عندما يغيب الحديث عن حقوق النساء لصالح النضال الوطني!/ راوية أبو ربيعة

النساء لسنَ وسيلة في مشروع النضال الوطني، بل شريكات يؤثرنَ ولهنَّ الحق في المساهمة بتشكيله. وهنا تقع على النساء مسؤولية الوقوف ضد محاولات تغليب النضال الوطني على النضال النسوي، وتنصيب الأول كقيمة يُمنع توجيه اللوم أو النقد لها

عندما يغيب الحديث عن حقوق النساء لصالح النضال الوطني!/ راوية أبو ربيعة

490398898704

.

|راوية أبو ربيعة| 

راوية أبو ربيعة

راوية أبو ربيعة

إنشغلت الصحافة في بلادنا في الأيام بالأخيرة بخبر تصديق الحكومة الإسرائيلية لمخطط “بيچن– النسخة المعدّلة” من مخطط “برافر”، الذي يهدف كما تزعم الحكومة إلى “تنظيم سكن البدو في النقب”. ينطلق مخطط “بيچن” المعدّل من افتراضات مرفوضة تفوح منها رائحة التمييز ضد عرب النقب، أهل النقب الأصلانيين. أهم هذه الافتراضات المرفوضة النظر إلى عرب النقب باعتبارهم “غزاة” استولوا بالقوة وبشكل مخالف للقانون على الأراضي التي يعيشون فيها اليوم، وعاش فيها أجدادهم. تتجاهل هذه الإفتراضية المضللة تماماً أنّ البدو يعيشون على هذه الأراضي منذ زمن طويل يسبق حتى قيام دولة إسرائيل، بل تتجاهل كذلك أنّ بعض هذه القرى نشأت بفعل الترحيل القسري إبان الحكم العسكريّ. ويطمح مخطط “بيچن لحصرهم في منطقة محددة ومنعهم من التوسع، ولا مانع لدى واضعيه من تنفيذ هذه الخطة بالقوة. فإذا ما تمت الموافقة على مقترح قانون بالاعتماد على مخطط “بيچن”، وتنفيذ الخطة الإسرائيلية، سيتم إخلاء قرى بدوية بأكمله ما يعني اقتلاع آلاف السكان من أراضيهم وحرمانهم من ممتلكاتهم التاريخية التي توارثوها جيلاً بعد جيل. إضافة للبعد السياسي لمثل هكذا اقتلاع، لا تغيب عنا التبعات الاقتصادية والاجتماعية لتهجير عرب النقب؛ فهذا المخطط لو نفذ سيدفع بالمزيد من البدو إلى دائرة الفقر والبطالة، وسيمزق النسيج المجتمعي المتماسك ونمط الحياة الذي تعودوا عليه في قراهم. ومما يزيد الطين بلة أنّ الحكومة الإسرائيلية تنوي إقامة مستوطنات يهودية جديدة على أنقاض القرى البدوية المدمرة.

بعد يومين من المصادقة على المخطط، نُشر في إحدى الصحف الإسرائيلية خبرٌ عن عضو كنيست عربي من القائمة العربية الموّحدة والمتزوج من امرأتين بعنوان: “عضو الكنيست البدوي يستطيع أن يصطحب واحدة من نسائه فقط للكنيست”. من الممكن أن تكون هذه المسألة قد أثارت لدى الجمهور اليهودي الشعور بالاحتقار تجاه عضو الكنيسست، ولربما حتى تجاه الجمهور الذي يمثله هذا العضو. لم يلتفت الخبر إلى مدى انتشار ظاهرة تعدد الزوجات في المجتمع البدوي والتي تصل نسبتها إلى 30-40%، ولم يذكر الخبر أنّ الزواج من امرأة ثانية يعتبر مخالفة قانونية، والأخطر من ذلك أنّ كاتب الخبر لم يكلف نفسه بالحديث ولو ببعض الجمل عن التبعات المترتبة على هذه الظاهرة، وتأثيرها على حقوق النساء العربيات في النقب.

وبذلك كشف هذان الحدثان المختلفان، بالمصادفة وفي آن واحد، نمطًا استفزازيًا مألوفًا. ففي الوقت الذي تخطط فيه الدولة لتنفيذ عمليات وبرامج واسعة عنفانوية لترحيل سكان القرى غير المعترف بها، فإنها تستمر بتجاهل ظاهرة تعدد الزوجات وبذلك ممكن عمليا الادعاء أنها تقوم بتشجيع “مخالفي القانون”. ومن جهة أخرى يطرح السؤال: لماذا لم تهتم الصحافة العربية بخبر الزواج الثاني لعضو الكنيست، في الوقت الذي امتلأت فيه صفحاتها بأخبار عن مخطط “بيچن”؟

التفسير لهذا التعامل هو أنّ هذه الممارسات تفضح بكل وضوح كيف يتم اسكات النضال النسويّ لصالح النضال القوميّ. فلأسباب تتعلق باللحمة الوطنية والهموم القومية لا يتحدث أحد عن الوضع المزري الذي وصلت إليه حقوق النساء في النقب. كأنهم يقولون لنا: “اصمتنَ رجاءً، نحن نحارب الآن من أجل النضال الوطني، ويمكن لحقوقكن الانتظار”. والمخزي أكثر أنّ السلطات الإسرائيلية لا يفوتها استغلال هذا الإسكات لصوت النساء، لتعزيز أهدافها لصالح مخططاتها الوحشية في هذه المرحلة.

أختم بالقول، إنّ من يقوم بتجاهل هذه القضية في المجتمع الفلسطيني ينسى أن تحرر النساء وتمكينهن هما خطوة على طريق التحرّر الوطني، وأنه لا يمكن تحقيق التحرر من الإضطهاد القومي، دون التحرر أولاً من الاضطهاد الأبوي. لا يمكن للنضال الوطني أن ينجح في ظل غياب صوت النساء اللواتي يشكلن نصف المجتمع. لا يمكن للنضال الوطني الاستمرار دون الالتفات إلى حقوق النساء الأساسية، خاصة في نطاق اختيار زوج المستقبل، والحفاظ على عائلة بزوجة واحدة، والحفاظ على الحق المتساوي في الميراث والى ما في ذلك.  وهنا يجب التأكيد على أنّ النساء لسن وسيلة في مشروع النضال الوطني، إنما شريكات فيه، يؤثرن ولهن الحق في المساهمة في تشكيله. وهنا تقع على النساء مسؤولية الوقوف ضد محاولات تغليب النضال الوطني على النضال النسوي، وتنصيب الأول كقيمة يُمنع توجيه اللوم أو النقد لها. وعلى المجتمع أن يعي أنّ النضال الوطني الذي يحاول إسكات صوت المرأة، سيصل إلى طريق مسدود، وسيسكت نفسه بالنهاية، ويخسر شرعيته.

(الكاتبة محامية في جمعية حقوق المواطن وطالبة دكتوراه في قسم القانون في الجامعة العبرية)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. الاستاذة راوية ابو ربيعة …..نضال المراءة في سبيل نيل حقوقها الكاملة …طوبل وشاق ويتطلب عمل مضني وتضحيات من قبل الحقوقيات و الناشطات ..المطلوب العمل على كل الصعد لتفسير حاجات المراءة المسلوبة اجتماعياة من قبل الرجل…..

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>