كريسماس آخر/ جورج جريس

دخولهم إلى بيتنا كان حسابيّاً متوقّعاً. الخوري يدخل في المقدمة ثم تتبعه زوجته الخوريّة ويليهما ابنهما الشاب اليافع وابنتهما الشابة المحتشمة. نظرت فوراً إلى كميّ سترتها يستران حتى آخر نصف كفيها. أخذوا أماكنهم على المائدة كما رُتّب لهم..

كريسماس آخر/ جورج جريس

|جورج جريس|

george-qadita

الألوان التي اختارتها أختي، السنة، لتزيين شجرة الكريسماس كانت ألوان السوق السائدة، الأرجواني والباذنجاني. أردت أن أنفض عني دور الممرض في غرفة العمليات، يناول طبيبه أدوات العملية بخشوع وخنوع. رفضت اقتراحاتي بأن أضيف لونا آخر غرضا مغايرا شكلا خاصا ليس بالضرورة يفسد ما يتماهى مع موضة السنة. أمي في صغري كانت تكلّفني، فترة وجيزة قبل كل كريسماس، زراعة حبوب العدس والحمّص والفول في طاسات كانت تبتكرها من زجاجات المشروب البلاستيكية حتى تنضج هذه الحبوب خلال أقل من أسبوع وتصير عشباً أخضر يافعاً ثم تضعها أمام الشجرة. رغم كل التفسيرات والتأويلات كانت تشبعني بها أمي عن رموز هذه العادة بما يخص ظروف ولادة المسيح إلا أنني سئمت العادة سنة بعد سنة.

سأترجم أعمالي هذه الليلة، ليلة الكريسماس، رابطاً الخيال بالواقع وربما، على الأرجح، سأكون أكثر خياليّاً. سأنظم قصيدة جديدة أقرؤها على طاولة الكريسماس أمام الملأ، أبناء عائلتي أخوتي وأقاربي. سوف لن يكون موضوعها الكريسماس وما شابه.. موضوعاً آخر جديداً وغريباً. أستهل بها الاحتفال وأغض النظر عن انبهار الجميع بغرابة موضوع لا يمت بأي صلة للكريسماس. واجهتني أفكار جديدة أخرى.. أن أدعو للاحتفال أصدقاء قدامى وجددًا من طوائف وديانات مختلفة ولا تنحصر الحفلة مثل كل سنة بأبناء العائلة المعروفين.. تلك الحفلة الراسخة التقليدية السنوية الأبدية. سأركّب للحفلة أغاني جديدة ذات إيقاعات لا غربية ولا شرقية. لا إيقاعات آخر موضة حتى لو لم يسلطن عليها أحد.

لحظة.. أرى البيت يشعشع والزينة تتبهرج، مجّسمات بابا نويل تنتفخ، والنوافذ تؤطّرها أحبال الإضاءة والشجرة تتزيّن بعد.. ما زالت أختي تلملم كل ما بالسوق من جديد تغيّر بالأشكال وتنقلها من مكان إلى مكان. تنظر إليّ بلوم وخيبة وكأنني غبتُ عن كل مجهود التحضير ولم أفعل شيئاً لحضرة الاحتفال. لم تدرِ بمشروعاتي وعلام خططت. سأفاجئها وأعلّمها هي بالذات كيف ُتنشَأ الاحتفالات.. سأتصّل الآن بكل من خططت دعوته وإن يبدو الأمر مفاجئاً أو متأخراً. رنّ صوت أختي في أذني كانقطاع الكهرباء المفاجئ:

-         إحزر مين معزوم عنّا الليلة؟

وكأنها تواتر أفكاري.. هل خططتْ ما خططتُ له أنا ودعت أناسا خارج العائلة؟

-         أبوي عازم الخوري وعيلتو.

هرعتُ إلى مكان البالونات المنفوخة وهممتُ بتمزيقها. سأفجر أحبال الإضاءة.. بالضبط هذه الحفلة التي حلمت بها! هذا الاحتفال القدّاسي المرتب المتكتك. الصلاة قبل العشاء وبعد العشاء والترانيم الروحية والوقوف والجلوس بعدها وقبلها وأثناءها. الخشوع إلى مواعظ الإله. وأهلاً وسهلاً والبيت بيتك وأنت أبو الكل، سمعاً وطاعةً. الصحون في مكانها والسكاكين ترفض الاصطكاك بالشُوك والِرِّجلان جالستان في كرسيهما مفتوحتان بشكل لائق. استجمعت قوايَ ووجدتني أستذكر ما تعلمته من النقد. من البيان والبرهان والعرفان. أبلِغني أيها الجاحظ كيف أتلفّظ بأبلغ لفظ لأكشف عن مقصودي. ها هو اللفظ يشعّ في قلبي فارحمني يا جاحظ إن أسأت لك في علمك- البيان:

-          فاكينغ كريسماس!

دخولهم إلى بيتنا كان حسابيّاً متوقّعاً. الخوري يدخل في المقدمة ثم تتبعه زوجته الخوريّة  ويليهما ابنهما الشاب اليافع وابنتهما الشابة المحتشمة. نظرت فوراً إلى كميّ سترتها يستران حتى آخر نصف كفيها. أخذوا أماكنهم على المائدة كما رُتّب لهم.. الخوري في رأس الطاولة وتحيطه عائلته في الجوانب وباقي الطاولة لأفراد العائلة. أحلم بالجلوس. تطول الصلاة قبل العشاء. ستنتهي. يبارك الخوري العشاء. يملأ أبي أنصاف الكؤوس بالنبيذ الأحمر ويقول الجملة: قليل من الخمر… أصغيت إلى الجملة الأولى والثانية وقليل من الثالثة ممّا دار من حديث بين أبي والخوري. أمي والخورية… تشابهت الجمل. رأيت في عيون الجميع الإصغاء والصمت. راودتني جرأة جامحة. سألقي عليهم نكتة لائقة لا ينطوي أسلوبها على كثير من الحرج وموضوعها.. ممّا فوق الزّنار. ضحك الخوري قليلاً. والشابة المحتشمة يتورّد وجهها. ينفجر احمراراً. تخفي ضحكات داخلية. كان على أختي أن توشوشني في هذا الصمت: بتعرف انو الخوري أصلو مغنّي؟

لم أعرف. لكن هذا السؤال فتح عليّ طلباً آخر: أبونا بنفع  تغنيلنا غناي؟

-         منذ بدأت رسالتي اعتزلتُ الغناء وكرست حياتي ليسوع والصلاة والترانيم.

بدأت الصلاة بعد العشاء. أكلت قليلاً. لم أشبع. همّ الجميع بالوقوف. لم أسأل السؤال الذي شغلني كل حياتي: متى نقف ومتى نجلس؟ عندما كانت أمي تأخذني معها إلى الكنيسة أرى الجميع يقفون فجأة ويجلسون فجأة. ظللت جالساً. جماعات صوتية متناغمة تصرخ: قف!

بليز توقّفوا! سنقف جميعاً. أين مشروعاتي منّي؟ تكدّست الأماني والرغبات ولم تتحقق. الدعوة مفتوحة.. أعددت لكم كيس المفاجآت. فلتسحبوا أرقامكم، لا خاب رجاؤكم. هذا هو نصيبكم.

الخوري والخورية: رقم 6؛ رقصة سلو.

يداكِ على كتفيه ويداه في خصرك. تحرّكي هزّي ابتعدي ثمّ تداني، بخفّة الإوزة وسمّري عينيك في عينيه.. تغامزي ذوّبيه نامي على صدره ودعيه يعصركِ.

الشاب اليافع: رقم 37؛ صاروخ.

فلتسحب النفس العميق. لا تتعجّل. استجمع. أذبل عينيك. أخرجه مع مدّه ايّاه. من الفم والأذنين.

الشابه المحتشمة: رقم 100؛ دعوة حميمة.

إلى غرفتي الصغيرة المجرّدة من الشموع والهدايا والأضواء الخافتة. تجردي من ملابسكِ على الفور واستقبلي القذف بشراهة.

فلتسحبوا أكثر. ما زالت الأرقام كثيرة وغزيرة.

إسحبوا.

فلتنمحِ الحفلة.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

4 تعقيبات

  1. بالمناسبه بالكريسماس ببيتي كان معزوم عنا اصدقائي المسلمين مثل ما انا بكون معزوم عندهن على عيد الأضحى

  2. ماريا: القصة ببساطة: بحقلّي أعيّد كيف بدي أنا أعيد. أصبح للعيد صيغة عامة للكل. ومن هون خلق الروتين والملل.. يعني خذي عيد الحب أو العشاق مثال على هيك.. صار في ملل كبير ضد هذا العيد لأنه بات يعبر عن الحب بمفهومه العام المجرّد. ومش عن علاقة حب خاصة بين إكس وواي. الكريسماس أو أي عيد أخر ممكن أحس فيه وأشوفو بمنظار يختلف عن الآخرين وبالتالي لاز م أعيده على طريقتي وبالشكل المناسب. وكل الطقوس المتداولة وخاصة الدينية منها لإحياء العيد بتمحى أي شعور خاص داخلي. وبصير العيد أهم من الفرد.. الفرد بعمل العيد مش العيد بعمل الفرد… وإذا العيد بعنليش بنفع كمان مأعيدش!

  3. شو مغزى المقالة ؟ عم تنتقد حاله اللي اغلبنا منضج منها هي الروتين والتوجهن والواجبات العائلية اللي مش مفهومة .. بس انا بصراحة شايفه ابعد من هيك .. شايفه شخص عم بجرب يكون “كوول” انو هو ضد الظواهر الدينية .. بالنسبة اللي ما في احلى من الميلاد وجو الميلاد الاصلي التراتيل الميلادية والشجره وزرع الحبوب والرموز اللي ورى كل شغله .. وازا انا بحاجة لتغيير فالتغير المطلوب هو العوده لرموز العيد ..

  4. رائع
    حلوه النمرده وإظهار الغير مألوف بالكتابه التصويريه :)
    والجرأه بالكتابه والتعبير كانت بمحلها :)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>