رام الله صباحًا

كعازفٍ ينامُ على الرصيفِ
في عاصمةِ الضباب
حيث الحبُّ ينهمرُ
تماماً كما الرصاص في بلادنا
يصطادُ قلوبنا بالرعب.
كقارئٍ ضائعٍ في مدينةِ رام الله
يجلسُ على كرسي في إحدى زوايا المقهى

رام الله صباحًا

|مهيب البرغوثي|


مهيب البرغوثي


رام الله صباحًا

هنا موعدٌ لتتفتَّحَ

أزهارُ الحديقة،

وموعد عمالٍ، قلوبهم

يملؤها الحبُّ وصوتُ فيروز،

وهنا أيضًا

فلاحون/ فلاحات أيقظوا الفجر

برائحة النعناع البلديّ

وصبايا أطلن النظرَ في المرآة

تحسّبًا لصدفةٍ ما،

بائع الكعك أبو محمود بسنواته السبعين

يلا يا كعك.. كعك القدس يا كعك.


ستموت دوني

ماذا لو سقطتَ كعصفورٍ في أيدي الأطفال؟

هل سيصنعون منكَ نوافذَ للحرية؟

ستموتُ دون درجات بيتك

ودون دفاتر التلفونات أو أزهار الصبّار

في حديقة جارتك

وحتمًا دون وجه أمك المسكينة

وبموتك لن تبني دولة كاملة السيادة

أو تدفعَ رواتب أحد

وموتكَ سيثقلُ كاهل عامل النظافة

ويملئ صندوق القمامة.


كلبتي وأنا.. متعة الخيانة

شكرًا للنادل، لدفتر الديونِ الصغير، شكرًا للطاولاتِ التي احتملت كلَّ هذا الغباء، شكرًا للبيرةِ الباردة.

شكرًا ليدينا تحت الطاولة ولخيانةِ رؤيتنا وتواطؤ النادل معنا ونحن نضعُ بعض الفودكا على كأس البرتقال.

إيه أيتها المدينةُ المتعبة، هل مزقتي غشاءَ بكارتنا الرثّ؟

إنه العماءُ حين نصبحُ مجردَ سؤالٍ على شفاه الراحلين. كأسٌ من العرقِ الباردِ لا بأس به في هذه الزوبعة.

اقتتالٌ داخلي في غزة، إسرائيل تقتحمُ مخيم بلاطة في نابلس وتقتلُ طفلين وتعتقل طفلا آخر، عرض أزياء “مودرن” في رام الله، تقريرٌ لرويتر: القهوةُ الباردةُ تتعب القلب.

على ناصيةِ الشارع

عند أقربِ حاوية

سأُلقي برأسي.

توجعني سرعةُ دقاتِ قلبي

بعد ممارسةِ الجنس

مع سيجارةِ مريغوانا

أحاولُ أن أقرأ سد هارتا، لا شاي عندي، والقهوة قد انتهت قبل يومين، لا بأس ببعض البيرة، ما تبقى من بقايا صديقةٍ ما.

فراشٌ يملئ جثتي

زجاجٌ خلف عينيّ

صديقتي تحب أرغون

وفكرةَ التدخين ليلا

تحت الفراش.

إنه الفراغ يقتل الذاكرة

فيصبح الوطن سلحفاة عمياء

أعود للبيت في الرابعة صباحًا، أسمع موسيقى فيفالدي “الفصول الأربعة”، أشتاقُ لنَمْلِ الشتاء، لا لشيئ سوى لأني أحبُّ أن أرقص عاريًا تحت المطر.

كلُّ شيء نحو العدم

حدقاتُ عيني تؤلمني

أرى الدخانَ يخرج من مؤخرتي

أعد أدراج الوقت

منذ ثلاثةِ أشهر قررتُ أن أتوقف عن أكل الحوم لأصبح نباتيًا يوما ما، كلبتي “كتي” لم بعجبها الحال، فتركت ورقة في الحمام؛ إن لم أعد إلى طبيعتي ستهجرني وتبحث عن كلب آخر.

الروح تحتفل بقتل المكان

فقد ضاقت وضاعت

بين أكوام النفايات الصلبة ومؤخرات

الجنود على الحواجز.

جارتي متزمتة جدًا ومتدينة جدًا وطيبة أيضًا وتخجلُ أن تطلبَ مني إيجار السكن. وأنا، بوقاحتي، أشعرها أني دائمًا على استعدادٍ أن أدفع إن هي طلبت.

الليلُ يفكرُ بوحدتي

وأنا أيضًا أفكر

قد تزورني من كانت هنا بالأمس

وقد نمارسُ الجنس تحت الطاولة

ترى هل سيرن التلفون كما في المرة السابقة؟

لقد تهت أكثر من 30 سنة بين حركات التحرر التي لم تتحرر؛ فقد كنت شيوعيًا مصريًا وشيوعيًا عراقيًا وشيوعيًا سوريًا ومغربيًا وأردنيًا وفلسطينيًا ويمنيًا ولبنانيًا وما كنت أنا يومًا.

أبكي، أضحك

أذهب للحمام

أرتدي بنطالي بالعكس

أسقط

أسمع ضحكات صديقتي

في بيت جاري

أضحك

أبكي

أبول

حين أفكرُ في البلاد التي تركتها، في الأشياء التي نسيتها في السجون التي حملت إثمها، أنسى أن اتصل بأمي بعد سبع سنين لأقول لها إنني ما زلت حيًا لا يرزق،

إنه الجوع

حين يصبح الشارعُ

أكثر أمانًا من البيت

الكلُّ نائم. نصر الله يعطي دروسًا في النحو. أفكر لماذا رفعت الحكومةُ من سعر الخبز. ترى ما الذي يجري هناك. هل ما زال زياد ينتظر في مقهى رام الله؟ وصالح، ما الذي حصل معه بعد أطفاله والتنظيم والصحافة وقلة الحيلة في خلع قناعه؟ آه أيها العالم.. لماذا علي كل يوم أن أرى كيس البلاستيك يمرُّ أمامي ويجلس على طاولتي.

آه إنكم بقايا هذا العالم المثقوب.


تشبيه

كقلبِ راقصةٍ في بار في

إحدى ضواحي باريس

يضجُّ بالعتمةِ والحبِّ،

بينما ابنها ينتظرها

خارجَ الباب متوسلا

العابرين خبزَ يومه.

كعازفٍ ينامُ على الرصيفِ

في عاصمةِ الضباب

حيث الحبُّ ينهمرُ

تماماً كما الرصاص في بلادنا

يصطادُ قلوبنا بالرعب.

كقارئٍ ضائعٍ في مدينةِ رام الله

يجلسُ على كرسي في إحدى زوايا المقهى

ويشربُ أرجيلته وقهوته ويقرأ في

“الحياة كسرد متقطع”.

كأرملةٍ عتَّقها السّوادُ

ومراهقةُ ابن الجيران وثرثرةُ القهوة

ككلِّ هذا الخراب

يَبِسَ العشبُ بقلبي وانتحرتْ العنزةُ المُسنة

ككلِّ هذا السّواد أنسحبُ تدريجيًا..


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. وأنا بدي أحكيلك يلعن ربك بس مش قادر..

    الله شو رائع !!!!

  2. اول اشي حكيتو بعد ما خلصت ” يلعن ربك” ..
    بس طبعا ما بيزبط اكتبها هون بدون اي اشي .. فبحكيلك بعد كل اللي انكتب يلعن ربك ..

    بكل هالحزن اللي فيك .. انتا مكتمل

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>