الأطبّاء في الشّوارع../ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة| كان داڤيد بِن چوريون، باني دولة إسرائ […]

الأطبّاء في الشّوارع../ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة|

كان داڤيد بِن چوريون، باني دولة إسرائيل بتخريب منازلنا، طبعًا، وتهجير أهلها، وترهيب بعض من بقُوا فيها وترغيب بعض، يقول: على ثلاثة أمور لا تسألوني من أين أُنفِقُ: الصّحّة، التّعليم، والأمن. غير أنّ دولة إسرائيل هذه -ومنذ منتصف الثّمانينيّات من القرن الغابر، تحديدًا- قد خانت بمنهجيّة وبسابق إصرار وترصّد نهج أبيها، ولربّما وصيّته، فيما يتعلّق بأُقنومَيْن -على الأقلّ- من أقانيم ثالوثه: الصّحّة والتّعليم؛ بعد أن قرّرت أن تبيع كلّ شيء، تقريبًا، وتترك الحبل على الغارِب لحيتان رأس المال، فصَفت لهم مطاردة السّمك النّبيل. وأكتفي بهذه الإشارة، نائيًا بنفسي عن الخوض في تفاصيل لعبة اقتصاديّة بالغة القذارة.

أمّا أبو بكر، محمّد بن يحيى بن زكريّا الرّازيّ، الطّبيب العالم والعالم الطّبيب (864-923)، فقد أطلق، مرّة، جملته النّبوئيّة، قائلًا: “الحقيقة في الطّبّ غايةٌ لا تُدرَك”؛ حيث نرى كم هي حقيقيّة ونافذة وسارية المفعول، أيضًا، بعد ألف سنة وقرن، تقريبًا، على وفاته، مع كلّ هذا التّقدّم الهائل الحاصل في حقل الطّبّ، ونراها ستظلّ كذلك مهما تقدّم. لكنّها إشارة، أيضًا، إلى ما يجب أن يُبذل في هذا المجال ممّا قد لا يعرف الحدود؛ في سبيل انتصار البشريّة بآمالها على آلامها، والاقتراب -قدْر المُستَطاع- من تحقيق سعادتها المُشتهاة.

وأنا أرى إلى مشهد الأطبّاء في الشّوارع اليوم، بدل أن يكونوا متحلّقين حول أسرّة مرضاهم، وخلف مكاتب درسهم، وعلى طاولات بحثهم، وفي مختبرات علمهم وابتكارهم، كأنّي مع أبي العتاهية (748-825) وهو يقول: “ذهب المداوي والمداوى والّذي/جلب الدّواء وباعه ومَن اشترى”. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

الصّيّاد..!

لأنّنا حُفداء (أحفاد) الخليل بن أحمد الفراهيديّ، ولأنّ الفنّان الحقيقيّ هو من يدفع بفنّه إلى الأمام لا بنفسه، فقد اصطدتُني في أثناء حديث إذاعيّ أجرِيَ معي، الاثنين من هذا الأسبوع، عن أحوال معشوقتنا ومخدومتنا، اللّغة العربيّة، أُعَدّي الفعل “حبّب” بالباء، والصّحيح أنّ أعدّيه بحرف الجرّ “إلى”؛ واصطدتُني أقول: إن لم يأتِ ذلك أُكُلَه؛ والصّحيح: إن لم يُؤتِ ذلك أُكُلَه. وقد لَكِنّا وما زَلَلْنا. وسألني المحاور الماهر، العزيز نادر أبو تامر، عن إمكانيّة انعكاس عجزنا اللّغويّ على الّلغة نفسها، فأضيف جوابًا -أرجوه أوفى- إلى جوابي عن ذلك عندها، الآن، وأقول إنّه لا خوف على اللّغة العربيّة كمادّة أو ظاهرة كونيّة، طبيعيّة، إنسانيّة؛ وذلك بفضل عناصر ثلاثة: أوّلها تراثنا الأدبيّ واللّغوي الغزير، المتمثّل بالقرآن الكريم أوّلًا، وبالحديث النّبويّ الشّريف ثانيًا، وبالأدب القديم، نثرًا وشعرًا، ثالثًا؛ وثانيها النّظام النّحْويّ والصّرفيّ المعجِز الّذي وضعه علماؤنا الأفذاذ، القادر -في كلّ زمان ومكان- على الحكم بصحّة أيّ تركيب لغويّ كان أو علّته، والفصل بالقول: هذا من كلام العرب، وليس هذا من كلام العرب؛ وثالثها وجود غيورين على هذه اللّغة -لن تخلوَ منهم الأرض أبدًا، بإذن الله- يقومون بعمليّة رصد دائم لكلّ شذوذ لغويّ وتصحيحه، ونشر ذلك في كتب ومعاجم تعالج ما يُسمّى بالأخطاء الشّائعة في اللّغة. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

قال اللّغويّ الرّوائيّ الفيلسوف:

الدّمعُ جليدُ حزن ذاب، والحزنُ جليدُ دمع استعصى. يحترف الإنسانُ السّياسة عندما لا يجد ما يفعل. ما نبحثُ عنه هو ما نفِرّ منه؛ نفِرّ من أنفسنا، بحثًا عن أنفسنا. أسوأُ أجناس الجحيم جحيمٌ نحسَبُه نعيمًا، وأسوأُ أجناس النّعيم نعيمٌ نحسَبه جحيمًا. المبدعُ إنسانٌ يمسح دموع النّاس بدموعه. نحن حكماء بالألم لا بالعلم. ليس هناك أعسرُ من السّهل، كما ليس هناك أسهلُ من المُمتع. لا نفقد شيئًا إلّا لننالَ شيئًا، ولا ننالُ شيئًا إلّا لنفقدَ شيئًا. نحن خَلْقٌ بالملكيّة، نحن آلهةٌ بالتّخلّي. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى

أرجو أن أذكّرني وأذكّرنا بمقالتينا المتواضعتيْن: “قولُنا في بعض أمثالنا أو لا- أمثالنا”، و”نكبة واحدة.. وأربعة رجال..!”. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

تُحفة الأسبوع

اُدخُلوا إلى “يو تيوب” وشاهدوا رفيف زِيادة (Rafeef Ziadah) {هكذا نُقل اسمها إلى الإنچليزيّة} تُلقي قصيدتها “We teach life, sir” – (“نحن نعلّم الحياة، “سيّدي”!” أو “نحن نعلّم للحياة، “سيّدي”!”) في لندن. ملحوظة: محاولة ترجمة عُنوان القصيدة إلى العربيّة من عندي. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!

(الكبابير/ حيفا)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>