كولاج/ أنوار سرحان

|أنوار سرحان| قبل قبل البدء.. بعضٌ من وصيّة وصية 1-: إذ […]

كولاج/ أنوار سرحان

|أنوار سرحان|


قبل قبل البدء.. بعضٌ من وصيّة

وصية 1-: إذا حدث ومتّ، فلا تسمحوا لذاك الشيخ أن يلقّنني… أخشى أن ينتقم لما بيننا من خلافاتٍ فيدلّني على عكس ما ينبغي كي أضيع طريقي!
وصية 2-: تلك العجوز لا تسمحوا لها بغسل جثّتي، أخشى أن تفضح ما أخفي من الندوب
وصية 3-: ثمة ضحكةٌ عالقةٌ بين فكّيّ من عقود- لا تنتزعوها رجاءً فقد ادّخرتها لقبري
وصية 4-: لا تختلفوا على الإرث، لن أترك غير أطفالٍ كبروا على عَجَل وقصاصات نصوصٍ لم تُنشر من شدة القنوط، وأوزارٍ لن تعنيَ لأحد شيئاً.. وشهاداتٍ سرقتني ولم أسرقها، وكتبٍ ستفرح بالغبار ريثما يحتاجون مكانها لمشاريعهم..
وصية 5-: لا تزرعوا لي الريحانَ، يكفي أن تجلس نائلة خطيب فوق قبري تدخّن سجائرها وتتلو عليّ نصّاً شريراً وعبارتين لسمر دياب… وإن لزم الأمر تعليقاً ساخراً لتركي عامر..
وصية 6-: لا تكتبوا إليّ رسائل عن ربيعٍ تساقطت أوراقه وعن معاناة فلسطين، سيحكي لي أجيالٌ قادمون إليّ هناك بعد عقود…
وصية 7-: لا تكتبوا لي مرثيات في الفيسبوك، “حبيب ما نفعني وانا حيّ، شو بدّي فيه عند هيل التراب”؟
بداية- قبل الخطو:

 كم كان حكيماً طبيبي إذ نصحني بممارسة المشي في الغابات لعلاج الاكتئاب؟.. ربّما كان يدرك كم سيرافقني طيفك في كل خطوة، لأنسى كل كآبات الكون ولا أذكر إلا كم أحبّك !

طيف:1

ممارسة المشي؟ إنها فكرةٌ تقوم على حذاءٍ رياضيّ ولباسٍ فضفاض، واكتئابٍ تسعين للتخلّص ممّا يحفر في روحكِ، ثمّ حديقةٍ مصممةٍ بنمط الغابات تجوبينها فلا تلقَين غير بضع عجائز قوقازياتٍ جلسن للاستراحة عند مقعدٍ خشبيّ ، وفريق فتيانٍ يتحدثون العربية ويتدرّبون للرياضة، يتظاهرون بأنهم لا يأبهون لمروركِ إذ صاح مدرّبهم بهم، وشابٍّ التقى معشوقته في ركنٍ بعيدٍ ظنّاه خالياً حتى إذا ما تنبّها إليكِ ارتبكا وارتبكتِ أكثر حرصاً ألا تخدشي سرّ لقائهما… وسنونوةٍ تطير من غصنٍ لغصنٍ كأنما تسابقكِ، فتفتّح لكِ ذهناً يكتب النصوص شفاهاً حتى إذا ما عدتِ لأوراقكِ ولم يتسنّ لكِ الاختلاء بها، لعقتِ حروفكِ ورحتِ تسهرين على شرفةٍ زيّنتها نرجيلة وأناسٌ كلما مرّوا بكِ أبدوا صعقاتهم لأنكِ تنحرفين عن مسالككِ فراحوا يحذّرونكِ من أضرار التدخين!

طيف 2..

لكن ماذا؟

لن يزعجَكِ تشابكُ الأشجار ولا الطبيعةُ الوعريّة كدروب روحكِ.. ثمّ من أيّ عنصريين متطرّفين تخشَين إساءة؟!
العنصريون المتطرفون يا حبيبتي لا هم يمشون في الطبيعة متذوّقين بياضَ زهرةٍ تتحدّى القسوةَ مصرّةً أن يبزغ صفاؤها مهما تصخّرت تربتها، ولا أفقُهم ينفتح ليتماهى بشموخ سماءٍ رحبةٍ بسطَت أمومتها تستر عيوبَ الأرض، ولا قلوبُهم مشرَّعةٌ نحو الله يرونه (كما الحلاج) في عصفورةٍ تلقم صغيرَها حبّاً وأماناً إذ تهيّئه للتحليق… العنصريون المتطرفون لا يدخلون الحدائق المصمَّمة كالغابات، فلأذهانهم وأرواحهم غاباتٌ أخرى، أكثر تشابكاً وتوحّشاً…

طيف-3

والشمس أيضاً لا تؤذي، لا بوهجٍ ولا بنور، وحدها العتماتُ قاتلةٌ يا حبيبتي..
سيكون لكِ أن تشرّعي روحكِ حتى إذا ما غسلكِ نورها خلعتِ عنكِ كلَّ وجع، لتنسي أطفالاً فلسطينيين انزلقوا من رحم أمّهاتهم إلى مستنقع جمرٍ ونار مصلوبين بوزرٍ لم يدركوه، انسي طفلاً صومالياً أصابته تخمةٌ هوائيةٌ لفرط ما ألقمته الفراغَ أمٌّ تصبّ عليه نظراتٍ أقحلت بعدما قنطت من جدوى الدموع، لعلكِ أيضاً تتخلصين من أحبّةٍ رحلوا وما رحلوا، إذ غادروكِ جسداً واحتلّوكِ روحاً، ولم يدركوا كيف من صمتهم اندلعت فيكِ الصرخات… لا تفكري بحرياتٍ لا تُمنح شعباً إلا فوق جثة آخر… كلّ هذا وأكثر ستلقين به منكِ ما أن يلفّكِ نورٌ حقيقيّ… كلّ هذا سيغدو آخر ما أن تعرّي روحكِ وتخلعي عنكِ كل الحجُب فلا يستركِ غيرُ النور…

طيف-4

ما الذي يربككِ تماماً؟

سيكون لكِ أن تهتفي ملء صوتك تمجّدين اسم الله.. لن تخشي إلحاح غبائهم بأن “اخمدي أفكارك، أخرسي كلّ ما يتقافز أمامك من إشارات استفهامٍ صارخة، أخفي ما ترينه من تلك الزاوية البعيدة فلا أحد يرضى بأكثر من زاويةٍ واحدة.. التهمي ما يلحّ عليك من قلق.. صيحي مع الصائحين فقط، طبّلي مع من يطبّل، وكوني بوقاً لفكرةٍ واحدةٍ لا نرى سواها.. “

لا يا حبيبتي، لن تهتمّي لدعواتهم الغبية. سيمدّ الله إليكِ يداً حانيةً، فأطلقي صوتكِ، لا تخشي مَن يلحّون أنكِ عورةٌ كي يهزموا بكِ نفوسَهم الدنيئة. شرّعي ذراعيكِ ملء الفضاء، اصرخي ما أسعفكِ القلبُ، وشقّي بنوره صفوفَ عتماتهم المتراصّة: “يا الله… هذا الذي يُنحِلونه اسمك لا يشبهك أبداً.. والديانات التي يتّبعون، لا تُفضي إليك.. يا الله… باسمك القتل وباسمك التخلف وباسمك الشرّ وباسمك الدناءة وباسمك الزيف.. يا الله… متى ترحم اسمك ممّا يعتدون؟؟؟”

5.. طيف

دعي الوصايا جانباً يا حبيبتي.. لا ريب كان محقّاً طبيبكِ، لن تعيقكِ ساقكِ التي بتروا، ذاك أنكِ وللمشي في غاباتهم لن تحتاجي غيرَ أجنحةٍ لا تشذَب، وقلبٍ يسكنه الله، وعينٍ لا تضيق، وطيفٍ يخلص لكِ الحبّ..

(نحف)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>