لماذا تخفي وجهك عني يا حنظلة؟!: محمد الشّحري عن الذكرى 67 للنكبة

اتمنى أن تلتفت إليّ ولو لمرة واحدة يا صديقي لأعبّر لك عن شكري، وأعدك ألا أطالع في عينيك ولا أتفحص سمرة وجهك ولا أتشمّم منه رائحة الزيتون والبرتقال والحزن

لماذا تخفي وجهك عني يا حنظلة؟!: محمد الشّحري عن الذكرى 67 للنكبة

mohammad

.

|محمد الشّحري|

صديقي حنظلة ابن النكبة…

لماذا  تخبئ حزنك وألمك عن العالم أجمع بمن فيهم طفل يراعى الإبل في جبال ظفار، تعلّق بالقضية الفلسطينية منذ فكّه الأبجدية على مقاعد الدراسة في مدرسة نائية مكوّنة من غرفتين؟

كان ذلك الطفل هو أنا. كنت أذهب إلى المدرسة حافي القدميْن مثلك يا حنظلة، وعند رجوعي إلى معاطن الإبل كنت ألقي على إخوتي النشيد الذي تعلمته في الصف: “فلسطين داري ودرب انتصاري”، وأحدّثهم عن قصص النضال الفلسطينيّ حسبما تعلمتها في الكتب. وكان المنهج آنذاك (1986/ 1987) يحتوي العديد من الأشعار التي تتحدّث عن فلسطين، أذكر منها قصيدة ما تزال خالدة في ذاكرتي وهي نشيد “فلسطين داري ودرب انتصاري” للشاعر السوريّ سليمان العيسى. شكّل هذا النشيد بدايات الوعي لديّ عن القضية الفلسطينيّة، ثم تعرفت بها أكثر عبر المذياع وأنا في المرحلة الابتدائية أيضًا، حيث يأتينا صوت فلسطين من إذاعة عدن -كما أظنّ- وكنت أكتب كلمات المقدّمة من المذياع ثم ألقيها على زملائي في الصفّ. تقول الكلمات: “هنا صوت فلسطين، صوت الثورة الفلسطينيّة، يحيّيكم ويلتقي بكم، مجددًا عهده معكم على مواصلة مسيرة الثورة: بالكلمة الأمينة، المعبّرة عن الطلقة الشجاعة، وبالجماهير العربية معبّأة ومنظمة ومسلّحة، وبالحرب الثوريّة طويلة الأمد أسلوبًا، وبالكفاح المسلّح وسيلة، حتى تحرير فلسطين كلّ فلسطين”.

صديقي حنظلة..

لا أنكر أنّ تلك الكلمات الثوريّة شكلت جدارًا منيعًا تحطّمت عليه اتفاقية أوسلوا وغيرها من اتفاقيات الاستسلام، لأنّ خيار المقاومة والكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لإعادة فلسطين لأهلها، التي تعرفت بماسأة شعبها -وأنا في سنّ السادسة أو السابعة- وعثرت عليك يا حنظلة وأحببتك ربّما لأنك أقرب نفسيًا إلى مشاعر طفل يرى شيئًا منه فيك أو يجد فيك بعضًا منه، فترسّخ في ذاكرتي وجهان لماسأة انسانية واحدة: فلسطين القضية وأنت الرمز. وقد  جذبتني إلى الأدب الفلسطينيّ بشعره ونثره وفنّه ومسرحه، فقرأت لعمالقة الأدب الفلسطيني أمثال أبي سلمى الكرمي وابراهيم طوقان وفدوى طوقان ومحمود درويش وسميح القاسم وغسان كنفاني وجبرا ابراهيم جبرا وإميل حبيبي، دون أن أنسى الشاعر توفيق زياد الذي أحببت كلماته القائلة:

“سلبوني الماء، والزيت، وملح الأرغفة

وشعاع الشمس، والبحر، وطعم المعرفة”

هل عليّ أن أشكرك يا حنظلة لأنك أدخلتني إلى الثقافة الفلسطينية وعرّفتني برموزها؟ نعم أنت تستحق مني الشكر، ولذلك اتمنى أن تلتفت إليّ ولو لمرة واحدة يا صديقي لأعبّر لك عن شكري، وأعدك ألا أطالع في عينيك ولا أتفحص سمرة وجهك ولا أتشمّم منه رائحة الزيتون والبرتقال والحزن، فقط مرة واحدة أريد أن أرى وجهك الحامل للكبرياء والتحدي والعنفوان والسخرية، لأنك يا صديقي الواقف منذ النكبة وإلى الآن، ولأنّك من ستبقى في فلسطين وإلى الأبد.

(كاتب عُمانيّ)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>