مايا أنجلو: طائرٌ أسود، غرّد ورحل / ريم غنايم

مايا أنجلو: طائرٌ أسود، غرّد ورحل / ريم غنايم

ثمّ تستديرُ النّافذة
تجاهَ عقلِك. هناك، تمامًا خلفَ
السّتائرِ المتمايلة، يسيرُ الرّجال.
يعرفونَ شيئًا.
يذهبونَ إلى مكانٍ ما.

qadita  - maya-angelou-ftr


مايا أنجلو 1928 – 2014

| تقديم وترجمة القصيدة: ريم غنايم |

رحلت الشّاعرة الأمريكيّة من أصل أفريقي، مايا أنجلو، منذ أيّام عن عالمنا، عن عمر يناهز السادسة والثمانين.

لم تكن أنجلو مجرّد شاعرة زنجيّة عابرة في قافلة الشّعر الأمريكيّ الزّنوجيّ، ولم تكن مجرّد امرأة تكتب سيرة قمعها واغتصابها وعذابها وفقرها وتشرّدها. كانت أنجلو شاعرة ناريّة حبلت قصائدها بالسّخط والانتصار لقضيّتها الشّخصيّة والجمعيّة. ما بين سبع سيرٍ ذاتيّة – سير الطّفولة الضّائعة والصّبا الشّريد (“أعرف لماذا يغنّي الطّائر الحبيس” – أكثر سيرها شهرةً)، وروايات، ومسرحيّات، وألبومات غنائيّة، وعمل في الأكاديميا، والتّمثيل، ومجال حقوق الإنسان، والتّأريخ، انهمر من جيب الشّاعرة وابلٌ من تفاصيل امرأة استثنائيّة، امرأة مكشوفة الصّدر لم تُخفِ شيئًا من حقيقتها، حقيقة الطّفلة المغتصبة، والفتاة الضّائعة في حبال الفقر والتّشرّد والبغاء، والمرأة المقموعة والمهمّشة الباحثة عن هويّتها السّاقطة في عمقٍ سحيق.

فأيّ إرثٍ تركته لنا الشّاعرة مايا أنجلو، شاعرةٌ سوداء البشرة، سوداء الملامح، سوداء الحبر، سوداء الصّوت. سوادٌ يحملُ معه مائة نكهةٍ ونكهة تنوّعت ما بين الثّورة على قمع السّود، والانتصار للإنسانيّة والمرأة، وفوق كلّ هذا الانتصار لقضيّتها الفرديّة. عن أيّ شيءٍ كتبت أنجلو في شعرها؟ عن كلّ شيء، عن الرّجال والنّساء، عن السّود والبيض، عن الحياة والموت، عن الألم وعن الفنّ والجمال. عن الإنسان الثّائر الّذي سكنَ في صدرها عمرًا فحوّلته إلى كلمات وألحان وجنون عمره ستةً وثمانين عامًا.

عندما نقرأ مايا أنجلو: الشّاعرة السّوداء، الأنثى، الأمّ، الثّائرة، الحاضرة، الغائبة، نكتشف دائمًا أنّ عُمق اكتشاف الشّعر ومكامنَ الجَمال فيه، يكمُن في اكتشاف سرّ صاحبه القادم من فضاءات العبث والألم، وفي الطّريق إلى الشّعر، ربحت الشّاعرة بسيرة الشّاعرة، بكلّ ما تحتاجه الشّاعرة لتحظى بهذا اللّقب.

.

رِجال

في حَداثتي، اعتدتُ

أنْ أرقبَ الرّجالَ من خلفِ السّتائر

رائحينَ غادينَ في الشّارع. رجالٌ سكّيرون، رجالٌ بالغون.

شبّانٌ حادّونَ كالشّارب.

أراهم. الرّجالُ دومًا

يذهبونَ إلى مكانٍ ما.

كانوا يعلَمونَ أنّي هناك. خمسةَ عشرَ

عامًا وأنا أتوقُ إليهم.

تحتَ نافِذتي، يقفون،

أذرعتُهم عالية

كَصَدرِ فتاة،

أذيالُ المعطفِ تصفع

أولئكَ الرّجال،

في الخلف،

.
يمسكونكِ ذاتَ يومٍ بين

راحاتِ أيديهم، بدعةٍ، وكأنّكِ

آخر بيضةٍ نيئةٍ في العالم. ثمّ

يضغطونَ. قليلًا.

الضّغطةُ الأولى لطيفة. حضنٌ سريع.

رقيقةً في قلّةِ حيلتك. يبداُ الألم. أكثرُ قليلًا.

تنتزعينَ ابتسامةً تنسالُ حولَ الخوف.

عندما يتوارى الهواء،

يتفرقعُ دماغُكِ، ينفجرُ بشدّة، على عجلٍ،

كَرأس عودِ ثقاب. يتشظّى.

إنّها عصارتكِ

الّتي تسيلُ على أقدامِهم. تلطّخُ أحذيتَهم.

عندما تستقيمُ الأرضُ منْ جديد،

ويحاولُ الطّعمُ أنْ يعودَ إلى اللّسان،

ينغلقُ جسدُكِ. للأبد.

ولا مفاتيح.

.
ثمّ تستديرُ النّافذة

تجاهَ عقلِك. هناك، تمامًا خلفَ

السّتائرِ المتمايلة، يسيرُ الرّجال.

يعرفونَ شيئًا.

يذهبونَ إلى مكانٍ ما.

لكنّي هذه المرّة، حسبي

أن أقفَ وأرقبَ.

ربّما.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. اعرف لماذا يغردالطائرالحبيس   ياللعذوبه

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>