5 ملاحظات على “إعلان الدولة”/ علاء حليحل

من الصّعب نعت يوم 29 نوفمبر 2012 بأنه يوم فلسطينيّ حزين أو سعيد، لأنّ غالبية الفلسطينيين كانوا إمّا غاضبين وإمّا حياديين (بانتظار ما سيحمله هذا اليوم). صار معظم الفلسطينيين on hold

5 ملاحظات على “إعلان الدولة”/ علاء حليحل

عباس في خطابه أمام هيئة الأمم المتحدة

.
|علاء حليحل|

 

1

في اتصال هاتفيّ أجراه خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، صباح الإثنين الذي سبق التصويت في الأمم المتحدة على قبول فلسطين دولة مراقبة، أكد ترحيب حماس بخطوة الذهاب للأمم المتحدة للحصول على صفة دولة مراقب. في موقع حماس على الانترنت صرّح عزَّت الرَّشق، عضو المكتب السياسي لحماس، الخميس عشية التصويت: “إننا نرحب بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح فلسطين صفة دولة مراقب.. ونعتبر أن هذا مكسب لشعبنا… رغم أنّ فلسطين تستحقّ أكثر من ذلك… إننا نؤكَّد على ضرورة وضع هذه الخطوة في سياقها الطبيعي كجزء من رؤية وإستراتيجية وطنية ترتكز على المقاومة، وعلى التمسّك بالحقوق والثوابت الوطنية وعدم التفريط بذرّة تراب من أرضنا الفلسطينية من البحر إلى النهر”.

هل هذا ممكن؟ تثبيت الأمم المتحدة كمرجعيّة للصّراع، بقراراتها التاريخية والجديدة، وفي نفس الوقت “عدم التفريط بذرة تراب من أرضنا الفلسطينية من البحر إلى النهر”؟ نعم، ممكن في حالتين؛ أنّ حماس دخلت في حالة فصام مستعصية، أو أنها تتعامل مع هذا الإعلان على أنه تكتيك في الإستراتيجية بعيدة الأمد (كامل التراب). عباس يتعامل مع الإعلان على أنه إستراتيجية نهائية: حدود 67 (وتسويات جغرافية معينة). الخلاف بين حماس والسّلطة ليس جديدًا لكنه يكتسب في هذه الخطوة –وربما لأول مرة منذ 2007- بُعدًا إيديولوجيًا واضحًا.

ما قاله الرشق عن “أنّ فلسطين تستحقّ أكثر من ذلك” يجب أن نقوله نحن له ولعباس وبطانتيهما: فلسطين تستحقّ أكثر منكم. في 29 نوفمبر 2012 أعيد تقسيم فلسطين التاريخية، ولكن هذه المرة بين الفلسطينيين أنفسهم.

2

باستثناء بؤر دبكة ورقص فتحاوييْن في بعض المدن الفلسطينية، لم يُسجّل أيّ فرح أو انفعال فلسطينيّ يُذكَر. على العكس: الشباب غاضبون والكُهّل حياديون مع بعض التشاؤل. من الصّعب نعت يوم 29 نوفمبر 2012 بأنه يوم فلسطينيّ حزين أو سعيد، لأنّ غالبية الفلسطينيين كانوا إمّا غاضبين وإمّا حياديين (بانتظار ما سيحمله هذا اليوم).

صار معظم الفلسطينيين on hold.

3

بعض المطلعين في قيادة فتح يقولون إنّ السّلطة الفلسطينية تدرك الآن أنّ حل الدولتيْن بات مستحيلاً، في ظلّ سياسة الاستيطان والسّلب والنهب وفرض الواقع في الضفة الغربية، واستثناء قطاع غزة من “معطيات المعادلة التفاوضية”. وهم يقولون في جلسات مغلقة إنّ الذهاب إلى الأمم المتحدة هو بمثابة “على عينك يا بيبي”، أي: نحن نعرف أنّ حلّ الدولتين انتهى ولكن نريد أن نسجّل موقفنا واضحًا: نحن كنا نتمسك بحلّ الدولتيْن حتى آخر رمق.

أحد قياديي فتح لم يستطع الإجابة على السّؤال المفروغ منه: لماذا هذا الإصرار على لعب دور “الولد الشاطر” ولماذا الانشغال في مشروع كهذا وفي تبعاته الآتية، بدلاً من الانشغال في بلورة مشروع الدّولة الواحدة؟

أحد الخبثاء قال ببساطة: في الدولة الواحدة سيضطرّ فاسدو السّلطة لمنافسة فاسدي الحُكم في إسرائيل على الكعكة. عندها فقط قد تنشب حرب حقيقية بين مُمثلي السّلطة وإسرائيل.

4

قياديّ بارز في فتح أكّد في جلسة مغلقة على أنّ الأوروبيين (وعلى رأسهم فرنسا) قالوا لعباس بوضوح: سندعم قبول فلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة، شريطة أن تتعهّد وبشكل لا يقبل النقاش، بعدم اللجوء إلى المحكمتيْن الدوليتيْن.

هذه هي التفاصيل الهامّة والمصيرية: بلا اللجوء إلى المحكمتين الدوليتين يظلّ هذا الإعلان فارغًا من أيّ مضمون. مجرد احتفائية دولية لتنظيف ضمير “المجتمع الدولي” الذي يدعم إسرائيل ضدّ فلسطين في الأماكن الهامة حقا (مجلس الأمن، الناتو، الاتحاد الأوروبي). فرنسا دعمت الإعلان، في نهاية المطاف. واحد زائد واحد. في المقابل، منح عباس العالم دزينة من الأوراق المُعطّرة لتنظيف أيديهم الوسخة. فلسطين fresh ones.

5

لو أنني متأكد تمامًا من شجاعة عباس وبطانته في اللجوء إلى المحاكم الدولية وحشر إسرائيل في الزاوية (وتحمّل النتائج) لفكّرت ولو بقليل في الترحيب بهذه الخطوة، على المستوى التكتيكي. في النهاية، حتى التكتيكات والمناورات يمكن أن تكون جيّدة سياسيًا، على المدى القصير، ولكن يظلّ السّؤال: من الذي يحرّك الحجارة على طاولة الشطرنج.

ونحن، منذ يومنا الأول، منذ انتهاء ثورة 1936، لم نعرف للحظة كيف نحرّك الحجارة على طاولة الشطرنج، باستثناء حجارة الانتفاضة الأولى المجيدة. هذا هو الإعلان المطلوب اليوم من عباس: نعلن هنا عن تأسيس دولة الانتفاضة الأولى، بشعبيّتها وصدقها وقوتها اللانهائية، ولذلك لم يعد مكان للسلطة الفلسطينية الانتقالية، لأنها لم تنتقل بنا إلى أيّ مكان.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. من المسلمات ….عدم تواجد لدولة بين اسرائيل والاردن ….
    حياة الربيع

  2. الاخ علاء, انت الان بمنصب ابو مازن والمفروض ان تتخذ القرارات الصحيحة التي سو يحاسبك عليها التاريخ, هل ستستمر قدماً بالنضال المسلح امام اسرائيل ؟
    ام سوف تحاول باقرب وقت ان تبني دولة ومؤسسات دولة لكي تمضي الى مستقبل مشرق للشعب والقضية الفلسطينية التي لم تحل منذ اكثر من 65 عاماً.
    الرجاء ان نكون واقعيين ولا نتزين بالوطنية ونحن موجودن باعراشنا العاجية, بالضفة وغزة هناللك الالاف من الشباب الذين يودون ان يحققوا ذاتهم اليوم ولا ان يزاودا عليهم بالشعارات التي تهدر دمائهم وتقتل احلامهم.
    هنالك العديد من الامثال العربية التي تصيب الهدف اجابتاً لهذا المقال, “الي بيوكل العصي مش زي الي بيعده” , “والي ايدوا بالمي مش زي الي ايدوا بالنار” والخ من الامثال التي تربطنا بارض الواقع.
    الى كل من يزاود على وطنية ابو مازن كفاكم رقص على الدماء هنالك شعب يود ان يناضل نضالات اخرى ليست فقط مسلحة, نسينا نضال الفكر, الاقتصاد, العلم, والتكنلولوجيا, ما تكتبوه يخدم تعزيز مكانتكم الوطنية المزيفة لكنه ليس بالضرورة يخدم الشعب الفلسطيني بكل مكان .

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>