من أنا؟ Who am I?/ إسلام محمد عبد الرازق

بعد فترة شعرت بأنّ النقود هي التي تحرس أصحابها، وفكّرتُ بأنّ هذا هو –ربما- سبب اعتمادهم على الكاميرات أكثر من البشر، فذهبت لأحرس عمارة أنيقة في شارع مهم، لكني وجدت نفسي في نهاية الأمر أحرس حيواناتهم الأليفة

من أنا؟ Who am I?/ إسلام محمد عبد الرازق

تمثال أحمد عسقلاني

.

|إسلام محمد عبد الرازق|

قبل الغروب بقليل تبدأ نوبتي في الحراسة، لهذا أستهلّ عملي بالنظر إلى الأفق، ألتقط منه بقايا الشمس خيطاً خيطاً. أعتدل على الكرسيّ في ثبات، ولكن في الوقت ذاته تنبت لي أجنحة تحاول اللحاق بآخر طائر في السّماء، يحلّق بين السّحب مسرعاً، ليجذب الصغار من بين منقاره حصادَ نهار طويل، وإن لم يكن هناك حصاد، فبعض الدفء من وجوده يكفي لانتظار يوم جديد، يأتي فيه الطّير صغاره بما صاده أو وجده مصادفة، فتشتدّ رغبتهم في تعلم الطيران أكثر .

لم أولد حارساً، بل أنهيتُ دراستي في أحد المعاهد المتوسطة التي تمنح علمًا يصلح لمن هم أقلّ من المتوسطين، تزوجت بعد التخرج سريعاً أسابق الوقت نحو الفرح، وأنجبت ولدين ما زلت أصقل مشاعرهم نحو ما حولنا من خير وشرّ، وحين لم يفلح عمل واحد في اليوم لإطعامهم، تلقيت تدريبًا على الحراسة. كنت أظنّ حينها أنّ الوجهاء فقط من يحتاجون الحراسة، فعملت حارساً في أحد البنوك، وبعد فترة شعرت بأنّ النقود هي التي تحرس أصحابها، وفكّرتُ بأنّ هذا هو –ربما- سبب اعتمادهم على الكاميرات أكثر من البشر، فذهبت لأحرس عمارة أنيقة في شارع مهم، لكني وجدت نفسي في نهاية الأمر أحرس حيواناتهم الأليفة. أما ساكني العقار فأقنعوا أنفسهم بأنّ قفلاً كبيرًا على الباب وأهمية اسم الشارع سيكونان كافييْن لإبعاد الغرباء.

بعدما تسلمت أول نوبة حراسة هنا، وجدت أخيراً فائدة من عملي هذا، ورأيت طلاب علم غمرهم التواضع في مواجهة عجرفة جهلاء حولنا عند الخروج إلى الشارع، ولأوّل مرة وأنا عائد إلى منزلي أمدّ خطوتي عبر متاهات الحارات الضيقة بعد نهاية يومي الأول هنا. كنت سعيداً لأنّ هناك احتمالاً ولو بعيدًا، بأن يغير طالب علم في يوم ما شيئاً أو شيئيْن في زحام هذا الوطن، شيء أحكيه لأبنائي في يوم إجازتي فيلمع في عيونهم الفرح والأمل، وربّما يأتي يوم أيضاً أجد أنا فيه من يحرسني .

.

(حازت هذه القصة الجائزة الأولى في مسابقة القنصلية البريطانية في مصر، التي أسمتها “من أنا؟”، حيث طلب من المشاركين كتابة قصة قصيرة حتى 300 كلمة تشرح ما يفعله تمثال أمام مبنى القنصلية. التمثال الذي وُضع في شهر نيسان/ أبريل كان للفنان المصري أحمد عسقلاني، وهذه القصة اختيرت من بين 50 قصة تقدّمت لمسابقة شهر نيسان. يمكن زيارة صفحة المسابقة عبر هذا الرابط.)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>