وين كلثوم؟/ حنا شماس

أكثر إشي كان يثيرني وبعدو بثيرني هو غلاف الكاسيت: صورتك مع النضّارات

وين كلثوم؟/ حنا شماس

|حنا شماس|

كنا نقعد على درج بحدّ المدرسه بعد الحلّه ونطرح ونخبط بعض وعلى بعض أسئله جوهريه ووجوديه حياتيه. كان الحوار حضاري، بالرغم من الاختلافات في الآراء، كنا نسأل ونتساءل ونجاوب ونحلل… من اجمل بل من اهم اللحظات المدرسيه، انا في حياتي الشخصيه من اهمها! لحظه شو يعني حياتي الشخصيه؟

ما علينا؛ في احدى الحلقات طرحنا سؤالين في آن واحد. السؤال الاول كان: طب ابو بريص شو اسمو؟ وكان سؤال اللي أذهل الجميع. أما السؤال الثاني فقد قضى على الجميع، وهو: كلثوم ليه مش موجوده؟ وأين يقبع أبو كلثوم؟

لليوم وانا بالي مشغول، وزاد الطين بلّه جماعة قديتا! انتو يا جماعه يا مجموعه، يا أصحاب الموقع، فتحتولي قناه، فلاش باك، لا إلو اوّل ولا آخر!

قبل حوالي تقريبا شي 30 سنه او اكثر، لا اكثر!:

إنتو رجعتوني ليوم الجمعه من كل جمعه، لمّا كان عمّي أنطون صغير الاخوه، كان ييجي من القدس عائد الى حيفا لحتّى يلتقي معي ومع جبران اخوه البكر ومع ستّي ايلين ومع سلمى وإيلين. إنو باختصار لقاء عائلي الو نكهته! (ريحة مجدره وكوسا، تلفزيون اسود وابيض، وموسيقى والخ…)

هيك كان يصير:

يوصل عمي يوم الجمعه العصر، دايما كنت اول واحد اشوفو نازل نزلة عبّاس (حي عباس في حيفا) باتجاه بيتنا وبيت ستّي. أضحك ويضحك. يحط غراضو عند ستّي، يعمل ساندويش كوسا محيوسي او مجدره، يفوت لعنّا، على بيت ابوي: جبران الشماس (أبو حنّا)…

أنا بتأمل فيهن:

معجب بعمي، مههوس فيّو، وقتها كان يدخّن “تايم طويل”، كل دقيقه واربعه واربعين ثانيه كان يدخن سيجاره او ما يسمى: سيجاره بطيز سيجاره… بعدني لليوم مش قادر اتخيل طيز السيجاره!

كان يعملّي خصيصا دوائر من الدخان ومرات كان يعبّي دخان بقلب او داخل كيس النايلون اللي بغطّي باكيت الدخان، كان يقيمو من الباكيت، يوخدو بايدو ويشرق او يمج مجه من السيجاره وينفخ بداخل الكيس ومن ثم يسكرو! نوخدو انا وايلين اختي ونفتحو بعد 5 دقايق، يلعن اطّش ولاو  طلّعي قديش في دخان، كنت أقلها او تقلّي! ولكو ايامات اخت فلاّته. رياض اخوي كان بعدو مش خلقان تقريبا. إنو حبيت أذكرو لإني بحبو!

ولكو تاني يوم يفوت عمي لعنّا على السيعه 12 الظهر وبايدو ربع ساندويش مجدره بايته وعم بوكل بشهيه وهيك بطقمش بالصبابا! يفوت: صوت ام كلثوم بالخلفيه ومرات كان بالمقدمه!

هاي اللحظه التاريخيه! بعرض امي تاريخيه لانو هاي اللحظه انا كنت اعيش واتخيل واتعلم وأتأمّل وكل شي، يم هيك كل شي! هاي اللحظه:

السيعه 12 من صوت اسرائيل من اورشليم القدس: اما الآن اعزائي المستمعين فنبقى مع وصله غنائيه لمحمد عبد الوهاب وام كلثوم.

ولكو انا لحديت فتره معينه كنت مفكّر انو ام كلثوم وعبد الوهاب كانوا ثنائي يغنو مع بعض او بالتناوب وبصوت اسرئيل! بعرض امي هدول تبعون صوت اسرائيل شياطين.

ما علينا… هاي اللحظه اللي كان فيها عمي انطون وابوي جبران يكونو في قمة السعاده والتعاسه في آن واحد.

هاي لحظه: كانت تطلع قصص ونهفات من هدول الجوز الله يستر! كانت اجمل حصّه في حياتي انو مش بالضبط او الزبط بس انو شوية احترام للجوز هدول!

من هون تعلمت شو معناة مسخره سخريه فاساتيراه!

من هون تعلمت شو معناة مجدره بايته وقديش انها لزيزه او لذيذه خصوصا من ستي ايلين؛

من هون تعلمت شو معناة اخو واخوه؛

من هون تعلمت شو معناة خيال؛

شو معناة ابداع؛

شو معناة ادب وموسيقى وثقافه وبساطه وتواضع ومحبه؛

تعلمت اسمع واصغي!

في البدايه ما فهمت ليه هلقد بحبوا وبستنوا السيعه 12 من كل سبت عشان يسمعوا الثنائي ام كلثوم وعبد الوهاب، مش انو بعدين فهمت!

بس انو فهمت انو الواحد او الوحدي منيح انو يسمع ويصغي ويتامّل حتّى لوّنو مش رغبان او مش حابب، انو اعطو لنفسكو نفس طويل واسمعوا.

كانو يمخخوا على ام كلثوم…

وكل مرّه لمّا كنّا نروح او نسافر على فسوطّه بلد الجوز جبران وانطون، كان ابوي يسمّعنا فريد، عبد الحليم لا ولا مره، امي كانت تحبوا امّا هوّي لا! عبد الوهاب طبعا وام كلثوم! وطبعت بذاكرتي اكثر اغنيه “الورد يعشق كل جميل” واغنية “يا مسهرني”، اللي كان في عند ابوي شريط كاسيت كمان لهاي الاغنيه بصوت سيد مكاوي، والصراحه كنت احب هاي الصيغه اكثر من اللي كانت تغنيها ام كلثوم، فبهاي المناسبه بعتذر لإم كلثوم، بس انت خيتا رهيبه! انت بمقام سيدنا، انتي بمقام جلالتو!

(عابره هاي الملاحظه اوكي؟: بوقتها كنّا نسمع موسيقى على اشرطة او ما يسمى الكاسيت او الاسطوانه. لمعلومات اكثر فوتو على جوجل.)

طيب بكمّل:

شوفي مرّات انا كنت اعوف السيعه بس اسمعك! انّو مرّات كنت بدي بس استفرغ خصوصا لما نكون مسافرين على فسوطّه او الناصره بلد امّي!

انّو يمكن مش من صوتك لا اكيد من السفره، ما هي السفره بتتعّب كوم كوم.

بس مرات كنت اكيّف عليكي، بتذكّر لمّا جبران كان يشتريلك كاسيتات من ستوديو كاسيت الناصره من الناصره، ولاو اكثر اشي كان يثيرني وبعدو بثيرني هو غلاف الكاسيت: صورتك مع النضّارات وشعرك المضبوب. مش بالصدفه بقولو عنّك افيون الشعب!

نضّارات ولاو دايما أسال ليه نضّارات؟ انو في اشي غامض كان عندك. إنو وين كلثوم؟ وين ابو كلثوم؟ مين انت؟ شو علاقتك بعبد الناصر؟ انو يلعن ربّك ايش هدا الصوت؟ ولكو كانت بعيده عن المكرفون حوالي  تقريبا يعني، انو مترين وكان عندها صوت صوت صوت!

ونفس من هون لعند الله!

ولكو لمستني وبعدها لامسيتني، مش انّو مهووس فيها، بس كل مره بسمعها  بكتشف مسارات وقنوات الله يستر!

فيها لخّه:

المزبوط كنت مسروق او مهووس بالفرقه تبعتها، خصوصا هادا تبع الباص او البييس. كنت احسّو مظلوم ومش ماخد حقّو، مع انّو بدونو كل الايقاع والوتيره بتضيع!

بس ما هو هيك العالم العربي، بمجّد تبعون العود والكمنجه والدربكّه…

بعدين شو قصة المحرمه اللي كانت في إيدها دايما؟

ام كلثوم او كلتوم انسانه عبقريه كل حركه وطبقة صوت عندها مدروسه؛ مسكتها للمحرمه: انو شعور او محفّز للتعطيس بس بنفس الوقت بتخليّك بدراما طول الحفله انو راح تعطّس… آه ولاّ لأ؟

انو ولا مره اذا انا مش غلطان، ولا مره حكت مع الفرقه او شي حدا من الجمهور! بتعيشك على الغموض.

كل مرّه لمّا تطلع ام كلتوم او كلثوم على المسرح بكون عندي الامل انو كلثوم راح تظهر معاها وابوها راح يكون من ورا الكواليس عم ببكي ومتأثّر، مع إنّو مفطر ومتغدّي ومتعشّي خرا من امها، بس هو مخلص! يلعن ربو ساحريتو… عم بقلكو هاي النضارات بتخبي كتير اشياء. بس الامل موجود، كلتوم وبريص راح يفضحوا الطابق!

من المفروض:

من انا وصغير ينادوا علي ابو جبران على اسم ابوي. بهاي الفتره انشغالي كان مركّز على كلثوم. كنت اتخيلها عم تلعب بنضارات امها لما كانت امها تفوت تتحمم. وكان انشغالي مركّز كمان (وأيضا يعني)،على بريص وأبو بريص وأم بريص وانو ليش أبو جبران؟!

الصراحه ما حبيت ينادوني هيك، الصراحه ما كنت احب الاسم. بعدين حبيت، بعدين صاروا ينادوني ابو السما على اسم سما بنتي لكبيره. ما علينا، هاي الانشغالات اللّي اهتمّيت انو اعمل بحثي عنها!

وأنا متأكّد انو اذا كلثوم وجبران وبريص التقوا يوم من الايامات مع بعض راح تكون اجمل حصّه تعليميه بل حتما ومؤكدا الحصّة!

لذكرى:

جبران حنّا شمّاس الله يرحمك أو كيف بدّك… أو شو بعرفني… المهم ما علينا، جبران أنا حبيت إصغاءك للموسيقى، حبيت ثقافتك ونهفاتك، حبيت وجهك لما كنت تسمع أم كلثوم!

أم كلثوم، إنت مش الله، بس انو شكرا انو خلّيتيني أعيش لحظات مخبوطه ومهووسه مع أنطون وجبران.

أنطون بحبّك وبستنّا تعليق!!

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

4 تعقيبات

  1. لأبو سما او حنا… كيف ما بدك.. تحية شكر… مع احترامي لام كلثوم, المقال ولا خصّو بذكرى ميلادها (ومش انو زعلانة)
    بالعكس انك شاركتنا بالذكريات والحنين… اشي كتير فيو طيابه
    تنساش انو شو انت تذكرت من طفولتك… سما رح تبقى تتذكر… فخليها ذكريات لزيزة… وسمعها ام كلثوم

  2. ولاو ما الزك يا حنا وخصوصا انو انا عشت فترات من هاي الاسئلة عن ابو بريص وعن كلتوم ( وكمان عن مين خزق الأسيمون ) – بس فترة غناني ام كلتوم كانت مميزة و خضارة – اه رجعتني اكتر من 35 سنة لورا مع كتير من زكرياتها

  3. إلى جانب حبنا الهائل لأبو السما وكتاباتو ونهفاتو، واحد من إنجازاتو التانية إنو خلى حضور أنطون شماس في قديتا دائم وجميل وشخصي إلى أبعد الحدود. أهلا بالاثنين دائمًا :-)

  4. ابو السما حبيب قلبي، أجمل من هيك هديّة عالعيد عَبَث. على بلد المحبوب ودّيتني، بكلمة ورمشة عين. ذكريات تمسّ شغاف القلب من جوّا، وببالي للأبد. ثلاث ملاحظات: بفكّر البرنامج كان يبدا تنعش إلا ربع؛ نسيت كباية اللبن مع رغيف المجدّرة؛ كاسيت سيّد مكاوي بعدو محفوظ عندي امانة لإلك، زي ما حبّك محفوظ دايماً بقلبي. وبسترينتك عليّ!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>