آهاتها المجرمة/ محمد خير

يا للموسيقى التي عبرت الراديو إلى التلفزيون إلى الستريو إلى الووكمان ثم الكمبيوتر إلى الآي بود، ولا يبدو أن لذلك نهاية

آهاتها المجرمة/ محمد خير

|محمد خير|

كيف يكتب المرء نصًا ذاتيًا عن أم كلثوم؟ يبدو ذلك كالتقاط صورة شخصية مع سور الصين العظيم، أو محاولة الشرب من شلالات نياجرا. انظر إلى ألقابها، مثلا: “كوكب الشرق”، كوكب وشرق؟ أين يذهب الانسان البائس الصغير من هذه العظمة (على عظمة)، ثم انظر كيف استمر اللقب الكوكبي معها مع أن أحدًا لم يعد يستخدم الكوكب في الاشارة إلى النجوم؛ ثم هي أيضًا “الهرم الرابع”. أين يذهب الإنسان من الهرم وكيف يقيم معه علاقة صحية؟ هرم يا ناس فكيف تتصور أنه يخصك؟ وعندما تفضل الملك فاروق ليكرمها منحها لقب “صاحبة العصمة”، لقب مخيف آخر يمنع الاقتراب والتصوير. ثم انظر إلى “ثومة” وهي “الست”، هكذا فحسب مع أل التعريف، كأنما الست الوحيدة في العالم. هنا سأكون وقحًا وأقول إنني لم أجد فيها أبدا ما وجده أحمد رامي، لم أفكر فيها أبدًا كـ “ست”، اللهم إلا أثناء آهاتها المجرمة، لكني على كل حال أحب من بين أغنياتها قصائدها، ومن بين قصائدها “أغدًا ألقاك”، لكن هذا يتغير من زمن لآخر ومن عمر لغيره.

هل أبدو مشتتًا؟ هذا ما يحدث حين تحاول الكتابة عن الهواء الذي تتنفس ويتخلل جسدك وأشياءك وشوارعك وعالمك. كيف تكتب عن صوت لا بد أنه تسلل إليك وأنت بعد جنين، وكبرت معه من دون أن تفهم الصوت وقبل أن تدرك المعنى وتفسر الكلمات، ثم يجيء عشق الصوت في ميعاده كما تنبأ لك أسلافك وهم يحتسون الشاي في ليالي الصيف ويستمعون لوشيش الراديو. يا للموسيقى التي عبرت الراديو إلى التلفزيون إلى الستريو إلى الووكمان ثم الكمبيوتر إلى الآي بود، ولا يبدو أن لذلك نهاية، فلا زالت متاجر الموسيقى في القاهرة تسجل للست الأرقام الأعلى مبيعًا، وإن شئت يا سيدي شيئًا شخصيًا حكيت لك عن النهار الذي قضيته في بيت الشاعر أحمد شفيق كامل، وكان الغرض فيلمًا وثائقيًا عن الأغنية الوطنية. وإذ بي ألمح بين أوراقه كلمات أغنيته “إنت عمري”، وأتتبع الخط العتيق “اللي ابتدى بنورك صباحه” فأعرف أن الأغنية ابنة عشق حقيقي وأكتشف أن الشاعر كان يكمل الأغاني أحيانًا بعد غنائها فيضيف إليها أبياتًا جديدة على سبيل التسلية وتزجية الوقت، ونلتقط صورًا وننسخ كل شيء ويموت الشاعر كما مات الملحن وماتت قبلهما الست ولا أجد في يدي شيئًا من الأرشيف الذي سجلناه فكل شيء في يد الشركة وخزائنها، ونحن نحتفظ بالذكريات فقط على أمل كتابة أشياء شخصية من آن لآخر.

*شاعر وصحفي مصري

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. شباب يعطيكو العافية
    لما بينعمل “share” للمقال اعلاه من قديتا مباشرة، عم يظهر على صفحات الفيسبوك مع صورة الفتاة المصرية اللي تمت تعريتها بالتظاهرات. الحل هو انه ينعمل نسخ للرابط بدل من المشاركة التلقائية و هيك بنقدر نغير الصورة او نلغيها. لكن هل ممكن حل الموضوع من خلال قديتا؟

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>