عن “الفخر” ..”القبول” و “الهيترونورمانتيف” / راجي بطحيش

يعتبر شهر يونيو-حزيران من كل عام ومنذ انطلاق الحركة المثلية ومن بعدها الكويرية ، شهر مسيرات “الفخر” في عواصم العالم ومدنه الكبرى وخاصة تلك المحسوبة على الشمال او الغرب حتى لو كانت تلك المدن في قلب أوستراليا. تنفرد “كويريات” بهذه المناسبة بنشر مجموعة مقالات نقدية تحاول قراءة وتفكيك مبدأي “الفخر” و “القبول” إضافة إلى العلاقة بين ما يسمى “المركز” وبين “الهامش” وبين “الطبيعي” و “الشاذ”، تعبر هذه المقالات عن الرأي الشخصي لكاتبيها أو وجهة نظر المؤسسة التي يمثلونها وليس وجهة نظر موقع “قديتا” وزاوية “كويريات”…بانتظار مساهماتكم!!

عن “الفخر” ..”القبول” و “الهيترونورمانتيف” / راجي بطحيش

l راجي بطحيش l

يحتدم النقاش اللطيف والحضاري حاليا حول جوهر “النشاط الجنساني” الفلسطيني من خلال الفاعليات الموجودة على الساحة ومن أهمها “القوس” : للتعددية الجنسية الفلسطينية و “أصوات”: نساء فلسطينيات مثليات، وكذلك وبطريقة غير مباشرة “منتدى الجنسانية” وسأفسر ذلك لاحقا. وأجد نفسي وبشكل طبيعي جدا ولا أشعر بأي حاجة للاعتذار عليه أميل للطرح “الكويري” للقوس مقابل الطروحات الأخرى وأعني هنا “أصوات” التي لا زالت عالقة في الخطاب المثلي والرومانسي منذ السبعينات ، بمعنى التزاوج بين المثلية والقومية كمشتق تابع للنمط الغيري السائد للحياة على أساس أنه الموديل الصالح والممكن الوحيد، أما طرح “منتدى الجنسانية” فهو صادم وقديم للغاية ويذكرني بالانبهار النسائي الحالي بكتب “هيفاء بيطار” و “أحلام مستغانمي”  وكأننا اكتشفنا فقط لتونا أننا مخلوقات جنسية حيث ذلك الجهد الخرافي لتثبيت وتدعيم وتقوية مفهوم “الهيترو نورماتيف”  خوفا على النظام الإجتماعي المبني من رجل وإمرأة “واستحقاق” جنسي من الإنهيار، ولا ينسى توجه “الجنسانية” أن يذكر ويشدد متأثرا بالنيو ليبرالية أننا نقبل “المثلية” ولدينا أصدقاء مثليون ولكن هذا هامش وهو ليس موضوعنا لأن الموضوع “الشرعي” الوحيد هو الرجل والإمرأة ومكافحة الاضطرابات في الهوية.على الأقل هذا ما يستقى من ملخص المؤتمرين الذان أجراهما “منتدى الجنسانية” مؤخرا في رام اللة وحيفا، راجع: http://www.bizover.qadita.net/2012/04/18/jensanieh/.

 العجيب بالأمر أن يتم الهجوم على الخطاب الكويري بصفته استعلائيا ولا يلائم مجتمعنا وأن كلمة “كوير” هي كلمة غربية وفي حال عدم وجود ترجمة لها بالعربية فهي غير “شرعية” لأننا في خضام موضة “تعريب” و “فلسطنة” كل شيء خوفا على وطنيتنا المتعثرة أصلا بتأخير بسيط حسب اعتقادي. لا يمكن انتقاد “الكويرية” دون فهمها أو لأننا لا نريد أن نفهمها أو الأسوأ من هذا كله أننا لا نستطيع أن نفهمها وخاصة أننا كعرب وكشعوب شرقية نحسب على “الكويريين” الأوائل حيث أن إنتاج الشهوة لدينا من المفترض أن يتغلب على ضرورة تأطيرها .

إن عدم قبول الطرح “الكويري” ولا اقول هنا تبنيه لهو ضرب بعرض الحائط بكافة النظريات والأفكار والأسس التي وضعها فلاسفة الكويرية ومن أبرزهم دافيد هالبرين ميشيل فوكو وجوديث باتلر وعربيا نذكر أيضا عبد الصمد الديالمي والتي هي وللمفارقة  تتلاءم أساسا مع معطيات شعب مقهور كالشعب الفلسطيني، فوفق الكويرية يتحد المقهورون سياسيا وإجتماعيا وجنسيا وإثنيا ليشكلوا مع بعض “المركز” من جديد …المركز المبني من “المقهورين سابقا” ويقوم هذا المركز أو “جموع الكويريين” حسب تعبير باتلر بصياغة علاقاته من جديد بكافة القضايا وأهمها السياسية والجندرية والجنسية في مواجهة السلطة الذكورية الأبوية الطاغية وفرض الصيغة التعددية دون طلب الإذن لذلك. ومن هنا فالخطاب “البيناري” او الثنائي الذي تطرحه الأجسام التقليدية  هو محاكاة واضحة وصريحة لخطاب الهيمنة الغيرية، فدعاة “الفخر المثلي” يقولونها بشكل صارخ :” أنا موجود إذا انت أيها الغيري قبلتني” ووفق هذا الطرح فإن الوجود المثلي يتحقق فقط من خلال “القبول” و “الموافقة” الغيرية، ولعل التقسيم “الثنائي الذي تم في مؤتمر “أصوات”  الأخير ” لمثليين” و “غيريين” حيث الجلسة الأولى يتحدث فيها المثليون والجلسة الثانية  غيريون ممن يرحبون بوجود المثليين على قيد الحياة لهو تثبيت واضح وربما لا يكون واع لمبدأ مركزية الغيريين وبالتالي احتكارهم للشرعية وهامشية المثليين وحتمية قبولهم لكي يكونوا.

وفي هذا السياق يطرح  دافيد هالبرين في كتابه “مائة عام من المثلية” مصطلح  المثلية بصفته بناء اجتماعي غربي تم في ال-100-150 سنة الأخيرة في الأوساط البرجوازية الانجلو –ساكسية حيث تم من خلال هذه العملية “اختراع” ما يسمى “الغيرية الحصرية” أو “النقية” التي لم تكن معهودة من قبل (التعددية في الممارسة الجنسية تسود منذ مهد البشرية) وهذا ما عبر عنه  هالبرين في المقابلة التي أجراها معه ريتشارد شنايدر.فالمشكلة ليست بتحديد تسميات للممارسات الجنسية المختلفة لدى البشر بل برسم حدود “الغيرية” برائحة الذكورية المنبعثة منها بصفتها الشكل الطبيعي والشرعي والصحيح للممارسة الحياتية على أشكالها مما يسهل إدخال الآخرين في غيتو والتحكم بهم والسيطرة عليهم. ولا ضير أن يعبروا بعدها بسنوات عن مدى “فخرهم” بحالة الإقصاء التي ينعمون بها. إن رسم الحدود الصارمة “للغيرية” لهو أكبر تعبير عن رهاب المثلية كما أن التكرار لجمل مثل “أنا ستريت بس عندي كتير صحاب هوموز..” لهو أكبر تعبير عن خوف الشخص او بالأحرى هلعه من أن يعتقد أحدا انه يعشق أو يحلم بممارسة الجنس المثلي. إن مجرد انتشار اللقب الشعبوي “سترايت” أو مستقيم (سليم، معافى، صحيح، لائق، شرعي..رجل، أبيض، غني..) لهو أكبر تعبير عما تحاربه الكويرية من تهميش على كافة الصعد  من خلال زرع جموعها في مركز حياتهم دون الحاجة للقبول او الإعتراف أو حتى الفخر…فلا شيء بحق يستحق الفخر…

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

6 تعقيبات

  1. شكرا للردود هذا يدعي لاستمرارية النقاش الحامي والحر! هذا “التقسيم” الذي تدعيه لم يكن كما تظن، الا اذا اخذناها مفهوم ضمنا بان الجلسة الثانية كانت للغيريين- لكني لا اعتقد ذلك ابدا!! الجلسة الثانية شملت جمعيات تعمل بشراكة مع أصوات ولا اعتقد ميولهم او ميولهن الجنسي كان ذو اهمية ولا افرض بتاتا انهم/ن غيريين/ات فربما يكون العكس… اوافقك الراي عن الجهل بالكويرية واؤكد لك عزيزي ان اختلاف الراي لا ينفي احترامه…

  2. عزيزي علاء أنا لا أنتقد من شارك بالجلسة الثانية ولكني أبدي ملاحظة بشان طريقة التقسيم على أساس مثلي-غيري وأنا احترم مشاركتك بالعكس، ولكنني لم أشارك يا روضة لأنني لا ألائم الميول الجنسية للمتحدثين في الجلسة الثانية (وهذا تقسيم غربي من السبعينيات)، أما بالنسبة للكولونيالية والامبريالية فلا تعليق لأنني تحدثت عن “الجهل” بالكويرية بما فيه الكفاية…عزيزتي ..لا احد يفرض رايه على الآخرين والنقاش مفتوح ومتاح للجميع، وهذا رأيي وأن حر أن أطرحه ولي الكثير من المؤيدين، النشاط الكويؤي\المثلي ليس حكرا على أحد ولم يخترعه أحد وما يميزه أنه خاضع للتعددية والاجتهادات العديدة
    مرة أخرى الباب مفتوح لكافة الآراء وسأنشرها جميعا على الا تحوي تجريحات شخصية أو شخصنة للمواقف
    تحياتي

  3. اشتم كم تريد يا علاء فالتقسيم الغربي شرقي المقالة بداتة لذا فالشتم للمقالة واما السلفية فهي بان الغرب فضل علينا بكثير؟ فاي غرب تحكي اذا!!!
    تهجمي لم يكن على الكويرية انما استعمالها المغلوط والمعنف اي المحطم!!

  4. نقاش ممتاز يا رفاق، خصوصا بعيني “غيريّ” مغضوب عليه شارك في الجلسة الثانية (على مهلك علينا يا راجي)..
    ولكن عزيزتي روضة: هل أشتم بعض السلفية من كلامك؟ أن الكويرية غربية فهي مرفوضة؟ لم أفهم السبب من وراء هذا التعميم. الغرب صعب الحصر والتصنيف (أوروبا بأجزائها وأمزجتها المختلفة، أمريكا الشمالية والاختلافات الخارقة في داخل المجتمع الأمريكي نفسه) ولذلك فإنّ تسطيحه إلى “غرب استعماري” مرفوض كما يسطحنا هو إلى “شرق” متخلف ليس الرد أو الجواب. الغرب فضل علينا بالكثير من الأمور وقتلنا في أمور أخرى. وبالتالي رفض الكويرية من هذا الباب هو سلفية بعض الشيء وغير منطقية وفيها رومانسية شرقية مبالغ بها.
    برأيي أن الكويرية هي رؤية شاسعة للعالم ومن يؤمن بها لا يمكن أن يستسلم لأي خطاب غربي لأنّ الهامش لا يستسلم للمركز، بل يناوره ويناوشه على الدوام. يعني، وكي أفسر التناقض في مجرد ادعاءاتك الأخيرة: من يهاجم المركز الغربي هو كويري يا رفيقة :-)

  5. مع كل الاحترام للطرح والمحاولة لتبرير استمرارية استعمال الخطاب الكويري الغربي والاستعلائي والذي لا يفرق في طريقة طرحه عن السياسة الامبريالية والكولونيالية وذلك بطريق التشبث بخطاب معين ومحاولة فرضه على الاخرون أو محاولة طرحه على انه الطرح “الصحيح” و”المتقدم” والتالي “المتأخر” أو انه الغربي، فمن العالق بالطرح الغربي هنا؟
    مع هذا ومع احترامي للنقد لكني افضل النقد البناء والذي يؤمكن نقاش ولكن عادة في البداية نبدأ بالنقد الذاتي أو على القليلة دراسة الخطاب الذي نحاول ان ننتقده! تفاجأت من هذه المقالة التي تمد بتهجم اكثر من ان يكون تواصل… فاذا مبارزة القوى هي عن من هو الطرح او الخطاب الصحيح، فاعتذر لم نتفق على قواعد اللعبة!!!
    لو اعيدك بالزمن قليلا ولبداية أصوات يعني 2002 بفترة لم يفلح أو تفلح فيها الافواه غير اصوات، بفتح موضوع المثلية الجنسية وربطها بقوميتنا وجندريتنا والعمل من خلال المجتمع الفلسطيني، في هذه الفترة لا نستطع ان ننفي بان نضال اصوات الرائد كان حافل بالضد والند. واذا تقترح انها فترة السبعينات او الستينات في الغرب فما رايك ان الالفيات الكويرية اصعب بما انها تستمد ميزانها ومقارناتها من سلم غربي بحث.
    للاسف ان مقالتك لا تفيد وتزيدني نفورا واكثر من هذا الكوير مع انه الطرح الكويري لا يستند على رسائل مثل “احنا” و”انتو” فمين انتو؟؟ وفش غير أصوات شاغلين بالكن فيهن!!
    لا اريد ان اتواجد بموقع المدافع عن اصوات، ولا المتهجم لكن قد يكون من الافضل لو تواجدت في المؤتمر لفهم السياق ومحاولة التواصل والنقاش!!

  6. عم بفكّر كيف أرد على هذا المقال المهم، ولربما سوف يأتي الرد بعد تفكير أعمق في الموضوع. ردي الأولي هو غياب قضية “عنصرة” (وليس العنصرة- العيد المسيحي) الفلسطينيين، أي كيف يتم تغييب تحليل العرب والفلسطينين كأجسام ومجتمعات التي هي مُستعمَرة وينظر اليها بنظرة دونيّة. مع الأيام ومع مر السنين أستنتج أكثر وأكثر أن كوير لا تحوي أصلاً الجسم الغير أبيض الغير الغربي المثلي. وقد وقعت أحيانا في إستعمالها لتعبر عن الهويات المثلية الفلسطينية، فأحيانا تستعمل كلمة “كوير” وكأنها فوق-تاريخية! أي لم يعبُرها التاريخ أو حيّز سياسي.

    يقول الكاتب: ““أصوات” التي لا زالت عالقة في الخطاب المثلي والرومانسي منذ السبعينات ، بمعنى التزاوج بين المثلية والقومية كمشتق تابع للنمط الغيري السائد للحياة على أساس أنه الموديل الصالح والممكن الوحيد”.

    وبما وأن الكاتب متأثر كثيرا من الخطاب الغربي الأمريكي- لم يحدد أي مكان “عالقه” فيه أصوات إنما الزمان، كاشفا بهذا أنه يخاطب المجتمع الأمريكي بالعربي! فترة السبعينات مرّت على كل العالم السؤال أين تقصد؟
    لا أصدق بتابا أن هنالك تزاوج بين المثلية والقوميّة بمفهومة الغيري، لكن ما أراه هو نقد مهم يجب حسابه وأخذه بعين الإعتبار.

    وإسمحوا لي بإنتقاد روح المقالة وأعرض سؤال تشتبت الكاتب بإقتباص جوديت بتلر وميشيل فوكو أطرح النقد الموججه لللإثنين وأسأل لأي حد موديلاتهم تتحاكى مع مجتمعات مُستعمرة ومُحتلة وأين يكون الخطاب لو إستعملنا فرانس فانون أو النظريات النسوية الجنوب أمريكية (التشيكانا).
    حان الوقت ان ما يُعدعى بالخطاب المثلي الفلسطيني أن بتوقف للنظر الى الغرب كموديل واحد ووحيد!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>