دور الكاهن الخنثى في البغاء المقدس

نجد ان المجتمع الكلاسيكي لم يعان ابدا من نقص في المخنثين، القابلين على قبول نظرة المجتمع والموافقين على تقديم خدماتهم ، كوسطاء-زوجات مقدسين للرب، وهي الوظيفة المخزونة عادة للنساء. وفي الطقوس يقدم الكاهنات الذكور خدماتهم للرب بنكهة مثلية (في الطقوس الروحية الوسيط المثلي يرمز له بــ ” حصان” الرب، ليشير الى دور النساء السلبي كمركوبين على عكس دور الذكور الايجابي كراكبين.)

دور الكاهن الخنثى في البغاء المقدس

|طريف سردست|

لا يبدو ان الباحثين الغربيين قادرون على تفهم عمق تجذر مفهوم الاستعارة وانعكاسها في طقوس تمثيل الروحية عند ذكور الآلهة. في معظم طقوس الطوائف الروحية نتصور الاله ذكرا يمارس الجنس على إعتبار ان ممارسة الجنس هي التعبير عن الهوية الذكورية، في حين ان الاناث هن الوسيط في هذا الطقس الروحي، تماما كما كان الحال مع مريم العذراء التي اصبحت وسيط الله للحصول على غايته، فهي بذاتها لم تكن الغاية. وهكذا، في الشرق الادنى، لعبت النساء الكاهنات أدوار ثانوية على إعتبار انهن وصيفات او زوجات الرب الذكر، وسيطات.
(يجب الملاحظة انه في الفترات المبكرة كان الجنس يرمز للخصب وتعكسه وظيفة الربة عشتار في علاقتها مع ايل، وتمارس فقط في معابد عشتار، بذلك تكون النساء صورة عشتار وبديلتها كما كان الملك يمثل صورة ايل وبديله. من هذه الناحية لم تكن النساء ثانويات، وانما انتهوا ليكونوا ثانويات مع تطور منزلة الرجل صعودا ومنزلة المرأة نزولا في المجتمع البطرياركي العسكري).

بالارتباط مع وظيفة الكاهنات في الخدمة الدينية كانت ظاهرة الرجل المخنث تُصور ايضا “كزوجة الاله”، وعلى ما يبدو كانوا يعتبرون رجالاً شكلياً ولكن نساءً روحيا. والمخنثين يعتبرون اقرب للإله، إذ انهم عرضة بشكل استثنائي لتملك روح النشوة من حيث انهم “روحيا” نساء. (هذا الظاهرة وتصوراتها نجدها لازالت نشيطة في المعابد الهندية الهندوسية الدينية، راجع الحاشية الاولى)

عموما، في الثقافات الابوية التقليدية المُعسكَرة السلوك والمفاهيم، إلى حد كبير، الرجال غير قادرين على مواجهة الضغوط النفسية القادمة من المجتمع لتحقيق صورة الرجل المحارب ذوي العضلات، المطلوب منهم الوصول اليها، الامر الذي يؤدي الى إضعاف صورة الكاهن المخنث وتشويه مركزها الاجتماعي بتشويه ارتباطها بالدين، على مدى مراحل تاريخية.
في كتاب Confessions of God, يشار الى ان التحول الى “كاهنات معبد” بين الذكور، شكل من اشكال اللجوء الفعال، للذكور المصابين بالعصاب الحربي او الغير قادرين على تحقيق المقاييس الاجتماعية للوصول الى صورة الذكر صاحب العضلات، المطلوبة لإملاء وظيفة الذكر القوام.

تقليديا نرى ان الاشارة الى مركز “الكاهنة الذكر” ، بأنهم زوجات روحانيات للرب واضح للغاية. غير ان حقيقة المركز الاجتماعي للمخنث ( او الكاهن المخنث) في المجتمع هو معضلة خاصة، حسب ملاحظات ويستون، (Weston La Barre notes in Ghost Dance).
ومع ذلك، نجد ان المجتمع الكلاسيكي لم يعان  ابدا من نقص في المخنثين، القابلين على قبول نظرة المجتمع والموافقين على تقديم خدماتهم ، كوسطاء-زوجات مقدسين للرب، وهي الوظيفة المخزونة عادة للنساء. وفي الطقوس يقدم الكاهنات الذكور خدماتهم للرب بنكهة مثلية (في الطقوس الروحية الوسيط المثلي يرمز له بــ ” حصان” الرب، ليشير الى دور النساء السلبي كمركوبين على عكس دور الذكور الايجابي كراكبين.)

يجب التنبيه، انه في ذلك العصر لم يكن المجتمع يمارس تمييز سلبي بين الخدمات التي يقدمها ممارسي البغاء المدني، لغرض العيش، وبين مقدمي خدمات البغاء المقدس في اتباع الله في بيوت الله. وفي حين ان العاهرة العادية تستطيع ان تقدم خدماتها الجنسية على باب المعبد، يبدو ان خدمات الكاهن المثلي كانت مقتصرة على داخل المعبد، الذي اعطاهم الحماية والحق الشرعي.

الله يعترف بإخطائه ويتحمل تبعاتها 
في الثقافة الافريقية، مثلا شعب Yoruba, ,وهو من اكبر شعوب افريقيا ويعيشون في نيجيريا نرى ان الفرد المصاب بمظهر غريب او عاهة عقلية او فيزيائية او بطريقة من الطرق معوق جنسيا يطلق عليه تعبير Eni Orisa (وتعني شخص وهب نفسه للرب او اختاره الرب او كرس نفسه للرب). بذلك يكون القاديشيون الذي اشار اليهم (1 Kings 14:24;15:12;22:46;2 kings 23:7) يكونون ايضا بمعنى Eni Orisa معوقين نفسيا-جنسيا. هؤلاء الرجال تكرسوا لخدمة معبد الاله وقدموا خدماتهم المثلية عن حب وإخلاص لاتباع الرب المخلصين تنفيذا لمشيئة الله نفسه.

نجد في ثقافة Yoruba, مفاهيم وهب الذات والتكرس للخدمة المقدسة تشكل حجر الزواية في التفكير الديني. وحسب الاسطورة الدينية لشعب يوروبا فإن الإله في شخصية Obatala قام بخلق البشر جميعا بطريقة تمثيلهم بالطين. وتخبرنا المرويات انه اثناء عملية الصنع احتاج لبعض الراحة ليستغلها في إعادة التفكير والاستفادة من تجربته لصنع الانسان في أحسن تصوير. ولكن الإله Esu (إله المكر) عرض عليه نبيذ النخيل الحلو ولكنه مُخمر. الرب اوباتالا ظن ان الشراب الكحولي مجرد عصير طازج فشرب الكثير منه وسكَر. وعندما عاد الى العمل كانت يداه وبصره غير مستقرة فخلق الاخطاء الخلقية عند بعض العينات البشرية، لتظهر لنا انواع من التشوهات الفيزيائية والنفسية والعقلية. ومن ضمنهم بالطبع المثليين الجنسيين، الذي، في الثقافات الكلاسيكية، يعتبرونهم نسخة ناقصة عن الرجل.

عندما انتهى تأثير الخمر على اوباتلا رأى النماذج المشوهة التي صنعتها يداه، وشعر بالحزن والندم وتعهد ان ينتهي عن تناول الخمور والمسكرات. (لذلك نجد اليوم ان اتباع الإله الخالق اوباتالا لايشربون الخمور). كما تعهد اوباتالا بحماية جميع ضحايا اخطائه الخلقية، معترفا بذنبه بشجاعة. بذلك يطلق على جميع الافراد المصابين بأي نوع من انواع اخطاء الخالق بتعبير akanda eniyan وتعني ” المباركين” ويعتبرون خواص الله او المكرسين للاله، الذي يحرم الاساءة اليهم او عزلهم او التمييز ضدهم، ومن هنا الطيف المقدس الذي يحوم حولهم. وبيوت الله الافريقي ومعابده تكون ملاجئ لهم. لذلك نجد انهم يلتجئون الى المعبد ليحصلوا على حماية مضمونة من كل انواع الايذاء والملاحقة والتمييز، بسبب إعاقتهم، عندما يحتاجون لذلك.

على ضوء الطريقة الدينية للتفكير عند شعب يوروبة ، ان المعوقين والمشوهين والمختلفين خلقيا يقوى مركزهم الاجتماعي بالحصانة الدينية، ليكونوا ” مباركين من الرب”، تصبح العلاقة بين المركز الاجتماعي وشخصية المثليين الجنسيين المحمية في المعبد مثل عاهرات المعبد قديش ( الاقداس)، واضحة للغاية.
ان المصاب بالاختلاف، الجنسي والنفسي، عن الانماط السائدة في المجتمع، تعرضه للتمييز على إعتبار انهم معوقين بالثقافة الاجتماعية ولذلك سيكون من الصعب عليهم الاتكال على الذات في المجتمع المدني. لذلك يلجئون الى طلب الحماية من رب المعبد ليمارسوا هناك نمط حياتهم الطبيعي تحت حماية الاله المسؤول عن اصل المشكلة.

بالطبع المجتمع المدني لم يعد يعترف بالمثلية الجنسية ولكن الحماية التي يظلها الله عليهم في بيته، (والتي تعود جذورها الى الفترة البعيدة عندما كان المجتمع في مرحلة الانتقال من تقاليده السمحة الى تقاليد اكثر تشدد)، لازالت تملك احتراما في نفوس السكان. في حين نجد ان اتباع يهوة اصبحوا يخاطبون السكان محرضين على التخلي عن هذه الحماية التاريخية والمنحدرة عن معابد الربة العتيقة، الثقافة القديمة لليهود، لتحرير ثقافة الرب الذكر من آثار الماضي وتهيئة المجتمع للتحديات العسكرية.

في بعض المجتمعات، حيث غلبة الثقافة العسكرية في بنية المجتمع ( كما لدى البدو او الشيشان)، يتوسع معنى كلمة المخنث لتشمل كل رجل غير قادر على تحقيق جميع الادوار التي يتصورها المجتمع للرجل، وعلى الاخص كمقاتل (مهاجم ومدافع). مثل هذا الفرد قد يحاصر اجتماعيا ويضطر الى الاختفاء بين جدران المؤسسة الدينية والعمل كرجل دين مخنث ومقدس.
ايضا المصابين بالعصاب من الحرب يلجئون الى العمل ككاهن ليصبح وسيط روحي. (في عقيدة يوروبة يطلق عليهم Elegun)
في عقيدة يروبة كان إله الحرب Sango يطلق على كهنته المخنثين والنساء على السواء اسم واحد هو Iyawo Orisa. (تعني الزوجات والخادمات في الله). غير انه يوجد نوع من العار في ان يكون المخنث خارج الصف العام لجيش الرجال، ولكن عندما يصبح تحت حماية رب المعبد تتوقف المعاكسات والتشهير والاذلال والتسلط، ويعفى من الخدمة العسكرية.
(قارن الرمز العبري “لمجلس رحمة يهوة” المتموضع على سطح تابوت العهد، حيث اجنحة الملائكة ممتدة وتحيط بطريق تدلل على الحماية، وهو يتطابق مع الرؤية الحديثة حسب ماتطرحه كتاب الاناشيد الدينية المسيحية، راجع الحاشية الثانية) (وايضا، فإن رمز الاجنحة الممتدة بصورة الحماية والرحمة تعود بالاصل الى الربة ايسيس المصرية، كما ان تابوت العهد طقس من طقوس الديانة المصرية القديمة)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. على ضوء الطريقة الدينية للتفكير عند شعب يوروبة ، ان المعوقين والمشوهين والمختلفين خلقيا يقوى مركزهم الاجتماعي بالحصانة الدينية، ليكونوا ” مباركين من الرب”

    موضوع شيق ويحتاج الى اكثر من قراءة واحدة …
    حياة الربيع

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>