هل من فرصة للمساواة؟/ رون چيرليتس

هل من فرصة للمساواة؟/ رون چيرليتس

لا أنوي تجميل الواقع، فالتمييز الحاد بين اليهود والعرب قائم في إسرائيل وهو عميق وبنيويّ، كنتيجة مباشرة لسياسات التمييز المستمرة حتى الآن… ولكن بودّي تبيان وجود اتجاه إيجابي تقوده جهات بشكل فعليّ لتقليص عدم المساواة

6163777561_749ffc90df

<

|رون جيرليتس|

|ترجمت للعربية: كفاح دغش|

رون جيرليتس

رون جيرليتس

ما من شك في أن العلاقات بين المواطنين العرب وبين دولة إسرائيل وما بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل، صعبة ومشحونة. إنّ الحديث هنا هو عن مجموعتين تختلفان تقريباً الواحدة عن الأخرى في كل شيء: الدين، اللغة، الثقافة الحضارية والهوية القومية. الغالبية الساحقة من اليهود والعرب تعيش ببلدات منفصلة وتتلقّى تعليمها عبر جهازي تعليم منفصلين أيضاً. زد على ذلك، كون الأقلية العربية مجموعة أصلانية: كانت أغلبية وأصبحت أقلية بعد النكبة في ذروة الصراع العنيف ما بين الحركة الصهيونية والعرب الفلسطينيين في البلاد. الصراع القومي ما زال قائماً والعلاقات بين المواطنين اليهود والعرب الفلسطينيين في إسرائيل هي جزء لا يتجزأ من هذا الصراع.

يعاني المواطنون العرب عدم مساواة حادًّا في شتّى المجالات. لقد خلّفت 65 سنة تمييز، من حيث تخصيص الموارد (نقل الكثير من وسائل الإنتاج والأراضي من أيدي العرب إلى اليهود خلال العقدين الأولين لقيام الدولة)، حيّزاً ميدانياً يتمتّع فيه المواطنون والبلدات اليهودية بموارد أكثر قياساً بالعرب، خاصة من حيث الأراضي والمناطق الصناعية وتلك الموفّرة لأماكن الشغل. كذلك، فإنّ التخصيص الجاري من ميزانية الدولة، وفي كافة المجالات، لم يكن في يوم من الأيام متساوياً. أمّا فيما يتعلّق بالموارد الوطنية والرمزية فلا حديث هنا عن عدم مساواة، بل عن سيطرة يهودية مطلقة على رموز الدولة وتعريفها وأيضاً، عن القبض المحكم على مفتاح دخول الدولة والحصول على المواطنة فيها، وهو أمر محفوظ فقط لليهود.

لكن وبرغم ذلك، هل من فرصة للمساواة بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل؟ باعتقادي، نعم. قبل النظر للمستقبل، تعالوا ننظر إلى الحاضر ونتساءل أي الإتجاهات هي التي تصبغ اليوم العلاقات بين العرب واليهود وبين العرب والدولة. يسود الاعتقاد بأنّ العلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل آخذة بالتأزّم والتصعيد. باعتقادي هذا خطأ؛ فمن خلال عملي طيلة السنوات الخمس الأخيرة كمدير مشارك في “سيكوي”– جمعية من أجل المساواة المدنية، صادفتُ مختلف المواقف والأفعال ذات الصلة بالعلاقات اليهودية العربية.

إنّ الأصوات والقوى والسياسات وكذلك الأفعال المعارضة للمساواة والشراكة والتي تعمل ضد المواطنين العرب، كثيرة. كما أنّ التمييز ضدّ العرب غير جديد، لكن ثمة ثلاث مزايا أساسية تسم الإتجاه السلبي الحاصل في السنوات الأخيرة. الأولى هي الشرعية السياسية: قام أفيغدور ليبرمان ببناء حملة سياسية كاملة ضد المواطنين العرب نتج عنها تعيينه وزيراً للخارجية في الحكومة السابقة. وبانضمام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إليه في أواخر 2012 ضمن قائمة مشتركة، منح بذلك الشرعية السياسية الكاملة لمن كان رمزاً وقائداً للهجمة على المواطنين العرب. من الصعب التخفيف من خطورة هذا الفعل. فقد شاهدنا خلال الكنيست السابقة موجة مبادرات تشريع معادية للمواطنين العرب، والتي دعمها أعضاء الكنيست من “يسرائيل بيتينو” ودفعوا بها إلى الأمام، بينما انضم إليهم أعضاء كنيست من “الليكود” وحتى من “كديما”. المثال الأبرز هو “قانون النكبة” الذي تمّ تمريره في الكنيست السابقة، ويُعدّ أحد أفظع القوانين في كتاب التشريعات، إذ يمنح وزير المالية صلاحية تقليص الميزانية الحكومية لهيئة جماهيرية تحيي يوم إقامة الدولة كيوم حداد. على سبيل المثال، يستطيع وزير المالية تقليص الميزانية العادية المعطاة لسلطة محلية عربية تحيي النكبة. لقد حظي هذا القانون، الموجّه مباشرة ضد المواطنين العرب، بدعم كافة كتل الإئتلاف تقريباً. (للمزيد عن قانون النكبة يُنظر “قانون النكبة”، موقع جمعية حقوق المواطن في إسرائيل).

الثانية هي، وبشكل غير مسبوق، كون مواطنة العرب بحدّ ذاتها أمراً مشكوكاً فيه، لنسمع كل صبح وعشية إقتراحات نزعها منهم: بداية من اقتراح ليبرمان بتبادل الأراضي في منطقة المثلث (ما يعني إلغاءً جماعياً للمواطنة) وانتهاءً بمحاولات سنّ القوانين من أتباع أعضاء الإئتلاف الحكومي على شاكلة “لا ولاء لا مواطنة” الذين أدخلوا للخطاب العام فكرة أنّ مواطنة العرب مشروطة بالانصياع للإجماع الإسرائيلي. إذاً، لم يعد الحديث حول مسألة هل يمكن الاعتماد على العرب أو هل يجدر تخصيص الموارد والحقوق لهم مقابل الواجبات!! (أسئلة إشكالية لكنها ليست جديدة) بل حول تصعيد حاد، في مسعى لإلغاء المواطنة بحدّ ذاتها. صحيح أنه وحتى الآن، قد فشلت محاولات المساس بالمواطنة ذاتها، لكنّ الرسالة الموجّهة للمواطنين العرب واضحة: إمّا أن تسكتوا وإمّا تفقدوا حقوقكم الأساسية كمواطنين.

الميزة الثالثة هي الهجمات العنيفة ضد المواطنين العرب. رغم الألم لفقدان الأرواح في إطار الصراع القائم بين المواطنين اليهود والعرب داخل إسرائيل (ومنهم طبعاً قتلى أكتوبر 2000 الـ 13، وآخرون أيضاً من اليهود والعرب) يمكن بالمجمل القول (وبالتأكيد وفق مقارنة دولية) إنّ ما يدور هنا هو صراع قوميّ غير عنيف ضمن سياق الصراع القومي العنيف الدائر بين إسرائيل والفلسطينيين في الضفة والقطاع. إنّ موجة الهجمات العنيفة ضد المواطنين العرب وممتلكاتهم التي جرت في السنتين الأخيرتين، كما الضحايا بالأرواح ومشاعر الخوف لدى المواطنين العرب، في ظلّ عجز الشرطة عن معالجة الأمر، كلّها مجتمعة تعكس مستويات وإتجاهات جديدة تبعث على القلق.

تنضم هذه المزايا الثلاث إلى الإتجاه قديم العهد وهو التجاهل المطلق لرأي المواطنين العرب فيما يخص الاحتلال الإسرائيلي الذي يضطهد شعبهم. يقترب الاحتلال من عامه الخمسين لكن وحين شنّت إسرائيل هجومها العنيف ضد فلسطينيي قطاع غزة في 2008-2009 وفي 2011، والتي قتل فيهما الجيش الإسرائيلي نحو 1500 من الفلسطينيين (غالبيتهم مدنيون وأطفال) لم يأخذ أحد بالحسبان حقيقة أنّ الجيش يهاجم الشعب الذي ينتمي إليه المواطنون العرب، وفي حالات كثيرة كان من الضحايا أقرباء لهم.

نعم، إنّ الجهات السياسية والاجتماعية التي تعمل على المساس بحقوق المواطنين العرب تحظى، وللأسف الشديد، بالدعم الشعبي وبالقوة غير المسبوقة داخل الحكومة، كذلك بالكنيست الحالية والسابقة وتحقق أهدافها في مختلف المجالات. لكن ومع ذلك، في الوقت عينه وفي ذات الحيّز، تعمل أيضاً جهات أخرى، قوية ومؤثّرة وكثيرة من أجل المساواة والشراكة ولتطوير العلاقات الطيبة الإنسانية والعادية ما بين اليهود والعرب. سآتي على ذكر قسم منها:

في إطار عمل جمعية “سيكوي” لتطوير سياسات المساواة، أقابل دوماً موظفين رفيعي المستوى لدى الوزارات وأتفاجأ كل مرة من جديد عند مقابلتي موظفين لا يعترفون بوجود سياسة عدم المساواة فحسب، بل يعملون على زيادة الموارد المحوّلة للبلدات العربية ولسدّ الفجوات. أقول وبمسؤولية وعن معرفة مباشرة بالموظفين، إنّها ليست حالة شاذة بل على العكس، ظاهرة آخذة بالانتشار. كما أنّ الحكومة تفعّل تشكيلة واسعة من الأدوات السياسية بغية تطوير فرص العمل للمواطنين العرب، منها الأداة الأكثر تأثيراً وكلفة وهي تقديم المعونة المالية للمعاشات لدى المشغّلين الذين يوظفون عرباً من كافة المجالات، كالهايتك مثلاً.

نرى أيضًا كبار الاقتصاديين في الخدمات العامة والجامعات وفي القطاع الخاص، يعلنون على الدوام تأييدهم لفكرة تطوير فرص عمل المواطنين العرب ودمجهم في العجلة الاقتصادية وبالتالي تقليص الفجوات. كما أنّ الصحيفة الاقتصادية الرئيسة في إسرائيل (ذه ماركر) تدير في السنوات الأخيرة حملة متواصلة ومنهجية لنفس الغرض. إضافة لعدد متزايد من أصحاب الأعمال المهمين الذي يعملون بشكل دائم عبر بذل الموارد الشخصية والتنظيمية، بغية دمج المواطنين العرب في الشركات التي يملكونها أو في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد. جميع هؤلاء ينضمون للنشاطات الحثيثة التي تقوم بها منظمات العمل المدني لبناء مجتمع مشترك تسود فيه المساواة، لزيادة مهنية المنظمات وزيادة قاعدة الدعم لها ولنشاطاتها المختلفة. تجدر الإشارة لدور العمل الخيري اليهوديّ، خاصة المنظمات اليهودية من أمريكا الشمالية والتي هي بقلب الخارطة السياسية وتعمل من أجل المساواة، فتحوّل المزيد من الموارد للمنظمات العاملة على تقوية المجتمع العربي بإسرائيل. مؤخراً، جاءت البشارة من مجال الموارد الرمزية بإعلان جامعة حيفا عن أيام عطل عامة في قسم من أعياد العرب.

نحن أمام إتجاهين متناقضين داخل المجتمع الإسرائيلي: إتجاهات تدفع نحو المساواة وأخرى تعارضها؛ واحدة تسعى لخلق مجتمع مشترك ولتحسين العلاقات اليهودية العربية وأخرى تدفع نحو الإنفرادية والتقوقع ثمّ تأزيم العلاقات

إنّ نشاط موظفي الحكومة وواضعي الرأي العام فيما يتعلّق بتطوير المجتمع العربي ومساواته، لا يتمّ في الفراغ بل يلقى الدعم الشعبي. ثمّة استطلاع مواقف شامل أجرته جمعية “سيكوي” قبل بضع سنوات بيّن أنّ غالبية المواطنين اليهود (74%) يعترفون بحقيقة التمييز والإجحاف اللاحق بالمواطنين العرب، وأنّ 60% من اليهود يرون بالعمل على مساواة المواطنين العرب، مصلحة للدولة. (للمراجعة- نهاد علي وشاي عنبار، تحرير: رون چيرليتس وياسمين هليڤي، مَن مع المساواة؟ – المساواة بين العرب واليهود في إسرائيل:  تلخيص بحث المواقف، القدس، حيفا: جمعية سيكوي 2011). نحو 40% من اليهود مستعدون لقبول خطة لتقليص الفجوات حتى لو كانت تضرّ بهم شخصياً، أي أنهم يعلنون استعدادهم لدفع الثمن الشخصيّ من أجل ذلك. كما بيّن البحث أنّ غالبية الجمهور اليهودي تدعم دمج المواطنين العرب اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً (70%، 52% و65% وفق الترتيب السابق).

بفضل نشاط هذه الجهات كلّها طيلة السنوات الأخيرة، نحن نشهد تقلّصاً متواصلاً في الفجوات ما بين اليهود والعرب، في المجال المادّي بالتحديد. وتيرة التقليص بطيئة جداً، لكن الإتجاه واضح بل أوسع. حصل تحسّن ملحوظ بعدد من المجالات، من حيث الميزانيات المخصصة للمواطنين والبلدات العربية، منها على سبيل المثال: مِنَح الموازنة للسلطات المحلية، ميزانيات أجهزة التعليم والرفاه وكذلك خدمات المواصلات العامة. نسبة النساء العربيات العاملات تضاعفت من 10% سنة 1990 إلى 22% سنة 2011. كما ارتفعت نسبة العرب في سلك الدولة من 5% سنة 2003 إلى 8% سنة 2012 وهو ارتفاع بنسبة 60% في أقلّ من عقد. أمّا في السنوات 2009-2013 فقد انخرط أكثر من 1000 عامل عربيّ بصناعة الهايتك، الأمر الذي يكاد يكون سابقة.

من الجدير ذكره، وجود مجموعة من أصحاب الأعمال العرب البارزين والتي تقود في السنوات الأخيرة نشاطاً جدياً ومثمراً من أجل إعلاء المكانة الاقتصادية للعرب في إسرائيل. إنّ هؤلاء الأشخاص مثل: طارق عواد وعماد تلحمي وسامر نخلة وتميم ياسين وغيرهم، لا يعملون فقط على تطوير مصالحهم وأعمالهم الخاصة بل أيضاً مقابل المؤسسات الحكومية بغية تحقيق التنمية الاقتصادية للمجتمع وللبلدات العربية.

ما من نيّة لديّ في تجميل الواقع، فالتمييز الحاد بين اليهود والعرب قائم في إسرائيل وهو عميق وبنيويّ، كنتيجة مباشرة لسياسات التمييز المستمرة حتى الآن، علماً بأنّ جلّ التقدّم هو في المجال المادي وليس في مجال الموارد الرمزية. ومع كل ذلك، بودّي تبيان وجود إتجاه إيجابي تقوده جهات تكدّ وتنجح بشكل فعليّ في تقليص عدم المساواة. تجدر الإشارة هنا إلى الإبراز الذي يحظى به الإتجاه السلبي في الإعلام العبري وأكثر منه في الإعلام العربي. الأمر الذي يؤثّر على المجتمع الإسرائيلي عامة وعلى المجتمع العربي خاصة.

إذاً، نحن أمام إتجاهين متناقضين داخل المجتمع الإسرائيلي: إتجاهات تدفع نحو المساواة وأخرى تعارضها؛ واحدة تسعى لخلق مجتمع مشترك ولتحسين العلاقات اليهودية العربية وأخرى تدفع نحو الإنفرادية والتقوقع ثمّ تأزيم العلاقات. هذان الإتجاهان قائمان في الحلبة العامة الجماهيرية وأيضاً السياسية، وثمة رابط فيما بينهما- إنهما يتغذيان الواحد من الآخر. في اعتقادي، وجود القوى السلبية والهجوم على المواطنين العرب هما نتيجة لزيادة قوة المجتمع العربي وبوادر انخراطه في مراكز القوة والاقتصاد والمجتمع وبمثابة ردّة فعل عليهما.   

عندما كان المواطنون العرب مستضعفين ومهمّشين كلياً، لم يشكّلوا تهديداً للسيطرة اليهودية. بطفولتي في سنوات السبعين، كولد يهودي لم تطأ قدماه البلدات العربية، لم أرَ العرب إلاّ كعمال كادحين في البستنة والبناء. الآن، تغيّر الحال تماماً: حين يدخل المواطن اليهودي إلى الصيدلية سيرى هناك في الغالب ودوماً صيدلانياً عربياً؛ وإن اضطر للوصول لغرفة الطوارئ بمنتصف الليل، سيعالجه على الأغلب طبيب عربي؛ وإن اتصل لمركز اتصالات صندوق المرضى أو شركة الكوابل كثيراً ما سيكون مقدّم الخدمة عربياً؛ وإن لم يكن راضياً من الخدمة وطلب التحدّث مع مدير الوردية، سيجده عربياً أيضاً بمعظم الحالات؛ وإذا كان عنصرياً بما فيه الكفاية وطلب التحدّث مع مندوب يهودي سيجد أن ثمة تعليمات تحظر الاستجابة لطلبه. في الجامعات، نجد اليوم محاضرين عرباً يدرّسون الطلاب اليهود، وأحياناً رئيس قسم وحتى رئيس كلية، من العرب. سبق وكان لدينا مدير عام لوزارة ووزير من العرب (وزير العلوم والثقافة والرياضة ومدير عام وزارة الداخلية). تنعكس رمزية الوضع الحالي في حقيقة أنّ قوة العرب الصاعدة ليست حاضرة أمام عينيْ الإنسان العادي البسيط إنما أمام رئيس الدولة حتى: لقد حوكم الرئيس “كتساڤ” من قبل هيئة قضاة برئاسة قاضٍ عربيّ، وهو الذي أدانه بالإغتصاب وأدخله السجن لسنين طويلة.

في هذه الأيام، لم يعد اليهود بإسرائيل في المراتب الأعلى دوماً، من حيث التدريج والتقسيم أو الأولويات وهذا ما يقلب الأمور ويحرّك السواكن. اليمين القومويّ يخشى كثيراً من تصدّع سيطرة اليهود المطلقة ومن زيادة قوة المواطنين العرب فيهبّ للفعل المضاد. وعلى عكس العديد من الجهات الفاعلة في اليسار ولدى الجمهور العربي والتي تستهتر بانخراط العرب اقتصادياً واجتماعياً، قد تُحسِن الجهات اليمينية تشخيص الطاقة الكامنة في هذا الانخراط، فيتفاعلون معه عبر التحرّك بغية إيقاف هذه العملية الخطرة بالنسبة لهم ومن خلال تقليص حقوق العرب. لكن الأمر عبارة عن ردّة فعل مضادة، فلو كان العرب ما زالوا كادحين فقط لما سارع نواب اليمين للحد من حقوقهم، تهديدهم بالمواطنة ومحاولة تعطيل عمليات انخراطهم في الحياة الاقتصادية.

إنّ الهجمات المتلاحقة على المواطنين العرب سيئة للغاية وغير ديمقراطية وخطيرة، لكن تدلّ قوتها- ولعلّها النقطة الرئيسة- أيضاً على القوة وعلى النجاح الذي حققه المجتمع العربي والقوى الإيجابية لدى عموم المجتمع الإسرائيلي الفاعلة من أجل المساواة والشراكة.

الآن، من غير المفضّل تجاهل الإتجاه الإيجابيّ. وقد ادّعينا ذلك سابقاً أيضاً، في مقال كتبته مع باتيا كالوش (رون جيرليتس وباتيا كالوش، “موقف خطير“، موقع “كلّ العرب” 2012).  لأنه حتى في ظلّ هذا التمييز الواسع والمنهجي قد يتمكّن هذا الاتجاه، خاصة لو استمرّ وتعاظم، من إحداث تغيير كبير جداً. سيشكّل هذا الإتجاه القاعدة لبناء مجتمع مشترك متكافئ للعرب واليهود كما سيقوّي مكانة المواطنين العرب اجتماعياً واقتصادياً بشكل يتيح لهم نقطة انطلاق أفضل أيضاً في مواجهة المسائل القومية الكبيرة. ومن المحبّذ مواصلة حثّ كافة الجهات الفاعلة من أجل تقليص الفجوات (لدى المجتمع المدني والإعلام وبشكل خاص لدى الوزارات) وتزويدها بالأدوات اللازمة لاستكمال هذه السيرورة. لا بدّ أيضاً من تصعيد النضال ضدّ الإتجاه السلبيّ وفي جميع الميادين والحلبات، بما فيها الدولية. لأنه لا بدّ للعنصريين وممارسي التمييز والإقصاء وكذلك المتعاونين معهم، أن يدفعوا الثمن.

أيّ الإتجاهين سيحدد مستقبل العلاقات اليهودية العربية؟ هل نتجّه صوب تنظيم العلاقات وتليين التوتّرات؟ صوب المساواة والشراكة؟ أم، معاذ الله، صوب تأزّم العلاقات أكثر وبالتالي مواجهة؟ حقاً لا أعرف! ثمّة صراعات إثنية شديدة وعنيفة أكثر شهدها التاريخ وقد حُلّت، وصراعات أخرى ظنّوا أنها هادئة تدهورت لحمامات دمّ. أنهي بما قاله المواطن العربي، المحاضر في قسم القانون بجامعة تل أبيب، د. رائف زريق: “لا ينبع تفاؤلي من الاعتقاد بأنه بالإمكان حلّ شيفرة خطة التاريخ الخفية أو تسريع تطوّرها. إنّ تفاؤلي أكثر تواضعاً: فهو لا ينبع من تحديد تحليليّ واضح، بل من التجربة التاريخية. تعلّمنا التجربة أنه توجد أحياناً، فقط أحياناً، قصص تاريخية لها نهاية سعيدة. كما تعلّمنا التجربة أنّ هذه النهاية ليست وليدة الصدفة، بل كان هناك أشخاص كدّوا وتعبوا من أجل الوصول إليها… ولا بدّ لنا إلاّ أن نتذكّر: كما أنّ النجاح غير مؤكّد، فإنّ الفشل أيضًا غير مؤكّد” (رائف زريق، “عن المعارضة والآمال“. موقع “إيرتس هأموري”، كانون الأول 2012).

(الكاتب مدير مشارك لـ “سيكوي”- جمعية من أجل المساواة المدنية. خبير في السياسات الحكومية إتجاه المواطنين العرب)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>