الرابعة فجرًا في السوق/ طارق العربي

ننشر هنا نصوصًا من ديوان “الرابعة فجرًا في السوق” للشاعر الفلسطيني طارق العربي الحاصل مؤخرًا على جائزة عبد المحسن القطان للكاتب الشاب في حقل الشعر للعام 2012

الرابعة فجرًا في السوق/ طارق العربي

منذر جوابرة، طباعة على كرتون،70×50 سم، ٢٠٠٧

 

.

|طارق العربي|

طارق العربي

وصفٌ آخر: أحذيةٌ مستعملةٌ

 التعيسون: أنا، والحمّالُ زميلُ الدراسةِ الذي لم ينسَ صراخَ معلمةِ الفرنسية، ونسي دروسَها، وزوجتُه، والمرأةُ التي لا أعرفها هناك

نرددُ أسماءَ المستحيلِ كما يليقُ بحالمين أن يفعلوا

وننامُ عرايا على السطحِ

لسنا جوعى

ولسنا يتامى

إنما مسّنا بردٌ فَنُسينا

.

التعيسون: أنا والحمّالُ زميلُ الدراسةِ، وأبوه وأبي، وأُمه وأمي، والأحلامُ التي نبتتْ في الكتبِ والأغاني، الأغاني التي لا مَركبَ لها، والكتب التي نسينا أسماءَ أصحابِها ولم ننسَ كلامَها.

.

التعيسون: أنا والبنتُ الوحيدةُ، ابنةُ العتّالِ

في الليلِ تستحمُ بالليمونِ والسكرِ

من أجلِ رجلٍ غني في الطريقِ.

وتحلمُ ببيتٍ صغيرٍ، وصلاةِ فجرٍ لا تفوتها

تحلمُ كثيرا دونَ نومٍ.

.

التعيسون: أنا والبنتُ الوحيدةُ،

ذاهبون كأن كلّ شيءٍ سيكونُ على ما يرام عما قليل

راجعون بكسرِ الروحِ وبالسؤالِ عن مكسوري الخاطرِ

في البيوت!

التعيسون: أنا وفساتينُها وعِطرُها وسريرُها والأغاني

التي ترقصُ معها في عرسِ أخواتِها

البنات!

.

التعيسون: وحيدون نسيتهم حبيباتُهم، لأنهم يرتدون

الكتانَ وأحذيةً مستعملةً من البالة،

مثل الرواياتِطيبون في رجفةِ العاصفةِ

وحيدون يترصدون الفرحَ في عيونِ العابراتِ

وحيدون يترصدون الحربَ في كلامِ النسوةِ

عنارتفاعِ الأسعارِ وظلمِ ذوي القربى للفتاةِ المحرومةِ

من الميراثِ في البيتِ القريبِ.

 .

التعيسون: حالمون يرون قتلى الحروب التي لم تقعْ بعد،

حالمون يحلمون بامرأة تهديهم الوردَ بالمنامِ…!

.

التعيسون: جامعو أماني وذكرياتٍ.

.

وصفٌ آخرُ..  نواياهم بيضاءُ

عُمّالُ أبي شعراءُ دونَ حدْسٍ

تماما كما الشهداء

حين أُخذوا للمعركةِ مكشوفي الظهر للعدو وللجبال..

شعراءُ راحوا في بيتِ شعر

يشتكون من الهوى ومن ريف طيبٍ

ويظهرُ كلما خرجوا خارجَ أسوارِ البيت

لا يحذرون الغرباء ولا يعرفون كتمَ الأسرار

مثل عاملٍ يجْهرُ في البكاءِ على أخته المطلقة

ومثل أم لا تخجل من أنْ تُرضعَ ابنتها

على الرصيف.

.

عُمّالُ أبي أصحابُ نوايا بيضاءَ مثل ليل

و مثل مطر مفاجئ

يبكون ضجيج الكلامِ حين يكون مدْحا

وحين يصيرُ في العتمةِ نميمة وشكوى

يبكونمثل حفاري القبور

ومثل امرأةٍ وخزها الحنينُ

وسدىيضيعُ الطيبون .

.

ثقيلةٌ أشياءُ الوحيدين يا أبي

كالشعورِ بالبردِ خارجَ شباكِ الغرفة

وتذكُرِ النيامِ في محلاتِ السوق

الرجل الستيني المصابِ بنزلةِ برد

وابنِه وابن أخته

ثقيلةٌ أنفاسِ الوحيدين يا أبي،

وثقيلةٌ خُطاهم

ابنُ الأرملةِ الذي باع سيارةَ نقلٍ اشتراها

من ذهبِ أُمِه،

أخو المطلقةِ الذي ينادي على أخته،

الشاعرُ الذي ينادي على قصيدته

المرأةً التي تنادي على حبيبها

ثقيلةٌ أشياءُ الوحيدين يا أبي

وغريبٌ أمرُهم

متشابهون مثلَ ليلٍ وليل

ومثل غناءٍ.

**

من رماني لأسمعَ وأرى

.

فرحٌ في البيت

ليس لي امرأةٌ أمشي معهانهايةَ الأسبوع

إلى المطعمِ القريب

أو إلى بيتِ العائلة..

.

ليس لي امرأةٌ

تشتكي لأُمي من سجائري على السرير

وتأخري في السهرِ خارجَ البيت

أو لأسألها السؤالَ الماكرَ في الحب :

هل أفرطُ لك الرمانَ…؟

.

ليس لي امرأةٌ

تقودني لبكاءٍ مَنسي على سُلمِ البيت

أغضبها بالنسيانِ وجدرانِ الحديقةِ العالية

أُعاكسُ رغبتَها في مكانِ الأريكة

والمزهريةِ قربَ التلفاز

أو لأصرخَ غاضبا : لا طاقةَ لي بالجدالهذا اليوم…!

أو لأقولَ: الأنثى حظٌّ كما الشِّعر

ومثل الشِّعرِ تحتفي بالخسارات..

وبالعائدين من حروبهم

يحملون أسماءَ الشوارعِ المنسية

ومتراسَ الليلِ الأخير

مثله هي ترفعُ الرمّحَ وتُنكسُ رايتها في

أولِّ الحبِّ

و مثلُه هي تنامُ على رغبتِها حافيةً

خوفاً من خدّشِ المرايا..

.

ليس لي امرأةٌ أقولُ لها:

ساعديني على الحياة..

.

كومبارس

أحبُّ دوري في الحبِّ

أنا المسكينُ واليتيمُ قبلَ وبعدَ كلِّ حبِّ

أحبُّ الخائفات مني،

الخائفاتُ حَذِراتُ لا مفاتيح لهن ولا باب

أحب المرتبكات أول  الحبِّ،

المرتبكات أول الحبِّ أمهات خائفات من دور الامومة

أحبُّ الوحيدات،

 الوحيدات يشبهن الشيفون ومخاتلة الستان

 إذ يلمعنَّ بسرير الوحيد عند الليل ..!

وأحبُّ دور الفتى المُتيم والمُتلبس

بأشيائه، العمى والمشي دون خطوط

واضحة .

أحبُّ الحبَّ وأحبُّ دوري أنا المسكين في كلِّ مرة

وكلِّ كرة.

.

أيشبهني قاتلي!

هل هم مثلنا يتألمون في أول الحبِّ وفي آخره

ويبكون مثلنا إن تركنا الحبُّ ذابلِيْنَ على الضِفاف

ومثلنا يبكون إن ماتت الجارة التي تشرب قهوتها على الشرفة

ومثلنا يستيقظون في السادسة والنصف من أجل العمل

واللحاق بباص المدرسة..!

ومثلنا يدخلون الحمّام؟

.

أهم مثلنا؟

!يَغارون على النِساء من عيون العابرين

ويخافون الحياة من موت بسيارة مسرعة في الطريق

ألهم خمس حَواس وسادسة لينجو طفل يلعب حول الماء؟

ومثلنا يَمرون مِن شارعٍ تُزينه أَشجار السّرو، نقطة علاّمه المدرسة القديمة

إذن، لماذا يستمتعون بصوت القَذيفة حين تُصيبنا، ويصيبنا النزيفُ

.

أكانوا مِثلنا يَفرحون إن كان المولود البِكْر ذكراً

وكان موسم الأمطار ـ مثلنا يسعدون جيداً

ومثل بعضنا المدخن ينسون مكان علبة الكبريت والسجائر،

يطرقون باب الجيران في الليل بحثاً عن علبة ثانية

ويكتبون الشعر للورود التي تنبت في شُقوق الإسفلت

.

أهم مثلنا…؟!

.

وإن سألتَ عن فرق بيننا قلت:

نحن نَعدُ أيامنا الباقيات ونمر في ممرِّ الحياة

فرحين برجوعنا سالمين إلى البيت

سالمين من جنون الجندي على الحاجزِ

وفرحين بأننا نجونا من أعدائنا الذين

يتربصوننا في كل شيء

.

أهم مثلنا؟!

إذن، لماذا ترتعد فرائص أمي كلما غادرت المدينة؟

.

أهم مثلنا

تسعة جنود أوقفوا سيارة التاكسي

وكتبوا بدم أخي على الزجاج : نحن أبناء الوحدة الثالثة

مررنا بالقتيل فاقتلعنا منه الحياة من أجل خطبة السبت!

والتاجر الذي أهدى والدي سلة الشوكلا

يعمل قاتلاً في أول الشتاء

.

أهم مثلنا

أجل لكن شيئاً ما لا أعرفه

يَصعد من بلاط غرفة الفندق الباردة الآن

يصرخ: هم سرقوا جثث أصدقائنا

من المشرحة وباعوها قطع غيار لأموات

ليصيروا قتلة

.

أهم مثلنا

المجندة التي سألت أُمي عن نوعِ الحليب

لابنتها الرضيعة، كانت تفتش جسد أختي الصغرى على المعبر

.

أهم مثلنا

ويشبهوننا كما تتشابهُ قصص السفر

والتذاكرُ

والمطاراتُ

وليالي الوحدة

هم مثلنا لهم عينان وأنف ويدان وقدمان وحواسٌ خمس

متأهبة دوماً لقتلي في الطريق..

.

كنْ ما تريدُ

كنْ عتَّالا، يجرُّ صلاته كل يوم بحثا عن الله

بجانب المقصلة

كنْ ربَّ عائلة يرجع من العمل

ولا يخرج إلى المقهى

هرباً من طفلتين شقيتين في البيت

كنْ زوجة لسائق شاحنة على الطريق

لا تنسى قلقها من غريزة القناص

في الطريق

كنْ عاشقاً جيدا

ينصت لكلام عاشقة

عن فساتين نجمات السينما

كنْ ما تريد

لكن لا تكن شاعرا

يُكررُ كلَّ يومٍ كلام العرب

عن رغبة الصحراء بالإنتحار.

 

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. هذا مقال نثري, وانفعالات لا شاعرية حصيلة قراءات فيسبوكية ربما.

  2. رائع هذا البوح ايها الطارق…كلمات ليس من السهل ان تغادرنا تخاطب الحواس فينا والوجد كما الفجر في بداية كل يوم اتمنى الحصول على الديوان قريبا

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>