أبي في السّبعين..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة| أيّها الأعزّة! اسمحوا ليَ، اليومَ، أن […]

أبي في السّبعين..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة|

أيّها الأعزّة! اسمحوا ليَ، اليومَ، أن أحدّثكم عن أبي، الّذي لَطالما داعب تلاميذه على مدار خمسين سنة، مدرِّسًا في الابتدائيّات والثّانويّات والكلّيّات والجامعات والدّورات النّهاريّة واللّيليّة المختلفة، وغيرها.. وغيرها.. حين كان يُسأل عمّا مضى من عمره المديد – بإذن الله – وهو لم يزَلْ، حينَها، في عزّ عمره – ولا يزال – فيقول: أنا ابنُ سبعين. تُرى ما الّذي كان يدور في خَلَدك، حينَها – يا حبيبي! – عندما كنتَ تُطلقُ هذا الجواب المشاكِس؟ وأيًّا كان الجواب، فها هي سبعونَ المداعبة سبعونَ الحقيقة، وها هو الأبُ يُصبح جدًّا، وها هو المعلِّم المثال يتقاعد، متفرّغًا للتّرجمة والإبداع، ويظلّ المعلِّم.

أبي أنا هو الأستاذ موسى أسعد عَودة، رجلٌ من بلادي، حُرٌّ أصيلٌ نبيلٌ جميل، كريمٌ نظيفٌ عفيفٌ شَفيفٌ رقيقٌ أنيق، معلّمي ومؤدّبي وصوتي وصورتي، مَن أورثني ما – والله – لو وضعوا الشّمس في يميني والقمر في يساري لما قايضتُ به، أبدًا!.. وأكرّر، اليوم، ما قُلته فيه بالأمس، حين بلغ السّتّين:

يا مَنْ بَلَغْتَ مِنَ الجَلالِ جَلالًا / رَجُلًا يُزاحِمُهُ الكَمالُ كَمالًا

نِعْمَ الأُبُوَّةُ والنُّبُوَّةُ يا الَّذِي / تَخِذَ المُرُوءَةَ فِي الحَياةِ شِمالًا

كُلٌّ يَرُومُ على البَرِيَّةِ رُتْبَةً / وَفَرَعْتَ وَحْدَكَ أُمَّةً وَرِجالًا

.

للهِ دَرُّكَ يا حَلِيلَ سَمِيَّةٍ / تَرْعى الأمِينَ وأسْعَدًا وَمَنالًا

أسْمَيْتَنِي بِاسْمِ الحَبِيبِ مُؤَمِّلًا / أنِّي أُجَدِّدُ لِلْحَبِيبِ فِعالًا

أسْقَيْتَنِي نُغَبَ المَكارِمِ رَيْقَها / أطْعَمْتَنِي مِنْ راحَتَيْكَ حَلالًا

وَكَسَوْتَنِي حُلَلًا حِسانًا غَضَّةً / وَوَسَمْتَنِي مِنْ أصْغَرَيْكَ مَقالًا

.

يا عُمْرَ عُمْرِي! ذاكَ عَهْدُ مُقاتِلٍ / ألّا يُضَيِّعَ لِلْحَبِيبِ سُؤالًا

فَإذا سَقَطْتُ أمامَ عَهْدِي زاحِفًا / سَجِّلْ، إذًا، أنِّي قَضَيْتُ قِتالًا

.

أعْلاكَ رَبِّي فِي الحَياةِ مُظَفَّرًا / يَطَأُ السُّهُولَ فَتَسْتَحِيلُ جِبالًا

وكلّ سبعين وأنت أبي.. بألف خير!

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

.

قال اللّغويّ الرّوائيّ الفيلسوف:

عضلة بين الفخذيْن- سَوْأة الجسد. عضلة بين الفكّيْن- سَوْأة الرّوح. عدوّ حكيم أفضلُ من حميم لئيم. ينفُرُ النّاسُ من إنسانٍ اشتمّوا في أفعاله سعْيًا وراء مَنفعة، برغم يقينهم بأنّ ما يجمعهم -في الأساس- هو المنافع. يجب ألّا نلوم إلّا أنفسنا عندما يُهيننا الأغيار. شعر ظاهره نثر وباطنه شعر- أنبلُ أجناس الشّعر. نثر ظاهره شعر وباطنه نثر- أرذلُ أجناس النّثر. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

.

الصّيّاد..!

يسمعهم الصّيّاد يقولون ويقرأُهم يكتبون: “بشرى سارّة” أو “بشارة خير”.. وأرى أنّ ذلك – من جملة ما أراه – بتأثير من العبريّة؛ حيث كلمة بشرى أو بشارة (“بْسُورَاه”) تعني فيها الخبر، عمومًا؛ فيقولون: (“بْسُورَاه طُوڤَاه” و”بْسُورَاه رَاعَاه”) وما إلى ذلك. علمًا أنّ كلمة “بشرى” أو “بشارة” في اللّغة العربيّة الشّريفة تعني الخبر المفرح. فليس من المنطق ولا الذّوق اللّغويّيْن القول: “بشرى سارّة” أو “بشارة خير”، بل قولوا واكتبوا: “بشرى” أو “بشارة” فحسْب، إذا ما قصدتم “الخبر المفرح”. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

.

أعتذر إليكم.. لأنّني منكم وإليكم..!

منكم المعذرة، أيُّها الأعزّة! فإنّه لازدحام العمل والدّراسة، قد تحتجب هذه الزّاوية بعض الوقت، وقد لا تحتجب، وكيف لها أن تُطيق احتجابًا؛ فعلاقة الكاتب بسادته القرّاء علاقة السّمك بالماء والطّير بالهواء، فسنعود، حتمًا، عمّا قريب، أو لا نعود؛ على فرض أنّنا لن نذهب، أصلًا. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

(الكبابير/ حيفا)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. سلمت سيّدتي/أختي أمّ أحمد!
    من أنت؟
    أسعد

  2. السلام عليكم ..
    اللهم بارك فيكم جميعا.. في الحقيقة يابني … لا أجد ما اقوله عن بر الوالدين بعد كلامك ..حماك الله وزانك ، حقا إنك لم تترك موضع كلمة ولا حرف إلا وغرست فيها أزهارا عطرية يفوح أريجها بمحبة مصطفوية… زرعها فينا خير البرية عليه صلوات الله وسلامه … حماك الله ووالدك ، وأطال في أعماركم للدين فخرا وللجماعة الإسلامية الأحمدية ذخرا .. وحما الله تلك الديار التي أنجبت مثل هؤلاء الأبرار … اللهم آمين

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>