أربعُ قصائد/ مصطفى مصطفى

أربعُ قصائد/ مصطفى مصطفى

وليسَ أَمامي إِلا أَنْ أَراهُم في الزّنزانة رقم ثمانية/ وهُم يوقِظونَ الصَّبَاح/ ويَسقونَ السماءَ ماءً من حَنَفيَّةِ السّجن./ أَن أَرى صَخرةَ الانتِصَار التي حَمَلوها على ظهورهم/ عامًا بَعدَ عام/ وهُم يستمعونَ إلى أَخبارِ الهَزائِم.

Radio-BigPic

>

|مصطفى مصطفى|

 

مصطفى مصطفى

مصطفى مصطفى

الزّنْزانة رقم 8

وَحْدهُ أَبي يعلمُ

أَيّةَ أَخبارٍ سَمِعَها من هذا الترانزستور الصّغير.

وَحدهُ وبضعةُ رفاقٍ آخرونَ.

فأَنا لم أَكُنْ في سِجنِ الرّملة لأَشهدَ على ذلك.

لا أَحدَ كانَ هناك

سوى أَبي ورفاقٍ آخرين.

وليسَ أَمامي إِلا أن أُخمِّنَ الأَخبارَ التي سَمِعها:

الانسحابَ من بيروت

كلمةَ السّادات في الكنيست

“الرّدّ في الزمانِ والمكانِ المناسِبَيْن”

قَصفَ مُفَاعلِ تَمّوز

وهذا وذاك “خَطٌّ أَحمر”.

ليسَ أَمامي إِلا أَن أَراهُمْ في الزّنْزانة رقم ثمانية

وهم يُحاولون قَتلَ الوقتِ، بهذا الترانزستور الأَصْفر.

أَنْ أَرى السنينَ والأَيامَ تسيلُ من ظَهرِ التاريخ

وأَبي يَحفرُ على ظَهر الترانزستور

رقمَ الأَسر.

.

وحدَهُ أَبي يعلمُ اللعناتِ التي كِيلَت لهذا الترانزستور الأَصفر.

وحدهُ يعلمُ الليلَ والقمر، والنهارَ والشمس،

وعددَ النجومِ وشَكلَ الغيوم

في سجنِ الرّملة.

فأَنا لمْ أَكنْ هُناكَ لأَشهَدَ.

لا أَحدَ كانَ هُناك

سوى أَبي ورفاقٍ آخرين.

وليسَ أَمامي إِلا أَنْ أَراهُم في الزّنزانة رقم ثمانية

وهُم يوقِظونَ الصَّبَاح

ويَسقونَ السماءَ ماءً من حَنَفيَّةِ السّجن.

أَن أَرى صَخرةَ الانتِصَار التي حَمَلوها على ظهورهم

عامًا بَعدَ عام

وهُم يستمعونَ إلى أَخبارِ الهَزائِم.

.

#خنقوا_يوسف[i]

لستُ من هذه الطيور العمياء التي تُغرّد بأَخبارِ هزيمَتِها.

ولستُ مِمّن يتداولون صُورتكَ في الكَفَن.

فأَنا ووالدُكَ وطِفلاكَ نعرفُ قصّتكَ

ولا نحتاجُ إلى طيورٍ تفزعُ: “#خنقوا_يوسفَ”

نحنُ المشنوقينَ قبلَ أَن تُنصَبَ لنا المشانق.

.

خنقوكَ

كما لو أَنَّهم خَنَقوا نبيًّا في بِئر.

لكنّك اليوم وحدكَ في هذا الوطنِ الأَكبر

وحدكَ أَيّها المشنوقُ منْ يتنفَّس.

.

القنابلُ في بغداد تنفجرُ دائمًا في القدس

قيلَ إنَّ فلاحًا عِراقيًّا أَسقَطَ مَروحيةَ أَباتشي ببُندقِية الـ”بَرْنو”

في “معركةِ الحَواسم”.

فَلاحٌ عراقيٌّ من كَربلاء، واسمه “علي عبيد منقاش”.

تكرْكَبت القدسُ بهذا الخَبر.

قيلَ إنَّ الأَباتشي أَلقَتْ مناشيرَ للاستِسلام، مَع أَوراقٍ نقديةٍ من فئة الـ25 أَلف دينار.

وقيلَ إنَّ الـ”بَرْنو” تشِيكية، صُنِعت في 1924 أَوّلُ قطعةٍ منها.

من يُحبُّ صدّام حسين ومن يكرهه، صدَّقَ خبرَ التلفزيون العِراقيّ.

حتى أَنا صَدّقت؛ وأَنا أُصغي للمَطرِ التَّعيس يتهاطلُ

دونَ أَن يَسقِيَ شَجرة.

عائِلتي كُلُّها صدَّقت؛ وراحَت منذُ آذار 2003

تَحجزُ للمَوتِ كَرسيًا على العَشاء.

.

هذِه القَصيدةُ من أَكاذيبِ تِلكَ الحرب.

كَاذبةٌ هذهِ الحُروفُ والكَلمات

وكَاذبٌ ذلكَ الفَلاحُ العِراقيّ

لأَنَّ

للشهداءِ دائمًا وجهَ الله

ولأَنَّ

القنابلَ في بغداد تنفجرُ دائمًا في القُدس.

.

أَتلذّذُ بالسُّم

مِن “أوسم”[ii] النِسكافيه، مِن “تنوفا” اللَّبَنة

مِن “عيمك” وقيّةُ الجبنة

ومِن “زوجلوبك” المرتديلا بالزيتون.

مِن “إنجل” قالب الخُبزِ السعيد

مِن “تبوزينا” كأْس عصيرِ المَانجا

ومِن “شتراوس” الحَلاوة بالفُستقِ الحَلبي.

أُسَمّي باللهِ

وأَتلذّذُ بالسُّم.


[i] الهاشتاغ الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد شنق يوسف الرموني (1982-2014) على أيدي مستوطنين إسرائيليين في القدس، بتاريخ 17 تشرين الثاني 2014.

[ii] الأسماء العبريّة لشركات ومصانع الغذاء الإسرائيلية.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>