامية، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

أقيم في بيت الشهيد الدرزي ما سُمّي بمؤتمر الهوية الدرزية”. (موقع العمامة).

*تحوّلت المدرسة الإعدادية في دالية الكرمل إلى مدرسةٍ عسكرية، يتردد إليها الطلاب- الشبان منهم في زيٍّ عسكري.

*أقيم صفٌّ عسكري في المدرسة الثانوية في قرية بيت جن، يتردد إليها الطلاب الشبان في زيٍّ عسكريٍّ أيضًا.

بعد ستّةٍ وستّين عامًا من الاحتلال، وبعد أكثر من خمسين عامًا من فرض التجنيد الإجباري على الشباب العرب الدروز، ومع انتهاج السياسة المدروسة المبرمجة لمدةٍ تفوق المئة عام، نجحت المؤسسة الصهيونية في عسكرتها لفكر الكثيرين، لكن هناك من كشف ويكشف هذه الكذبة الأيديولوجية، وهناك من ذوّتها، وهناك من جعلها أدلجةً مكذوبةً لتتماشى مع نهجه اليوميّ، أو مع ضميره ربّما.

ومع مرور السنوات، يزداد عدد “الشهداء الدروز”، لكن المؤسسة الصهيونية صادرت حتى اليوم أكثر من 9٠٪ من أراضي الدروز، فأين سيُدفنون؟

كنتم/نّ مع مشهد حقيقة النفاق الآني.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>