إسرائيل طردتهم من الجنة/ تغريد عطا الله

إسرائيل طردتهم من الجنة/ تغريد عطا الله

تنوّعت ردود مشاهدي هذا العمل بين الضحك والبكاء، مثلما هي حال طبيعة السياق الدرامي للفيلم، وجاءت الانطباعات مؤيّدة للصدق الذي يغمر ثنايا العمل

Roshmia Poster (1)

.

|تغريد عطا الله|

taghreed-qالأرض هي فلذة كبد الفلسطيني فعلًا ! خلاصة معرفية يُعيد التذكير بها المخرج الفلسطيني سليم أبو جبل من خلال فيلم “روشميا”، الذي يروي حكاية مسنين فلسطينيين يعيشان حياة فلسطين العتيقة، ويكتفيان بالعيش من ثمار أرضهما الصغيرة في وادي روشميا في مدينة حيفا المحتلّة، لكنّ يد البطش الإسرائيلية تنتزع منهما راحة البال تلك وتبدأ مساومتهما على الأرض مقابل المال. في البداية يرفض ربّ العائلة الخروج من أرضه، لكنّه أخيرًا ينصاع للأمر الواقع!

ما يُميّز هذه التراجيديا هو قالبها الروائيّ الذي يُلغّم التجربة بالتفاصيل البطيئة جدًا والتلقائية الصادقة بما يُوحي للمشاهد بأنّ شخصيات الفيلم لا تدري أصلًا بوجود آليات تصوير في المكان، في حين لعبت المؤثرات الصوتية الطبيعية دورًا في تأكيد هذا الانطباع. إلا أنّ تشبيع اللقطات الأولى بالقتامة والبؤس الشديديْن تسبّب بالشعور بالنفور تجاه متابعة مشاهد الفيلم، لكن وبمجرد أن تندلع المناكفات بين الزوجين حول مصيرهما بعد ترحيلهما من المكان، يتحوّل السياق الدرامي إلى كوميديا سوداء مبطنّة وعميقة تتمثّل في امتناع الزوج عن التفكير بأيّ خيارات تجعله يُغادر أرضه، في حين تتصرف الزوجة بواقعية وتطالبه بالتفكير بمكان يأويهما! لكنهما ورغم كل تلك المناكفات يُصرّان على الاستمتاع بجنتهما الخاصة المكتفية بضوء الشمس لا ضوء الكهرباء، ويتناولان الفاكهة بتلذّذ شديد، وكأنهما ينسيان همومهما في تلك الفاكهة؛ يحتسيان القهوة والشاي ولا ينسيان التعبيق معًا بسجائرهما في فضاء بيتهما، حتى تبدو لحظة إشعال أيّ سيجارة لهما كأنّها موسيقى منفردة من نوع آخر!

في حين لم ينتهِ الفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم لمهرجان دبي السينمائي بمجرد هدم البيت كما يحدث فعلًا في اللحظات الختامية، والسبب أنّ المخرج الشغوف بالمراقبة والتأمّل الشديديْن حتى اللحظة يُتابع هذه القصة، كونه يجدها تُمثّل صورة لمدى الالتصاق الشديد بالأرض. المفاجأة الدرامية فعلًا وقعت حينما انفجرت الزوجة بالضحك لدى مشاهدتها زوجها يظهر للمرّة الأولى عبر شاشة التلفاز، الاختراع الذي لم يعترفان به يومًا في بيتهما الصغير المغدور وكانا يكتفيان بالمذياع لمعرفة أخبار العالم. لقد تنوّعت ردود مشاهدي هذا العمل بين الضحك والبكاء، مثلما هي حال طبيعة السياق الدرامي للفيلم، وجاءت الانطباعات مؤيّدة للصدق الذي يغمر ثنايا العمل أكثر من القصة والشخصيات أو أيّ تفاصيل أخرى.

(غزة) 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>