الأوّلُ من أيلول (1/9) بوصلة وقتٍ/ د. تغريد يحيى- يونس

الأوّلُ من أيلول (1/9) بوصلة وقتٍ/ د. تغريد يحيى- يونس

يتجسّد تعامل الشعوب والثقافات مع الوقت بأجهزة التوقيت (ساعة اليد، ساعة الحائط،، الروزنامة – برنامج التوقيت السنوي، دفتر اليوميات …) التي لديها، وشيوع استخدامها بينهم، وبكمِ مفردات اللّغة المستخدمة في التعاطي مع الزمن والوقت، وبتواتر استخدامها في حياتهم.

School-Generic

| د. تغريد يحيى- يونس |

للمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن، لم أنتظر هذا العام الأول من أيلول بصِفتي أمّ، فصُغرى أولادي تخرّجت من المرحلة الثانوية هذا الصّيف، وبهذه الصّفة، لا ترقّب للفاتح من أيلول بعد اليوم! لكنّي تفكّرت فيه أكثر من أيّ سنة خَلَتْ وارتأيت أن أكتب فيه شيئا، وربما سِرّ ذلك في تخرّج صغيرتي والتحرّر من الشأن الخاصّ بهذا الصّدد، من جهة، وبدافع الاهتمام بالشأن العام، من جهة أخرى.

الأول من أيلول هو يوم افتتاح السنة الدراسية في المدارس بمراحلها المختلفة، وبصفته هذه كثيرة هي الموضوعات الجوهريّة التي تتّصل به، بدءا بجاهزيّة المدارس، مرورًا بالسياسات الدولَتِيّة الأقليّاتيّة - والميزانيات والمَلَكات والتوظيفات، والمناهج والرؤى التربوية (الأصح عدم توفرها) وتكاليف التعليم “المجاني” … وانتهاء بموضوع الحذر على الطرق. (ليس إضراب المدارس الأهليّة الراهن إلّا تجسيدًا وانعكاسًا لكلّ واحدة من هذه الموضوعات الجوهرية وسنفرد لذلك مقالا خاصًّا). جميعها تحظى بدرجة أو بأخرى بنقاش جماهيريّ، وبطريقة أو بأخرى بنقاش مهنيّ في الأطر المختلفة ومن قبل مختصّين ومثقفين، وهي تحتلّ مكانًا في البحث الأكاديمي. المسألة الأقلّ حظّا، بأدنى تعبير، في النقاش بنوعيْه المهنيّ والجماهيريّ وفي البحث أيضًا، رغم كونها الأكثر حضورًا في هذا السّياق وفي حياتنا، هي العلاقة بين الأوّل من أيلول والوقت والتوقيت، وهي محور هذا المقال.

الأوّل من أيلول، أو 1/9 كما يشار إليه بالعربيّة المحكيّة في بلادنا، هو بوصلة وقت بامتياز للتلاميذ والأهالي، والعاملين في حقل التربية والتعليم، وللجّهات الرسميّة ولذوي المصالح ذات الصّلة وعامة. تاريخ افتتاح السنة الدراسية في المدارس هو مدخل لبرنامج السنة الدراسيّة بالكامل بتوزيعاته إلى أيّام وساعات دوام وعطل ومواعيد أعياد وفصول دراسيّة وامتحانات ورحلات وفعاليّات، يسير حسبها المذكورون أعلاه، ويديرون حياتهم وفقها، بل وبعضهم حول فلكها. الأوّل من أيلول هو إعلان رسميّ عن انتهاء العطلة الأطول في السنة، عطلة الصّيف، والتي تصادف شهري تموز وآب في المدارس الابتدائية وتمتدّ سبعين يومًا في الاعداديات والثانويات، ابتداء من العشرين من حزيران.

فوضى الصّيف

منذ بدايتها تتّسم عطلة الصّيف بالفوضى والتي تتفاقم كلّما دخلت العطلة عميقًا في الصّيف.  فوضى الصّيف، وما أدراك ما فوضى الصيف! لعلّ الخروج عن قواعد الزمن والمكان وعن قواعد السّلوك السّارية في الأيام العاديّة من أهم تعريفات فوضى الصيف. يمكن القول إنها موعد حلول اللا- قواعد بوصفها قواعد تحكم موسم الصيف.  تتغير أوقات النوم والسهر والاستيقاظ للأولاد وبعض الأهالي مِمّن مَنّ الله عليهم بعطلة صيفية طويلة (وهم عادة من العاملين في جهاز التعليم)، بحيث ينقلب اللّيل نهارًا والنهار ليلًا، وتتغيّر ساعات العمل واللّعب ومشاهدة التلفزيون ومواعيد الوجبات الأسرية والفرديّة، وحتّى أوقات الزيارة الوجاهيّة والتواصل عبر الميديا الحديثة، وكلها تصبّ في فوضى التّعاطي مع الزمن. تصحب ذلك فوضى الحيّز أو المكان حيث التّواجد في أماكن غير الأماكن في أوقات غير الأوقات! عن ذلك ظاهرتان لا بدّ وأنكم لاحظتموهما مؤخّرًا. ظاهرة تجمّع وتمشّي الشبيبة وحتى الأولاد في سن الطفولة المتأخرة في شوارع بعض البلدات وعلى قارعات الطرقات دونما هدف، اللّهم سوى التسلية في زمن بات الملل فيه ملازمًا لغالبية الناس وحديثي السّن منهم تحديدًا. قد نلقي باللّوم على المسببات الخارجية لذلك من غياب الأطر التي تجيب على حاجات هؤلاء وإهمال حال الأقلية العربية وأجيالها الناشئة كما البالغة، وقد نلتفت إلى مسببات أخرى كالتغيرات التي طرأت على الحيّز فاختفت الساحات العامة في بلداتنا ومدننا أو ضاقت، وقد نركّز على انشغال الأهالي عن أولادهم والتحوّلات الطارئة على علاقتهم بهم. لن أخوض هنا بكل هذه وسأكتفي بالإشارة إلى الظاهرة المذكورة بوصفها مظهرًا من مظاهر فوضى الصّيف.

الظاهرة الثانية تخصّ أولاد الحارات ممن لا زالوا يحظوْن بنمط سكنى العائلة الموسّعة أو العائلة الواحدة، وفي الحارة التي لا زالت تتيسّر فيها مساحة ما، يمرحون ويلهون حتى الفجر، دون مبالغة. الصيف الحارّ الطويل في طقس آخذة حرارته بالارتفاع نتيجة التغيرات البيئية، لا يتيح لهم إمكانية الخروج للّعب خلال النهار، لتكون ساعات المساء هي الساعات المحتملة. من جهة أولى، السرور والحبور اللذيْن تحملهما أصوات الأولاد وسط لهوهم وانغماسهم باللّعب الجماعي في هذه الأجواء الحاضنة يثيران رغبة قوية لدى البالغين بالعودة إلى عهد لا قلق ولا همّ فيه، أقلّه بمفهوم البالغين، ولا جَرْي خلف الزمن، وهم يغبطون على ذلك الأطفال ويفرحون لفرحهم. من جهة ثانية، المشهد بمكانه وزمانه وامتداده على مدار العطلة الأطول كاملة يثير القلق والانزعاج لدى من لديهم من العمل والمهمات ما يعوزهم للوقت والهدوء، خاصة وأنها ساعات الخلاص من أَسْر البيوت المكيّفة إلى الشرفات والمصايف وساحات البيوت.

مع الصيف والعطلة المدرسية تتزامن الأفراح وعلى رأسها الأعراس، ليتخللها في السنوات الأخيرة رمضان. لكلّ واحد من هذه كما يعايشه ويخبره غالبنا إضافاته النوعيّة لفوضى الوقت لدرجة التكثيف. بشكل نقيض ظاهريّا يمكن أن ندرك هذا التزامن بوصفه موفرًا للوقت، إذ وقت الصيف ضائع لا محالة! رمضان المبارك شهر استثنائي بما يحمله من نظام يوم وصوم لساعات طِوال في طقس حارّ وسهر للعبادات أو/ والاجتماعيات وتبادل الزيارات وما يتأتّى من تعب وإرهاق جرّاء كل ذلك. أما المناسبات السّارة والأعراس – دامت ديار جميعنا بها عامرة – كما هي حاصلة في ربوعنا إجمالا، فأقلّ ما فيها يقال إنّها مسرفة للوقت (ناهيك عن الجانب المادي للإسراف وهو خارج نطاق هذه المقالة) ومُقِضّة للراحة. تواترها كثيف وموسمها طويل، ولا زال الصّيف موسم الأعراس بامتياز. تأتي بدايات موسم الأعراس والمناسبات السّارة مع بدايات دفء الطقس، أواخر آذار، ليتصاعد تواترها كلما أوْغَلنا في الصيف. وليس نادرًا أن تجدوا أنفسكم مدعوّين إلى فرحين أو أكثر في نفس اليوم، وأحيانًا في بلدات مختلفة، لتلجأوا إلى واحدٍ من التدابير، فإمّا أن تبدأوا بعمل الواجب قبل يوم العرس المحدّد (حضور ونقوط في السهرة مثلًا)، وإمّا أن تتوزع الأسرة على المناسبات المختلفة، أو أن تقضوا المساء والجزء الأول من اللّيل في التنقّل بين عرس وآخر قيامًا بالواجب. أما أعراس “اللّزم” فأمرها أضعاف، كما نعلم.

إنّ “طبيعة” التجمعات السّكنية والتركيبة السكانيّة ونمط الحياة الاجتماعية في بلداتنا العربية والمنظومة الثقافية فيها تضطرّنا عامة للمشاركة في المناسبات وخاصة الأعراس منها. مع ذلك، هنالك تفاوت بين الناس في حجم ووتيرة وشكل مشاركتهم بالأعراس، تبعًا للسّن والوضع الاجتماعي وعدد الأقارب وشبكة العلاقات الاجتماعية، وأهمية الأمر لديهم والرغبة ونمط حياتهم الشخصي وغيرها. وسط ثقافة الالتزام بالمشاركة ووسط وتيرة المناسبات والأعراس والالتزامات الأخرى، إذا صادف الفرد أو الأسرة أسبوعا أو فترة ينعتقون فيهما من حضور الأعراس، فصوتها لا يعتقهم. يقتحم الصّوت حيّزهم الخاصّ بل ويخترق نوافذهم العازلة للصوت (!) ويصمّ آذانهم ساعات تلو ساعات. أمّا أن تتشابك أصوات الأعراس بأنماطها المختلفة (الفرق الموسيقية الحيّة والستريوهات، والحداء، والزمّار) فهي الوصفة الأكثر إزعاجًا حدّ الأذى. في هذا الوضع جُلّ ما يطلبه الإنسان/ة “العادي/ة” هو يوم هادئ في بيته/ا. أمّا أن يحلم/ تحلم بظروف بيئية خارجية توفّر أوقاتًا نوعيّة للتركيز في دراسة لامتحان، كامتحانات نهاية السنة والثانوية العامة (البجروت) وامتحانات الطلاب الجامعيين، أو بكل بساطة للقراءة الذاتية والمطالعة (رغم قلّة روادهما!)، فهذا صعب المنال، والحلم بظروف للإنتاج الفكري (الأكثر ندرة!) ضرب من ضروب المحال في فوضى الصيف. (يعتبر الصيف في أوساط الأساتذة الجامعيين والباحثين في أرجاء العالم وقتًا مثاليّا لإنجاز إنتاجهم العلمي من السنة الأكاديمية المنقضية ولتحقيق ما هو جديد للسنة القادمة. ولك أن تتخيّل/ي حالة تحت الظروف آنفة الذكر ي/ترتبط فيها أستاذ/ة جامعي/ة بجدول زمني للبحث والكتابة الأكاديمية العلمية!).

اليوم الفصل

مع اقتراب نهاية آب نكون قد وصلنا من الإرهاق والفوضى وعذابات هدر الوقت أوجَها، لنستعجل انتهاءها ونرجو فرجًا منتظرًا. بحلول الأول من أيلول (1/9) نتنفس الصعداء، بمن فينا من ينعمون برفاهيّة سِعة الوقت. إنّه في الوعي المتوسطِ عامة ولدى أسَر التلاميذ خاصة اليوم الفاصل بين الفوضى والنظام (الأمر نسبي!)، لدرجة يمكن القول فيها إن الزمن لديهم ينقسم إلى ما قبل 1/9 وما بعده! ولا مبالغة في القول إن المدارس بهذا المفهوم تدخل الأسرة كاملة، بل والمجتمع، في نظام ما للتعامل مع الوقت.

         يُلزم تاريخ افتتاح المدارس سنويا التعامل مع الوقت بشكل مغاير ويتطلب التقيّد بجدول زمنيّ محدّد، فيشكّل بالنسبة للأسرة مدخلًا لروتين يوميّ تُسترد فيه المعالم الاجتماعية لكلّ من اللّيل والنهار ونظام اليوم على مدار الساعة. الساعة الثامنة هي موعد بدء اليوم المدرسي ومنها تتحدّد ساعة النهوض من النوم، مع الأخذ بالحسبان الفوارق الفردية في السرعة ونوع الاستعدادات اللازمة للخروج من البيت صباحًا، والفوارق الأسرية كعدد الأولاد الذين ينبغي تجهيزهم للخروج، أعمارهم ودرجة اعتمادهم على أنفسهم في الاستعداد الصباحي، وإذا ما كان الوالدان يعملان خارج البيت، وأمكنة عملهما وطبيعته، وبُعد البيت عن محطات توزيع أفراد الأسرة (المدارس وأماكن العمل)، ووسيلة الوصول إليها (مشيا، سيارة خصوصيّة، مواصلات عامة)، والأخذ بالحسبان حال الشوارع والطرقات، وحركة السير (غالبًا اكتظاظ واختناقات مرورية)، وإضافة زمن احتياطيّ لحالات الطواريء!

عودة التلاميذ والعاملين من المدارس إلى البيت تتحدّد هي الأخرى بتوقيت مسبق، غالبًا، كلٌّ يعود حسب برنامجه اليوميّ، وترتب الأسرة برنامجها لبقية اليوم تبعًا لذلك:  أيُّ الوالدين (أو سواهما) يقلّ  أو/ ويستقبل الأولاد ومتى، وفي أيّ ساعة تلتقي الأسرة على وجبة الغداء (بعضها لظروف توقيت خاصة بها تلتقي على العشاء)، وأيّ طعام يوضع على مائدة الأسرة في ذلك اليوم (إذ في حال عمل الأم يؤخذ الوقت الذي يستغرقه إعداد طعام ما بالاعتبار عند اختيار يوم له أو تجرى له تحضيرات مسبقة)، ومتى يحضرون واجباتهم المدرسية، ومن يرعى من ومتى، وهل يشاهدون التلفاز و / أو يجلسون أمام الحاسوب وكم من الوقت، وكذا الأمر بالنسبة لبقيّة فعاليات الأسرة حتى تحديد ساعة/ات النوم، مع مراعاة أجيال الأولاد. ولنهاية الأسبوع برامجها التي لا يتّسع لها بحر الأسبوع. أما في أوقات الامتحانات الشهرية والفصلية وامتحانات الدبلوم والثانوية (البجروت) فتأخذ مسألة الوقت والتوقيت أهمية أبعد، لدرجة تسود فيها بعض الأسر حالة استنفار.

يشكّل الوقت كلمة مفتاح بالنسبة للنظام المدرسي ذاته. تخطيط وبرمجة السنة بأسرها أمر مفهوم ضمنًا بالمفهوميْن: المفهوم الزمنيّ ومفهوم المضامين والعمل (تحتاج المضامين والعمل ذاته مقالة منفصلة). بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه من تقسيم السنة لفصول دراسية وعطل مدرسيّة فتقسيم الفصل الدراسي إلى أشهر مألوف هو الآخر (التقارير والامتحانات الشهرية نموذجًا)، وكلّها تُقَرّ مسبقًا بتواريخ بعينها. وبالوحدات الأصغر للزمن (اليوم والدرس) فأن البرنامج المدرسي اليوميّ الروتينيّ يسير وفق توقيت دقيق: ساعة بدء اليوم المدرسي الثامنة، كما أسلفنا، ومدة الدرس 45 دقيقة (35 في توقيت رمضان)، والفرص اليومية التي تتخلل الحصص يتحدد زمنها ومدّتها تمامًا … وهو ما ينبغي أن يتقيّد به الأفراد التابعين من مديرين ومعلمين وعاملين آخرين وتلاميذ. ويبقى السؤال إلى أيّ درجة ألتزم بصفتي مُدرّسًا/ة بنظام الوقت مقارنة بالنظام المدرسي النموذجي، وبصفتي أمًّا أو أبًا بنظام أسريّ ذي صّلة؟ وأيّ رسائل وتبعات تربوية إجمالا وفيما يتعلق بالتعامل مع الوقت تحديدًا أبثّ لتلاميذي و / أو لأولادي؟

 موعد ل”مراسم انتقال”:

الترفّع من صف إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى

غالبيّة الأطفال في المجتمع العربي في البلاد لا يدخلون الحضانات والروضات. لا تتسع الرقعة للبحث في أسباب ذلك، بإيجاز شديد أشير هنا إلى عدم توفّر حضانات حكومية في أغلب البلدات العربية والتكاليف العالية للحضانات الخاصة نسبة لمعدل دخل المرأة الشهريّ، كذلك النسبة المنخفضة نسبيّا للمواطنات الفلسطينيات المشاركات في سوق العمل ممن يَعُزْن خدمات الحضانات. بعضهن يُودِعنها أطفالهن مع انتهاء الشهر الثالث لأعمارهم، مباشرة مع انتهاء إجازة ولادتهن القانونية. وإذن، نسبة منخفضة نسبيّا من الأطفال العرب يدخلون الحضانات (سترتفع النسبة مؤكدا بسريان مفعول قانون الحضانات المجانيّ ابتداء من سن ثلاث سنوات). بهذا المعنى، المرة الأولى التي ينتظر فيها الطفل 1/9  تصادف دخوله لصفّ البستان.

يعتبر البستان امتدادا لما سبقه ويسيطر فيه اللّعب الموجّه لإكساب الطفل/ة مهارات اجتماعية وللتعبير عن عواطفه أكثر من الفعاليات التعليمية التقليدية المنهجية، فهو صفّ تمهيديّ لما سيأتي. هكذا تبقى للصف الأوّل مكانته بوصفه السنة الفاتحة للتعليم المدرسي، لا ينفك يثير تشوّقًا وانفعالًا خاصيْن لدى التلميذ/ة وأهله/ا وأصدقائهم ومعلمته/ا ومدرسته/ا والحيّ والمجتمع كل سنة، ليس فقط لدى الأطفال العرب. الصف الأول عامة هو نقطة البدء أو التجربة الأولى النظامية مع الحياة المدرسية ومتطلباتها وميّزاتها وعلى رأسها الانضباط للوقت والتعامل مع القراءة والكتابة والكتاب، داخل الصّف وخارجه.

الأوّل من أيلول من كلّ عام لاحق هو تاريخ ترفّع التلميذ/ة للصف التالي، بما يحمل من إعلان مفاده: “كبرت سنة”. وفي نظام المدارس يواجه الطفل/ة وثمّ الفتى والفتاة مفهوما أكبر لتقسيم الزمن كما ينعكس في المراحل الدراسية الابتدائية والاعدادية والثانوية، تحضيرًا للفوق ثانوية. وتأتي تجربته/ا بالانتقال من مرحلة إلى أخرى بنفس التاريخ محور الاهتمام – (1/9).

لعلّ في البعد الزمني كما يخبره الأهالي عبر أولادهم في المدارس، وفي مراحل حياتية بعدها، منبّه قويّ مشترك لسير (والأصح لجري!) أعمارهم. دخول الأولاد الصف الأول، وترفّعهم كلّ سنة، وانتقالهم إلى المرحلة الدراسية التالية، الاعدادية وثم الثانوية وما بعدها لاحقًا، وتخرّجهم (أصغرهم/ن أو صغراهم/ن بالذات) منها… إنما هي محطات في عمر الوالدين (والحال شبيه بالحديث عن الأجيال لدى المدرسين والعاملين في جهاز التعليم).

في كلا الانتقالين، السّنوي والمرحلي، والاقتراب منهما والابتعاد عنهما، تعامل مع الزمن ووحداته ومركباتها مما يصوغ طريقة إدراك الزمن والوقت لدى الفرد الناشيء/الناشئة ونمط تعاطيه/ا معه.

 

خُلاصة:

يتجسّد تعامل الشعوب والثقافات مع الوقت بأجهزة التوقيت (ساعة اليد، ساعة الحائط،، الروزنامة – برنامج التوقيت السنوي، دفتر اليوميات …) التي لديها، وشيوع استخدامها بينهم، وبكمِ مفردات اللّغة المستخدمة في التعاطي مع الزمن والوقت، وبتواتر استخدامها في حياتهم.

لا أقبل توزيعات جوهرانيّة مطلقة تنسب للغرب والغربيين احترام الوقت، وللشرق والشرقيين عكس ذلك. ما أدّعيه أنّ التعامل مع الوقت بين فوضى ودقّة متناهية وما بينهما من درجات ليس إلاّ عادة مكتسبة من البيئة المحيطة بدوائرها المختلفة والفاعلين فيها، أو هي في أبعد الحالات نتاج عمل ذاتي للفرد. فإذا تفاوتت أسرنا في شكل تعاملها مع الوقت، وغابت الأطر التي تشكل للوقت ضابطا بامتياز (أطر الرياضة التنافسية، وأطر صقل المواهب نحو الاحتراف، والجيش بامتياز)، أرى أن نستفيد من المدارس ونظامها اليوميّ والأسبوعيّ والشهري والسّنويّ والمرحليّ داخل المدارس وفي الأسر، بغية إحداث تغيير مُمَنهج غايته تجذير قيمة احترام الوقت في النشء والأوساط المجتمعية الأخرى، والتعاطي معه بانضباط، وإكساب مهارات التخطيط والبرمجة، لما في ذلك من مكتسبات فردية ومؤسسيّة (على مستوى المدرسة ومكان العمل) ومجتمعية، ليس على المدى القصير فحسب بل وعلى المدى البعيد.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. مقال اكثر من رائع حيث يتعامل مع الزمن والتزامن في نفس الوقت. وبرايي هذه اول مرة يتم التعامل بهذا الموضوع بهذة الطريقة. كل الاحترام

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>