أسألُ عن لُغتي؛ أُعايدُها..!/ أسعد موسى عودة

أسألُ عن لُغتي؛ أُعايدُها..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة| نكتبُ لأنّنا في حاجة إلى أن نكتُب؛ نك […]

|أسعد موسى عَودة|

asaad-qنكتبُ لأنّنا في حاجة إلى أن نكتُب؛ نكتبُ لأنّنا في حاجة إلى استيعاب الحياة واحتمالها، بحُلْوها ووَحْلها؛ نكتبُ لنستريحَ من تعب المَعاش إلى تعب الكتابة، ونكتبُ لمآربَ أخرى..

نكتبُ حينَ يَفُضّ الكلامُ بَكارةَ البَوْح.. بعد رحلة عبور مُضنية في قنوات العقل ومنعطفات القلب ومصافي الضّمير، إلى أن يجد هذا الكلام طريقه إلى شفةٍ في الفضاء أو يدٍ في البياض..

وأكتبُ حينَ ينتصف السّواد؛ حيثُ لا أسمع ولا أرى إلّا ما أريد، وحيثُ يجد الكلامُ طريقه إلى لُغتي. أسألُ عن لُغتي؛ أُعايدُها..!

عُمر عشقي لُغتي أطولُ من عمري.. وفضاؤُها مِعراجُ روحي وتسبيحي.. منها أتيتُ وفيها عشتُ ولها كنتُ.. وإليها أعود وإليها أهود.. أسألُ عن لُغتي؛ أُعايدُها..!

فكم أخالُ أنّ ما تكنِزه العربيّة المِطواعة العصيّة في آنٍ، معًا، من طاقة خُرافيّة على خلق الكلام والحياة؛ كمادّة حيويّة معنويّة للبقاء، يوازي ما يكنِزه الكون كلّ الكون من مادّة مادّيّة عدميّة للفناء، أو أكثر ولا أقلّ.. أسألُ عن لُغتي؛ أُعايدُها..!

إنّي لأفتحُ عيني حينَ أفتُحها.. على كثيرٍ ولكنْ لا أرى أحدا.. إلّا لُغتَك وأهلَ لُغتِك يا دِعْبِل الخُزاعِيّ.. إلّا لُغتَك.. أسألُ عن لُغتي؛ أُعايدُها..!

نودّع عامًا ونستقبل نظيره، وحفلاتنا هي نفسها، رقصاتنا هي نفسها، قُبلاتنا هي نفسها، صَحَواتنا هي نفسها، سَكَراتنا هي نفسها، أمانينا، أغانينا، هي نفسها هي نفسها، وصلواتنا هي نفسها، ونحن على ما نحن فيه، لا نتغيّر فكيف نغيّر؟! لا يتغيّرُ ما فينا فكيف يتغيّر ما حَولَنا؟! أسألُ عن لُغتي؛ أُعايدُها..!

وتأتينا ماكينة الإعلام بتقاريرها عن رصيد العام المنصرم من أحداث، على مسرح الألم والأمل والخلل.. على مسرح النّدم والعدم والدّمّ، في جوٍّ احتفاليّ إيقاعيّ، يندُبُ الجميعَ إلى التّحليق في مطالع العام الجديد بمنازل العام القديم.. أسألُ عن لُغتي؛ أُعايدُها..!

وفي خضمّ هذا الجدل الفلسفيّ الميتافيزيقيّ – الماورائيّ، ولربّما المُتَفذْلِك، أيضًا، لا يسعني – وقد شَتَّ بقلبيَ الوَجْد – إلّا أن أُعايدَكم وأُعايدَكم “ألفَ عامٍ في النّهار”، وأمتطي حُلمي إليها، أُعايدَها، قمرًا عسليّ اللّون، وأقول لها: كلّ عام وأنت انتظاري..

وأقول لأنثى؛ لئلّا أُنسى… ولكن لن أبوح؛ وقد استحلفتني ألّا أبوح بما كتبتُ، إلّا في ديوان شعر.. أراه بعينيّ بعيدًا.. أراه بعينيها قريبًا..

وبعدُ، أسألُ عن نفسي أُعايدُني: كلّ عام وأنتِ العربيّة لُغتي.. كلّ عام وأنا لُغتي.. ولا شيءَ إلّاها..

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

الصّيّاد: “ما أنْ”.. أم “ما إنْ”..؟!

كثيرًا ما يسمعهم ويقرأُهم الصّيّاد يقولون ويكتبون، خطأً: “ما أنْ”، والصّواب: “ما إنْ”، لماذا؟

لأنّ الأصل في ذلك وعين الصّواب أنّ ما بعد “ما” النّافية في جملة مثل: ما إنْ قعد حتّى وقف، زائد. والمعنى أنّه في اللّحظة الّتي قعد فيها أو بمجرّد ما قعد وقف. أمّا “أنْ” مفتوحةَ الهمزة، فلا تكون زائدة، بل تكون ذات أثر ظاهر في مبنى الكلمة الّتي تليها، وهو ما لا يتضمّنه التّعبير موضوع البحث. فالصّواب، إذًا: “ما إنْ”؛ حيث إنّه إذا حُذفت “إنْ” لا يتغيّر مراد الكلام، ألبتّة.

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

جائزة نوبل أم جائزة كَلاشْنِكوف..؟!

قد لا يعرف كثير منّا أنّ البندقيّة الآليّة الأسطوريّة؛ الأشهر والأوسع انتشارًا في العالم، كَلاشْنِكوف، تحمل اسم مخترعها الفذّ، العسكريّ الرّوسيّ الفريق ميخائيل تيموڤييڤيتش كَلاشْنِكوف، الّذي وافته المنيّة في الثّالث والعشرين من الجاري عن عمر جاوز الرّابعة والتّسعين شتاء، وسيُشيّع إلى مثواه الأخير اليوم، الجمُعة، في العاصمة الرّوسيّة، موسكو، وقد وُلد في العاشر من تشرين الثّاني/نوڤمبر العام 1919 لأسرة فلّاحة فقيرة، حيث كان هو الابن السّابع عشر، وواحدًا من ثمانية أطفال بقُوا على قيد الحياة من أصل ثمانية عشر طفلًا كانت أنجبتهم الوالدة..

هذا وإنّه رغم الشّهرة واتّساع الانتشار الّذي حقّقه السّلاح الّذي اخترعه ميخائيل تيموڤييڤيتش كَلاشْنِكوف، والّذي يتفوّق –حتّى السّاعة– على أيّ سلاح خفيف آخرَ في العالم، لم يحظَ مبدعه ببراءة اختراع له، ولم يتلقَّ أيّ مقابل مادّيّ لقاء أيّ قطعة منه بِيعت ولا تزال تُباع بنسخها المحسّنة تِباعًا منذ عام 1941، بما يُقدّر بنحو سبعين مليون قطعة، لتصل نسبتها، اليوم، إلى نحو 20% من قطع السّلاح الخفيف المستخدم على مستوى العالم. ولو لم يكن ذلك كذلك لكان ميخائيل تيموڤييڤيتش كَلاشْنِكوف –في ظنّي– قد حقّق ثروة فاقت ثروة ألفرد نوبل، ولكان قادرًا – إذا أراد – على إعلان جائزة عالميّة تُضاهي جائزة السّويديّ – على الأقلّ – نوعًا وكمًّا، هذا رغم حصوله عام 1949 على جائزة يوسف ستالين (الفولاذيّ) ابن السّكّاف.

كان ميخائيل تيموڤييڤيتش كَلاشْنِكوف قد اخترع هذه البندقيّة ليحمي مصالح بلاده من الجرف النّازيّ، وقد باتت بندقيّته هذه، لاحقًا، رمزًا للحرّيّة والانعتاق من نِير الاستعمار في أزيَد من خمسين بلدًا في العالم، كما باتت في بعضٍ من هذه البلدان ثقافة كاملة. ولكن – في الوقت نفسه – يُرى إلى أنّه كان يتأسّف كلّ يوم؛ لرؤية بندقيّته في غير الأيدي الّتي صُنعت لتحملها؛ من أيدي أطفال لا تزال طريّة على حمل السّلاح، أو أيدي قطّاع طرق تدنّس شرف السّلاح.. وغيرهم. ويكون بذلك حاله كحال “صاحبه” ألفرد نوبل، الّذي وُلد فقيرًا، طلب العلم في روسيا، ولكنّه مقارنة بصاحبنا، مات ثريًّا، وقد أسف لاختراعه مصدر ثروته، الدّيناميت؛ فأوصى بإعلان أهمّ وأغلى جائزة في العالم، لا تزال تحمل اسمه حتّى اليوم. ويبدو أنّه سيظلّ ذلك كذلك حتّى إشعار آخر.

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن!

(الكبابير / حيفا)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. هنيئًا لي بإعجابك واستمتاعك! أشكرك!

  2. يالله ،،، ماهذا الإبداع والتجلّي ،،،قرأت ماكتبته أكثر من مرة في اللحظة الواحدةاستمتعتُ بما كتبته جدًّا جدًّا ،،، هنيئًا لك .

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>