صناعة الرجولة المتخيلة في مجتمعات الشرق الأوسط

تعد مرحلة التأسيس وفق تصورات عالم الاجتماع بورديو أو طقوس المرور حسب عالم الأناسة المحطة الرئيسة للانتقال من الذكر البيولوجي الى الرجل الاجتماعي، حيث يخضع الذكر الى امتحانات عسيرة مرئية وغير مرئية وتحقيق الرجولة الكاملة في مجتمعات الشرق الاوسط يتم عبر سلسلة من الآليات، رفض الانوثة، تحقيق مكانة في المجتمع، الحصول على الاستقلال تحقيق التفوق والخطوة الاولى هي(الختان) للانتقال من الحالة الطبيعية الى الحالة الانسانية وفق المعتقدات الدينية

صناعة الرجولة المتخيلة في مجتمعات الشرق الأوسط

| يوسف محسن |

تشكل ثيمة صناعة الرجولة في ‏مجتمعات الشرق الاوسط الحديث ‏احد المفاهيم المركزية التداولية ‏في حقل السلطة/الدولة وفي حقل ‏ثقافات تلك المجتمعات حيث تلعب ‏شبكات المؤسسات الاجتماعية ‏ومؤسسات الضبط السياسي ‏والعسكري والقانوني ومجموعة ‏متنوعة من الممارسات ‏الاجتماعية والتربوية ‏والاقتصادية والايديولوجية في ‏عملية الارتقاء المستمر من ‏الذكورة(المعطاة بيولوجياً) الى ‏الرجولة(المكتسبة اجتماعياً) عبر ‏منح الذكورة سلطة الامتيازات ‏الاجتماعية والاقتصادية وتمثل ‏هذه العملية الجزء الحيوي من ‏الايديولوجيات القومية الحاكمة ‏في العراق وتركيا واسرائيل.

في هذا المجال يعد كتاب(الرجولة المتخيلة: الهوية الذكورية والثقافة في الشرق الاوسط الحديث) اعداد مي غصوب. وأيما سنكلير ويب الباحثة التركية والناشطة في منظمة هيومن رايتس ووتش، احد الاعمال الفكرية المعنية في دراسة البنى الاجتماعية وعلاقات العمل والسلطة والمؤسسات والحركات السياسية والممارسات الدينية التي تعيد انتاج  التجنيس الاجتماعي.
ينقسم الكتاب الى ثلاثة أقسام، يتناول القسم الاول صنع الرجال في المؤسسات العسكرية(التركية والاسرائيلية) فضلاً عن نظام المهانة والاذعان الذي يمارس في تلك المؤسسات في حين يقوم القسم الثاني على(السرود والصور والايقونات بوصف الذكر حكاية) ,ودراسة الانتاج الثقافي و المرويات الذكورية والروايات والافلام السينمائية والحكايات الفولكلورية الكلاسيكية والمثلية الذكورية أما القسم الثالث من الكتاب فهو مجموعة شهادات في الهوية الذكورية وتداخل الهويات الجنسية مع التحولات في التنمية الاجتماعية والاقتصادية هذا الكتاب يضم اسهامات اكاديميين يعملون في الحقل الاناسي وعلم الاجتماع والحقل السيمائي ودراسات النوع الاجتماعي فضلاً عن شهادات لروائيين وشعراء غير متاحة في مجتمعات الشرق الاوسط.

الهويات الجنسانية
مناقشة مسألة الهويات الجنسانية في مجتمعات الشرق الاوسط تعد من المحرمات في الخطاب الثقافي والسياسي، في تلك المجتمعات  الشرق الاوسط وذلك لاستدامة الهيمنة في قلب الاجتماع البشري، حيث ان هذه المسألة مقصية من حقل الدراسات الرمزية والانثربولوجية، ونجد ان المكتبة الشرق اوسطية تعاني من شحة كاملة بهذا الحقل، وقد يعود السبب الى انتشار الثقافات الشعبية والتعليم الفوضوي الذي هو جزء من سياسة الهيمنة.
في هذه المجتمعات تتم جنسنة الذوات والافراد ضمن ديناميكية التفاعل الاجتماعي والسلطوي حيث تلعب المؤسسات العسكرية دورا في صناعة رجولة جوهرية ثابتة، سكونية في سوق العمل الاجتماعي والتوجه الجنسي كما كان يجري في زمن النظام الفاشي العراقي عندما قدم مكافأة نقدية لأفراد الجيش والشرطة والامن الوطني على (الشوارب)، الكتاب الذي نقدم له عرضا تركيبيا هنا يفضح السياسات التي تمارسها الدولة الشرق اوسطية في صناعة (الرجل) ويزعزع موقع هذه الصناعة داخل التركيبات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، رغم انه يفتقد الى الكثير من طرح الاشكاليات، ولم تتم قراءتها او معالجتها وهذا قد يعود الى منطقة المحرمات الثقافية الغامضة والمسكوت عنها في ثقافات المجتمعات الشرق اوسطية فضلا عن ذلك لم يعالج الكتاب دور السلطة السياسية في اعادة انتاج (مجتمعات العبودية المعممة) وصناعة اقليات ذكورية للهيمنة على الاقتصاد والسياسة والدولة   هذا النقص ليس تقليلا من قيمة الكتاب/المشروع وانما ان يكون حافزا للباحثين والمثقفين في العراق للدخول في هذا الحقل الشائك ودراسة علاقات الهيمنة والقوة في (المجتمعات الذكورية).

صنع الرجال..المؤسسات والممارسات الاجتماعية
تعد مرحلة التأسيس وفق تصورات عالم الاجتماع بورديو أو طقوس المرور حسب عالم الأناسة المحطة الرئيسة للانتقال من الذكر البيولوجي الى الرجل الاجتماعي، حيث يخضع الذكر الى امتحانات عسيرة مرئية وغير مرئية وتحقيق الرجولة الكاملة في مجتمعات الشرق الاوسط يتم عبر سلسلة من الآليات، رفض الانوثة، تحقيق مكانة في المجتمع، الحصول على الاستقلال تحقيق التفوق والخطوة الاولى هي(الختان) للانتقال من الحالة الطبيعية الى الحالة الانسانية وفق المعتقدات الدينية حيث يستطلع الباحث عبد الوهاب بوحديبة هذه العادة في سياق المجتمعات المغربية والاسلامية فالختان كممارسة دينية يعد اكبر بكثير من مسالة صحية او مجرد عادة فهو راسخ الجذور في الاخلاقيات الاسلامية حيث ان الاسلام حافظ على هذه العادة السامية والتي تعود بأصولها الى الختان اليهودي الذي يمثل طقسا قربانيا وهو امتحان تأهيلي اولي ففي المجتمعات الاسلامية تمارس عادة الختان او الاستئصال او القطع في جانبها الهوياتي والاجتماعي وهو الانتماء الى(الجماعة الذكورية) ويوضح النص الروائي للكاتب السعودي عبده خال المشاعر التي تنتاب الولد المختون حيث الآلم وصدمة التشويه الجسدي والاحتفال الجماعي التي تقيمه العائلة وهو جزء من(الامتيازات الباهظة التي تقترن ان يكون المرء ذكراً) أما بحث عالم الآناسة يورام بيلو(الختان والحلاقة الاولى والتوراة الطقوس والهوية الذكورية لدى الطائفة الآرثوذوكسية). فهو يبين ان اليهود الارثوذوكس هم القطاع الاكثر التزاماً بالدين بين السكان حيث يتميز(هؤلاء اليهود بمظهرهم الغريب ، اللحى الضفائر الاذنية ، طاقيات الرأس ، البدلة الداكنة من الطراز القديم).
ويخضع غالبية اطفال اليهود الارثوذكس في سن الثالثة الى مسلسل طقوسي مزدوج يرتبط بحلاقة الرأس الاولى وهي تمثل علامة بارزة على الطريق الى الرجولة وتبلور القيمة السامية للدين، حيث ان الادبيات الحاخامية تعالج ردم الفجوة بين عالم الجسد والعالم الرمزي بمصطلحات ذكورية وتربط الجسد اليهودي بالكلمة المقدسة في صياغات زاخرة بالمعاني الجنسية والتناسلية، حيث يعتقد رجال الدين اليهود ان الختان وجد لاصلاح الطبيعة وبناء الهوية الذكورية وهذه العملية تجري متزامنة مع فصل التخالط الاجتماعي المجنسن التي تفصل بين الاولاد والبنات في وقت مبكر عند اليهود الارثوذوكس.

المؤسسة العسكرية: صناعة الجندي
تقدم الباحثة في النوع الاجتماعي إيما سنكلير ويب وهي ناشطة تركية في منظمة هيومن رايتس ووتش بحث عن الخدمة العسكرية في تركيا حيث ترى ان المؤسسة العسكرية في المجتمع التركي تلعب دوراً مهماً ليس في الحياة السياسية فقط وانما يعدها المجتمع بوصفها مؤسسة لصنع الرجال اجتماعياً، وهي من مؤسسات التأهيل الكلاسيكية في قبول الشباب بوصفهم ذكورا بالغين حيث ان الجيش يمثل مؤسسة اولية للذكوره النازعة الى الهيمنة والمدافعين عن الامة التركية في المخيال القومي، حيث تحاول الاكاديميات العسكرية التركية صنع(تركي أنموذجاً) ومن نوع مغاير، تركي متحرر من كل الامراض المصاب بها المجتمع ،حيث تتم صناعة جندي واسع الاطلاع، جدير بالثقة ويتجلى بكل الشمائل الاجتماعية كما أنه محارب ورجل انضباط)هذا الخطاب هو جزء من الخطاب السياسي القومي التركي، وهذا معناه ان شكل الرجولة التي تروج لها المؤسسة العسكرية التركية متفوق على المدنيين الذين لايجري فرزهم الى ذكور أو اناث بل يحتلون موقعاً لاجنسياً وبهذا تصبح الخدمة العسكرية طقس مرور الى الرجولة حيث لايقبل الرجل في عمل دائم او يستطيع ايجاد استقلال اقتصادي او يكون مؤهلاً للزواج مالم يكن قد مر بالخدمة العسكرية.
ويبين داني كابلان في مقاله معنون(الخدمة العسكرية كتأهيل للذكورية الصهيونية)
ان المؤسسة العسكرية تعمل في المجتمع الاسرائيلي كبوتقة ينصهر فيها كل الاسرائيليين حيث ان هذه المؤسسة تحاول جمع الرجال في قالب واحد من الذكورية وهو يفعل ذلك من خلال ثقافة تنظيمية تشجع العناصر المثالية للعمل في مجال الجندية مثل القدرة الجسدية والتحمل والسيطرة على النفس والاحترافية والروح الاجتماعية والعدوانية واللامثلية الجنسية وهذا الاداء الذكوري بوضع في مواجهة صورة(الغيرية) النقيضة مثل الانوثة والمثلية الجنسية والعدو العربي.
حيث يعمل الجيش الاسرائيلي طقوس العبور والتأسيس الاولية للجندي عبر الرموز المقدسة سواء كان ذلك على المستوى الفردي او الجماعي كما يشرعن لهم القيم المركزية في المجتمع الاسرائيلي والهوية الصهيونية في نزعاتها العسكرية حيث يرمز الجيش الى موت الطفولة ومولد الفرد ويصبح مواطنا اسرائيليا ويبين الباحث ان هناك اربعة عوامل اساسية في اساس طقس عبور الشباب الاسرائيلي في الخدمة القتالية العامل الاول هو عد الخدمة العسكرية ممارسة تطورية ومرحلة كبرى لبلورة الشخصية واكتشاف الذات كما انها تحدد اكتساب الصفات الشخصية والمهنية والاجتماعية المرتبطة بالنمو الذاتي العامل الثاني يرتبط بالمشاركة العسكرية وهو الجانب المعياري اي شمولية الخدمة العسكرية ومركزيتها تجعلان منها مرحلة معيارية بل مرحلة مفروغ منها وتحقيق سجل عسكري مرموق مثل الخدمة في وحدات قتالية نخبوية فضلا عن ذلك ان الجيش بوصفه طقس عبور منظم وجماعي ومعياري يحدد موقعا للجندي في المجتمع، اما العامل الثالث: ان الخدمة العسكرية تستحضر الموضوعات المعترف بها والمشروعة ثقافيا والتي ترتبط بالذكورة التسلطية واضفاء طابع مفهومي على الذكورية بمفردات طقس تأهيل للرجولة ويؤكد هذا الفكرة العامة ان الذكورية التسلطية ليست معطى بيولوجيا وانما هي ممارسة اجتماعية وسياسية اما العنصر الرابع: فيتمثل في السياق الصهيوني والذي يعد القضية القومية الايديولوجية والتي توصف الخدمة العسكرية ضرورية.
اما بحث جولي بينت عن (الجندي الذكري وطقوس المقاومة) فهو يمثل درسا في السياسات الثقافية للعنف حيث يتم تطبيق علم الانتربولوجيا على الانتفاضات الفلسطينية المتكررة وترى الباحثة ان المنتفضين الفلسطينيين واقعين تحت السلطة السياسية والعسكرية الاسرائيلية وهم لايمتلكون حقوقا سياسية او تكنولوجيات هيمنة حيث يستخدمون في الدفاع والهجوم (الحجارة) وهي من اقدم اشكال السلاح المعروفة للبشرية والحجارة بوصفها جزءا من البيئة الطبيعة وتنطوي على الحد الادنى من تطبيق المهارات التكنولوجية وهكذا اصبح الاعتقال والضرب جزءا من جهاز الهيمنة للاحتلال ضد المنتفضين الفلسطينيين وهو كما تقول الباحثة: يؤطر بوصفه طقس عبور الى الرجولة ويمثل شكلا مركزيا في بناء الشخصية وفي بناء ذات مجنسنة ذكورية بما يترتب عليها من اثار نقدية على الوعي السياسي والهيئة السياسية.
ويحدد فان غينيت في دراسته الكلاسيكية لطقوس العبور في المجتمعات التي تتعرض للعنف فقد حددها بثلاث مراحل، الانفصال ، الهامشية والاجتماع ويجري تسلسل في العملية التحويلة للعنف الجسدي في المرحلة الاولى ينفصل الفرد عن الجماعة فهو يؤخذ من بيته وعائلته الى سيارة الجيب ثم الى غرفة الاستجواب ويفصل عن مجتمعه وفي المرحلة الثانية يدخل مرحلة الابهام والغموض والهامشية فهو كائن خارج الزمن الاجتماعي والمكان والمقولات الاجتماعية لدورة الحياة وتكون القواعد والمعايير الاجتماعية معلقة والاستجواب بتطبيقاته للعنف الجسدي فضلا عن ذلك تمييع التراتبيات الاجتماعية للسن والطبقة وذلك ان المعتقلين يعانون الالم والعذاب والذل ،المرحلة الثالثة: هو العود مجددا الى الحياة الاجتماعية حيث ان العودة الى البيت التي تتسم باحتفاليات عائلية وبهذا يكتسب المعتقل صفات البلوغ والشرف والرجولة مع امكانية التمتع بالقوة والسلطة ويجري هنا تحول في التراتبيات الاجتماعية داخل الاسرة واعادة انتاج سلطة الرجل.

الصور والأيقونات
في مقال فريدريك لاغرانج عن المثلية الذكورية في الادب العربي الحديث يبين ان اول شخصية مثلية ظهرت بوضوح في الرواية العربية الحديثة هي شخصية (كرشة) في رواية نجيب محفوظ (زقاق المدق) ثم ظهرت هذه الشخصية في رواية وقائع حارة الزعفران ويرى فريدريك ان هناك غيابا واضحا للمثلية في المجال العربي حيث ان المجتمعات العربية الحديثة تتجه نحو الانكفاء وراء هوية متخيلة تتحدد اساسا بلغة معايير جنسية متزمتة تدين الايروتيكية المثلية اما وولتر ارمبراست فهو يدرس ظاهرة فريد شوقي الفتوة والنجم السينمائي ففي خمسينيات القرن الماضي كانت الشخصيات الرجولية في الافلام المصرية ترتبط عادة بنمط الحياة البرجوازية على الطريقة الغربية ولكن مع ظهور شخصية فريد شوقي في الخمسينيات متزامنا مع الفضاء الثوري قام كنجم سينمائي بدور ميكانيكي السيارات والصياد والجندي والعامل اليدوي كانت هذه الشخصيات الشعبية موجهة الى الطبقات الدنيا واكتسبت طراز ذكوريته بكل سهولة انماطا تقليدية من الشرف والعار الشرق اوسطيين حيث نرى فريد شوقي يدافع عن الشرف الجمعي في المجال العمومي بينما تبقى المرأة في الحيز المنزلي ويتابع الباحث ظهور شخصية فريد شوقي في سرديات السينما المصرية وعلى غلاف مجلة كواكب ومجلة اهل الفن حيث اخذت صورة فريد شوقي تتطور وتعتمد اساسا على تصوير الفحولة الذكورية متمايزا عن ادواره الخسيسة او الادوار الشريرة.
صدام ذكرا
جان فاتييس كريكور جوكاستريان اسوة بالكثير من الارمن الذين توزعوا بين مدن العالم انتقل هذا المصور الى بغداد حيث افتتح ستوديو بابل للتصوير وفي العام 1958 الذي شهد قيام انقلاب عسكري اعتمد جوكاستريان مصورا لديوان الرئاسة وذلك ان الفترة العسكرية من الانقلابية منحت الصورة الفوتغرافية اهمية كبرى وقد ادت صور جان الفوتغرافية في تشكيل صدام حسين كذكر  يملأ الفضاء العام للمجتمع ومن الصور التي التقطها جان نستطيع ان نتعرف على الوجه الاخر لصدام كما يقول حازم صاغية بوصفه شخصا ضعيف الصلة باشكال التنظيم الحديث للدولة ويبرز كشخص يحمل ذكورية بدائية قبلية منزوعة عن اية مشروعية او قيم اجتماعية.

عن “الصباح” العراقية

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. المقال ناقص وسيستفيد من إضافة تحليل لكتاب جوزيف مسعد Desiring Arabs.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>