إنهاء الانقسام.. أهو مطلب الأمة؟/ ثمينة حصري

لا أنكر أنّ خلافا فقهيا هائلا قد تعمّق مع مرور الوقت بين علماء الطرفين، لكن المصلحة دون غيرها كانت المحرك لهذا الخلاف؛ فمن المعيب بعد أكثر من أربعة عشر قرنا ألا نعي بأنّ مصلحة أولي الأمر غُلِّبت على مصلحة الأمة إلا من رحم ربي

إنهاء الانقسام.. أهو مطلب الأمة؟/ ثمينة حصري

.

|ثمينة حصري|

لن أخوض في نشأة شطري الأمة الإسلامية وانقسامها الأول شبه الرسمي بين سنة وشيعة، كما لن أنسبها لمعركة صفين، ولن أنكر اشتدادها بعد استشهاد الحسين. لا يعنيني في هذا النصّ المكتوب تجاوبا مع حالة الاشمئزاز التي أعيشها سوى وضعنا الراهن واشتداد الخصومة التي بات يحلو للبعض اعتبارها عداوة بين الشطرين المذكورين.

 

أغضّ الطرف متعمّدة

لن أتطرق للمفسرين المتكسبين الذين تحوّلت صورتهم في أذهاننا إلى كروش تتدفأ تحت عباءات وعمم نتنة يحملون صرّة من الأموال المعدنية، ولن أذكر أولئك العاملين بدافع تبسيط النصّ للعامّة حبا في شرع الله وإنقاذا للبشر من شرور جهنم. سأتحاشى جمع الحديث وتحديد الثقات والانتقائية الفاضحة في أصول علم الرجال وتسفيه المؤتمنين بنظر البعض وتبجيل السفهاء في نظر البعض الآخر. سأغضّ الطّرف عن الربط بين أُولي الأمر والعلماء وقادة الجّيوش وسأشيح بوجهي عن الدّماء التي سفكت بمباركة هؤلاء العلماء ظلمًا وتجاهلاً لأكثر آيات كتابهم وضوحًا “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”، وأكثر أحاديث رسولهم بساطة “قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا”. سأترك الباب مواربًا للبلاهة والسّذاجة لتصوّرا لي بأنّ أولي الأمر لم يتنبهوا لما يعنيه غضب الله ولعنته وإخراجه إياهم من الجماعة، أي جماعة المسلمين، فضلا عن عذاب حسبهم رادع بأنه عظيم.

الخروج من الملّة ذريعة

سأتمسك بفكرة إخراج أحد ما من جماعة ما تجمع أفرادها فكرة أو إيمان ما، وهو ما أحسبه من صلاحيات الخالق حين يدور هذا الإيمان حوله، ومن هذه النقطة سأدخل في صلب ما يعنيني.

إذا سلمنا بأنّ الأمة الإسلامية تنقسم اليوم بين فئتين أساسيتين ولن أسميهما طائفتين أو ملتين الآن على الأقل وهما الشيعة والسنة، وتجاهلنا انقسام كل منهما لفئات كثيرة أخرى، فإننا نلاحظ طابعا غالبا على علاقة الطرفين وهو انعدامها أصلا، سيما وأنّ الخجل يغلب على الوحدويين من الطرفين كما تخفي أعمالهم الكراهية الطاغية على قوميهم.

وإنني إذ اعتدت على إدانة أولي الأمر في أيّ اعوجاج يصيب الأمة، كما اعتدت اعتبار كل من يقول بإسلامه مسلما، لا يحضرني سوى الذهول من تورّط أبناء الأمة وعامتها وبسطائها في استطابة الانقسام والمغالاة في إبرازه والتبجح به. باستطاعتي فهم دوافع المستفيدين كمديري القنوات الفضائية التي تتربح وتتغذى على تسويغ هذا الانقسام والمشايخ الذين يعملون فيها باعتبارها مصدر رزقهم، كذلك يمكنني إيجاد الحجج المنطقية لرؤساء الدول والأحزاب التي ترتكز على انتمائها الدّيني لتوسيع الهوة بين أبناء الأمة في محاولة مفضوحة لإظهار تفوقها على الآخر الذي لا يشكل منافسا لها أساسا. لكن هل يمكن تفهم الضغائن المتعاظمة التي يحملها شاب فلسطيني سنّيّ لم يغادر بلاده أبدًا للشيعة جميعًا، دون أن يلتقي بأحد منهم يومًا؟

السعودية وإيران

ربما يصعب الاعتراف بأنّ انعدام الإنجاز والشعور المزمن بالفشل يخلق عند البعض أحيانا حاجة لاختلاق تفوّق مصطنع للتخفيف من ثقل العبثية التي تسيطر على حياته، فما بالكم بأمّة كاملة أعظم ما “أجزته” مؤخّرًا هو الدخول لموسوعة جينيس بأكبر صحن تبّولة؟

يشعر المسلم السّنيّ في أيامنا هذه بالدونية أمام الشيعيّ ويجاهره العداء رغم أنّ أدبيات قومه تشير لعدو آخر هو ذاته من تشير إليه أدبيات قوم الشيعيّ. ينبع الشعور بالدونية -وإن رفضنا الاعتراف بوجوده- من تفوق الشيعي على السني متمثلا بتطوّر إيران النسبي وهي التي يستحسن السنيون تسميتها بالدولة الشيعية، وتصريحات قادتها بنيّتها محاربة أعداء الأمة ولو شكليًا، كذلك حزب الله اللبناني والذي يعتبره البعض منتصرًا ولا يعترف بانتصاره وتصدّره للمقاومة البعض الآخر. في مقابل هذا تنبطح المملكة العربية السعودية الدولة السنية الأبرز سياسيا واقتصاديا تحت أقدام أعداء الأمّة، كما تحتفظ الولايات المتحدة بموطئ قدم دائم في عديد الدّول السنية الأخرى، ممّا يُشعر الفرد بحاجة مُلحّة لتعويض شعوره بالخزي من سياسات أولي أمره. لكنه بدلا من رفض هذه السّياسات ولوم قادة بلاده ينساق وراء أبواقهم متشبّثا بفتاوى إخراج الشيعة من ملة المسلمين وتحريم التقريب ومراقبة القنوات المسمومة التي لا تنفكّ تكرّر إيمان الشيعة بتحريف القرآن وسبّ الصحابة وأمّهات المسلمين.

لا أنكر أنّ خلافا فقهيا هائلا قد تعمّق مع مرور الوقت بين علماء الطرفين، لكن المصلحة دون غيرها كانت المحرك لهذا الخلاف؛ فمن المعيب بعد أكثر من أربعة عشر قرنا ألا نعي بأنّ مصلحة أولي الأمر غُلِّبت على مصلحة الأمة إلا من رحم ربي.

وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون

لا شكّ بأنّ “ميمري”، مؤسّسة دراسات إعلام الشرق الأوسط، ترى عملنا وتتابعه بدقّة نشطة، تتابع الفضائيات العربية وبالأخصّ القنوات ذات الطابع الديني وتلتقط بمهارة شديدة كلّ ما يثير الجدل ويسيء للإسلام قبل المسلمين. بالطبع لم تخلق هذه المؤسّسة تلك الفيديوهات التي تحرص على ترجمتها ونشرها، إذ تقتطعها من سياقها وتسوّقها على أنها واقع المسلمين، ولم تقم بتجهيز الاستوديوهات وأطقم التصوير والإعداد ولم تدرّس المشايخ في كلياتها أو مساجدها. لم تطلب مؤسسة “ميمري” من الشيخ أحمد الأسير الصراخ مهدّدًا حسن نصر الله ونبيه برّي بأنه لن يدعهما ينامان في الليل، “سلميا طبعا”، كذلك لم تحرّض الشيخ ياسر الحبيب على وصف الخليفة عمر بن الخطاب ببشاعة الخَلق. وإذا افترضنا أنّ لكلٍّ من الشيخين مصلحته بناءً على نزعته الطائفية، فهل نفترض أنّ مؤسّسة “ميمري” طلبت من أناس عاديين تعليق لافتة كتب عليها “عائشة في النار” بالبالونات وإطلاقها نحو السّماء؟ وهل أمرتهم بإنشاد المكتوب عليها وإبداء السّعادة كذلك؟

في الحقيقة لا أجد سببًا يدفعني كعلمانية للتذكير بأهمية الحفاظ على وحدة المسلمين باستثناء التاريخ والحضارة والموروث التي يحزنني تحييدها مقابل استحضار نقاط الخلاف بمناسبة ودونها، كما أعلم جيّدًا بأنّ المستفيدين من اقتتالهم بهذه الطريقة الفجة الحمقاء ليسوا المسلمين أنفسهم.

 

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. مقاله اكثر من رائعه اذا تسمح لي الاخت الكاتبه في اعاده نشرها مع نشر اسمها عليها في مواقع اخرى اكون شاكرا لها الجميل هذا

  2. جميل جميل جميل

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>