نحو مناهج بديلة: مساهمة د. روضة بشارة – عطا الله / د. جوني منصور

نحو مناهج بديلة: مساهمة د. روضة بشارة – عطا الله / د. جوني منصور

آمل أن تسير جمعيّة الثّقافة العربيّة، وغيرها من مؤسّسات العمل الوطنيّ، في طريق الرّاحلة نحو بناء ثقافةٍ واحدةٍ موحّدةٍ ذات جذورٍ وطنيّةٍ مؤسّسةٍ على فكرٍ حداثيٍّ منفتحٍ غير مقموع.

Collages  - almanahej wal howeyya1

مؤتمر “المناهج والهويّة” (النّاصرة، 2011).

| د. جوني منصور |

 كان ذلك قبل أكثر من سبع سنواتٍ تقريبًا، عندما اتّصلت بي الدّكتورة روضة بشارة – عطا الله ودعتني إلى اجتماعٍ خاصٍّ لتدارس كيفيّة وضع دراسةٍ بحثيّةٍ تفصيليّةٍ حول منهاج التّاريخ وكتب تدريسه في مدارسنا العربيّة في البلاد؛ وبعد مبادلة الأفكار والطّروحات توصّلنا إلى أنّه من الضّروريّ إجراء بحثٍ مفصّلٍ وواسعٍ لمناهج التّدريس كافّةً في المدارس العربيّة في البلاد، وأيضًا دراسة الكتب التّعليميّة.

دراساتٌ لوضع مناهج بديلة

كانت الفكرة الرّئيسيّة الّتي توجّه بوصلة الرّاحلة، الخروجَ بمشروعٍ نضع خلاله مناهج بديلةً في اللّغات، وفي مقدّمتها العربيّة، والتّاريخ، والجغرافية، والموطن وغيرها.

احتاج الأمر إلى توسيع دائرة تبادل الأفكار ومناقشتها، وهكذا كان. دُعِيَ متخصّصون في مجالاتٍ تعليميّةٍ مختلفةٍ وذوي اطّلاعٍ واسعٍ على المناهج القائمة.

كعادتها، كانت في عجلةٍ من أمرها، أرادت أن ترى الدّراسات البحثيّة وتليها كتبٌ بديلةٌ في التّاريخ والعربيّة أوّلًا.

ما الّذي كان يقف وراء هذه الدّافعيّة؟

لا شكّ في أنّ قلقها وخوفها كانا شديدين ممّا يتعلّمه طلّابنا في مدارسنا وفقًا لمناهج وزارة التّربية والتّعليم الإسرائيليّة؛ هذه الكتب لا ترق إلى درجة تعميق مفاهيم المعرفة، والهويّة، والتّحليل، والتّقييم، والتّطبيق. كانت الكتب المدرسيّة المتوفّرة بين أيدي الطّلّاب فقيرة المعرفة، وتنقصها أساليب تدريسيّةٌ حداثويّةٌ ومعاصرة.

من جهةٍ أخرى، رأت د. روضة أنّ الوقت ليس في صالح طلًابنا مع كلّ يومٍ يمرّ والتّغييرات السّياسيّة، والاجتماعيّة، والجغرافيّة تقضّ مضاجعنا جميعًا.

استنتاجاتٌ خطيرة

أوكلت إليّ مهمّة وضع دراسةٍ تفصيليّةٍ لمناهج تدريس موضوع التّاريخ للمراحل التّعليميّة المختلفة، أعني الابتدائيّة، والإعداديّة، والثانوية.

جمعتُ كافّة الكتب المصادق عليها من وزارة التّربية والتّعليم، وشرعتُ بقراءتها ومراجعتها على كافّة المراحل التّعليميّة.

ماذا تكشّف لي؟ شُحٌّ في المعلومات؛ حرمان الطّالب عن معرفة تاريخه؛ تهميش تاريخ الشّعوب العربيّة والشّعوب القديمة الّتي عاشت وشيّدت بنيان حضاراتها في هذه المنطقة؛ تجهيل الطّالب في معرفة تطوّر الصّراع الإسرائيليّ – العربيّ/ الفلسطينيّ، من خلال عدم التّطرّق إلى تاريخ فلسطين، لا من بعيدٍ أو قريب، لا التّاريخ القديم ولا الحديث، وكذلك من خلال تكثيف تدريس تاريخ الشّعب اليهوديّ بكافّة المراحل التّاريخيّة، وتصويره كأنّه التّاريخ الواحد والوحيد دون غيره، واختيار فصولٍ مشتّتةٍ من تاريخ الشّرق الأوسط، لا رابط يجمعها من حيث التّسلسل الزّمنيّ، ولا من حيث المواضيع.

أضف إلى ذلك، فقر الكتب ذاتها إلى وسائل إيضاحٍ حديثةٍ، إذ أنّ بعضها يخلو من الصّور، والخرائط، والرّسوم البيانيّة، والجداول التّوضيحيّة.

بعد وضع دراسة كتب التّاريخ واستكمال دراسات المواضيع الأخرى، أصرّت الرّاحلة على عقد مؤتمرٍ منقطع النّظير، تحت عنوان “مؤتمر المناهج والهويّة” (النّاصرة، 2011)، لم ينحصر في استعراض الاستنتاجات الخطيرة، بل تجاوز ذلك نحو الإعلان عن وضع أسسٍ لمناهجَ وكتبٍ تدريسيّةٍ بديلة.

فجّر هذا الإعلان موضوع العلاقة بين الدّولة والمواطنين العرب من نافذة الهيمنة السّياسيّة القمعيّة للدّولة على مناهج وكتب التّدريس المصادق عليها في المدارس العربيّة.

استقلاليّةٌ ثقافيّة

جاء هذا الإعلان لينقلنا إلى مرحلةٍ متقدّمةٍ من التّفكير في الاستقلاليّة الثّقافيّة الّتي آمنت بها الرّاحلة بكلّ جوارحها؛ والاستقلاليّة الثّقافيّة تفرض تحرير المجتمع كُلّيّةً من الارتباط المحكم بالمناهج الإسرائيليّة السّاعية منذ عام 1948 إلى إنكار وجود الشّعب العربيّ الفلسطينيّ، وإلى عدم الاعتراف بما جنته أيدي ربابنة إسرائيل من مجازر وجرائم بحقّه، ورفض الاعتراف بالتّهجير الّذي نفّذته المنظّمات العسكريّة الصّهيونيّة، ثمّ الجيش الإسرائيليّ، بحقّ هذا الشّعب، وتحميل الفلسطينيّين والعرب مسؤوليّة ما وقع للفلسطينيّين عام 1948، أي خروج إسرائيل ومنظّماتها العسكريّة بريئةً من كلّ ما وقع.

ستفرض هذه الاستقلاليّة منحًى جديدًا في التّفكير والتّخطيط والتّطبيق، وقد رأت الرّاحلة في هذه المرحلة إشكاليّةً تكمن في أنّ جمعيّة الثّقافة العربيّة، الّتي تحمل همًّا وطنيًّا وقوميًّا وإنسانيًّا، لا يمكنها القيام به وحدها. هناك حاجةٌ إلى تضافر الجهود بين كلّ المؤسّسات والجمعيّات الأهليّة والأحزاب، الخ… كيف يمكن أن نصل إلى هذا المستوى ما دام هناك من يكتفي بالفتات ويتحمّل مسؤوليّة التّجهيل والإنكار والتّهميش.

رغم العراقيل الّتي رأتها أمام ناظريها، إلّا أنّها شمّرت عن ساعديها وشرعت تضع خطّةً تفصيليّةً لتطبيق الاستقلاليّة من خلال تعميم كتبٍ بديلة.

ثقافةٌ واحدةٌ موحّدةٌ للشّعب الفلسطينيّ

وما هي الكتب البديلة؟ الكتاب البديل في التّاريخ مثلًا يتطرّق إلى استعراض تاريخ فلسطين والفلسطينيّين منذ فجر التّاريخ حتّى أيّامنا الحالية، من خلال نصوصٍ تاريخيّةٍ تتطرّق إلى تاريخ هذا الشّعب في مواقع انتشاره كلّها، وهنا التّجديد في الأمر. تاريخٌ واحدٌ وموحّدٌ للشّعب العربيّ الفلسطينيّ المشتّت والممزّق، أي تاريخٌ يوحّده بنصٍّ واحدٍ يُبْرِزُ دوره عبر التّاريخ في بناء حضارته ومقاومته لكلّ أشكال القهر والقمع، وفي مساهمته في بناء الحضارات الإنسانيّة القائمة في المنطقة إلى يومنا هذا، وربط الطّالب الفلسطينيّ بعلاقة قويّةٍ بأرضه، ووطنه، وتاريخه، ونضالاته.

هذا التّوجّه يدلّ على بعد نظرٍ ورؤيةٍ مستقبليّةٍ تبني فكر الشّعب العربيّ الفلسطينيّ ضمن إطارٍ واحدٍ يساهم في توحيده في أطرٍ أخرى كالسّياسة، والكفاح، والنّضال.

آمل أن تسير جمعيّة الثّقافة العربيّة، وغيرها من مؤسّسات العمل الوطنيّ، في طريق الرّاحلة نحو بناء ثقافةٍ واحدةٍ موحّدةٍ ذات جذورٍ وطنيّةٍ مؤسّسةٍ على فكرٍ حداثيٍّ منفتحٍ غير مقموع.

(د. جوني منصور: مؤرّخٌ فلسطينيٌّ يقيمُ في حيفا).

Collages  - almanahej wal howeyya2

مؤتمر “المناهج والهويّة” (النّاصرة، 2011).

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>