عقد على رحيل السندريلا سعاد حسني: “الأنوثة التي نخاف أن يمسها سوء”/ راجي بطحيش

ثنائية صخب الأنوثة/ ألم الهشاشة تجعلك تتعاطف وحتى تتماهى مع سعاد حسني في أكثر حالاتها السينمائية تطرّفًا ■ وجدت من خلال أعمالها أرضًا خصبة لتمارس ما يميّزها، ألا وهو التمثيل الصامت بالعيون

عقد على رحيل السندريلا سعاد حسني: “الأنوثة التي نخاف أن يمسها سوء”/ راجي بطحيش

سعاد حسني. التمثيل بالعينين


|راجي بطحيش|

رحلت سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني قبل عشر سنوات بالضبط  في موت جدلي شبيه بحياتها، وهي سواء كانت انتحرت أو سقطت أو قتلها رجال النظام الغائر، فإنّ ما تركته من حالة سينمائية نادرة لا يزال حاضرًا وبقوة، وخصوصًا مع انتشار القنوات السينمائية العربية وصراعها على المكتبة السينمائية العربية الشحيحة أصلا. وهكذا، نجد وجه سعاد حسني البهيّ يطل علينا عبر الـ LCD ونحن في طريقنا من المطبخ إلى غرفة النوم ليستوقفنا مشهد من فيلم أو حتى لقطة، ولا يهمّ الفيلم ذاته أو حتى قصته بل ذلك الوجه الصافي المشرق الحزين.. لنسأل: ما سرّ هذا البهاء وذلك الحضور الطازج كل مرة من جديد؟

تعتبر سعاد حسني من أهم ثلاث شخصيات في تاريخ السينما المصرية لناحية الأثر على الجمهور، وهم بالإضافة إليها عبد الحليم حافظ وعادل إمام. برأيي المتواضع هنالك ثلاثة عوامل صنعت أسطورية سعاد حسني وجعلتها واجهة سينمائية نادرة لم تتكرّر أو لم يظهر اقتراح موازٍ لها وخاصة في عصر اختزال الأنوثة بغطائها.

• أولا، الأنوثة الجارحة: تجمع سعاد حسني بين الأنوثة القوية الجارفة وبين الهشاشة والضعف الإنساني الجارح، وهذا ممّا جعلها تخلق علاقة فريدة مع المشاهد؛ فهو -أي المشاهد- قد يُفتن بجمالها وسحرها ومعالم وجهها وجسدها ولكنه لن يستطيع مضاجعتها معنويًا حتى، لأنّ ثمة ضعفًا وبؤسًا إنسانيًا زاعقًا سينفجر في وجهه ولن يتحمله. إذًا، فثنائية صخب الأنوثة/ ألم الهشاشة تجعلك تتعاطف وحتى تتماهى مع سعاد حسني في أكثر حالاتها السينمائية تطرّفًا؛ ففي “الحبّ الضائع” لبركات (1970) تقع ليلى في حب زوج صديقة عمرها ويلتقيان سوية في المغرب في أجمل مشاهد الحبّ الكلاسيكية في تاريخ السينما العربية. وبدل أن يشعر المشاهد فطريًا بالعتب أو بالكراهية تجاه الصديقة الخائنة، يذوب في مشاهد ساحات مراكش وفنادقها  ويتذوّق لذة الخيانة لدقائق، في حين ينزع تعبير سعاد حسني أية أتهامية أو حسابات أخلاقية عمّا تؤديّه من سرد مشهديّ.

ثانيًا، التمثيل صمتا: تملك سعاد حسني تعبيرًا فريدًا في عينيها أجمع عليه النقاد وُصناع السينما كما تملك معالم وجه متكامل، بحيث إذا أخذته الكاميرا من أية جهة تكون النتيجة بذات الجمالية والدّقة والرّوعة، وهذا الأمر يندر وجوده في أوساط الممثلين السينمائيين وغيرهم. فكلّ إنسان عادي يمتلك بروفيلات مختلفة ومتفاوتة الجمال أو التفاصيل، ومن هنا فإنّ حالة سعاد حسني نادرة بحيث لا يمكن أن تلتقط لها الكاميرا صورة بروفايل قبيح مثلاً. ومع أنّ المنتجين حاولوا ختم سعاد حسني بلعنة “خلي بالك من زوزو”، أي الفتاة الشقية المرحة التي لا تفارقها الضحكة، إلا أنها ومستشاريها سرعان ما تداركوا الأمر لتشترك سعاد بعدها في أفلام هي علامة فارقة في تاريخ السينما، منها: الكرتك، على من نطلق الرصاص، الخوف، المتوحشة، شفيقة ومتولي، أهل القمة.. وصولا إلى أهم أفلامها على الإطلاق “موعد على العشاء” لمحمد خان عام 1981.

وما يميّز هذه المرحلة التي صنعت سعاد حسني فنيا بعد صناعتها جماهيريا أنّ سعاد أطلقت العنان لموهبتها التعبيرية ووجدت من خلال هذه الأعمال أرضًا خصبة لتمارس ما يميّزها، ألا وهو التمثيل الصامت بالعيون؛ ففي “موعد على العشاء”، وهو فيلم قاتم للغاية ومُغرق في لغة محمد خان السينمائية الثورية مع بداية الثمانينات، تظهر سعاد حسني في معظم مشاهد الفيلم  تقريبًا إلا أنها لا تتكلم كثيرًا، بل تمثل بعينيها وتطرح بشكل جديد للغاية مفهوم “الأنوثة التي نخاف أن يمسّها سوء”، وهذا ممّا جعل مشهدين كاملين من هذا الفيلم يؤرَّخ وسيؤرَّخ  لهما وهما مشهد تعرّف سعاد حسني على جثة زوجها الجديد المغدور أحمد زكي في ثلاجة الموتى ومشهد النهاية بينها وبين حسين فهمي -زوجها الأول- حين تدعوه إلى العشاء وتكشف له بعد تناوله للطعام أنها دسّت له ولنفسها السمّ في الأكل.

ثالثا، هم الجمال ووهم الفن: لم تضع سعاد حسني نجوميتها قبل جمالها؛ فهي كانت -وكما حدثتني الزميلة هيام حموي لدى موتها والتي أجرت معها مسلسلا حواريا في إذاعة الشرق بباريس- أنّ سعاد كانت مسكونة بجمالها وجاذبيتها ونظرة الرجال إليها أكثر بكثير من نجوميتها خلافا لمثالين متناقضين تمامًا، وهما فاتن حمامة ونادية الجندي. فهي لم تحاول أن تفرض شخصها ورؤيتها ومشروعها على السيناريو أو العمل ككلّ، ممّا أتاح لها العمل بأعمال كبيرة وهامة تحت إدارة كتاب سيناريو ومخرجين بطاعة كبيرة وبفطرة الموهبة الكبيرة التي لا تسعى لتبيض وجهها. إنّ استسلامها الملفت هذا لعناصر العمل ومهنيته هو الذي خلد المشاهد في أذهاننا، ولا أعتقد أنّ هناك شخصًا مخلصًا بحقّ لفن السينما العربية يمكن أن ينسى مشهد أغنية “بانو.. بانو” من فيلم شفيقة ومتولي لعلي بدرخان (1979)، وما تلاه من مشهد الحبّ السادي بينها وبين العبقري جميل راتب ولعبة “الطاعون” مع بقية الفريق.

تعبّر سعاد حسني كشخص وكمشروع سينمائي عن  ذلك الجمال المؤقت، الفاني، الذي سينهار ويتدحرج نحو هاوية ما أو مأساة وهو يدافع مُستميتا عن ذاته. ماتت سعاد حسني في لندن يوم  21/6/2001 ولا يهمّ كيف ماتت؛ ولكنني كنت آنذاك مُقيمًا في باريس وأذكر ذاك الشعور العام بالحداد والحزن في أوساط بعض العرب هناك، حيث كان السوء بالفعل قد مسّ تلك الأنوثة الشامية-المصرية التي طالما خفنا عليها.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. انا من معجبين بالفنانة سعاد حسنى انا بحبها جدااااااااااااااا

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>