التحويل الجنسي ليس شذوذًا/ خالد منتصر

بعض الأطباء تعلموا أنّ الطب مجرد مصطلحات لاتينية وليس سلوكيات إنسانية وأن المريض ما هو إلاّ بعض أعضاء متناثرة من كبد وطحال وفشة، وليس إنساناً متكاملاً يعامل كبني آدم له علينا حق الفهم وعلينا أن نعامله كأطباء وليس كميكانيكية تصليح أجساد

التحويل الجنسي ليس شذوذًا/ خالد منتصر

|خالد منتصر|

القهر الجنسي له صور متعددة ولكن من أكثر صوره بشاعة هو ما نفعله بمن يريد تحويل جنسه، وخاصة إذا طلب رجل أن يتحول لإمرأة فلأنه يريد أن يتحول من الأرقى إلى الأدنى وهي الرتب التي منحها له المجتمع، فإنّ نفس المجتمع يرفض وبشدة أن ينقص مجتمع الرجال الفحول فرداً وأن يزيد مجتمع النسوة المائعات “المائصات” واحدة..

وقبل أن نبدأ لا بدّ من البحث في شريط الذكريات الذي يحمل مشهدين المسافة بينهما هي المسافة بين التقدم والتخلف ورؤية تفاصيلهما عن قرب، وبشيء بسيط من التحليل تفضح كم أصبحنا نعاني الردة والتقهقر وتكشف عن أننا فضّلنا طريق الجهل السهل بعد أن زرعنا طريق العلم بالألغام وفرشناه بالنابالم.

المشهد الأول في مستشفي قصر العيني، وتحديداً في قسم جراحة التجميل، وفي أثناء السكشن عرض الأستاذ على الطلبة حالة لمريضة أجريت لها عملية تحويل من ذكر إلى أنثى منذ أسبوع، أي أنه كان رجلاً منذ أسبوع فقط وتحوّل حالياً إلى امرأة. والمسألة لم تكن في تاء التأنيث التي أضيفت إليه ولكن في الخطوات والإجراءات التي أحاطت بهذه العملية. كان الجراح فخوراً وكانت المريضة سعيدة، وكان الطلبة في حالة اندهاش، ولكنها بالقطع لم تكن حالة إدانة، وقد عرفنا بعد ذلك حين استضافتها “أماني ناشد” في برنامج كاميرا 9 أنها ابنة مستشار بمجلس الدولة.

المشهد الثاني حدث هذا العام حين شاهدت صديقي جرّاح التجميل يجلس مكتئباً، وعندما سألته عن سرّ إكتئابه أخبرني بأنّ المريض الذي لجأ إليه لكي يجري له عملية التحويل إلى أنثى منذ أكثر من عام قد انتحر بقطع عضوه التناسليّ وظلّ ينزف حتى فارق الحياة، وذلك لأنّ صديقي الجراح لا يستطيع أن يغامر بمستقبله المهني ويجري له العملية، لأنه إذا فعل ذلك سيعرّض نفسه للمساءلة وسيتمّ فصله من نقابة الأطباء وإغلاق عيادته، فالنقابة لا تعترف بهذه العملية، والتيار الإسلامي الذي سيطر عليها دسّ أنفه حتى في هذه العمليات بدعوى الحفاظ على القيم والفضيلة والشرف، فأسرع بتكوين لجنة مهمتها التفتيش على الكفرة المارقين من جرّاحي التجميل وكأنها تتعامل مع حلاقي صحة ولا تتعامل مع أساتذة لهم قدرهم العلمي ووزنهم الأكاديميّ، بالرغم من أنها تجري في السعودية قدوتهم المفضلة بشكل طبيعيّ!
ولكي نقدّر ونفهم طبيعة المشكلة لا بدّ أن نفهم أولاً طبيعة هذا المرض والذي يسمّى “الترانسكس“. والترانسكس مرضٌ من أمراض اضطرابات الهوية التي تصيب الرجال والسيدات على السواء، ولكن السائد والمقلق في نفس الوقت هو التحوّل إلى أنثى لدرجة أننا من الممكن أن نعتبر التحوّل إلى رجل كأنه غير موجود، ويلخّص هذه الحالة قول المريض “أحس بأنني في فخ.. أشعر بأن جسمي خطأ.. كل الناس تعاملني على أنني رجل مع إني حاسس إني إمرأة.. صحيح عندي قضيب وخصيتان وصوتي خشن وصدري فيه شَعر، إلاّ أنني لست رجلاً… طول عمري حاسس بأني مستريح مع مجتمع الستات وباحسدهن على أنهن ستات”… ويظل يقسم باغلظ الأيمان بأنه ليس رجلاً ويهدد الطبيب في جملة حاسمة “لو ماعملتليش العملية حاروح أعملها عند حد تاني.. أنا حابقى ست يعني حابقى ست”!
ويظلّ المريض مصمماً على إجراء عملية التحويل، وحين يرفض الجميع تحويله ينتهي به الأمر إلى أحد طريقين لا ثالث لهما؛ الطريق الأول هو التحوّل إلى العنف والبلطجة والشذوذ، أمّا الثاني فهو الإنتحار بالتخلص من رمز ذكورته الذي يخنقه.

والنوع الاجتماعي GENDER شيء والجنس SEX شيء آخر. الجندر مكانه الإحساس والمخ، أما الجنس فمكانه شهادة الميلاد والبطاقة الشخصية؛ الجندر رجل وامرأة، أمّا الجنس فهو ذكر وأنثى؛ الجندر سلوك وتصرفات ورضا وقبول بكون الإنسان رجلاً أو إمرأة، أما الجنس فهو صفات تشريحية وأعضاء تناسلية وخلايا وأنسجة وهورمونات.

وتحديد نوع الجنس يمرّ بأربع مراحل:

1. المرحلة الأولى: مرحلة الـ GENETIC SEX وهى تتحدّد عند تخصيب البويضة، ما إذا كان الذي أخصبها حيوان منوي يحمل جين X أم Y، فإذا كان X فالمولود أنثى، وإذا كان Y فالمولود ذكر.

2. المرحلة الثانية: هي مرحلة الـ GONADAL SEX والتي تبدأ بعد الأسبوع السادس لأنه قبل هذا الأسبوع لا يحدث أي تمايز للأعضاء التناسلية التي تتحدد بعد ذلك إلى مبيضين أو خصيتين.

3. ونأتي بعد ذلك إلى المرحلة الثالثة وهي المرحلة الظاهرية الـ PHENOTYPIC SEX والتي تنقسم فيها الأعضاء التناسلية، وتتمايز وتظهر الأعضاء التناسلية الداخلية والخارجية تحت تأثير الهورمونات. فمثلاً في الذكر يكون تأثير التستوستيرون المسبب لظهور الحويصلات المنوية والبروستاتا، الخ.

4. ثم نصل إلى محور حديثنا وبؤرة قضيتنا التي نعرض لها وهي الهوية والتي تتحدد بمرحلة الجنس المخّي أو الـ BRAIN SEX والذي تتحكم فيه عوامل هورمونية ونفسية وأيضاً تدخل فيها عوامل التنشئة والتربية والتركيبة السيكولوجية لهذا الفرد والتي تحدد له فيما بعد هل هو رجل أم إمرأة. هل نحن أمام حالة نفسية أم عضوية؟ هذه نقطة طبّية غاية في الأهمية لأننا في معظم الأحيان نخلط ما بين “الترانسكس” و“الإنترسكس“، وهو مرض عضوي ينشأ عن عدم المقدرة على تحديد جنس المولود بعد ولادته وذلك لوجود عيوب خلقية في أعضائه التناسلية الخارجية فتتم تنشئته بصورة مغايرة لحقيقته العضوية، مما يؤدّي إلى مشاكل صحية ونفسية وإجتماعية فيما بعد، وهذا النوع يمكن تجنبه بسهولة عن طريق استخدام تحليل المورثات الجينية CHROMOSOMES بعد الولادة مباشرة.

وبعد التفرقة ما بين مرض “الترانسكس” و”الإنترسكس” لا بد لنا من أن نفرّق ما بينه وما بين الـ TRANSVEST والخلط الحادث بين الاثنين ناتج عن محاولة لارتداء الملابس الأنثوية في الاثنين، ولكن هناك فرقاً كبيراً بين الاثنين؛ فالأول يرتديها لتأكيد الهوية أما الثاني فيرتديها لأنها الطريق الوحيدة لديه للإثارة الجنسية والوصول إلى الأورجازم.

وبعد هذه التفرقة تفرض علامة استفهام أخرى نفسها وهي: هل لجوء أيّ رجل إلى جرّاح التجميل وطلب تحويله إلى امرأة، يُحتم موافقة الطبيب على الفور ويدفع به إلى غرفة العمليات وكأنها عملية زائدة دودية؟! الحقيقة والواقع يؤكدان عكس ذلك، وللأسف هذا ما لا تفهمه النقابة، فالجمعية النفسية الأمريكية قد وضعت شروطاً لإجراء هذه العمليات ولتشخيص هذه الحالة وهذه الشروط هي:

أولاً: لا بدّ أن يظل هذا الإحساس بعدم الارتياح والاقتناع بالهوية لمدة لا تقل عن سنتين.

ثانياً: لا بدّ أن تمتد الرغبة في تغيير الجنس لمدة لا تقل عن سنتين.

ثالثاً: ألاّ يكون المريض واقعاً تحت تأثير مرض نفسي كالشيزوفرينيا أو عيب وراثيّ.

عند توافر هذه الشروط وعند التأكد من هذا القلق والاضطراب الذي يصدع الهوية يجب على أسرة المريض اللجوء للعلاج النفسيّ لتأهيله نفسياً وإجتماعياً قبل إجراء أية عملية. إذن الأمر ليس لهواً جراحياً أو دجلاً طبياً، القضية علمية بحتة، والمشكلة نفسية تحتاج إلى الفهم بدلاً من التجاهل، والتعاطف بدلاً من التعامي، فهذا حقّ لهذا البني آدم الذي يريد أن يحسم هويته ويحاول أن يوازن ما بين مخه الذي يخبره بأنه أنثى وما بين جسده الذي يصدمه بأنه ذكر.

الغريب والعجيب أننا كنا رواداً في مجال هذه الجراحات، فأبو جراحة التجميل المصريّ د.جمال البحيري له عمليات تدرّس باسمه في مجال عمليات التحويل، والتي كان يجربها هو وتلامذته في الستينات والسبعينات حتى أنّ الأوربيين كانوا يلجأون إليه لإجراء هذه العملية قبل أن يهجر جراحة التجميل التي أصبحت في نظر الكثيرين رجساً من عمل الشيطان وتغييراً في خلقة الله، وكانت أكبر اللطمات التي وجهت لهذه العملية الجراحية قد حدثت بعد قضية “سيد عبد الله” الطالب بكلية طب الأزهر والذي أصبح “سالي” بعد الجراحة التحويلية والتي أجريت له سنة 1986، والمدهش أنّ الضجة قد أثارها بعض الأطباء الذين تعلموا أنّ الطب مجرد مصطلحات لاتينية وليس سلوكيات إنسانية وأن المريض ما هو إلاّ بعض أعضاء متناثرة من كبد وطحال وفشة، وليس إنساناً متكاملاً يعامل كبني آدم له علينا حق الفهم وعلينا أن نعامله كأطباء وليس كميكانيكية تصليح أجساد! والأكثر إدهاشاً أن الذي أنقذ “سالي” هو وكيل نيابة وليس طبيباً وهو أيسر أحمد فؤاد، الذي تعامل مع الأمر بكل تفتّح وموضوعية وعقلانية، ولكن كل هذا لم يمنع النقابة من التنكيل بالدكتور عشم الله الذي أجرى له الجراحة.

إنّ أهمية الموضوع ليست في تفاصيل المرض أو خطوات العملية، وخطورة المسألة ليست في دور الهورمونات أو الجينات، ولكن الأهمية والخطورة تنبع من أننا نحرم إنساناً من أبسط حقوقه، وهي أن يكون نفسه.

(الكاتب طبيب مصري؛ عن موقع: ترانس جندر إيجبت، 2010)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. انا امير انا من صغير و انا حسس انى بنت خولت كتير اتعالج لكن العلاج فشل اتحجزت فى مستشفيت نفسيو لكن كانت الدكتره و العملين يعملونى باسلوب وحش

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>