نَشِيدُ الشَّمْس والثَّوْرَة/ سامر خير

كُلّما ضَيّقُوا الأرضَ أرضِي علَيَّ/ حَفرتُ عَميقًا لِأَغرِزَ في قَلْبِها قَدَمي/ كُلَّما خَنَقوُا جَذوَتي بالهواءِ القليلِ/ عَصفتُ كَريحٍ حُشاشتُها قَلَمي/ كُلَّما علَّقوا عِقْدَ مِشْنَقَتي الذَّهَبيَّ/ لأَخْلُصَ مِن غَضبي/ ولأَخْلُصَ مِن أَلمي/ قُلتُ لا

نَشِيدُ الشَّمْس والثَّوْرَة/ سامر خير

|سامر خير|

>

سامر خير

جِئتُ مِصْرَ أُغَنّي

لِشَبابِ الحقيقةِ والْحَقِّ لا لِكُهُولِ التّمَنّي

للّذين أراقُوا مَخالِبَ ظُلّامِهِمْ

بِفَراشِ أصابِعِهِم

لا بِنَدْبٍ وَحُزْنِ..

وبأَقْدامِهم وَصَلُوا، لا بأحلامهِم

لِبدايةِ هذا الطّرِيقْ

.. يا لَهذا الصَّباحِ الطَّليقْ

مِنْ زَمَانِ التَّجَنّي

لا عُبُودِيَّةٌ بَعْدُ تَحْتَ سَماءِ خُطاكُم

وَلا أرْؤُسًا بَعْدُ نَحْني

لِفانٍ. ولا صَنَمًا بَعْدُ نَبْني

فوقَ جَهْلِ العَبِيدِ

وفَقْرِ العبيدِ

وخَوْفِ العبِيدِ

لِيَقْتُلَ فِينا ويَسْرقَ مِنّا وَيَزْني

..

لا عُبوديَّةٌ بَعْدُ تحتَ سماءِ خُطاكُم

لا سِيادةَ في مَنْ سِواكُم

أراكُم كَأنّي حَلمتُ بِكمْ قَبْلَ نَهرَيْنِ مِنْ أَلمٍ

وسَماءيْنِ مِنْ أَمَلٍ

هَلْ تُراكُم خَرَجْتُمْ مِنَ الْحُلْمِ قَبْلَ يَدي

وخَرَجتمْ على الظُّلمِ مِثلَ غَدي

يا لَهذا الصَّباحِ النَّدِي

يا لَهذا الصَّباحِ الّذي بِحَياتي وآخرَتي

أفْتَدي

وبِلَمْحِ شَذى بَسْمةٍ مِنْهُ في وَجْهِ طِفْلٍ

أبيعُ سِني العُمْرِ

والمَوتِ والبَعْثِ

بَعْدَ انقِضاءِ الزّمانِ الرَّدِي

كُلُّ ما مُتُّ مِن أَجلِهِ يبْتَدِي

كُلُّ ما عِشتُ مِن أَجلِهِ يَبْتَدي

..

مَعَكُمْ كُنْتُ

مَنْ لا يَرى جُثَّتي وَدَمي في المَيادِينِ كاذِبْ

مَن لا يَرى صَرْخَتي وَفَمِي في الرَّياحِينِ كاذِبْ

مَنْ لا يَرى عَدَمِي هَادِرًا مِلْءَ كُلِّ وُجُودِ الظَّلامِ

كَزَوْبَعَةٍ مِن كَواكِبْ

ألْفُ كاذِبْ

مَعَكُم كُنْتُ

سَمحًا وغاضِبْ

أَتَحَدّى شِباكَ العَناكِبْ

أتَصَدّى لِمنْ يَتَعدّى حُدودَ الشُّعوبِ

وَما هُوَ غالِبْ

إنَّما الشَّعْبُ غالِبْ

..

مَعَكُمْ كُنْتُ

في حُزْنِ عاشِقَةٍ.. دَمْعَها. كنتُ

خَفْقَةَ أجنحةِ القَلْبِ عِنْدَ اشْتِهاءِ الشَّهادَةِ. كنتُ

عَناقيدَ مِن مَطَرٍ تَتَدَلّى على سَفَرٍ في صَحاري الصُّخُورِ

وَكُنْتُ طَناجِرْ..

إنّهُ لَيُشَرِّفُني أن أكونَ طَنَاجِرَ تَحْمي رُؤُوسَ النُّسُورِ

وَعُشْبَ الحَناجِرْ

إنَّهُ لَيُشَرِّفُني أن أكونَ مَنادِيلَ تمسَحُ عَنْ أوْجُهِ الثَّائِرِينَ النَّدى

وَقَنادِيلَ تَكْسِرُ صَخْرَ الدُّجى والرَّدى

في مُظاهرةِ الثّائِرينَ الأَزاهِرْ

ثائِرينَ سِلاحهمُ الشَّمسُ

دونَ رصاصٍ وَنارٍ

ودُونَ خَناجِرْ

..

مِنْ فلسْطِينَ جِئْتُ

وَبي لَوعَةٌ لا تُهاجِرْ

جَبْهَتي اسْمَرَّ أوْسَطُها مِن سِهامِ العِدى

وَاسْمِيَ الْخَيْرُ سامِرْ

بِيَدٍ غُصْنُ زَيْتونَةٍ

بِيَدٍ دِرْعُ طائِرْ

وَرَضِيتُ بِضيفِ الحديدِ أخًا

لَوْ أحالَ الحَديدَ حَريرًا

لِنَجْدلَهُ مَعْ حَرِيري ضَفائِرْ

فَوْقَ رأْسِ الجَلِيلِ

وَصَدْرِ المُثَلَّثِ

حَتّى الصّحاري الأَواخِرْ

..

بِدَمي حِكْتُ أُغْنِيَةً لِفَمي

في بِلادِ الجِراحِ الخَصيبَةِ

طالَتْ حَياةُ المَماتِ كثيرًا هُنا

وَوُجودي بَدا عَدمِي

.. كُلّما ضَيّقُوا الأرضَ أرضِي علَيَّ

حَفرتُ عَميقًا لأَغرِزَ في قَلْبِها قَدَمي

كُلَّما خَنَقوُا جَذوَتي بالهواءِ القليلِ

عَصفتُ كَريحٍ حُشاشتُها قَلَمي

كُلَّما علَّقوا عِقْدَ مِشنقتي الذَّهبيَّ

لأَخلُصَ مِن غضبي

ولأَخلُصَ من أَلمي

قُلتُ لا

إنَّ حُفْنَةَ عَيْشٍ على سنتيمترٍ جَمِيلٍ تَبَقّى

لَأَشْهى عَلَيَّ مِنَ العَيشِ مَيتًا بدونِ دَمي

.. بدَمي حِكتُ أُغنيةً لفَمي

وصعدتُ سُقُوطًا بِهاويةٍ رَحْبةٍ

ورَسمتُ عَلَيها غدًا

قِمَمي

..

جِئْتُ مِصْرَ أُغَنّي

لِمَنْ خَلَقُوا الكَونَ ثانيةً مِن عَدمْ

.. كمْ بَكِيتُ وَكمْ

جَفِلَت نَجْمَتي عِنْدَما

في هِلالِ العراقِ

بِجَيشٍ مِن الرُّومِ دَكُّوا الصًّنَمْ

أَفَهَلْ كانَ فَرْضًا عليكَ تَجَرُّعُ كأْسٍ منَ السُّمِّ

فَورَ وِلادةِ سَفحِ القمَمْ؟

كمْ بَكِيتُ وكمْ

يا عِراقُ

وحُلمي يُراقُ على ليلِ فَجرِكَ

مُرٌّ مذاقُ الخَلاصِ على نَزْفِ نهرِكَ

دَمعًا وذُلًّا وقَمعًا وثُكلًا

وَمُرٌّ صهِيلُ الخيولِ بلا فارِسيها

على سَرجِ قَهرِكَ

قُمْ يا عِراقُ

أرى غيمةً في سماءِ الدِّماءِ

تضمِّدُ جُرحَكَ

قُمْ يا فُراتُ

فَقَدْ آن لِلْحزْنِ أن يَستَريح وتَضحكَ

يا دِجلةَ الخَيرِ قُمْ

آنَ لِلْغرباءِ الغُزاةِ يَذوقونَ مِلحكَ

قُمْ يا عِراقُ

وَدُمْ يا فُراتُ

وَيا دِجلَةَ الخيرِ

دُمْ

..

معكمْ كنتُ

.. في تُونُس كنتُ مع بُوعَزيزي

العزيزِ على كلِّ قَلبٍ يدُقُّ

أُخَفِّفُ عنهُ قَليلًا من النَّارِ

عَلَّ قلوبَ الصُّخُورِ ترقُّ

عَلَّ نَجْمًا من الْأَرْضِ يسقطُ فَوقُ

عَلَّ رَبَّ السَّماءِ يُطِلُّ على عبْدهِ

قَبْلَ أنْ تَأكلَ النَّارُ عينَيْهِ

وهو يَشقُّ

جِدارَ العذابِ ليَنهمِرَ الشَّعبُ منْ غَيمةٍ

في يديهِ، هو الرَّعدُ والنَّاسُ بَرقُ

.. تُونسٌ كُلُّها بُوعَزِيزي

وفي كلِّ رُكنٍ من الأرضِ يُبعثُ من نارِهِ بُوَعَزيزي

وحينَ تسِيلُ الدُّموعُ بُكاءً عليهِ

نُبدِّلُ أَسماءَ أَفراحِنا ليصِيرَ اسمُها بُوعَزِيزي

وحينَ نرى أُمَّهُ وهي تَبكي نُعاتبُها:

عِندكِ الآن بليونُ إِبْنٍ.. وأَسماؤهُم بوعَزيزي

.. معهُ كنتُ

مع بوعَزِيزي العَزِيزِ على كُلِّ قَلبٍ يدقُّ

معه كنتُ

شاهدتهُ كيفَ يَصعدُ فوقُ

معه كنتُ

حينَ عَلا لَمْ يَطلهُ من النُّورِ حَرقُ

يا رفَاقي فلا تَندبوهُ

لأَنَّ مسيحًا كهذا الذي نستحقُّ

افرحُوا يا رفاقي

وهاتُوا الدُّفوفَ ودقُّوا

..

لا عبوديَّةٌ بعدُ تحت سماءِ خُطاكُم

لا سيادةَ في من سواكُم

من الآن يبدأُ ليلُ المسيرِ الطَّويلِ

إِلى الشَّمسِ

فلتحذَرُوا حُفرًا منْ ظلامِ التَّراكمْ

يَبتغيها عداكُمْ

.. هَلْ تُراكُم خرجتُمْ من الحُلمِ قبلَ يَدي

وخرجتُمْ على الظُّلمِ مثلَ غدي

يا لهذا الصَّباحِ النَّدي

يا لَهذا الصَّباحِ الّذي بحياتي وآخرتي

أفتدي

وبلمْحِ شذى بسمةٍ منهُ في وجهِ طفلٍ

أبيعُ سِني العُمرِ

والموتِ والبعثِ

بعدَ انقضاءِ الزّمانِ الرَّدي

كلُّ ما متُّ من أَجلهِ يَبتدِي

كلُّ ما عشتُ من أَجلهِ يَبتدي.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

4 تعقيبات

  1. شاعر مبدع بالفعل
    اقرأوا هذا المقطع :
    كُلّما ضَيّقُوا الأرضَ أرضِي علَيَّ

    حَفرتُ عَميقًا لأَغرِزَ في قَلْبِها قَدَمي

    كُلَّما خَنَقوُا جَذوَتي بالهواءِ القليلِ

    عَصفتُ كَريحٍ حُشاشتُها قَلَمي

    كُلَّما علَّقوا عِقْدَ مِشنقتي الذَّهبيَّ

    لأَخلُصَ مِن غضبي

    ولأَخلُصَ من أَلمي

    قُلتُ لا

  2. قل للغياب: كفى يا صديقي!

  3. قصيده بجانبها اسمك هي نوبة من النوستالجيا جعلتني ابحث في مكتبتي عن كتبك : اعود مثل غيمة الى الشجر ، ولن يعيش حياتي سواي. مع الاهداء بتاريخ 30/11/2001 . يا اخي اشتقنالك !

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>