صاحبة الجلالة بلا هدوم/ وديع عواودة

لو كان إعلامنا أكثر قوة لما سادت الفوضى فعالياتنا السياسية لهذا الحد كما يتجلى في “المتابعة” وانتخابات الكنيست وسلوك الأحزاب والنواب

صاحبة الجلالة بلا هدوم/ وديع عواودة

WWW

>

|وديع عواودة|

وديع عواودة

وديع عواودة

إزاء التطورات المتواترة في كل المستويات، تطفو مجدّدا أسئلة هامة حول وسائل الإعلام العربية في البلاد ومسيرتها وتطورها وواقعها بين الموجود والمنشود. بعد تدمير المؤسسة الصحفية الفلسطينية في نكبة 48 وإغلاق صحفها اليومية (فلسطين، الدفاع والجامعة الإسلامية) ومجلاتها الكثيرة، خلت الساحة (باستثناء صحيفة الاتحاد الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصادرة منذ 1944) لوسائل إعلام ناطقة بلغة الضاد لم تكن سوى بوق لإسرائيل. وشهدت سنوات الثمانين بداية انطلاقة جديدة مع ظهور الصحف العربية المستقلة ونجحت بعضها بإنتاج مواد صحفية هامة ومفيدة على مستوى النقد والثقافة العامة والترفيه وغيره.

في هذه الأيام نحن في خضم مرحلة ثالثة من مسيرة الإعلام المحلي منذ 1948 ومن أبرز سماتها تراجع كبير للصحف المطبوعة لصالح مواقع الانترنت. وإضافة لعدة مواقع إخبارية مركزية هناك مواقع محلية في كل بلدة عربية وكافتها تشغّل بشكل عام مراسلين يحملون كاميرا مهمتهم التقاط صور بالدرجة الأولى. هؤلاء يعملون بشروط عمل قاسية دون إعداد وتهيئة وتأهيل. الكثير من هذا الرعيل الصحفي الصاعد لم تسعفه الدراسة في جامعة أو كلية نتيجة قلة التعّلم العملي واستنكاف أماكن عملهم عن تدريبهم وهذا يعكس قصورًا وقصرَ نظر   ونظرة قادة وسائل الإعلام الإلكترونية هذه من محرّرين ومديرين.

يكتب ولا يقرأ

ولا يعدم جيش المراسلين أنفسهم الخلل الذاتي فهم بغالبيتهم يكتبون أكثر مما يقرؤون، يبلغ ضعفهم بالتعبير بلغة الأم لحدّ الخلط بين التاء والهاء وبين الظاء والضاد. في مثل هذه الحالة يخرج المراسلون للميدان مثلهم مثل الجنود المندفعين لساحات الوغى وبنادقهم كالعصيّ بلا ذخائر. يخرج لتغطية الحدث ولا يعرف ما هي واجباته ودون أدوات تعينه على رصد الموجود والمفقود وعندها يعود بلا “صيد”، حمولته بمعظمها قشّ دون حبوب نافعة؛ يرجع دون خدمة المهمة المنوطة به بل يتعرّض للاستغلال والتغرير به فيأتي بما يجافي الحقيقة وبما يخدم من هم ليسوا جمهور هدفه، المجتمع.

ومثلما يستطيع أحدهم تعزيز قدراته اللغوية والبيانية بقواه الخاصّة، بمقدوره العمل على التمكين الذاتي من الناحية المهنية في حال توفرت الرغبة بالتطور وتحسين الأداء.

وبالأساس يتجلى الخطر المحدق بهذه المواقع الإخبارية العربية وبنا بتراجع النقد فيها لحدّ الغياب الكامل أحيانًا، مقابل تصاعد قوة العلاقات العامة في الأحزاب والجمعيات الأهلية والسلطات المحلية.

تستغلّ هذه المؤسسات وغيرها ضعف الصحفيين والتحرير لتسويق مزاعم فيها الكثير من الغلوّ والتبجيل والتضليل والأكاذيب الهادفة لطمس حقائق يتعطش لها الجمهور الذي يجد نفسه أمام هذه المؤسسات مباشرة دون واسطة (ميديا) وبلا مصفاة. عندئذ تكون النتيجة سيلًا من مواقع إخبارية يكاد ينحصر أداؤها بنشر ألبومات صور من فوقها ثلاث عبارات ونصف بكل عبارة فيها خطأان، أو بيان يرد دون تدقيق وفرز للحَبّ من التبن.

الرقابة الذاتية

ينم هذا الخلل عن عجز مهني وعن هيمنة الرقابة الذاتية بدلا من الرقابة الحكومية التي لم تعد موجودة، نتيجة قلة الحرفية وضعف الخطاب النقدي وفقدان الشعور برسالة المهنة ومن باب “حيّد عن ظهري بسيطة”. بمثل هذه الحالة تزداد الأوضاع السياسية والاجتماعية سوءا وتستفحل  مظاهر الفساد على أنواعه ويتمادى اللصوص والسماسرة داخل السلطات المحلية باعتبارها “بقرة حلوبا”؛ فهم باتوا بلا حسيب أو رقيب بعدما غطت “صاحبة الجلالة” في نومها وبعدما نامت نواطيرها.

أما السياسيون فمعظمهم لا يتردد بنشر فتوحاتهم  بآخر موقع هابط، بل تكاد تدفعهم نرجسيتهم لنشر بياناتهم وصورهم على أوراق الشجر، ولو كان إعلامنا أكثر قوة لما سادت الفوضى فعالياتنا السياسية لهذا الحد كما يتجلى في “المتابعة” وانتخابات الكنيست وسلوك الأحزاب والنواب. للصحافة المهنية قدرة على المشاركة في تحديد الأجندة العامة وتصويب المسيرة السياسية بكلّ الأبعاد، من علاقتنا بأنفسنا وشعبنا وأمتنا، أهداف ووسائل ومجمل سلم أولوياتنا.

ما يزيد طينتها بلة هو الجمهور نفسه الذي تقبل أوساط واسعة منه -منهم مثقفون- على توجيه الانتقاد لمواقع “مضحكة” وبنفس الوقت لا تتورع عن تصفحها والنشر فيها دون أيّ إبداء لاحتجاج أو لتوجيه أو لانتقاد مهنيّ شفهيّ أو خطيّ. يقرؤون عن خروف برأسين أو دجاجة بأربع أرجل، يشبعون رغبتهم “بالترفيه” وما يلبثون يوجّهون الانتقادات لهذه المواقع في المجالس الخاصة فقط، بأحسن الأحوال، وفي اليوم التالي ينشرون مقالات وبيانات فيها. ويشارك فقدان التفاعل النقدي للقراء في تكريس أزمة الكتابة الصحفية.

ورغم دورها الهامّ والمفيد لنا جميعًا، ينطبق بعض هذا على إذاعة “الشمس”. أما مركز “إعلام” فجهوده ينبغي أن تنصبّ أيضا على الدائرة المحلية بالأساس وعلى التدريب والتمكين الفعلي والمتواصل حتى نشعر فعلا بأنه بيت للصحفيين العرب.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. حتى 1948 كانت الاتحاد تصدر كلسان حال مؤتمر العمال العرب وعصبة التحرر الوطني. الاتحاد تحولت إلى لسان حال الحزب الشيوعي فقط بعض 1948. هل شكلت عصبة التحرر الوطني حزبا شيوعيا؟ هذه مسألة أخرى.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>