سأعود حمارا مرة أخرى/ رياض مصاروة

. |رياض مصاروة| لكي يتحمل “الكُرّ” (ابن الح […]

سأعود حمارا مرة أخرى/ رياض مصاروة

.

|رياض مصاروة|

رياض مصاروة

لكي يتحمل “الكُرّ” (ابن الحمار) أعباء الحياة، ولكي يتحلى بصبر أبيه الحمار، نمارس عليه عملية “التطبيع” ويقولون بالعامية: بنطبع الحمار.

ولا أعرف إذا كانت هناك علاقة بين تطبيع الكرّ وتطبيع العلاقات الإنسانية والسياسية. هذا البحث اللغوي أتركه لرفيقنا محمد نفاع ولزاويته اللطيفة والمغنية للمعرفة اللغوية في صحيفة “الاتحاد”.

قال لي ابنه هشام في جلسة ليلية في مطعم “فيسِز” في حيفا: عُدْ إلى الكتابة يا رياض… وفي طريقي إلى البيت سألت نفسي كيف أعود وأنا المنقطع عن الكتابة لمدة طالت أكثر من سنة ونصف السنة، بسبب انشغالي الإداري المقيت في مسرح “الميدان”؟

فجأة مرت في مخيلتي كالبرق صورة ذلك “الكر” قبل أكثر من خمسين سنة (يا إله الشياطين كم مفزع أن تقول قبل أكثر من خمسين سنة!) وهو يحاول أن يتحمل ذلك العبء من الأكياس التي وضعها صاحبه على ظهره لكي يؤهله لحياة الحمير. ابتسمت وقلت لنفسي: لقد أصبحت “كرا” في فترة غيابك عن الكتابة، وابتسمت مرة أخرى وقلت: طبع نفسك بنفسك يا ولد ولا تدع الآخرين يطبعونك، وفرحت بأنني تخليت عن حياة الحمير لمدة سنة ونصف السنة، وعليّ أن أؤهل نفسي لحياة حميرية جديدة، أضع على ظهري وعلى كاهلي أعباء كنت قد حملتها في السابق أوصلتني إلى حالات اكتئاب كادت أن تتحول إلى حالة مرضية.

الكتابة تعني أن تنخر في أعماق داخلك لكي تستخرج كل الأوساخ التي تراكمت، والكتابة تعني أيضا أن تقوم برحلة استكشاف لعوالمك ولعوالم الآخرين المحيطين بك، ولكن كيف لي أن أخوض في عوالمي من دون أن أتحلى بالجرأة لكشفها كشفا توتاليا. وإذا حاولت سيعني ذلك أن أتطرق لأوساخ الآخرين وهذا يعني أيضًا أن أسيء إليهم حسب فهمهم وأن أوذي من أحبّ أيضًا. ولن أرتاح إذا مارست عملية التخييل والتخيل واستعملت الأسماء المستعارة، والأماكن المستعارة والزمن المستعار، وهكذا ستنتقص كتابتي لأن الرقيب الداخلي سيمارس سلطته وديكتاتوريته ولن تتحول إلى كاتب ذي خصوصية.

الكُرّ ابن الحمار سعيد بسذاجته وسعيد بخفته. هل أتخلى عن الكتابة وأمارس سذاجة كاذبة ومتخيلة؟ ما رأيك يا هشام؟ هل تقبل لي حياة الحمير يا؟

مهلا أيها الكرّ الكاذب على نفسه، أنت حمار ابن حمار، وحفيد حمار، ولا يمكن لك أن تتحول إلى فرس، بإمكانك أن تتطور إلى بغل لا يتقن الرقص ولا يتقن سباق الرياح ولن يضعوك في حلبات سباق الجمال.

عندما وصلت إلى البيت في ساعة متأخرة استوعبت أنه عليّ أن أعود حمارًا وأتحمّل عبئًا داخليًا وأعباء الآخرين الواقعيين والمتخيلين، وبذلك أكون قد استجبت لطلبك يا هشام نفاع ولكن قبل ذلك علي أن أطبّع نفسي.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>