رجفة الأتون…/ أنوار سرحان

|أنوار سرحان| كنتَ معترشاً مقعدَك وقلبي، وكنتُ جاثيةً ع […]

رجفة الأتون…/ أنوار سرحان

|أنوار سرحان|

كنتَ معترشاً مقعدَك وقلبي، وكنتُ جاثيةً عند قدميك أغسلهما بمنقوع وردٍ وفلّ لمّا انتبهتُ لاختيال الماء بنفسه إن خالط عرقك، وأنا التي لم أعهدني غيورةً قطّ، وجدتُ في أعماقي بركاناً منها، انتشلتُ قدميك ودسستُهما بين فخذيّ، ثمّ رفعتُ الحوض وسكبتُ ماءه فوق رأسي. لم أنتفض لمّا تخلّل الماء شَعري. كنتُ فقط أحدّق شامتةً فيما تناثر من الورد حولي، منتشيةً بعرقك، فيما كنتَ تنظر إليّ برضًا وهيبة، وعرشك فيّ يزداد شموخاً.

مشدوهةً أفقتُ من رؤياي! عبثاً فتّشت عن المعنى. كيف تلصّص الحلم عليّ؟؟ نفضتُ عني ما رأيتُ فتشبثت بي الرؤيا وما زالت..

أنا التي تباهيتُ دوماً بسموّي عن الغيرة… وبأني يوماً لم آبه لسواي، فأنّى تواجدتُ (أقول)، مكاني أملأه وأفيض، إلى أن كان وباغتني استسلامك أمامها. أذهلني ما نبت أمامك من حقول انبهار، إذ تساقطَت نظراتك أمطارَ دهشةٍ لتورقَ أشجار استلابٍ بينك وبينها، لم أنظر إليها ولم أسعَ أن أتبيّن من ملامحها شيئًا، أو قلْ: لم أستطع أن أزيح عنك نظراتي المصعوقة، وإذ يكاد يعبر من جانبي صوته يحدّثنا عنها، لم أتحقق من حروفه شيئاً؛ غارقةً كنتُ في شلال انشداد جاب روحك حتى تدفق فغمرني.. إذ وقفتَ شارداً مذهولاً مجذوباً في جذل..

أنهى حديثه وانتظر أن يقول أحدنا شيئاً..

قالت عيناك دهشاتٍ وانبهاراتٍ، فيما تشابكت كلّ خيوط لساني منعقدةً تشكّل سوراً أمام حروفي الآيلة إلى الاحتراق. تمنيتُ أن أسلّط عليها لساني شهباً حارقةً، أن أحيل كلماتي ماءَ نارٍ يشوّهها.. أن أفتح الدربَ أمام ما يستعرُ بي كي تطالها ألسنته فتحيلها رماداً، إذا ما نفثتُه تبعثر في كلّ اتجاه، فيكون درساً لكلّ من سوّلت له نفسه أن يشغلك عني..

آآآآآآخخخ؛ ليست الأرض وحدها من تتفجر فيها البراكين… وليست الزلازل محصورةً في انكسارات الطبيعة!

رأيتُني أستحيل سماءً فقدَت جنتها فترعرعت فيها جهنم.. ولوهلةٍ أغدو متفهّمةً لشرّ سارة إذ قذفت هاجر إلى وادٍ غير ذي زرع.. لا ليس في هذا شرٌّ بالمعنى الحقيقيّ، فأنت لن تفهم ما يعني أن تغار امرأة.

فكرتُ للحظة بأنّ الله إذ هدّد بنيرانه، إنما كان يعني أن يجرّب أعداؤه لهيبَ عمقي تلك اللحظة، بعد أن سكنتني سقر؛ هل أغار عليك لهذا الحدّ؟ وهل تشعلني هذه الـ…؟

كيف استطاعت أن تسلبك لهذا الحدّ حتى غبتَ في عالمها؟ كيف ملكَت أن تزيحني منك كأنما لم أكن، فتهتَ فيها وسلوتَني؟؟

عبثاً سعيتُ ألملم ما انفرط من عقد كبريائي أمام نفسي.. فإذا هو ينفلت من جديد..

لم أتيقّن يومها إن كان ما أثارني حقاً هو كونها مجرّد لوحةٍ فنية، أم لأنها لوحةٌ لأنثى، أم ببساطةٍ لكونها سرقتك مني كلَّ تلك الجاذبية.. فيقيني الأوحد أنّ نيراناً تأججت فيّ، وأنّ غيرةً مجنونةً تناسلت في روحي لهيباً..

.. ثم رأيت شفتيك تهتزّان. فهمتُ أنك كنتَ تتحدث بشيء لم أسمعه وسط ضجيج غليان قلبي فوّاراً.

هل كنت تبحث عني إذّاك فيما حسبتُها لحظة انفلاتك مني؟ لم أملك أن أفكّ خيوطَ كلامي.. ظلّ الانعقاد يغلبني.. ضممتك إليّ. تمنيت للحظةِ لو أنّ لي أن أشقّني وأودعك فيّ.. عميقاً عميقاً..

ربّما كنت ترضي غرورَ صاحبك الرسّام فتبوح له بما أثارت لوحته فيك.. وربّما قلتَ أي شيء آخر.. لم يعنِني ما قلتَ بالضبط؛ فوسط ضياعي ما بين وجعٍ وصراحة مرآة اكتشاف ذاتي، وما بين الاشتعال غيرةً أو جنونَ شوقٍ –سيّان- بتّ أشتهي أن أقضم صوتك كيلا ينسابَ إلى أذنٍ فأحسدها.. أن أخزن نظرة عينيك فلا تنطبع على أحد.. اشتعلت في عمقي أنهارُ حنين شرير.. لو كان لي مثلاً أن أفرشني أرضاً كيلا تطأ قدمك سواي، أو أنثرني هواءً كيلا يلامسك هواءٌ غيري…

قادرةً أغدو أن أجنّ إن داعبت شعرَك نسمةٌ فتلذذتَ، إن انساب ماءٌ إلى جوفك فارتويتَ منه.. إن ارتديتَ معطفاً فراودك دفئه، إن بغطاءٍ غيري كسوتَ نفسك، أو وسادةً غير ذراعي توسّدت.. أهو التملك المجنون أم نرجسيتي المجروحة؟ أم أنه شرّ كم دُفن في أعماقي ولم أعرفه قبلاً؟

غادرنا المعرضَ ولم يغادرني تيهي الذي تشظيتُ فيه.. انتبهتُ أنك تقول شيئاً من جديد. كنتُ أحتضن صوتك وأشدّ عليه حدّ خنقه في أذنيّ، من دون أن أنجح في فهم معانيك، بينما ظلّ الصمت قريني والكلماتُ حبيسةً في حلقي، لم أبُح لك بشيءٍ مما اندلع فيّ!

قبّلتني بدفءٍ ونشوةٍ أرجعها حدسي (المسكون بأتون غيرتي)، لما بعثَت فيك تلك اللوحة. ثمّ نمتَ بهدوءٍ مستسلماً للذّتك، فيما نمتُ أنا صارخةً بصمتٍ يفجّرني. صحوتَ من نومك فجأة كأنما اكتشفتَ سرّاً كنتَ تبحث عنه، سكبتَ إليّ لهفةً وحبّاً وشوقاً وشهوةً في نظرةٍ استقرّت على وجهي بريقاً وهمستَ بسحرك:

“هل انتبهتِ كم كانت تشبهكِ تلك اللوحة يا حبيبتي؟”

يااااااااااه!

هل كنت تبحث عني إذّاك فيما حسبتُها لحظة انفلاتك مني؟؟

لم أملك أن أفكّ خيوطَ كلامي.. ظلّ الانعقاد يغلبني.. ضممتك إليّ. تمنيت للحظةِ لو أنّ لي أن أشقّني وأودعك فيّ.. عميقاً عميقاً.. عميقاً فلا يلامسَك شيءٌ سوايَ. تمنيتُ لو أنزعك مجدداً من العالم كله وأدعك تجول فيّ فقط لأكون عالمك الأوحد.. ضممتك أكثر، أكثر، أكثر.. وحاولتُ مجددًا أن أنام فراودتني تلك الرؤيا.. وما زالت تأتيني كلّ ليلةٍ..

كلّ تلك الليالي التي مرّت، وكلّ هذا الشغف القاسي الذي ما زال يتناسل فيّ، كلّ ما سكبتُ على جسدي في رؤاي من ماء عرق قدميك، وكل ما شمتُّ به من الوردات المتناثرة، لم يكن ليكبح غيرتي أو يبهتها. غير أنّي، ووسط حثيث محاولاتي العابثة أن أفهم، أدركت أمرًا:

أنا لست أغار من أحدٍ حبيبي.. لا لستُ أغار من أحد.. أنا أغار عليك…

أو ربّما عليّ؟!

(كاتبة فلسطينية)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. مجنونة: يا أنوار…
    هذه الزهرة التي تشبهك لن ترضى بأن تكون غريبة… خلي بستانك يمتد إلى ما أبعد من المسافة… إنها مشروع رواية سأنتظرها، ملء اشتياقي…

  2. سرد رائع وخاتمه عبقرية
    شكرا لانك ضحكتيني وبكيتيني
    انا في انتظار المزيد

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>