إنتهى كل شيء

ربّما وحدي أشعر بذلك
أتأمّل القطرة الأخيرة في زجاجة البيرة
التي سأنهيها الآن
والسيجارة التي أطفأتها لتوّي
وأتمنّى لو أنّ الحبّ أيضاً ينتهي بالطريقة نفسها
لو أنّك تتلاشى من رأسي نهائياً

إنتهى كل شيء

|سمر عبد الجابر|

سمر عبد الجابر

ربّما وحدي أشعر بذلك

أتأمّل القطرة الأخيرة في زجاجة البيرة

التي سأنهيها الآن

والسيجارة التي أطفأتها لتوّي

وأتمنّى لو أنّ الحبّ أيضاً ينتهي بالطريقة نفسها

لو أنّك تتلاشى من رأسي نهائياً

كما هذا الدخان المتلاشي في الهواء

لو أنّني يمكنني الانتقال إلى حبٍّ جديد

ببساطة الإنتقال إلى زجاجة بيرة أخرى

ببساطة الإشارة إلى النّادل:

“حبّاً جديداً لو سمحت”

إنتهى كلّ شيء

شيءٌ ما كان يتغيّر تدريجيّاً

وكنت أعرف ذلك

تماماً كما تدرك النبتة أنّها تحتضر

وهي تراقب لونها الأخضر يبهت تدريجيًّا

ويؤلمها عجزها عن فعل أيّ شيء

تماماً كما تنبسط كفٌّ زهقت روح صاحبها للتوّ

وهي عاجزةٌ عن التشبّث بأيّ شيء

كان من الأجدى أن أراقب الوردة جميلةً عن بعد

لكنّني بسذاجة الأطفال قطفتها

وأنا أعرف أنّ مياه المزهريّة لا تعادل جذورها

وأنّني أقتلها قبل أوانها

كان من الأجدى أن أصدّق نشرة الأحوال الجوّية

لكنّني بحماسة المراهقين

انطلقت بقاربٍ متهالك القوى إلى منتصف البحر

وأنا أعرف أنّي سأهلك لا محالة

ها أنا في الحانة

أتأمّل انعكاس وجهي على زجاج الطاولة

وأفكّر بكميّة الوجوه التي تنعكس يوميّا على البقعة نفسها

وأتمنّى لو أنّ الحبّ ينعكس بالطريقة نفسها على قلبي أيضاً

لو أنّه يختفي تماماً

ببساطة اختفاء وجهي

حين أنهض بعد قليل

ها أنا محاطةٌ بالغرباء

بكثيرٍ من الوجوه العابرة التي لا تعني لي شيئاً

وأتمنّى لو أنّك فجأةً تصبح واحداً منهم

أفكّر كم هم رائعون الآن

أكاد أصرخ لهم جميعاً أنّي أحبّهم حقّاً

لبساطة أنني لا أحفظ تفاصيل وجوههم

وأن لا ذكرى تجمعني معهم

وأني لن أفكّر في أيّ منهم وأنا أحاول النوم لاحقاً هذه الليلة

غداً سوف أصحو بصداعٍ حاد

ورأسٍ ثقيل

وقلبٍ منهك

فأقسم بأنّي لن أشرب ثانية

تماماً كما أقسم كلّ ليلةٍ، في طريقي إلى الحانة،

بأنّي لن أنتظرك ثانية

تماماً كما يمضي نهارٌ آخر

وأنا أنتظرك

ها أنا أغادر الحانة

أتأمّل تعليقة المعاطف الخالية خلف الباب

وأتمنّى لو كان يمكنني حين دخلت

أن أعلّق أفكاري على واحدةٍ منها

لأقضي الليلة متخفّفة من ثقلها

ها أنا في الطريق إلى المنزل

الجبال التي كانت واضحة هذا الصباح

تختفي الآن خلف الظلام

كما لو أنّها ليست هناك حقّاً

كم أتمنى لو أنّ الحبّ أيضاً، حين يحلّ الّليل،

يختفي من قلبي بالطريقة نفسها

إنتهى كلّ شيء

ربّما وحدي أشعر بذلك

ولسنا بحاجةٍ إلى مناقشة الأمور

ولست بحاجةٍ إلى اتّخاذ القرارات هذا المساء

ثمّة شيءٌ ما يؤكّد ذلك

ربّما هذا المطر الخفيف الّذي يطرق برفقٍ على زجاج السّيارة

كمعجزةٍ في صيف هذه الصّحراء

ربّما هذا الهواء الّذي هبّ فجأةً يحرّك الأشجار

كما لو يقود ثورتها على روتين ذاكرتها الممل

ربّما هذه الورود الزهرية التي تطلّ عليها نافذة غرفتي

والتي لاحظت الآن فجأةً أنّها كبرت كثيراً

فأدركت كم كنت مشغولةً بمراقبة ألمٍ يكبر في داخلي

ربّما قلبي الّذي سكبت لك منه ما يفوق قدرتي

متناسيةً ذلك الصّدع في كأسك

ربّما قلبي الّذي يتآكله دود الفراغ على مهلٍ

وتتناهشه مخالب الملل بلذّة

ربّما قلبي الّذي أدرك فجأةً كم أنّ الحبّ وهمٌ

تصنعه قلوبنا تماماً كما يصنع المؤمنون آلهتهم

إنتهى كلّ شيء

وللمرّة الأولى

أشعر أنّي حقّاً أصدّق ذلك.

(فلسطين/ سلطنة عمان)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. جميلة وصادقة
    شعرت ببعض الإطالة بنصف القراءة, لأن الحبكة الأساسية (نعم رغم كونها شعرا الا انك نجحت بصياغة حبكة جميلة يستمتع القارء بفهمها) لكن الذي يعوض عن الاطالة هو أنك تحافظين على الخط العام – فتعود فكرة إنتهاء الاشياء ببساطة, وكونها عابرة وقابلة لتجدد, أمام ذلك الحب الذي يأبى إلا أن يبقى ويستمر رغم “المقاومة” وعتاب الذات.
    والنهاية جميلة.. فيها إشارة لاستيعاب ما سيساعدك على “التخلي”, وبصدق وقوة بعض الشيء (لكننا نعرف أن حبه عنيد بعض الشيء رغم ذلك).

    أحببت فعلا, واعجبتني الكثير من الصور التي رسمتها, وخاصة رسم الشخصيات – في الحانة, والوجوه التي تمر حوللك وخاصة بحثك عن وجه الحبيب بينها

    تحياتي/

    مريم, القدس

  2. رائعة بكل معنى الكلمة !

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>