الهزيمة اسمها فهلوة!/ سعد أبو غنام

يرى العظم أن نمط الشخصية الفهلوية سائد في المجتمع العربي وهو في الغالب يؤدي إلى التخلف الاجتماعي والابتعاد عن التفكير العلمي وهو السبب في الهزائم المتلاحقة التي مُني بها العرب على جميع الأصعدة

الهزيمة اسمها فهلوة!/ سعد أبو غنام

.

|سعد أبو غنام|

في بحثه عن أسباب هزيمة العرب الساحقة في حرب الخامس من حزيران عام 1967، يتجه الباحث والناقد السوري الدكتور صادق جلال العظم (ولد في دمشق سنة 1934) إلى بنية المجتمع العربي، ويؤكّد أنّ التخلف الاجتماعيّ يضرب عميقا في جذور العقل العربي ممّا يساهم دومًا في حدوث الهزائم المتتالية.

ويؤكد العظم في كتابه “النقد الذاتي بعد الهزيمة” (دار الطليعة, 1968) أنّ الخلل يكمن في الشخصية القومية للإنسان العربي. ولإيضاح ذلك لجأ العظم في كتابه إلى نظرية أرسى قواعدها باحث علم الاجتماع المصري المعروف حامد عمار، الذي ربط المنطق التبريري العربي بنمط من السلوك الاجتماعي أطلق عليه “الشخصية الفهلوية”. وهذا النمط هو أنموذج له خصائص وأنماط سلوك وردود فعل ومشاعر وتصرّفات معينة تميز الأفراد في بيئات اجتماعية معينة قد تزيد وقد تنقص من فرد لآخر، وفقا للظروف والأوضاع الاجتماعية (صادق جلال العظم, 1968, ص 70).

وبحسب العظم، فإنّ هذا النمط من السّلوك -أي “الشخصية الفهلوية”- هو الذي أدّى إلى هزيمة الخامس من حزيران والى الهزيمة الدائمة أو المفتوحة للعرب.. لعدة قرون خلت. ويطور العظم موضوع بحثه من خلال طرح عدة أحداث تخللت حرب حزيران ولها دلالات واضحة على تسبب خصائص الشخصية الفهلوية في خسارة الحرب.

وأنا في هذا المقام لست بصدد تحليل أسباب تلك الهزيمة أو غيرها من الهزائم, ولست بصدد كتابة مقالة ذات طابع عسكريّ أو استراتيجيّ، وإنما رغبت في الاستئناس بتحليلات العظم حول خصائص الشخصية الفهلوية ومحاولة التذكير (على الأقل) بأنّ هذا الأنموذج الفهلوي (أو الفهلوة!) ما زال حيًّا يرزق بيننا في المجتمع العربي. ولإلقاء الضوء على الموضوع سأورد بعض خصائص النمط الاجتماعي للشخصية الفهلوية.

1. إزاحة المسؤولية وعدم تحمل تبعات اتخاذ المواقف في الأوقات المناسبة والتهرب من اتخاذ القرارات والتملص من المسؤولية وهذا ما فعله (بحسب العظم) الضباط المصريون في بداية حرب حزيران، وذكر هؤلاء الضباط أنهم لم يتلقوا أوامرَ من القيادة ولهذا لم يتخذوا أيّ موقف أو قرار في أكثر اللحظات حرجًا.

2. البحث عن أقصر طرق النجاح، لا بل التحايل من أجل الوصول لهدف ما؛ هكذا يتصرف الطالب الجامعي العربي مثلا فلا يجدّ ولا يجتهد ويتكئ على جهود الغير, وهذا الطالب يستهزئ بالزميل البائس المنعزل الذي يدرس ليلَ نهارَ من أجل فهم دروسه وتحقيق هدفه بطرق مشروعة. هذا ما ذكره العظم في تحليلاته (اعتمادا على دراسة الدكتور حامد عمار للشخصية الفهلوية) ولكن هذه الظاهرة منتشرة وبكثرة اليوم خاصة عن طريق استعمال الأكاديميين في المجتمعات الأكاديمية العربية للشبكة العنكبوتية.

3. الاهتمام الزائد بالتقاليد التي تثقل كاهل المجتمع وتحول دون إدخال إصلاحات جذرية فيه، وتفضيل الروابط القبلية والعائلية على روابط أخرى (قومية, دينية, وطنية) بحيث نرى في هذه العلاقات خضوعا تاما من الأبناء للأب أو زعيم القبيلة إلى درجة فقدان الأبناء (الأجيال الشابة والأكاديميين) لشخصياتهم واستقلالهم وانسياقهم شبه الأعمى لمشيئة الحرس القديم.

4. الشخص الفهلوي يعرف كل شيء! فعندما يُسأل عن أيّ موضوع حتى وإن لم تكن له به علاقة لا من بعيد ولا من قريب، تراه يصول ويجول ويسهب, ويشرح وينظر حول موضوع لا يفقه فيه شيئا.

5. الفهلوي ما أن يطلب منه شي, أي شيء، تراه يضرب على صدره (وصلت!) ويؤكد أنه سيدبر كل أمر؛ فهو قادر ومتمكن ولا يعيقه عائق عن تنفيذ ما يطلب منه..

6. ومن صفات الشخصية الفهلوية الحماس الشديد والاندفاع العنيف والاستهانة بالصعاب في بداية الطريق ثم الهبوط المفاجئ في الهمة والتراخي وانطفاء الحماس والتراجع عندما يتبين للفهلوي أنّ الأمر يحتاج إلى الجدّ والعمل والمثابرة والعمل المنتظم والنفس الطويل.

  1. الاستخفاف بالآخرين والتحقير من شأنهم وتأكيد الذات والتركيز عليها وانعدام روح الفريق في العمل.

في ضوء ما ذكر من صفات الشخصية الفهلوية يرى العظم أن هذا النمط سائد في المجتمع العربي وهو في الغالب يؤدي إلى التخلف الاجتماعي والابتعاد عن التفكير العلمي وهو السبب في الهزائم المتلاحقة التي مُني بها العرب على جميع الأصعدة (العسكرية, العلمية, الثقافية, الاقتصادية..) وعلى الرغم من التغيرات التي طرأت على علم الاجتماع في السنوات الأخيرة والنقد الذي واجهته هذه النظرية (الشخصية الفهلوية) من عدة اتجاهات وتيارات فكرية وعلى أنها نظرة يشوبها شيء من الاستشراق والتعميم في تحليل شخصية العربي على أنها شخصية تتبع لأنموذج واحد لا متغير وجامد, كأنّ شخصية العربي الذي ولد وترعرع في بيروت هي نفس الشخصية التي نمت وكبرت في المملكة السعودية, ورغم أنني اتفق مع بعض هذا النقد الموجه لأنموذج الشخصية الفهلوية، إلا أنني اعتقد أنه لو نظر الواحد منا يمينا أو يسارا  لرأى ولسمع الكثير, الكثير.. من الفهلويين والفهلويات وهؤلاء يساهمون بقوة في ترسيخ الهزيمة الحضارية والثقافية والتربوية التي نعانيها في مجتمعنا العربي في البلاد (والمجتمعات العربية بشكل عام وان كان بشكل نسبي ومتغير في الأمكنة والظروف المختلفة).

في ضوء ما ذكر أدعو إلى تأمل الأفكار والمساهمات التي طرحها صادق جلال العظم من جديد. فرغم قدمها وما طرأ من اجتهادات نقدية جديدة، إلا أنها كفيلة بتفسير بعض أسباب تخلفنا عن الركب وفساد أمرنا في هذه الديار!

(الكسيفة)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>