جيش الدفاع الديمقراطي: لكم خدي الأيمن فلماذا تديرون وجوهكم عني؟/ راضي د. شحادة

إلى الشّاب الرائع رافض الخدمة الإجبارية في جيش الاحتلال الإسرائيلي عمر زهر الدين الذي أعتزّ به كأحد أبنائي. إلى أخي زهر الدين الذي لم تلده أمّي * عندما يصبح حَمْلُ السلاح والقتل وجهةَ نظر للدفاع عن “جيش الدفاع”

جيش الدفاع الديمقراطي: لكم خدي الأيمن فلماذا تديرون وجوهكم عني؟/ راضي د. شحادة

الشاب عمر زهر الدين، رافض الخدمة العسكرية الإلزامية

|راضي د. شحادة|

راضي د. شحادة

سنسحق المخربين الفلسطينيين. سوف نطرد الخائنين لدولة إسرائيل ولجيشها الى سوريا كي يعذبوهم ويسجنوهم، وربما من الأفضل أن نرسلهم الى الضفة كي يقعوا تحت لهيب نيراننا عندما نخدم في جيش الهجوم الإسرائيلي.

سوف نحاول أن نَخرُج من جلدنا العربي وننتمي الى أبناء عمّنا اليهود الذين تعاهدنا على رباط الدم معهم. لحم أكتافنا من هذه الدولة.

نحن جزء من هذه الدولة وهذا الشاب العربي المتهور الرافض للخدمة في الجيش والمغامر يهدِّد مصالحنا ويعرّض أبناءنا للخطر ويَثنيهم عن طموحاتهم الشخصية وعن حقّهم بالذهاب الى الجيش وأخذ حقوقهم من المؤسسة الإسرائيلية وراتب شهري يقيهم شرّ البطالة والجوع.

وماذا يضيرنا لو كان لدينا سلاح نحمي أنفسنا به من العرب الذين سيأتون لمحاربة إسرائيل كي يستعيدوها من أيدي سارقيها ومغتصبيها ومشرِّدي أهلها؟

ومن منّا لا يحب الاستسلام، عفوا، السلام؟ ولكن هنالك ظروف خاصة تخصّنا، فنحن مضطرون للدفاع عن أنفسنا من أعداء دولتنا إسرائيل. إنّما نحن نخدم جيش دفاع وليس جيش هجوم، ولذلك فأنت موجود هنا وهناك في موقف دفاع وليس في موقف هجوم، فلا سمح الله إذا كنت تحارب للدفاع عن المستوطنات والمستوطنين في الضفة او ضد المخربين الفلسطينيين واللبنانيين في جنوب لبنان، او على الحدود مع مصر والأردن، فعليك أن تستعمل سلاحك ضد الإرهابيين العرب والمسلمين، وبما أنّنا انفصلنا عنهم بعد أن خذلونا منذ قيام دولة إسرائيل، فهم أعداؤنا ويستحقون القتل إذا عرّضونا لخطر إرهابهم الذي لا يتوقف. نحن لا نطالب- لا سمح الله- مع إخوتنا الجنود اليهود باحتلال المزيد من الأراضي العربية والفلسطينية، فالأراضي قد ضُمت لإسرائيل منذ ال48 ومنذ ال67 وأرجعنا لأصدقائنا العرب الذين قبلوا الاستسلام -عفوا السلام- أراضيهم مقابل الاستسلام، عفوا السلام العادل فيما بيننا، وأقمنا علاقات تطبيعية، عفوا طبيعية مع الدول العربية.

وحتى وإن كنتَ تتباهى بأنك فنان وموسيقي و”كمان” عازف كمان ورجل سلام يا سلام، وتعزف للسلام، فاذا – لا سمح الله – قَوِي العرب وأرادوا أن يهاجموا قريتنا التي هي جزء من دولتنا الفتية إسرائيل، فعلى الأقل يكون لدينا سلاح لنصدّهم وندافع عن أنفسنا منهم الى جانب إخوتنا اليهود المساكين المحاطين بالعرب الإرهابيين. ألا يكفيهم أنهم تعرضوا للإبادة في ألمانيا النازية، فأتوا الى هنا كي يسكنوا بدلنا ويقاسمونا وطننا ولقمة عيشنا كي يتخلصوا من القاتل هتلر، فاستقبلناهم بكل محبة وتسامح، وتقاسمنا رغيف الخبز معهم، مع أننا لم نكن السبب في المجازر النازية التي حدثت لهم ولغير الألمان، ولم نكن نحن السبب في طردهم من ألمانيا لكي نتحمل نتيجة الجريمة التي لم نقترفها بحقهم؟

عندما يحضر العدو فهل ستواجهه بكمانك ومعزوفاتك، أم أنّه عليك أن تكون مسلّحا بسلاح إسرائيل كي تصد الأعداء عنك وعن أهلك وعن اليهود؟

قلت لهم مصارحا: فعلا لقد نبهني بعض الأصدقاء الغيورين على مصلحتي بأنني أخطأت خطأ فادحا عندما تعرفت على بعض الإرهابيين الموسيقيين في رام الله والقدس ونابلس وجنين وبيت لحم، الذين يعزفون في معهد ادوارد سعيد، وتأثرت منهم ومن كرههم للاحتلال، وبخاصة انه لا يوجد المزيد من الاحتلال هناك، فما احتلته إسرائيل يكفيها مؤقتا، وعمليا فالمقترَح عليّ أن أخدم ضمن حدود دولتنا الحالية وضد الجيران الذين يهدِّدونها بإرهابهم، فكيف أقيم علاقات مع هؤلاء الذين يكرهوننا، فهم هناك ونحن هنا، و”كل مَن على دينه الله يعينه”.

ربما كنت قاسيا معكم عندما لُمْتُكم عندما قلتم لي بأنني عربي قذر وخائن لدولتي التي لحم أكتافي من خيراتها، وبأنني وجّهت كتابا لرئيس الحكومة ولوزير جيش الدفاع، أُسْدي اليهما النصائح والحِكم عن أهمية الموسيقى وأضرار الاحتلال وعنف الجيش، وكدت أوقف نفسي عند حدّي، عندما سمحت لنفسي بتوجيه النصائح لكبار قوم اليهود الصهاينة، وهم زعماء أقوى وأذكى دولة في العالم

لقد اقترح عليّ الكثيرون من المتنورين والوطنيين جدا والذين يحبون مصلحة شعبنا بأن أبقى هنا في إسرائيل الديمقراطية الإنسانية الكريمة، فهذا  أفضل لي من العيش تحت القمع السوري او السعودي او الذل المصري او الخطر اللبناني. لا بل أفضل لي من العيش مع هؤلاء الفلسطينيين الإرهابيين في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين لا يحبون الصهيونية والجيش الإسرائيلي والاحتلال، ولا يريدون أن يقتنعوا بأنّ المستوطنات والضفة أصبحت جزءا من دولتنا، فإذا قامت دولة فلسطينية حرة حقيقية هناك وأخرجنا المستوطنين من بيوتهم التي بنوها بعرق جبينهم وبمساهمة من خزينة الدولة وبتشجيع منها، فستتعرض الدولة للخطر وستضيق حدود ال48 وتتسع حدود ال67 فنختنق ونتعرض الى المزيد من خطر الإرهاب الذي قد يسعى طامحا لإعادة اليهود مرة أخرى الى ألمانيا. طبعا أنا لا أطالب بإعادتهم فقد تمسكنوا وسكنوا وتمكّنوا وأصبحوا أمرا واقعا علينا، فأنا لست لئيما الى هذا الحد، ولن أسمح لهم باتهامي باللاسامية- لا سمح الله- فأنا ساميّ حتى النخاع.

لقد شكّكوا بدرزيّتي وقالوا لي لا يمكن ان يفكّر الدروز بهذا الشكل، فلا بدّ انك مسلم او مسيحي او شيوعي او قومجي خائن لدولتك ولجيشها ولمبادئها الصهيونية اليهودية العادلة والديمقراطية، مع أنني أعلم بأنّ بعضا من البدو والمسيحيين والمسلمين يخدمون تطوُّعا في الأمن والجيش.

ونبّهني بعضهم الى حقيقة أنّ قرانا على ما يرام، وأننا ننعم بترف النوادي والدكاكين والنقود والشوارع والسيارات والكهرباء والحياة العصرية الرغدة والأراضي الشاسعة التي لم تُصادَر بالمرة، بل أُخِذَت منّا طوعا من أجل الصالح العام وضمن حدود كَرمنا العربي، وأنّه ليس من المنطقي أنْ يُسمِّي الإنسان الانتماء الى جيش الاحتلال او للدولة اليهودية الصهيونية تنازلا عن كرامتنا العربية وكَرَمنا الطّائي. وتابع مؤكدا وجهة نظره: أصلاً أصلاً، هل بقي كرامة عند العرب لكي ندافع عن الكرامة؟ طُزّ في الكرامة.. بالناقص عن الكرامة ما دامت الدولة تُلبِسنا زيَّها العسكري الرُّجولي، وتعطينا السلاح والراتب والمسكن والمِنَح والتعليم وملاعب الرياضة والمدارس والمجاري، وماذا يريد الإنسان أكثر من هذا البذخ والدلال؟..هه. كرامة. قال كرامة..أمّا كرامة وأما أخلاق..لا حاجة للشعارات الفضفاضة، فما علينا إلاّ أنْ نفكّر بمصلحتنا الشخصية، فنحن لسنا مسؤولين عن مآسي العرب وأهل الضفة والقطاع. يكفينا أن نهتم بأنفسنا وبأهلنا وبقريتنا. ماذا جَنَيْنا من العرب سوى البَهْدَلَة وقِلَّة الكرامة؟ نحن نعيش في جنة عدن، فلماذا ننسحب من جنّتنا كي نعيش في جهنم العرب؟ ما دامت هذه الدولة تقدم لنا كل هذا الدلال، فلماذا لا ندافع عنها حتى الموت ضد الأعداء والإرهابيين العرب؟

وبعد مصاحبتي لهؤلاء “الفلسطينيين” العرب في رام الله ونابلس والقدس، نبَّهني أحد الفهمانين من قريتنا، وقد خَدَم هناك خدمته العسكرية برتبة ضابط، بأنهم كانوا يكرهونه ولا يسمحون له بأن يهينهم او يطلق النار عليهم وعلى أبنائهم ونسائهم وأهاليهم. لا بل كانوا يتمنون له الموت، واتَّهموه بالخيانة والتعامل مع العدو الإسرائيلي. وقال مؤكّدا جازما وواثقا: هل مثل هؤلاء يستحقون أن نكون أصدقاء لهم ومتضامنين معهم ومساندين لقضيتهم الإرهابية العادلة؟” لو كان لديهم ذَرّة من الكرامة لما نظروا إليّ كضابط نظرة انتقامية حاقدة. ألا يُقدِّرون وضعي الخاص بأنني معرّض للخطر خلال الخدمة هناك، وقد سمعت من أحد المتعاونين معنا عندما قال لي بأنّني مهدّد بالخطر لتواجدي هناك، فهم يعتبرونني جزءا من الاحتلال، وربما يقتلونني؟ إنّهم قَتَلة وإرهابيون ويحبّون وطنهم بدلا من أنْ يحترموا إسرائيل وضباطها واحتلالها الإنساني الديمقراطي. لا بل إنهم يحاولون بكل وقاحة أن يدافعوا عن أنفسهم من الاحتلال.

ربما كنت قاسيا معكم عندما لُمْتُكم عندما قلتم لي بأنني عربي قذر وخائن لدولتي التي لحم أكتافي من خيراتها، وبأنني وجّهت كتابا لرئيس الحكومة ولوزير جيش الدفاع، أُسْدي اليهما النصائح والحِكم عن أهمية الموسيقى وأضرار الاحتلال وعنف الجيش، وكدت أوقف نفسي عند حدّي، عندما سمحت لنفسي بتوجيه النصائح لكبار قوم اليهود الصهاينة، وهم زعماء أقوى وأذكى دولة في العالم. لقد شعرت بالإهانة عندما قال لي أحدهم بأنّ من يحمل هكذا مبادئ هدّامة عليه أن يذهب ليسكن في الأردن ويعزف على كمانه للملك عبدالله الثاني، فتفكيري يليق بحكم الملوك وليس بحكم النظم الديمقراطية اليهودية الصهيونية السامية.

كدت أعود الى رشدي ووعيي عندما صدمني أحد الأصدقاء الجهابذة عندما اقترح عليّ قائلا بأنه اذا لم تعجبني إسرائيل وجيشها والعيش فيها، فلماذا لا أذهب للعيش في غزة؟ وقَذَفَ أهلَ غزّة بكلمة كالقذيفة ظننتها لأول وهلة إهانة لهم، ولكنني عندما فكّرت جيدا واستفقت من الصدمة شكرته على صدق كلمته وإنسانيته عندما قال: “عايشين عيشة كلاب. بتحب تعيش مثلهم؟”

نعم لقد نبّهني أحدهم بأنّ السلاح الإسرائيلي الذي سأحمله عندما أخدم في “جيش الدفاع” هو جيش الطَّهارة والقيم والحرية، ولا يوجد مثيل له في كل العالم. ولكي يبدو  ديمقراطيا وعادلا، وأنّ النظام الديمقراطي يسمح لنا بالانتقاد، فقد قال لي: “إذا قَتَل هذا الجيش بعض الأطفال الفلسطينيين او العرب بالخطأ فهذا لا ينطبق على كل الجنود. واذا قُتل أبرياء خلال القصف أو تدمير البيوت او في معركة لقتل المخربين فهذا ليس مقصودا، ولطالما تأسَّفَ جيشُنا عن قتل الأبرياء، فإذا قصفنا غزّة بالفوسفور والقنابل الحارقة والمفجِّرة والصواريخ العصريّة والحضاريّة من أجل قتل المخربين الإرهابيين من جماعة حماس غير الحضاريين، وسَقَط بعض مئات من الأطفال والنساء والأبرياء، فهذا ليس مقصودا، وإذا دَمّرنا مخيم جنين كي نقضي على الإرهابيين، وانقصف الأطفال والنساء والأبرياء، فهذا ثمن إنساني طبيعي يقدّمونه من أجل الوصول الى الاستسلام العادل، عفوا السلام العادل، وإذا قصفنا منطقة سكنية فيها مخربون ومات معهم أبرياء، فهذا أيضا ليس مقصودا، ولطالما تأسفنا كثيرا كثيرا وبشدّة عن كل هذه الأخطاء المتكررة طوال صراعاتنا العنيفة مع الأعداء العرب والفلسطينيين. اذا أبدى بعض الجنود قليلا من التصرفات العنصرية ضد بعض العرب خلال الخدمة في الضفة والقدس فقَتلوا او عَذَّبوا او أهانوا، فهذا ليس من شيم جيش الدفاع الإسرائيلي الأخلاقي.

أنت عارٌ على طائفتك وقريتك. ألا تلاحظ كم عائلة درزية وبدوية ومسيحية ومسلمة ممن يخدمون في أجهزة الجيش والأمن يعتاشون من مؤسسات الدولة؟ يا ويلك من عذاب ربّك، أتريدهم أن يموتوا جوعاً وعذاباً وحرماناً في زمن البطالة والفقر؟ لا نريد مزايداتك القومية برفضك للخدمة، فالجيش أصلا ليس بحاجة لخدماتك لأنّ الجيش قوي بدونك

لقد حذّرني بأن لا أصبح مثل ذلك الشاب الذي خدم في جيش الدفاع وندم على ذلك لاحقا مدّعيا انه كان في حينه في جيل المراهقة ولم يكن واعيا عندما كان الجيش “يوزّه” لإهانة العرب والاعتداء عليهم، وانه فقط اليوم وعى لما فعله. اليوم هو يقول: “إنّ المدافعين عن الجيش من أبناء شعبنا هم منافقون، لا بل إنهم يدّعون أنّنا لسنا عربا وقد سامحنا العرب بعروبتهم ونحن مبسوطون بإسرائيليتنا وبانتمائنا الطائفي”.

لا أنكر بأنني شعرت بالإهانة عندما قال لي أحدهم: “أنت تعاني من الشعور بالنقص وبالشخصية الضعيفة، أنت تعاني من الإحباط. نحن هنا نعيش في جنة عدن، وليس كما تدّعي بتفكيرك المريض. إنك تعيش في القرون الوسطى، وتعاني من مرحلة غسل دماغ إرهابي مخرّب، وعليك أنْ تخجل من نفسك، فلا مكان بيننا لليساريين وللإرهابيين كارهي إسرائيل، فأنت تعرّض جُلَّ إنجازاتنا عبر السنين التي سعينا من خلالها لكسب رضا الدولة عنا، ولإثبات محبتنا وولائنا لها أكثر من اليهود”، لا بل جرحني عندما قال لي بأن أفكاري التي أحملها تدل على أنني بحاجة الى طبيب نفسي يعالجني قبل أن يتدهور وضعي الى الحضيض، فيقودني حماسي ومرضي المزمن الى الانتماء الى القاعدة او حماس.

وتوصل أحد اللائمين الى اختراع عبقري جعلني أشعر بخطورة موقفي عندما قال لي: “ألا تلاحظ أنه أينما يوجد مسلمون يوجد إرهاب؟ أليس العيش مع اليهود وديمقراطيتهم أفضل مليون مرة من كل دول المسلمين في العالم؟”.

خفت كثيرا، وكدت أوقف نفسي عند حدّي مرة أخرى عندما بقّ حَصْوتَه في وجهي كالأفعى التي تبخّ السم، بعد أن كدت أظنّ بأنه كان يهديني الى الطريق الصحيح والى المبادئ السامية والى الصواب، عندما كشَّر عن أنيابه ونواياه الخبيثة قائلا: “ريتك انشالله يحبسوك ويجلدوك 900000 جلدة ويحُطُّوك في زنزانة ويفيّعوا عليك الجرادين والعقارب والحيايا. يا خرا يا زبالة.. الزبالة والوسخين من أمثالك مش محتاجينهم يدافعو عن دولتنا المقدسة. هذول الفلسطينية اللي عم بتدافع عنهم ياما قتّلوا من جنودنا ومستعربينا وأجهزتنا الأمنية من الدروز والبدو والمسيحيين والإسلام وإخوتنا اليهود اللي سقطوا شهداء وهم يخدمون في جيش الدفاع الإسرائيلي ويدافعون عن دولتهم إسرائيل”.

إنّه مختلف جدا عن ذلك الشاب الذي ناقشني بمنتهى اللطف والمحبة والتسامح، والذي اتّهمني بأنني متعصب لفلسطينيتي لأنني رفعتُ علم فلسطين فوق سطح داري، بدلا من أن أقلّدهم وأعلِّق علم دولتنا إسرائيل، ولم أكن أعلم، كما قال لي، بأنني اذا أردت أن أعلِّق علم فلسطين فيجب ان أُرَحَّل الى غزة او الى الضفة الغربية لكي أعيش في فلسطين هناك بحرية ومع عَلَمي، فأنت عندما تعلّق علم العدو وأنت جارنا، فإنّما أنت تعرّضنا للخطر وتشكك في إخلاصنا للدولة، وتعرّض للخطر مستقبل أبنائنا الذين سيخدمون في الجيش او يتوظّفون في أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية. أنت عارٌ على طائفتك وقريتك. ألا تلاحظ كم عائلة درزية وبدوية ومسيحية ومسلمة ممن يخدمون في أجهزة الجيش والأمن يعتاشون من مؤسسات الدولة؟ يا ويلك من عذاب ربّك، أتريدهم أن يموتوا جوعاً وعذاباً وحرماناً في زمن البطالة والفقر؟ لا نريد مزايداتك القومية برفضك للخدمة، فالجيش أصلا ليس بحاجة لخدماتك لأنّ الجيش قوي بدونك. كم كان قلبي طيبا عندما ظننته لطيفا ومختلفا جدا عن الشاب الذي سبقه، ولكّنه صدمني عندما تغيّر مزاجه فجأة 180 درجة وكَشّر عن أنيابه العسكرية وقال لي: “ريتك تموت انشالله.. الله لا يردّك”.

لقد بهرني أحدهم وكان عربيا وطنيا صهيونيا إسرائيليا جدا من حزب الليكود الصهيوني الوطني، فقد نبّهني وكاد يعيدني الى الصراط الوطني الإسرائيلي المستقيم عندما تَغَّزل بحزبه بفخر واعتزاز عندما قال لي: “حزب الليكود بزعامة أولمرت ونتنياهو وشامير وبيغن هو الذي عمل اتفاقيات سلام مع الأردن ومصر، وهذا هو الاستسلام الحقيقي، عفوا السلام الحقيقي، ولا زال حزبنا يفاوض العرب لكي يكمل مسيرة الاستسلام، عفوا السلام مع سائر العرب والفلسطينيين”

لقد عاتبني كثيرا واتّهمني بأنني تسرّعت عندما وصفت جيش الدفاع بجيش الهجوم، فأنا وأهلي لم نكن نعلم هذه الحقيقة، وبخاصة أنه لا أحد من أبناء بيتنا خدم في جيش الدفاع لكي يتعرّف على فلسفة الدفاع التي ينتهجها، وبخاصة عندما دعم رأيه بالقول بأنّ هذا الجيش يتواجد الآن حيثما هو، ليس كجيش احتلال بل كجيش ديمقراطي يعلّم العرب والفلسطينيين المتخلفين والإرهابيين عن الحرية والمحبة والتسامح. كدت أصدّق نفسي بأنني استقيت معلوماتي التجهيلية السابقة من جهات معادية لدولة إسرائيل وليس من تجربة الخدمة في الجيش، فالتجربة أكبر برهان “والحكي مش مثل الشُّوف”.

أشكركم جدا على نصائحكم الثمينة، فها أنذا أدير لكم خَدّي الأيمن كي تعاقبوني على ما اقترفت من ذنوب، فهل تريدونني أن أحوّل لكم خدّي الأيسر أم يكفيكم تسامحي وتأسفي بسبب إيذائي مشاعركم وتعريض مصالحكم الشخصية للخطر؟ هل سترضون عنّي إذا عزفت لكم على كماني الإنساني الصادق والمحب والمتسامح لحنا شرقيا صافيا للسلام الحقيقي بين البشر، او نشيد الفرح والمحبّة لبيتهوفن، بدلا من الاستسلام المُذلّ؟

(كاتب ومسرحي من الجليل)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>