أكيكو في المطعم وحيدًا/ رماح جبر

أكيكو بسنواته الست والثلاثين لم يختبر الحياة إلا ليومين فقط. لم يحبها كما أحبتها خالقته، أكيكو شخص مؤدّب لن يعاتب آلهته على سوء الحظ والوحدة. أكيكو سيشكرها لأنها أوجدته في هذا العالم ونقلته من الغياب إلى الحضور

أكيكو في المطعم وحيدًا/ رماح جبر

فنسينت فان غوخ، "مطعم داخلي"، زيت على قماش، 1887

فنسينت فان غوخ، “مطعم داخلي”، زيت على قماش، 1887

>

|رماح جبر|

رماح جبر

رماح جبر

الواحدة والنصف بعد الظهر. أكيكو هياتشي ينظر في ساعته مرارًا، يحدّق في الطاولة أمامه ولا يستجيب لنداءات الألوان الفاقعة التي تمرّ حوله متعلقة بأيدي بائعي الورد البلاستيكيّ الذين يدخلون المطعم واحدًا تلو الآخر، في محاولات فاشلة لبيع بضائعهم غير المرغوب بها.

المطر يبلل النافذة الكبيرة قرب طاولة أكيكو. سيغيّر رأيه في المطر، لن يحبّه بعد الآن، فهو يزيد الانتظار صعوبة. لماذا تأخرت؟ ليس من عادتها أن تفعل.

يأتي صاحب المطعم إليه بقائمة الطعام مبتسماً، يأخذها أكيكو ويبتسم: “بانتظار شخص”. يفرك صاحب المطعم ذو الأنف الكبير يديه ويذهب دون أن يقول شيئاً.

ينظر أكيكو في السّاعة ويتذكر قول ريما: “لقد توقف الناس عن استخدام السّاعة اليدوية منذ زمن، حتى إنّ الحركة التلقائية للإشارة إلى الوقت أصبحت الآن برفع الجوال عاليًا”، ثم يقوم بحركته التلقائية الخاصة، يرسم دائرة حول إطار الساعة بإصبعه الوسطى ويدور حول الإطار مراراً شارد الذهن، عيناه لا تفارقان سطح الطاولة المفروش بغطاء قديم كان أحمر اللون يوماً من الأيام.

يُفتح باب المطعم ويرنّ الجرس المعلق على الباب. أكيكو لا ينظر، لا يريد أن يخيب أمله، ثم يفشل في مقاومة لهفته فينظر للباب، لا أحد. إنه صاحب المطعم ينظف العتبة. لماذا اختارت هذا المكان بالذات؟ إنه كئيب وكريه ولا حبّ فيه، حتى إنّ صاحبه لا يطيق البقاء فيه. لماذا لم تتصل أو ترسل رسالة كعادتها إذا تأخرت؟ يضع أكيكو هاتفه على الطاولة ويرفع عينيه لتتلاقا بعيني صاحب المطعم تحدقان فيه، لا يشيح أكيكو بنظره فيخجل صاحب المطعم ويهمّ بالذهاب. يناديه أكيكو: لو سمحت “سلطة ميكس” وماء. يهزّ صاحب المطعم رأسه ويهرع إلى المطبخ. في الأثناء يصنع أكيكو أسطولاً من السّفن الورقية أمامه.

يمرّ الوقت بسرعة. الساعة في يد أكيكو هي الشيء الوحيد الحيّ في هذا المكان، حتى السلطة ميتة. يرفع الشوكة بيد وسكينًا باليد الأخرى، يطرقهما ببعضهما البعض مقلداً صوت تكات السّاعة، يضعها بغضب على الطاولة، يفحص أكيكو حسابه على الفيسبوك ويقرأ: أكيكو في المطعم وحيدًا. يغضب أكيكو، لا يأكل السلطة، يرمي الفوطة على الطاولة، يشتم صاحب المطعم في سرّه، يغادر بسرعة البرق، يقع الجرس عن الباب، يرفع صاحب المطعم الجرس عن الأرض مذهولاً.

لم تنتبه ريما لغضب أكيكو، فهي مأخوذة بفكرة الخلق الجديد، منذ أتيحت لها فرصة أن تكون آلهة.

أكيكو بسنواته الست والثلاثين لم يختبر الحياة إلا ليومين فقط. لم يحبها كما أحبتها خالقته، أكيكو شخص مؤدّب لن يعاتب آلهته على سوء الحظ والوحدة. أكيكو سيشكرها لأنها أوجدته في هذا العالم ونقلته من الغياب إلى الحضور.

أكيكو طيب القلب سيسامح آلهته على انتظاره لها في المطعم لساعات وسينسى غضبه بسرعة، منتظراً قصته الجديدة.

أكيكو هياتشي، مصور فوتوغرافي لم يلمس كاميرا في حياته، يحب الرقص والموسيقى، يهتم بأخبار العالم، سيزور الشرق الأوسط قريبًا. أكيكو متذوق للفن يتحمس للأفكار الخارقة للعادة، تفاصيل يومه متقطعة وقصيرة العمر، سيخبرها للجميع فطبيعته المرئية لا تسمح بوجود الأسرار.

أكيكو المرئيّ هو الغضب والوحدة والحبّ المفقود.

Help Akiko Hayatchi to find his friends on facebook.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. الاسلوب السردي جميل ….وفيه متعة القراءة ..

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>