تحيّة إلى كاريوكا/ رشا حلوة

تحيّة إلى كاريوكا/ رشا حلوة

على سيرة التّراث، أستحضركِ الآن وأنتِ تسمعين أحد الأقوال التي تبيح الرّقص والموسيقى، وأراكِ على منصة ما، وبعد أن أنتهيتِ من وصلة الرّقص، تكررين تلك المقولة و”تردحين” باللهجة المصريّة بوجوههم جميعًا.

Taheya Karioka.

| رشا حلوة |

رشا حلوةعزيزتي تحيّة،

نكتب لكِ اليوم في ذكرى ميلادِك السّادسة والتّسعين، نستذكرك من خلال بضع كلمات وصور ومقاطع مصوّرة، وهذا من حسن حظنا بأنها موجودة، نشاركها مع بعضنا البعض، بين من يحبّك وما يزال يحبّ الفنّ الذي قدمته للبشرية حتى يومنا هذا، البشرية التي يوجّه الأشرار فيها بوصلتهم نحو قتل الجمال، كالجمال الذي جُسّد بجسدك الرّاقص والرّافض لكلّ المسلمات المشوهة، هذه التي يُقحمونها في حياتنا بوحشية كلّ يوم.

لطالما يُفكر عشاق الحياة الباقون رغم خرابها تدريجيّا، بأنّ جزءًا أساسيًا من تمسكهم بهذه الحياة هو التّفاصيل التي تجعلهم يهربون إليها كلما أُغلق الأفق عليهم قليلاً. وعادة تكون التّفاصيل هذه مرتبطة بالماضي، وفي أحيان كثيرة، بالماضي الذي لم يعيشوه. فيسألون حالهم دومًا: “كيف كانت لتكون الحياة لولاها؟”، ولا يجدون إجابة، لأنهم لا يعرفون بالطبع، ولا أحد يعرف، لكنهم يطبطبون على أنفسهم بإجابة مفادها أنّ هذه التّفاصيل أضافت استحقاقًا للحياة بأن تُعاش. وأنتِ عزيزتي تحيّة، جزءٌ من هذه التّفاصيل.

الفكرة كلها أنّ هذه التّفاصيل ترتبط بحبّ صانعها للحياة، وعادة التّفاصيل تُصنع، ونحن نتحدث هُنا عن تفاصيل جميلة بالطبع. الأمر الأساسيّ هو أنّ صناعتها ليس بالضرورة أن تكون تلقائية، بل بكثير من الأحيان هي نتاج معركة خاضها الصّانع لكي يفرضها على واقع أراد تغييره، برغم فرديتها بأحيان كثيرة أيضًا، إلا أن نتيجتها هي من أجل الجماعة.

كيف يرتبط ما قدمته للبشرية بكل ما ذكرته أعلاه؟ ببساطة، أنتِ رقصتِ كي تقولي  “لا” بوجه كلّ شيء؛ بوجه الرّجعيّة والدّيكتاتوريّة والاستعمار، والأهم بأنكِ رقصتِ كي تعيدي الاعتبار لجسد المرأة من جهة، وللتّراث من جهة أخرى، التّراث الذي لا يسرقه المستعمِرون فقط، بل يطمسه أبناء الأرض الواحدة، التّراث الذي حملته بخاصرتِك ويديك وأبدعتِ في تطويرك له، واختزلتِ فكرة الحياة كلّها: احملوا الماضي وقدّموه بقالب إبداعيّ للحاضر كي يُصبح المستقبل أفضل.

على سيرة التّراث، أستحضركِ الآن وأنتِ تسمعين لأحد الأقوال التي تبيح الرّقص والموسيقى، وأراكِ على منصة ما، وبعد أن أنتهيتِ من وصلة الرّقص، تكررين تلك المقولة و”تردحين” باللهجة المصريّة بوجوههم جميعًا، فتركض الكاميرات إليك –كما كانت تركض دائمًا– وتوثق كلّ كلمة ردح صادقة، كي تصل إلى كل الناس، حتى أولئك الذين أغلقوا آذانهم وقلوبهم.

أستحضرك أيضًا، وفي هذا الوقت بالذّات، بعد مرور أربع سنوات على الثّورة المصريّة، وأنتِ تقولين كلمة حق من أجل مصر، حبيبتك الأبديّة، توزعين مناشير غضب ضد كل من أخذ ويأخذ ثورة النّاس إلى مسار غير الذي بدأت من أجله، ولربما سوف يعتقلونك، فأستحضرك بوجوه المعتقلات اللواتي لم تكسرهن الزنازين، وإنّ تعبنَ، لكن وجوههن ما زالت تُشرق شموسًا، وأستحضرك أيضًا بوجه كلّ امرأة بصقت وتبصق بوجه الاستعمار وأعوانه، وتعرف تمامًا كيف أنّ الحرية لا تتجزأ، وأنّ “الأنا” تتقلص أمام وجع قلوب وأجساد من دهسهم المستعمِرون.

عزيزتي تحيّة كاريوكا، أنتِ نموذج للفنانة والإنسانة التي نفتقدها في الليلة الظلماء.. لكن روحَكِ شعلة.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>