ماذا لو كنا أشباحًا/ سمر عبد الجابر

ننشر هنا نصوصًا من ديوان “ماذا لو كنّا أشباحًا” للشاعرة الفلسطينية سمر عبد الجابر الحاصل مؤخرًا على جائزة عبد المحسن القطان للكاتب الشاب في حقل الشعر للعام 2012

ماذا لو كنا أشباحًا/ سمر عبد الجابر

كيتي رمضان، "مناسبة للتأمل 2"

.

|سمر عبد الجابر|

عن الموتى

ينهضون متى شاؤوا

لا يمنعهم ترابٌ أو عشبٌ أو حصى

يمشون ببطءٍ إن أرادوا

كما لو يقومون بنزهةٍ 

إلى حديقةٍ أو شاطئ

أو يتنقّلون أسرع من الضّوء

إلى حيث يريدون

*

أحياناً في اللّيل

نسمع طرقةً خفيفةً

على خشب طاولةٍ

أو مكتبةٍ

أو سرير

أحياناً

لمبة الغرفة تبدو أكثر شحوباً

والحيطان باهتة البياض

*

يتجوّلون في النهار أيضاً

لكنّنا لا ننصت جيّداً

ويكون ثمّة ضوءٌ كثير

*

يخترقون الحيطان

والأبواب المغلقة

والرؤوس..

أحياناً حين نصحو

نحاول أن نتذكّر أكثر

لكنّ أثرهم خفيفٌ

كخطواتهم

ولا يطيلون البقاء.

.

عن الوداع

العناقات لا تكفي أحياناً

ولا الكلام الكثير

ولا الصمت الكثير

الذي، مثقلاً بالقلق من الآتي،

يلقي بنفسه فوق الصدور

كصخرةٍ عملاقةٍ سقطت من علو

كصندوقٍ حديديّ ألقي في بحر

والدموع لا تنفع كذلك

ولا الملامح الغائمة التي،

في اللحظات الأخيرة،

تصنع شكل الوجوه

ولا شيء يبقى

سوى ذلك النقصان

الّذي بعد ثوانٍ سيملأ المكان

كبابٍ يغلق على مهلٍ

كمقعدٍ فارغٍ في مقهى

كسيّارةٍ تدير محرّكها

وتمضي بعيداً بعيداً.

.

لكنّ المطر في حيفا

مطرها يثير فيّ حزناً شديداً

إذ يصعب،

مهما حاولت إقناع نفسي بأن رائحته على الطرقات

تتشابه في كل المدن،

يصعب أن أتخيّل ذلك حقّاً

أو أن أصدّقه

لأنّي لم أكن يوماً وراء تلك النافذة

ولم يكن مطرٌ فوق ذاك السقف

في ذاك المنزل

الّذي لم أدخله أو أغادره ذات صباح

وكم يصعب أن أتخيّل

لأنّ روح المدينة في الشتاء

يشعر بها أولئك الجالسون قرب مدفأة

ينصتون بصمتٍ إلى هفيف الرّياح

وأولئك الّذين يعودون إلى منازلهم مبلّلين

وأولئك الّذين، تحت ملاءاتهم الدافئة،

يتأففون من رنّة منبّهٍ يوقظهم في صباحٍ بارد

وأولئك الّذين يعرفون الطرق الأقلّ خطورةً

حين تشتد العاصفة

وأولئك الّذين يعرفون جيّداً

كيف تكون رائحة الطرقات

حين يهطل المطر في حيفا ذات صباح.

.

جدّي

يصحو أحياناً

منتصف الّليل

معتقداً لوهلةٍ أنّه في ذاك المنزل

الواقع في شارع الحاج عبدالله أبو يونس

في حيفا

*

ذاك المنزل نفسه

منذ اثنين وستّين عاماً 

كلّما سمع وقع أقدامٍ في الخارج

يحسبها لجدّي.

.

لو أعود بالزمن

لو أملك أن أعود بالزمن

لمررت قرب المقهى نفسه ذاك الصباح

دون أن ألتفت إليك

ذاك الصباح

حين وقعت في الحب فجأةً

كما وقعت “أليس”  في حفرةٍ عميقة

وكنت أجهل

مثلها تماماً

أنّي سأواجه وحشاّ – ألماّ

ذا عشرات الأيدي

الممتدّة نحو عنقي الضّعيف.

.

ماذا لو كنّا أشباحاً

الّذين يقولون أنّهم يرون أشباحاً أحياناً

هل حقّاً

يرون أشباحاً أحياناً؟

*

لماذا نتخيّل دائما أن لون الأشباح أبيض أو أسود؟

لماذا لا تكون الأشباح ملوّنة؟

*

هل للأشباح حياةٌ خاصّةٌ بها؟

هل لها وظيفة

غير أن تخيفنا؟

*

ماذا لو كنّا أشباحاً

يرانا آخرون من عالمٍ موازٍ

يروي بعضهم حكايات عنّا

يحسبها بعضهم الآخر كذباً

*

بي رغبة لأن أذهب إلى غابةٍ مع مجموعة من الأصدقاء

متحلّقين حول النار

نروي قصصاً عن الأشباح

*

بي رغبةٌ لأن أصبح شبحاً.

.

متى تنتهي الحفلة؟

أكتب في رأسي

أشياء كثيرة

ولا أدوّنها

*

لو أنّك فقط قلت لي شيئاً قبل أن تمضي

لو أنّك فقط

نظرت في عينيّ

*

ولا يكفي الكلام عن الحنين

لوصف الحنين

*

رغبة بتهجئة الكلام

لطفلةٍ جميلة

*

الطفلان اللذان كنّاهما ذات يوم

كبرا في حياةٍ أخرى

وكبر حبّهما

وتزوّجا في احتفالٍ هادئ

على قمّة جبلٍ

وأنجبا الكثير من الأطفال

*

كم مرّة يمكن أن يُكسر القلب

قبل أن يسكت تماماً؟

*

في الحفلة

لكن وحدي

*

وسأشير بإبهامي إلى أعلى

وأقول:

بعض الموسيقى الهادئة

لو سمحت

*

أتذكرك بشغفٍ

كأنّنا لم نلتقِ

قبل قليل

*

مجدّداً

رغبة بالانتقال إلى مدينة جديدة

*

رغبة بالموت

فقط فضولاً

لمعرفة سبب الوجود

*

رغبة بالطيران

إلى أقصى الأعالي

ومراقبة صمت العالم

من بعيد

*

ثقيل على قلبي

السّر

الّذي لا أستطيع الاعتراف به لأحد

*

يا لحزن

الّذين لم يعد يتّسع لأعمارهم

قالب الحلوى

*

الحبّ سكّر الروح

*

رغبة بشراء فستان أحمر قصير وضيّق

كما كيم أدونيزيو في قصيدة “ما الّذي تريده النّساء؟”

*

أحاول أن أتذكّر لقاءنا

كما لو أحاول تذكّر حلمٍ

نسيته إذ استيقظت

*

وفي تمام السّاعة العاشرة

نسيتك

*

فلنحتفل

كأن لا حروب في العالم

كأن لا مآسي

*

رغبة بالتحديق في هذه الشمعة

حتّى الصّباح

*

الوجوه المبتسمة على وسعها للكاميرا

تعود إلى شكلها الطّبيعي

بعد لمعة الفلاش

*

وعدت ميثم قصير

بأن أكتب قصيدة عن البلاكبيري

وأهديها إليه

لكنّي كلّما هممت بفعل ذلك

قاطعني بمحادثة على البلاكبيري

*

فلنحتفل على صوتٍ منخفض

*

وحين لم تجب على رسالتي

قرّرت أن أنهي القصيدة

لأنّك لا تستحقّ كلمة أخرى

*

أجمل ما في الشعر كذلك

أنّك تستطيع، مجازاً،

إنهاء قصيدة في نصفها

*

لماذا الموسيقى الصّاخبة

تجعلني أكثر حزناً؟

*

متى سوف أرتكب الأخطاء

من دون أن أبالي؟

*

لو تهبط مركبة فضائية أمام المنزل الآن

لنسيتك فوراً

*

متى سوف تنتهي الحفلة؟

*

أقف خارج الصّور

الّتي سيحتفظون بها

كذكريات من الحفلة

*

رغبة بأن أصعد في رحلة إلى القمر

*

رغبة بمشاهدة توم أند جيري

طيلة الّليل

*

الاتفاق على ارتكاب الخطيئة

خطيئة كذلك

*

أليس قتلاً عن عمد

أن تدعوني إلى تدخين سيجارة؟

*

القلب الميت

لا يمكن أن يموت أكثر

*

هل سوف تنتهي هذه الحفلة؟

*

أقدّسها

دمعتك الّتي سقطت

في وسط الحفلة

*

هل حقّاً

على ما يرام؟

أم أدّعي ذلك؟

*

واقف على بعد نصف مترٍ منّي

لكنّك بعيدٌ بعيد

*

كم أتمنّى لو كنت أنا

مكتشفة النسبيّة

*

ابحثوا عنّي

تجدوني بسهولةٍ

أنا الفتاة الصّامتة في الحفلات

*

محزن أن تكتبي قصيدة حزينة

في حفلة

*

هل كنت لأكون أكثر حزناً

لو كنت الآن عامل بناءٍ

في قريةٍ بعيدة؟

*

هل تجدي

محاولة تأريخ الّلحظات السّعيدة بالصّور؟

*

اللحظات الحزينة

يؤرّخها القلب

*

شمعة

لأرواح الّذين ماتوا هذا اليوم أيضاً

*

نهاية الّليل

رحمة أحيانًا

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>