النصوص المشاركة الأخرى في “شو رأيك بنصي؟”

. ننشر هنا النصوص التي شاركت في ندوة “شو رأيك بنص […]

النصوص المشاركة الأخرى في “شو رأيك بنصي؟”

.

ننشر هنا النصوص التي شاركت في ندوة “شو رأيك بنصي؟” ولم تُناقش في الندوة التي جرت يوم الأربعاء، 27 حزيران 2012.

يهمنا التنويه إلى أنّ إدارة التحرير ارتأت عدم تحرير اللغة أو تصويبها بأي شكل من الأشكال حفاظًا على دقة وروح النص كما وصلنا وإتاحة الفرصة للقارئات والقراء التفاعل مع النصوص بنقاط ضعفها وقوتها كما هي، رغم ما قد يثيره هذا من تبرّم عند البعض من الأخطاء اللغوية هنا وهناك.

كما ننوّه إلى أننا لم ننشر مشاركتين وصلتا إلينا بناء على طلب الكاتبين.

.

محاولاتُ إصغاءٍ فاشلة / علي نصوح مواسي

 أجرّبُ أنْ أصغي لحسِّ القمرْ

أنصتُ عبرَ اللّيلِ الفراغِ

فلا أسمعُ سوى نهدِ جارةٍ يئنُّ تحتَ مقصلةِ الشّفاهْ

.

أدُسُّ أذنيَّ في مجلّدٍ عتيقْ

عَلّي ألتقطُ ضحكةً تشاكسُ في زقاقِ الأصيلْ،

فلا أسمعُ إلّا قهقةَ سيوفٍ

وموسيقى تهرولُ كغزالةٍ مذبوحةٍ

في برّيّةِ العويلْ

.

أعلّقُ الـ “RECODER” البدائيَّ على حبلِ غسيلٍ فوقَ السّطوحْ

أريدُ تسجيلَ وشوشةِ الغمامِ للغمامْ

ونميمةً أنثى

لأنثى حمامٍ عن أنثى حمامْ

فلا ألتقطُ إلّا بصقةَ طائرةٍ

على وطني المصابِ بالغرامْ

.

أختلسُ سمّاعاتِ طبيبٍ

أضعُها على جسدِ الحقيقة

أكتمُ أنفاسي لأدرِكَ

فلا أدرِكُ غيرَ سعالِ ضَبْعٍ عجوزٍ ملَّ انتظارَ الفريسة

.

أتحرّى نبرةَ صديقٍ شاعرٍ تتسكّعُ في صناديقِ البياضْ

تقفُ وحيدةً على حافّةِ الأزرقِ

في حموضةِ غيمٍ

تقتلُ أتربةَ اللّسانِ المدادْ،

سيمرُّ معجبونَ ساهرون

يعلّقونَ على الحروفِ الحروفَ

بملاقطِ السّوادِ السّوادِ السّوادْ

يتمطّى المكوثُ

ولا أحدْ

لا أحدَ

يلتفتُ لومضةِ الميلادْ:

تقفزُ المقولةُ

تنتحِرْ

في سُدى افتراضْ

.

أحملقُ في الصّدى

أرى همسةً بلّلَها عرقُ البلوغِ في سريرِ الوترْ،

تجذبني

إليها

أسيرُ

أصيرُ

أصلّي

لديها

فيردُّ الرّدى

بالحجرْ

.

أمدُّ بيني وبينَ السّماءِ

خيطًا وعلبتيْنْ

ربَّما أصطادُ عصفورةً تدغدغُ إبطَ اللهِ

يضحَكُ

لكنّي أعودُ بالنّحيبْ

.

أجمعُ كلَّ ناياتِ الوجودِ من حدائقِ المغنى

لتصنعَ شيئًا من صوتِها المعنى

لكنّها

تعجزُ عن بلوغِ المقامْ

.

أحاولُ أنْ أفهمَ في أيِّ معنًى كانت تسبحُ بجعاتُ تشايكوفسكي

لحظةَ سكبتْ أوديتُ نداها في مقلةِ الأميرْ

أتوهُ كلَّ مرّةٍ عندَ الأليجورِ الأخيرْ

أغرقُ في فسحةِ الدّمعِ الأموميِّ

جليدًا

لتدوسني راقصةٌ بلشفيّةٌ امتلأتْ عروقُها بالخمرِ الزّبرجديِّ

النّميرْ

أحاولُ

وأبقى بلا مصيرْ

أسيرْ

.

أستحضرُ روحَ خشبٍ أدمعَهُ التّثاؤبُ في غرفةِ الجلوسْ

يتقمَّصُ صفةَ الحكايا من صوتِ جدٍّ

عن زمنٍ صحيٍّ لوّنه الرّصاصُ بالرّصاصْ

أتلفّتُ لأرى

ولا أرى سوى كتلِ بلاستيكَ

وبقايا نفطٍ

على شكلِ أناسْ

كأنّهم

أناسْ

.

للأجنّةِ صوتُ أجنحةِ الفراشْ

أرشُّ مسمعي على خدِّ بطنٍ تكوّرَ لأكتشفَ لغزَ الطّفولةِ

فأسمعُ شكوى الأربعين

صُلِبَتْ على صفرِ المعاشْ

.

أقطفُ برتقالةً عن غصنٍ كمانٍ

لأعصرَ يافا

فأشربُ فحيحَ الخواءْ

.

أضعُ شفتيَّ على خدِّ الجدارِ لأرتوي هديرَ باذانَ

فتلسعني مرارةُ الزّيتِ في محرّكاتِ الغريبِ

الضّجيجْ

.

أزرعُ في التّرابِ أصابعي

لأختلسَ ما يقولُهُ الأمواتُ في حواراتِ المساءِ

عمّن تركوهم في الحاضرِ الأعلى
فتلسعُها النّميمةُ

وقصائدُ الهجاء

.

أطيّرُ عينيّ جهةَ الفضاء:

تُرى.. بأيّ لغةٍ تتحدّثُ الملائكةُ عنّي

عندما تعودُ إلى أسرّتها في النّجوم؟!

.

ألصقُ مجسّاتي على جلودِ الجالسينَ في مقاهي المدينة

لأسمعَ صمتَ السّكينة

فتباغتني ضوضاءُ الضّياعْ

.

ثرثرةٌ هذي البلادُ

فتاوى

وأنا

نبيٌّ نرجسيٌّ

لا أسمعُ إلّايَ

إلّايْ

.

سَفَر الجنون ..!/ صفاء علي أبوسارة

(1)

كثيرة هي الاحتمالات التي أرصُدها
وأقل القليل أتوقَع…!
.
(2)

أتسلق الكلمة لعلي أكون الى المعنى أقرب
وأسافر مع قصيدتي الى موعدٍ أرجأتُهُ كثيراً
لِلِقاء المعنى المبهم في الفكرة
فتلتقي الجملة بالمعنى
وتنزف الفكرة..

(3)

الألوان ترقص التانغوا في لوحة قديمة
…باحتراف

وتبتسم الجوكاندا واثقةً ساخرةً

من كل المتفرِجين
… بذهول

(4)

يصرُخ النرجس ويشهَقُ عَبَقَ الحلم
ويوماً خطف الفارس حلم الحسناء..|
بلا استئذان/
بهاءٌ أزليٌ هو الحُلم..
يرتدي الدانتيل المزخرف
… باتقان/
ولون الحزن معلق فوق الثوب
… بوضوح
.

(5) 

في الوجود العميق أتسكع لاهثةً

أنصِتُ لِصُراخِ الكَونِ

وَأُكَنس وجهَ الأرضِ

وَفي التراب المبتل أغرس رسالةً
لعلها تنمو يوماً …
.
(6)

أتكئ على ساعدي الايمن
أتأبَطُ ذاكِرَة الأرض
وأطلُ على سفر الجنون
فألمح خيول التتار تغزو الأمد
يتناسل الموت أمامي
كمرضِ
ويغتسل بالبكاء..
ثقيلاً يصبح الجو 
والوجود ينعي نفسه
وأنا…
 أصغي بضجرٍ الى سردية الموت المحقون في الزنابق

(7)

لي هواية التحديق في المجهول
تدور السحب في مقلتي
ومن رحم الريح أنهضُ
صاخبة بلا ملامح
أغرق في الشمس
وتراودني رؤيا القدماء
أُخرِجُ الصوت من القاع
وبهدوءٍ
تختفي الرؤيا والشمس…..!!

.

 (8)

من بدأ الوعي
تغريني فتنة التاريخ والسؤال
صدأ الأمس لا يزول
والاسطورة مشروخة في اللابعيد
ويوم تمرض الارض
وتسقط في حضن القمر
حبةَ برتقالٍ
لا تعانق سوى السراب المغبر
وتتربع على جذع الزمن
كخرافة العنقاءِ
لن أوقد في الماضي والآتي جمر التشكيك
ولكنهما..
عدَمٌ عدم..!
سأنتقي الزهور البيضاء
وأهديها للعدم …


(القدس/ طالبة جامعية في “بيرزيت”/ سنة ثالثة)

.

حلم يشبهك حد الضحك- البكاء/ أيهم السهلي

شكل آخر للحلم يتفجر في لعنة الورد المكبل بالأرض.. لا الحرية تساوي مجد الريح.. ولا الشمس تنكسر وفي وجهها قمر يطل على قلب لاجئ.. بدايتك من التراب الذي يبتسم من خطوك عليه.. بدايتك الماضي والفراشة النائمة على صدر الكرمل.. بدايتك مثل صبح يتنفس الضوء على مهل الحب.. ويستفز الكون بالحياة.. فيحيا كل شيء.. والبداية كالنهاية امرأة تتطلع على الصمت فتُكبره وسرعان ما تصير موجا يُخرج البحر عن هدءة الهدوء.. لا البداية معنى البلاد ولا النهاية معناك.. الأولى أسطورة، والثانية امتطاؤك الحنين والركض خلف الموت بحب الخلود..

لطالما توقفت عند الحدود ممسكا حفنة من تراب يمتد نحو بلادك “نحوك” قاصدا أن يحمل النسيم مسامك إلى القدس وحيفا ويافا ورام الله وغزة وكل بقعة من فلسطين.. في الجولان حيث الأفق ينشق لينفتح المدى على بلاد الزعتر والليمون.. كم تحب نفسك أيها المنفي خارج الأرض.. اللاجئ في أرض أخرى هي أرضك بامتداد الانتماء إلى عروبتك.. كم تحب هذي النرجسية.. فلكونك فلسطيني تجدك من كل الأماكن ومن فلسطين.. فكم أنت واحد وكم أنت كل.. وكم ترى حدود روحك الفلسطينية لا تحدّ.. ولا تقف عند باب أو تنهار عند نافذة مغلقة.. تجمع الكون في راحتيك وأنت ممتد على كل خارطة العالم حاملا اسمك واسمها المحبوبة الأرض. كبير أنت وفيها أنت تكبر.. فلا تنسك الدروب الطويلة والمنافي الكثيرة معناك.. فتشتد فيك الهوية..

لطالما توقفت عند الحدود.. صارخا بإجابتك وسع السماء على سؤال يظهر أمامك من وجه جندي على بعد أمتار وراية تلوح لك باستفزاز مريض عن سبب وجودك على الطرف الآخر من الحدود.. تصرخ عاليا.. ها هنا أرض عربية، ولا بد أن قدمي ستمضي عبرها إلى فلسطين.. صراخ يسمعه الوطن..

وببارقة حلم يشتد عليك الحنين ويصير كامرأة تعانقك بقسوة حتى اعتصارك بجسدها لتتقاطر كالمطر عليها.. يسفكك الحنين بالحب.. فتعود بكل جنون الأرض.. بكل الحياة تعود..

ها هنا لاجئ:

عبر سنين طويلة وقفت أنت وسواك من اللاجئين تنتظرون وتنظرون حولكم كلما زاد البعد يوما، متسائلين عما يحدث. وعما قد يكون.. والسؤال الكبير الدائم الإلحاح. إلى متى؟

لسان الهوية عاليا يخترق كل الإجابات.. إلى أن أعود.. ضمائرنا تختصر الإجابات بحتمية الحق.. إلى أن أعود.. والمخيم باق.. هوية تصدح، أنا لاجئ وأرضي محتلة من يوم ميلاد المخيم.. ولن يموت المخيم ما لم أولد من جديد من رحم الأرض التي أنا منها وهي مني..

المخيم الصرخة والوجدان.. الغصة وسط المدن الكبيرة.. لعنة حقوق الإنسان.. مدينة الذكرى والألم، ذاكرة الفلسطيني الأكيدة أنه لاجئ.. والسنون الطويلة حولت المخيم إلى لاجئ في المدن الكبيرة.. فالمخيم يعرف فلسطين كما نعرفها.. سيعود بذاكرته وشهدائه وأسراه والأحلام الكبيرة التي فيه. ما أصغر المخيم.. ما أكبر المخيم.

ما دلنا أحد على الطريق:

الموسيقى تحمل عشاقها حيث تشاء.. كما الوطن.. يولد الفلسطيني أينما ولد، على الفطرة، على أزلية فلسطينيته، وتأخذ عروقه شكل قلبه، أعني شكل الخارطة، ها هنا مدنها وقراها.. مساجدها وكنائسها.. وشجرها الممتد من أقصاها إلى أقصاها.. ها هنا القدس..

يدرك الفلسطيني منذ الولادة الحب.. الحب الذي لا براء منه. يكون العاشق والقضية.. يكون التاريخ والمستقبل وما بينهما صياغة يومية للحياة وللعشق.. الارتباط المطلق بالأرض.. رائحة الزعتر في حديث الأهل، وطعم الليمون في ذاكرة الأجداد تحدثك عن المعشوقة.. وذاكرة تُقبل حبها من جوهر الألم اليومي عليك..

يمنعون عنك العودة ويمنعونك من الترحال صوب أغانيك.. يصادرون كل شيء حتى الحكاية.. ويحتلون الذاكرة.. يفعلون كل ما يفكر به ذهن مجرم.. هم الكذبة وما استطاع كذبهم يوما قتل الحلم والإيمان بالحقيقة الجلية كالشمس.. فكل يوم نرحل وكل يوم نذهب.. وفي كل يوم نعود إلى البلاد.. كيف سيحتلون الحلم؟!

ما دلنا أحد على الطريق..

فلنا الهوية والطريق..

ونحن الوصول إلى ما نريد..

ما دلنا أحد على الطريق..

من دمشق إلى فلسطين:

من الخيمة إلى الوطن..

دمشق المدينة الأنثى وركب أهليها ماء بردى والمتحف الوطني والتاريخ تجلسه هذي المدينة على ركبتيه أمام حاضرها.. ليست المدن الكبيرة هي ما تلوكها الريح.. وليست المدن الكبيرة هي ما يغرقها المعنى في البلاغة فتضيع الحكاية.. دمشق القصيدة كلها لولا حسرة الخيام كنت لها زائرا في كل عام.. دمشق تنطق العربية في شجرها ونسيمها وماءها. ودمشق تولد كل ليلة من قصائد المتنبي لتحيا في ترائبها قصائد درويش.. ودمشق تبكيها ككل إنسان يأتيها.. يحمل حقيبته ذات غربة ليغادر.. فدمشق مدينة يتسع حبها فيك حد الغربة عنها.. فلا تكون بها إلا لها.. ولا تكون لها إلا لأجلها، وإذ تبتعد تغيب عنك وتغيب عنها. ويتسع الحب فيك حتى تراك أطلالها عائدا إليها من حيث كنت.. فصباح الخير على دمشق وصباح الخير عليك..

لم يأتها شاعر ليركن إلى نفسه قليلا إلا وركنت هي إليه ليكتبها على طريقته وهذا ما قدسته بكل فلسطيني يكتب أتاها.. فمرة تبكيه ومرة تضحكه حتى المرارة.. فهذي المدينة تخلق في يديك كل لحظة قلما كأنه السلاح فتوزع شعرك ونثرك في حبها وحبها لحبك الأثير فلسطين.. ولكنك أنت أنت.. الفلسطيني العائد..

وأنت في دمشق بعد 63 عاما من عمر النكبة وعمر اللجوء.. و25 سنة من عمرك الممتد مع أهلك اللاجئين. يحيطك اقتراب افتتاح الحياة لعام جديد سيطل على الناس في كل مكان.. وفجأة في مخيم اليرموك وسط دمشق وأنت جالس على سطح “المركز الفلسطيني للثقافة والفنون” تتداول الحب فيه مع من يؤمنون بالحب.. يطلب منك غسان صورة جواز السفر.. وببارقة حدس اعتدتها عرفت أنك ذاهب إلى فلسطين.. ولكنك تسأل.. إلى أين؟ يجبك بفرحة كنت تشاهدها على أوتار عوده حين يغني للوطن والحب.. ما أجمل الفكرة تصرخ في داخلك.. سأعود.. سأحلم حتى تلك اللحظة التي ستمس فيها تراب الوطن.. بدأت تتأمل عما ستفعل حين تمس ثرى الوطن.. كيف ستكون شمس البلاد.. يعلو صراخك حتى يبدو في عينيك دمع تسمعه جدران غرفتك الوحيدة العارفة كل التفاصيل.. تغرب الأيام تلو الأيام.. مرت الأشهر واقترب الوعد.. وأنت تداوم على السؤال.. متى نذهب؟ متى نكون هناك؟.

يتأجل الموعد المأمول شهرا.. فثمة إجراءات للعائد من مانع العودة.

ثمة اضطراب.. قد نذهب وقد..

في الثانية عشرة ليلا أطلت من صوته جنة وبحديثه التمعت نجوم ورقص القمر.. نلتقي عند السادسة صباحا لنذهب.. ها قد أجابك أخيرا على سؤال طالما سألته.. متى نذهب؟ اليوم نذهب عائدين إلى الديار.. إلى البلاد.. إلى فلسطين..

لممت كل شتاتك وشتات المخيمات وانطلقت إلى موعدك المنتظر.. حالما بالكثير.. وخائفا من الكثير.. خائفا من انكسار أحلامك وخيالاتك الكثيرة عن الوطن ما قبل ذهابك. فكرة تحياها وتسكن إليها.. عن أهلك هناك.. أهل ما زالوا يذكرونك ويعرفونك كما تذكرهم وتعرفهم.. فالسياسة لا تحب سوى العقل وتحلل وفق علم “الاجتماع السياسي”.. ولكنها على ما يبدو دائما تنسى بقصد أو دون قصد وجدان “الاجتماع الإنساني”. مخاوفك ازدادت وأنت تواجه الحدود الأردنية الأولى بانتظار دام طويلا جعلك أمام تفرغ شبه كامل للتأمل بما سيكون بعد وقت قليل، موعد وصولك إلى فلسطين..

خرجت من الحدود مع من أنت معهم.. ودخلت الأردن عابرا مدينة عمان نحو جسر “الملك حسين” مارا من منطقة الكرامة صاحبة الذكرى الكبيرة يوم موقعة الكرامة الحاضرة في ذاكرة كل العرب إبان نكسة حزيران.. يزداد الضغط النفسي والروحي والفرح الغامر.. اختلطت عليك المشاعر حتى لم تعد تعرف من أنت الآن.. ولو بادرك أحد بالسؤال عن حالك في تلك اللحظة. لتلكأت بالإجابة وغالبا كنت لن تعرف لنفسك جوابا..

وصلت المعبر وأصبح الوطن على بعد خمسة كيلو مترات فقط.. إذن أنت الآن ترى أريحا مدينة التاريخ والحضارة.. ترى أفق فلسطين.. أصبحت لا تدخن أصبح الهواء دخانا تبتلعه.. كل نفس تأخذه غدا سيجارة تدخنها على استعجال الحنين.. صرت تريد تدوير عقارب الساعات كلها في العالم.. صرت تريد أن تمسك الشمس لتأخذها نحو الغياب، كي يمر الوقت أسرع..

تتسلم التصريح الذي ستمر عبره من النقطة الإسرائيلية إلى بلادك.. تفرح تخنق دمعة في قلبك.. فتغتالك دمعة حسن اللاجئ من لبنان وحسن اللاجئ من سوريا.. تغتالك دموعهما.. ليس لهما تصريح.. لا تعرف ماذا عليك أن تقول؟.. كيف تتضامن معهم؟ لا تعرف.. حينها يتوقف الزمن حقا ولا يتحرك للأمام.. فقط يعود إلى الوراء نحو تاريخ شعبك.. حتى في الفرح ستغتال فرحة البعض.. كل هذا وما زال أمامك السيدة “حورية” التي رافقت فرقتها الشعبية “فرقة الكوفية”، لتفاجئك في عمان بأنها لن تدخل معكم.. بل ستعود لأنها لم تحصل على موافقة. ستعود مع الحسنين.. هكذا الفلسطيني عائد دوما..

تصل إلى النقطة الإسرائيلية.. وتمنع من حمل حقائبك ليتقدم مجموعة من الشبان يرتدون اللون البرتقالي، وترتديهم سحنة تشبهك.. تعرف أنهم فلسطينيون مثلك..

تقف في الطابور الأول.. خلفك غسان صاحب البشارة.. تسأله بضجر من الوقوف. “طلعت إسرائيل جد، مش مزحة؟!”.

تجتاز وجودهم واحدا واحدا.. ذاكرة ذاكرة.. طلقة طلقة.. تقف مقابلهم وهم يسألونك عما أتى بك إلى إٍسرائيلهم.. لأول مرة تعرف معنى “الأنا والآخر” بهذه الحدية المثيرة للسخرية.. ها أنت وهاهو.. وقد يكون هذا الواقف أمامك هو الساكن بيتك في “بلد الشيخ” في حيفا.. وربما إن سألته من أين أنت لأجابك أنا من حيفا من “تل حنان”، بلد الشيخ ذاتها.. من ذات المكان قد تكونان.. ولكنك أنت من هناك وهو ليس منك.. وتعرف تاريخك وهو يعرف تاريخه أيضا.. قد تكونان متشابهين بكل شيء.. إلا بأمر واحد هو الفارق الكبير والنهائي والذي لا حل له.. فالأرض تعرف أولادها ولا تخطأ رائحتهم.. وليمونة الدار تربطها علاقة سرية بزيتونة الدار.. فيد جدي شاهدة على الشجرتين حين كانتا غرستين ضمهما للأرض..

“الأنا والآخر” هو قاتلي وأنا قاتله.. كل منا قاتل للآخر على طريقته.. هو بسلاحه ورصاصه ودمويته وهستيريا القتل الذي يتعلمها من مدرسة الحقد الصهيونية.. وأنا قاتله حين يرى وجه شاب أو طفل عند الحدود يضج بفلسطينيته فيصيبه مقتلا في وجوده..

مررت وكان الوقت داخلا الليل وما يزال المارون في انتظار البقية..

مررت يعني دخلت فلسطين.. وأول ما دخلت بدأت تبحث عن قمر بلادك لترى هل هو أحلى كما يقال.. وبحثت.. فلم تجده ولكن النسيم دوما هو منقذك ودليلك الحر.. أخبرك عن كل شيء بلحظة وجد صغيرة: إن كل شيء في بلادك أحلى حتى الحنظل..

دخلت أريحا ناسيا كل ماضيك ما قبل هذي اللحظة.. ها هنا يبدأ تاريخك.. فليتوقف الزمن في فلسطين.. أنت الآن أنت.. تكتمل لأول مرة بك أبعاد الوجود الثلاثة.. المكان والزمان وأنت.. لأول مرة في حياتك لست لاجئا.. لأول مرة في حياتك يصبح المخيم غربتك الأصيلة ووطنك المؤقت تلغيه حقيقة وطنك.. أنت الآن أنت..

تتجاوز الانتظار والكفاح والوقت يصير رائحة تنشقها ببضع غيمات عالقات على صدر السماء كأسطورة خلق جديد.. تبتسم لك المدينة والهواء عامدا يزاول فنه بإغراءك الركض خلفه نحو وردة تبتسم في زاوية ما من فلسطين.. تركض خلف كل شيء هناك لتصل إلى كل شيء.. تتفتح ذاكرتك على ما قرأت لشعراء فلسطينيين لتتبع روحك في المكان أين زهر اللوز وكيف حال المريمية .. يأخذك شاعر هنا وآخر هناك.. وأصواتهم تعلو في عينيك باحثة عن دهشة الروح..

أيام كنتها هناك.. وهاتيك تأتي مثلها أيام..

.

“المرأة المرآة”/ تريز سليمان

كوني قويّة ..

تردّد دون أن تحكي!

كوني قويّة ، غضّة نديّة

خضراء خضراء كعرق النعناع

حمراء كاللّهب الملتاع

برتقاليّة كعين الشّمس الواضحة

زرقاء كوشاحي المفضّل

 كالقصص المالحة !

كوني قويّة

تردّد دون أن تحكي!

***

هي،

لقائي بنفسي

مواجهة

صمت

ترقب لأسئلة شقيّة

توتر يشدّني

صفعةطريّة

..

ضوء يعانق الجراح

يربّت فوق ظهري ،

يضمّ يديّ ..

يتنحنح ،

يهلّل بصوت خافت

يعرّي مخاوفي الترابيّة

 ..

صمت

***

إحمليني بصوتك

خذيني أبعد من تجاعيد الصّدى

من حلم مضى ..

خذيني الى نبع صبايَ

الى قاع أنايَ

الى طموحك النّدى ..

وكوني قويّة قويّة .. غضّة نديّة

كقصب السكّر

كعناق الحياة الأكبر

كنجمة الصّبح الأبكر

كحبّ الكرز المدوّر

كوني قويّة

تردّد دون أن تحكي!

احضني الوجع ..

احضنيه كما فعلت حين أنجبتك

العقي الجرح ..

العقيه كما تفعل القطط

وانثري السّكر بسخاء ، ذوّبيه ..

وكوني قويّة قويّة .. غضّة نديّة

خضراء خضراء كعرق النعناع

حمراء كاللّهب الملتاع

برتقاليّة كعين الشّمس الواضحة

زرقاء كوشاحي المفضّل

كالقصص المالحة !

كوني قويّة

تردّد دون أن تحكي!

***

هي،

القوّة الأنثى

تانغو الملحميّين

قدميّ الحافيتين

هالة الحالمين

رائحة الزيت المجبول بالطّحين

المقطوعة الأجمل

رنّة اليقين

***

تجلّي يا ابنتي تجلّي بشموخ ..

باركي اللّحظة ، راقصي الجموح

أحبّي ، أحبّي .. صادقي السَّموح

لا تخافي العتمة ، لا تعجلي الوضوح

هلّلي ، للنَّفَس للحبّ  للرّوح

لا تهمّشي الماضي .. فالعالق يفوح

كوني ما انت عليه ، على حلمك لحوح

وحملك رفيف اذ تستندي بالصُّروح

الحبّ والحكمة والنَّفّس الطموح

تجلّي غزالةً تجلّي بشموخ ..

وكوني قويّة قويّة .. غضّة نديّة

احمليني بصوتك

خذيني كعرقك النعناع ،

كلهيبك الملتاع ،

كعينك ، الشّمس الواضحة

كوشاحك المفضّل ،

وقصصك المالحة !

كوني قويّة ..

تردّد أمّي ،

دون أن تحكي !

***

هي،

حوار المرايا

وشوشة التناقضات

شالي الأحمر

خبايا الذّات

صوت الظّلّ

المرأة المرآة

.

أكامول/ مجدي عطية

(حين يكون الأكامول الدواء الأكثر استهلاكاً لدى شعب ما!)  

لم أغرق في المجاز والمجاز نقطة ضعفي، لكن على ما يبدو أنّ الجسد ليس وحده الذي يطلب الأكامول، هو العقل أيضاً وهي الروح، وأكامول الأخيرة وما قبلها الكتابة عن واقع هذا الرقعة من ورقة الاختبار الأكبر.

لماذا يحتاج الفلسطيني للأكامول يومياً؟

لأنه إن نهض صباحاً، وحضّر كوباً من القهوة وسيجارةٍ إن أمكن، وجلس مع صوت الشحرورة إلى أن يعكّر صفو الجلسة نعيق سماعة تردد: “توتيا، حديد، نحاس، ألمنيوم، خردة خربآنة للبيـــع” بحاجة إلى قرص من الأكامول.

لأنه أفنى من عمره اثنا عشر عاماً ذهاباً وإياباً إلى المدرسة واكتشف في النهاية أنها بالكاد علمته القراءة والكتابة.

لأنه التحق بالجامعة ولم يتغيّر شيئاً سوى طول الطريق التي ظلّ يفكر وهو يمرّ يومياً منها في مقولة الصهيوني قديماً (خضّ العربي جيداً قبل شربه).

لأنه أنصت من باب الفضول لصوت الراديو وصدّق ما يسوّق كل يوم بلون، لكنه حين أيقن أنّ الجوهر واحد، كان بأمسّ الحاجة لقرص الأكامول.

لأنه افترض كون المجتمع الجامعي أفضل، ورفع سقف توقعاته للمستوى الذي تخرّج به فعلياً بشهادة البحث عن أمل لا عن وظيفة أو حتى وطن، واحتاج الأكامول.

لأنه أيقن بأن المدرسة والجامعة ما كانتا إلا امتداداً كأي امتدادٍ آخر لمنظومة السلطة التي باشرت مهمتها في ضرب ما تبقى من وعي لديه منذ ما يقارب العقدين من الزمن. جيد لو اكتفى الفلسطيني هنا بقرص الأكامول! لربما يوسّع قائمة المعطيات أكثر فأخطر، كلٌّ بحسب بحجم الصدمة فيه.

لأنه إذا مرض سيقرر مضطراً الذهاب إلى مجمع فلسطين الطبيّ، وسيسلّم مضطراً كرامته في الأمانات قبل أن يدخل، ولأنّ الأمانات غير متوفرة سيتركها مضطراً أيضاً عند بائع القهوة الكادح ليلاً نهاراً أمام بوابة المجمع الرئيسية. بسبب هذا يحتاج الفلسطيني إلى قرص الأكامول مضطراً. * تنويه: أحياناً يكون الأكامول غير متوفّر في مجمع فلسطين الطبيّ.

لأنه عاش وقرأ أو قرأ وعاش ميزانية السلطة الفلسطينية التي يصرف الأمن منها حوالي 45% وأضاف: بعض التقديرات تشير إلى أنّ الرقم يصل أحياناً إلى 64%. بينما، يكون نصيب قطاعيّ التعليم والصحة التقشف وتقليص الخدمات إلى حدّ أصبحت فيه الجامعات الفلسطينية تجارية تسير وفق التيار السائد، وإلى حدّ آخر لا يملك فيه مجمع فلسطين الطبيّ حبتيّ أكامول يحتاجها المريض كي يتعافى.

لأنّ الفلسطيني تعب.. من هذا الروتين ومن أكذوبة المسئولين، من أكذوبة المصالحة والانقسام، أكذوبة الدولة الوطنية الديمقراطية والتكنوقراط، أكذوبة السلطة ومشتقاتها.. لأن الفلسطيني يعيش حالة الطوارئ، ليس بسبب الاحتلال الصهيوني، وإنما احتلال من نوعٍ آخر أقلّ غباءً وأكثر وجعاً.

لهذا وأكثر يكون الأكامول الدواء الأكثر استهلاكاً لدى شعب ما، وآخر ما أتمناه هو أن لا يكون الأكامول الذي يتعاطاه الفلسطيني هو مخدّر أو منوّم أو..

 .

عام جديد سعيد / محمود محمد محمود العطار

تزغرد الاجراس كإمرأه مومسٍِ
فاجأها فحلٌ عربى ْ

بعقدٍ عرفى ْ…!!
وتُخفى الثانيهُ المحمومةُ

فى يدها خنجراً

تنطلقُ نحو الليلٍ -المزهوَ كأمير ْ.

تطعنُ قلبهُ

تشطرهُ نصفينْ

تنسكب الانوارُ من كفى

ويصير ُ ظلامٌ ارضىْ

ويرين سكوتٌ ابدىْ

وكـأنا فى لحظهِ تكوينٍ

فى لحظه بدءٍ.
عبت الثغور نبيذ القبلاتْ

حتى ثملتْ

واعتلت “الطراطير” الروؤس ْ

وامتلأت العيونُ والكؤوس ْ
وفاضَ النورُ

حين بدت فى ثوبها الجديد العروسْ

لكن الفوانيس انوارها حزينه ٌ

ظلالها حزينهٌ

والطرقات تبكى فى صمتٍ

جبلى ْ

وفى الجو..رائحه الحزن الطرىْ

تفوح من نحيب بائعة “النابت”

وهى فى زيها القروى

كإلهة حزنٍ مصريه

وقد حملت ابنتها الخرساء َ

فى اكفانٍ روحها العربيه

(وهى فى زيها القروى كإلهة حزنٍٍ مصريهْ)

لاتملك الا البكاء …!

وهذا المارد الليلى ْ

-المتشامخ عرياً,

فى قسوة تلك الايام الثلجيهْ

يعشق اوحالنا

ويزيح عنها الغطاء

يغوص فيها

ثم يملاء دلوه منها

وعلينا يُلقيها

ويضحك الصبىُّ

- النائم فى حضنٍ امه

على رصيف الجامع فى العراء .
حين يرى عورته ُ

فهدأت ثورتى البيضاء ..!

وأدرت المفتاح فى الباب دورته

وانتظرت صوت امرأتى الوهميه

يُعاتبنى

فلم أجد إلا وحدتى تؤنسُ وحدتها

بالنوم

أرحت رأسى على فخذها

لثمتْ شَعرى أناملها

تساقطت رائحهُ البرتقال مع العرقٍ

داعَبتْ اعشاب الصدر النديه

وهَمستْ :
فى هذى الساعه كل الاصدقاء

كالزعماءْ :
يجتمعون على الخمرٍ,
والنساء ْ،

والامانى الغبيه ْ

وحين ينتشوا

تلعب ُ برأسهم القضيهْ ..!!

فى هذى الساعة يا امرأتى الحقيقيه ْ

انتِ والكتب .

ينطلق الرصاص المطاطىْ

كالنوارس الجائعه

يفض أعين الاطفال فى نهم ٍ

وتقتل ُ السنبلهُ وهى تشدُ حلمه الشمس ِ

بفمها

يختلط الحليبُ بدمها

وتتدلى ضفائرها الزيتونيهُ على صدرى

تلقمها حمامةُ قلبى …وتبكى :
فــلــســطــيــنُ

فــلــســطــيــن ُُ

فــلــســطــيــن ُ

 

انا -يا ابنتى – لم ْ اتعلم ْ

كيف اتوضأ بالدمِ

بل امرتُ ان اصلى

فسامحينى إن ثارت كل الحياطين

بينما رؤساء القمه كلٌ

يبحث عن  إسفين

فأنا بندقيةٌ العدو

وحدٌ السكين

انا بندقيةٌ العدو وحد السكين ْ.

 

فى هذى الساعة – يا امرأتى الخاويه إلا من الشهوات الليليه ْ

كنت ُ:

ماركس، وجيفارا، ومانديلا، وماو،

و …….
و “هابي نيو يـيـر”.

>

نادي القُبَلْ!/ أسامة مصري

*قصص سرحان يرويها حي بن يقظان*

حدثني حي بن يقظان عن الفنان سرحان سرحان، أنه كان شخصا معروفا للعامة، له العديد من المعجبين، ورغم أنه لا يتمتع بجمال أخاذ، إلا أنه حظي ببعض الحبيبات اللواتي أعجبن به لعدة أسباب، وأهمها انفتاحه وعدم تمسكه بالعادات البالية التي تحدد من حرية الفرد..

وأضاف بن يقظان أن سرحان كان يجلس يوميا في ساعات الصباح في زاويته المخصصة في مقهى شعبي معروف، وكان الكثير من معارفه يأتون إلى هذا المقهى لالتقائه، حتى أنهم يتركون له الرسائل عند صاحب المقهى إذا كان غائبا..

وفي أحد الأيام، كان سرحان جالسا في مقعده كالمعتاد، يرتشف قهوته ومنكبا على كتاب يقرأه، اخذ منه كل تركيزه.. فجأة سمع صوت أنثوي فوق رأسه مباشرة..

-         مرحبا..

-         أهلا- رد سرحان وهو يرفع رأسه بصورة مباغتة، وكأنه لم يتوقع أن يقاطعه أحد، رغم أنه يصادف الكثير من الناس في الشارع وفي كل مكان، يطرحون عليه السلام دون أن يكون له سابق معرفة بهم، ويرد عليهم بابتسامة تزيل عنهم الحرج وكأنه يعرفهم جيدا..

قالت له السيدة التي تكبره سنا، بعد أن لاحظت المفاجأة الأولى على وجه: آسفة على مقاطعتك..

فأجابها سرحان وابتسامة حقيقية ارتسمت على وجهه: لا تهتمي، فقط كنت أحاول أن أفهم ماذا تريد أن تقول كاتبة هذه الرواية من جملها المتثاقفة، وشكرا لك بأنك أنقذتني منها..

-         حسنا.. أنا لن آخذ من وقتك الكثير، كنت أجلس هناك وأراقبك، ورغبت في تقبيلك فقط، فهل تسمح لي بذلك؟

أنهت جملتها وقبلته من خدّه دون أن تنتظر موافقته، وكأنها تعرف مسبقا بأنه لن يعترض.. شكرته وعادت إلى طاولتها..

بقي سرحان فاغرا فاه، مستغربا لما حصل.. فهو بالطبع لن يرفض طلبها، ولكن جرأتها صدمته بشكل إيجابي، وبدأ يشعر بالسعادة لما حصل..

من بعيد، كان النادل خالد يراقب ما حصل، أقترب منه وسأله، عن تلك المرأة، فقص عليه ما حصل.. ضحك النادل، وقال: وأنا أيضا أريد أن أقبلك- ولم ينتظر إجابته وقام بتقبيله وابتعد عنه ضاحكا بعد أن سمع من سرحان شتيمة تليق بالموقف..

بعد قليل، اقتربت النادلة سهام، وقالت بجدية، تحاول أن تخفي ابتسامتها: مرحبا سرحان، هل تسمح لي بتقبيلك- وقبلته دون أن يتفوه بحرف، وابتعدت مسرعة..

نهض سرحان وتوجه إلى البار، حيث يتجمعون عمال المقهى، الذين يعرفهم جميعا وأصبح بينه وبينهم صداقة متينة، قال لهم خالطا الجد بالمزح، وهو يشاهد الابتسامات على وجوههم: يا أولاد الكلب.. أنتم تسخرون من تلك السيدة وتتجرؤون علي بالتقبيل، أنا مستعد أن أراهنكم جميعا، إذا كان بينكم من يجرأ على فعلتها.. هيا فليقم واحدا منكم بالتوجه إلى إحدى الزبائن ويطلب منها قبلة لأنه معجب بها ويريد أن يعبر عن إعجابه لها، أو لتقم واحدة منكن بتقبيل زبون لنفس السبب..

نظر العمال إليه وهم يشعرون بالخجل، لكن أحدهم قال: أنا مستعد لفعل ذلك.. هيا اختر لي واحدة من الزبائن وسأتوجه إليها..

-         لا.. لن أختار لك. عليك أن تختار بنفسك حتى تتوجه إليها برغبة صادقة بالتقبيل..

نظر النادل إلى الزبائن وقال: تلك التي تجلس مع طفلها هناك..

هز الجميع رؤوسهم تشجيعا له وفي عيونهم فضول قاتل لما سيحدث.. توجه النادل صوب المرأة صاحبة الطفل وجميع العيون مصوبة نحوه، ومن بعيد شاهدوه يخاطبها ثم يقوم بتقبيله وهي تبتسم!!

عاد النادل إليهم وهو يشعر بالنصر والفخر لما قام به، وسعادة من نوع جديد عششت في كيانه، وقال على مسمع الجميع: ما أجمل هذا الشيء، لن تصدقوا كم أنا سعيد وفخور بما قمت به.. على الجميع تجربة ذلك..

لمعت عيون النادلة سهام وقالت بتحدي: إنه دوري، سأختار زبون وأقبله..

نظر الجميع إليها بإعجاب، وتعالت أصوات التشجيع.. نظرت سهام إلى الزبائن واختارت عجوز يبدو عليه النعمة والرخاء.. توجهت إليه مباشرة ودون تلكؤ، ومن بعيد شاهد الجميع كيف قبلته حتى دون أن تتطلب منه.. وكيف نظر إليها العجوز مستغربا، ثم قامت بتوضيح ما فعلت، فانفرجت أسارير العجوز ويبدو أنه طلب تقبيلها بالمقابل، وأعطته ذلك، ثم عادت إلى المجموعة وقالت: أنا أسعد منك يا خالد، لقد أخذت وأعطيت قبلة.. يا للشعور الرائع..

انبرت نادلة أخرى وقالت: أنا سأقبل ذالك الشاب الجالس مع رفيقته وسأضمه أيضا- ولم تنتظر ردة فعل زملائها ومضت مسرعة نحو الشاب، وبالفعل، قامت بتقبيله وضمه، وعادت وهي تخفي ابتسامة خبيثة.. ثم قالت: لقد خدعتكم.. هذا شقيق صديقتي، وأنا أقبله كلما ألتقيه، لكني طلبت منه أن أضمه لأني بحاجة إلى ذلك، وقد ضمني بشدة وسعادة بالغة، وبلحظة نسيت شعوري بالتعب الذي كنت أعاني منه طوال اليوم..

-جميل جدا- قال سرحان- سنضيف إلى اللعبة ضمة.. كرر بعض عمال المقهى اللعبة مما لفت نظر بعض الزبائن الذين تساءلوا عن الأمر، وعندما علموا سر اللعبة، أخذ البعض يشارك فيها.. ومنذ ذلك اليوم، أصبح يطلق الزبائن على المقهى اسم “نادي القبل” وتحول الأمر إلى شرط ملزم على كل زبون بأن لا يرفض أي طلب من أحدهم إذا أراد قبلة أو ضمة، وأضيفت على لائحة المقهى عبارة: “القبلة والضمة- مجانا”!!

تنهد حي بن يقظان، وقال لي: لقد عاش سرحان سرحان، زمنا غير هذا الزمان.. زمنا كان يفهم الإنسان أخاه الإنسان..

(الكرة الأرضية- حيفا)

>

القبطان/ مصطفى قطيط

“قم احسن ما يفوتك القطار!”. هكذا استيقظت في الصباح الباكر من يوم الاثنين على صوت امي لأصل لمحطة القطار بالوقت المناسب. وكيف أتأخر ولدي لقاء عمل لطالما انتظرته مع مفتش اللغة الانجليزية في الجنوب؟! انه يوم مشهود بالنسبة الى طالب لغة انجليزية من اهل الشمال يرى فرصة للعمل تلوح في افق الجنوب, بعد ان تأكدت من وجود كل الشهادات والتوصيات بحوزتي انطلقت بالقطار الى الجنوب في رحلة الثلاث ساعات، استغل طول السفر بالتضرع الى الله بان اقبل الى الوظيفة المنشودة. بعد الوصول الى مكتب وزارة المعارف، اتريث قليلا للتأكد من حسن مظهري، استقامة ظهري، ابتسامة وجهي، ومن ثم امسك شهاداتي بيدي واضمها لطرفي الأيمن كما يضم الجندي سلاحه، وادخل على المفتش مرفوع الرأس منتفخ الصدر، وأبادره بالسلام، ثم نقوم بإجراء محادثة عمل قصيرة.

لقد فاق لقاء العمل كل التوقعات. لقد تم قبولي فورا لوظيفة كاملة في مدرسة ثانوية، بل سأبدأ ممارسة مهنتي ابتداء من اليوم!! استقل الباص للوصول الى المدرسة, فالتقي المدير والمركز ومعلما ذا خبرة, والذي يطلب مني مرافقته لبقية الأسبوع. لقد كان الوقت وقت استراحة ما بين الحصة الخامسة والسادسة، لقد اصطحبني معه المعلم المرافق الى غرفة المعلمين واغتنم الفرصة لإعطائي بعض المعلومات عن المدرسة، طلابها، ومجالات التعليم التي تدرس بها. ما ان قرع الجرس حتى انتفض المعلمون عن مقاعدهم وبدأوا بالخروج تترا من الغرفة متوجهين الى غرف التدريس. “حان وقت الحصة السادسة، هيا الى صف الحادي عشر ب” قال لي المعلم, بعد ان نهض من مقعده. يا لها من لحظة مثيرة! لقد عدت بعد سنين طويلة الى غرف التدريس، إلا انني اليوم بدور المعلم لا الطالب، ولقد أتيت طوعا لا كرها، والأكثر إثارة في الامر أني أمضيت اثنا عشر سنة على مقاعد التدريس ولم يخطر في بالي أبدا أني سأكون في يوم من الايام ذاك الشخص الممل الذي يقف امام الطلاب ولا يكف عن الكلام لخمسة وأربعين دقيقة متتالية.

خرجت مع المعلم المدرب من مبنى الادارة الى الطابق الثاني من مبنى القسم الثانوي. كان بإمكاني الملاحظة ان أبواب المبنى وبعض نوافذه كانت مكسرة. لقد بدا مظهر المبنى مختلفا كليا عن مبنى الادارة الذي غادرناه لتونا، ورغم سماع الطلاب لصوت الجرس، كان ممكن رؤية معظمهم ما زالوا يجوبون بين الممرات والساحة الداخلية، في حين قد انبرى المعلمون لتجميعهم وإدخالهم,  وبضمنهم المعلم المدرب الخاص بي. لقد بدا الامر وكان احتجاجات كانت تجوب المكان ورجال شرطة يحاولون اخلاء تلك الساحة!! عجبت من الامر, إلا أني لم اثر ألتساؤلات بعد ان نجح المعلم المدرب في إدخال طلاب الحادي عشر ب الى أماكنهم. دعاني الى الدخول. لم يختلف مظهر غرفة التعليم الداخلية عما رايته في الخارج، فقد كان واضحا انه قد نال كثيرا من سياسة تكسير الممتلكات. لقد استغرقت مهمة إجلاس الطلاب على مقاعدهم بضع دقائق، بعد ان صرخ على قسم منهم، وطرد اثنين منهم الى خارج الغرفة. بعد ذلك أفشى المعلم السلام على من تبقى من الطلاب, وشرع بتقديمي لهم: “هذا المعلم راح يكون ضيفنا اليوم، فتصرفوا بشكل جيد عشان يحبكو ويصير معلمكو بالمستقبل”. لقد كان موقفا صعبا، إذ تحولت ابصار جميع من في الغرفة نحوي.. لقد كانوا يقومون بمسحي بأعينهم من أعلاي الى اخمص قدمي ثم سألتني طالبة: “من وين انت يا أستاذ؟!” أجبتها بصوت خفيض: “انا من الشمال، وان شاء الله راح أعلمكو انكليزي”. لقد بدأ المعلم المرافق بتوزيع نسخ على الطلاب، بعد ان اخبرني بان الطلاب لا يحضرون الكتب، فلذلك يقومون بتصوير نصوص لهم بشكل يومي. تفاجأت من هذا الامر, إذ كان قد اخبرني انهم  من المتقدمين لامتحان في اربع وحدات! فسألته: “شو السبب ان ما بيجيو كتب؟!” فاجابني “قسم منهم ما عنده القدره يشتري، وقسم ما بدو يشتري”. بعد ان تم توزيع الاوراق توجه الي طالب سائلا:  “يا استاذ معك ريشة؟”, فأخرجت قلمي وأعطيته اياه. ثم ناداني طالب اخر سائلا السؤال ذاته, فأجبته: “ما معي كمان واحد! وكيف تيجو عالمدرسة بدون أقلام؟!”, فاجابوا “بننسى يا استاذ”. بعد ذلك طلب المعلم المرافق مني أن اقرأ لهم النص واترجمه حرفيا بينما يحافظ هو على انضباط الطلاب، فسألته:  “ليش نساوي هيك؟ مش المفروض يفهموها لوحدن؟”, فأجاب “في قسم منهم ما يعرف يقرا بالانكليزي اصلا”. هذا الامر اثار استغرابي.

عند قرع الجرس انتقلنا الى صف الحادي عشر ج. لقد أدركت أنه صف فوضوي حتى قبل أن أصل اليه, اذ كان بامكاني سماع صوت صراخهم من الخارج. عند دخولنا الى الغرفة كان المشهد في الداخل شبيها بساحة معركة! لم يكن أحد او شيئ في نصابه, فقد بدا الصف رأسا على عقب. دخلنا الصف معا ووقفنا في مقدمة الصف نتأمل ما يجري. لم اتفاجأ حين لم يعرنى أحد من الطلاب أي اهتمام, واستمر كل بما يصنعه. لم يكن هناك مجال لمحاولة اجلاس الطلاب في اماكنهم, اذ أن عدد الطلاب قد فاق عدد المقاعد, حتى اضطر المعلم المرافق الى الاتصال بمربي الصف الذي قام بدوره بتسريح الطلاب الى البيت والاتصال باولياء امورهم.

أمضيت معظم ما تبقى من ذلك الاسبوع بصحبة المعلم المدرب، متنقلا معه بين الصفوف, مشاهدا لدروسه تارة، ومعلما بنفسي تارة اخرى. لقد كان اسبوعا صعبا, الا انه قد أنقضى كلمح البصر. قبل ان أغادر المدرسة اتاني المركز وسلمني البرنامج الأسبوعي, واخبرني بأنني ساقود السفينة من الاسبوع القادم بمفردي: “من يوم الاحد راح تدرس الطلاب لوحدك”. قالها وتركني وانصرف. تعجبت من الامر, ولكن لم ابد له أي شيئ. أحقا, وبهذه السرعة قد اصبحت قبطانا مؤهلا لامسك بيدي الصغيرتين هذه الدفة الكبيرة لاقود سفينة عملاقة في بحر هائج – حيث امواج كالجبال تحيط بنا من كل الجهات – وصولا بها الى بر الأمان؟! ربما عليّ ان اناديه باعلى صوتي وارفض هذا العرض، او على الاقل ان أرجئه لأسبوع او اثنين! “يا استاذ، مش شايف انك تسرعت شوي؟!”. قد كانت صيحة صامتة دوت في اعماق جوفي، فقد أسررتها في نفسي ولم ابدها له، إذ خشيت ان افقد الوظيفة التي طال انتظارها. أراه يسير في الممر وعن يمينه وشماله غرف التدريس المخيفة التي وكلت بها، ولقد بدا لي ساكنوها وكانهم قنابل موقوتة في حقل الغام. لقد بدأ النزول عن الدرج والتلاشي شيئا فشيئا. ما زلت انظر اليه ولم اصرف النظر عنه, حتى غابت عني مؤخرة راسه”: أحقا فعلها؟”, اسأل نفسي. نعم لقد تركني لوحدي وانصرف.. أكاد لا اصدق ما ترى عيناي!! أني أراني امسك بدفة السفينة العملاقة بمفردي! اهذه حقيقة ام خيال؟! تراني اتوهم ام أحاول التهرب من الواقع؟! لقد وضع على عاتقي مسؤولية كبيرة، علي ان اصل بهذه السفينة العملاقة بهذا العدد الكبير من الركاب الى بر الأمان! قد قيل لي ان المسافة الى الشاطئ قصيرة، إلا أنها تبدو لي بعيدة المنال، احتاج الى الاستعانة كثيرا بالصبر والصلاة لخوض هذا البحر الهائج والخروج منه بسلام، شئت ذلك ام أبيت علي ان أتم المهمة، لا امكانية لرجوع! احكم قبضتي بقوة على الدفة كي لا تنفلت فتنحرف السفينة من مسارها فنضيع في ظلمات البحر فأهلك ويهلك معي ركابها في قاع البحر. ارى نورا في الأفق تكاد السحب السوداء ان تحجبه! ما اجمل هذا النور, انه بر الأمان، انه اجمل شيء رأته عيناي. يجب ان أوصل السفينة الى هذا النور، لكن الصعوبات كثيرة، هنالك عدة عوامل تحول بيني وبين هذا النور، حالة الطقس تزداد سوءا، ويبدو ان إعصارا بدأ يضرب أطراف السفينة، والأمواج من حولنا تزداد ارتفاعا وترشق السفينة بوابل من قنابل الماء، وحتى بعض ركاب السفينة يحاولون إغراق السفينة بأيديهم.. انهم يرفضون المساعدة على سحب الماء المتدفق في السفينة.. يريدون ان يروا السفينة تغوص بأهلها, كل هذا وأنا اقف على متن السفينة عاليا! لوحدي أتساءل، ترى أتسوء الأحوال أم تتحسن؟ ترى أطويلة المسافة أمامنا أم قصيرة؟  ترى سنغرق أم سنصل الى بر الأمان؟! كثيرة هي الأسئلة التي تدور في راسي باحثة عن أجوبة.. لا أجد أجوبة شافية لها ولا أعلم الان إلا شيئا واحدا.. انا هنا القبطان وقد فاتت فرصة الاستسلام.

>

ساعة في المخيم/ إعتدال غنام

أحراش خضراء تلف خاصرة المكان ،، وعلى رؤوس الجبال تتربع ثكنات للمستوطنين تطل على مخيم كان أهله يوماً أصحاب ملك وجاه، وجيب عسكري يقوده جندي حاقد يوقف المارة يسأل الداخل ويفتش الخارج، تحدق في ملامح المكان ،ترى الظلم بأم عينكَ

شيوخ ونسوة وأطفال وصبية كلها وجوه لأناس يلفها الآسى والحزن

من على باب المخيم يوقفكَ حانوت صغير صاحبه شاب يئس من الحياة

ملامح وجهه توشي بالحزن والقهر والتذمر على هكذا حال حيث لا طارق لباب حانوته يسأل غرضاً

وكتل أسمنتية تغلق باب المخيم وكأنه معسكر جند ،

وثمانيني يبحث عن الشمس يتكئ على عكازه ليكمل يومه حيث البرودة داخل البيوت قاتلة يفتش عند دفء لعل حرارة خيوط الشمس تتدفق إلى عروقه وتمنحه الطاقة بعد أن جار الزمان عليه وجعد وجهه

وأحنى ظهره وجعل معالم يديه كخارطة وطن ترتسم بين كفيه

تقدمنا نحو المخيم وتجرنا أقدامنا إلى منزل العم ((رجب جوابرة )) الذي اسميه كما يحلو لي شاعر المخيم

مشينا بين الأزقة والشوراع الضيقة والبيوت الملتحمة ببعضها البعض

تخيلت لو أن جاراً تنفس لسمع الجار نفس جاره

سيدة بثوبها الفلاحي المطرز تجلس في أزقة المخيم يدها على خدها تعيد ذكريات الزمن

أطفال يسابقون الزمن يلهون بكرة قدم ،، يدحرجونها هنا وهناك وربما أصابت نافذة الجيران وكسرتها لا يهمهم ذلك

فالجميع يلعب والجميع يعرف بأن النافذة ملك للمخيم أغلى من النافذة ذهب ألا وهو الوطن

وقطة تبحث عن طعام لها ولصغارها ربما كسرة خبز سقطت بالسهو من يد طفل صغير كانت لها كنزاً من ذهب أخذتها وأسرعت حيث لا أدري إلى أين

جدران المخيم حكايا الوطن المقسم ’يقابلك جدار كتب عليه رسائل لأسرى الحرية وآخر يمجد شهداءأ سقطوا بعد أن لبوا نداء المجد في ساحات الوغى

جدار ثالث يحي حركة فتح أم الثورة وأم الرصاصة الأولى

و رابع كتب عليه (حماس إنت المدفع و‘حنا الرصاص )

وأجمل جدار رأيته ما خط عليه بكلمات تدعو للوحدة ولإنهاء الانقسام

فلكل جدار حكاية وإشارة الأمم المتحدة الزرقاء تراها أينما أدرت وجهك حيث إنها وكيلة على المخيم وأهله

تذكرت قول شاعرنا جوابرة حينما قال :

مخيمنا …

شوارعه…

تنادي هئية الأمم..

تعالوا

وانظروا كيف ……

يؤدي الطفل لعبته .

خصوصاً لعبة القدم

مخيمنا .

شوارعه

تؤدي حاجة الملعب

لأطفال رأوا فيها

كمنتزه

لهم أرحب

وأخيراً من بين الزحام وبيوت الزينكو وصلنا لبيت العم رجب

طرقنا الباب ،،قابلنا رجل ستيني بقمباز عربي

ذو ملامح تدعوكَ للتفاؤل والأمل في الحياة رغم كل الصعاب ،، بدت على محياه ابتسامة عريضة تحي ضيوفه

بكل حرارة رحب بنا أجلسنا في صدر بيته ،، أشربنا قهوته العربية التي تفوح برائحة كرم العم رجب

ساعة كانت كفيلة بأن نقلب صفحات هذا الرجل

 

حملنا دربنا وعند باب المخيم افترقنا حيت أبي إلى عمله ليكمل مشواره الكفاحي والنضالي من أجل كسرة الخبز ورشفة الماء

في بيت لحم

وأنا حيث حملت دربي إلى دورا

وقفت تحت أشعة الشمس انتظر سيارة علها تأتي وتريحني من الهم الذي حط على قلبي من رؤية المخيم رغم حبي وتعلقي بمن رأيتهم

ولكنه الظلم قاس

ولكنه الفقر ظالم

ولكنها الحياة الغادرة حيث جعلت لبعض البشر قيمة وداست بعضهم بقدميها وسحقتهم حتى من الشمس حرمتهم

مخيم العروب كفيل بأن يعطيكَ صورة الوطن الحزين

يا عابر المخيم قف وأقرأ تاريخ التشريد

صهيون جار علينا وفرق دربنا وقال كونوا لاجئين قالها وأصبحنا كما أرادنا

أصواتنا في المخيمات مخنوقة

ننادي من يعطينا كيساً من الطحين

إشارة الأمم الزرقاء تكدر خاطري وتنغص علي الحياة

من قال بأن الأمم المتحدة حفظت كرامة الاجئ

ألم تعلموا بأنها كانت لنا القشة التي قسمت ظهر البعير

زادت من مرارة التغريب

في المخيم وطن بصارع الحياة

 

تقدمت سيارة صفراء ركبت وكانت بجواري سيدة خمسينية في العمر عليها ملامح التعب والارهاق من كدر الحياة

حملت خيارتها وبدأت تقضم فيها وحينما أكملتها بدأت بحبة عجوت التهمتها بسرعة وقالت الجوع كافر

سألتها :كم الساعة ؟

أجابت الواحدة بتوقيت الجبنة

الجبنة !!!!!!

نعم الجبنة حيث إنني أضبط ساعتي بتوقيت جبنتي

بدأت علامات الدهشة على وجهي بادية بكل وضوح

ضحكت الجدة وقالت : أنا أضبط ساعتي بميعاد جبنتي حيث أضعها لساعة في قالبها حتى تتشكل قرصاً وأبدأ بتوزيعها على المحال التجارية

السيدة كانت قد قدمت للمخيم من مكان بعيد لتبيع منتوجها المحلي فيه

بدأت تقص علي طريقة صناعة الجبنة من حليب الشاة ،وكانت سعيدة بذلك حيث ختمت حديثها بقول من عرق جبيني بجيب قرشي ،،

ويستمر تشريدنا وتستمر حكاياتنا الأليمة

>

كتابي الأخير/ مراد فضل

سماءٌ مربعة

فوقي، في غرفتي،

مكان مجلسي

حيثُ فنجان قهوتي الأبيض

وأوراقي دون قلم

في سجني الوحيد..

قارورة حبرٍ أسود

وثوب جديد..

 

موطني صورة حائط

على جدران بيتي القديم…

 

ومفتاح عودتي في جيبي

بين أوراق مذكرتي

 

صوت عمي العجوز

إنهض

خُذ قلمكَ واملأ الحبر

واكتب.

أكتبْ- لعلّي أولد من جديد

وامسك كتابك الأخير

واذهب به إلى المكتبة

حيث الصمت يسير

وامضي به الى الرف البعيد…

عند الكتب المرقمة جيدًا

وضَعْهُ بين كتب التاريخ

وبين أسماء المشاهير.

 

لا تخشى المشاهير

فلو أنهم عاشوا على أرضٍ

وحدهم

لم يكونوا كذلك..

ولا تنسى أن تضع بين صفحاته

وردة

 

وردة تساعد العلماء على التأريخ

وقبل أن تغادر

لا تنسى أيضًا أن تحفظ مكان كتابك المرقّم

على الرف

لعلك تعود

من جديد….

 (شتاء 2012)

.

آخر الشهداء/ حليم نصّار

(للتوضيح: تدور احداث “المشهد” في صحراء خارج مكة. يقف ابو سليمان – غارقا في افكاره -  امام قبر خليفة المسلمين وامير المؤمنين العامر, في الدقائق الاخيرة من حياة الدولة العربية-اسلامية. جميع الشخصيات متخيلة, والزمن قد يكون اي زمن.)

انظر الي!!

يسمع صوت سيده.

انا هنا, حي ارزق, ولا احد من ابناء ادم يخيفني!

ولكن ماذا عن بنات ادم؟! يباغته السؤال امام قبر امير المؤمنين, اليس حبها من قتله؟!…

“مولاي!” ينتشله صوت من افكاره: عبدالله, امامه الان, راحتاه على ركبتيه ويلهث. “علينا.. المغادرة..!” يخرج صوته ممزوجا بلهاثه. “مكة.. سقطت… القاضي…  ابو جعفر اجتاحها.. خرج بنفسه للبحث عنك.”

للحظات لا يشعر بشيئ. يتوقف دمه عن الجريان, تضيع افكاره في رأسه, يضيع باحثا عنها. يسير وحيدا في عالم من السواد, لا يرى شيئا على الاطلاق. يتلفت حوله. لا شيئ. يحاول الصراخ. لا شيئ. يتسلل الخوف الى اطرافه, يرتجف. تتسارع خطواته, يعدو. يهرب. فجأة يرى ضوءا في الافق. يقترب. نار. مكة. تحترق. يرى الناس يذبحون, يسمع صراخهم. يشم رائحة الموت. يرى ابليس واعوانه يطرقون الابواب والشياطين ترقص في الازقة. يرى الكعبة تدك, ويعلم من الحاضرين ان دارا لاله ابي جعفر ستقوم محلها.

شيئا فشيئا يملؤ طعم الملح فمه… دموع؟!… تتثاقل خطواته, لا يقوى على السير اكثر, وعلى تل قريب من ام القرى يقف.

يهب نسيم خفيف مداعبا وجهه, ومن دون ان يدري من اين, تعتريه سكينة غريبة عنه. بهدوء وسهولة تهدم اسواره, لتدخله الحقيقة التي هرب منها طويلا: قضي الامر.

تهادنه مخاوفه. قضي الامر.

“اذهب انت يا عبد الله” تخرج الكلمات من فمه قبل ان يقرر قولها.

***

في عالم اخر, يقف القاضي ابو جعفر بين يدي سيده, يتوسل ويتضرع: الرحمة يا مولاي! لكن الرحمة لا تجوز على مثله, هذا ما يراه, وهذا ما يجمع عليه اهل الشورة. يقتنع الامير ويعطى الامر وينفذ.

او يكاد.

في الليل, وبعيدا عن كل العيون, تجالس هي امير المؤمنين, وفي الصباح يعفى عن الرجل, فالامير اعمى بصيرته حبها.

اما هي… للان لا يفهم ما هي…

يخرج القاضي من ابواب القصر حرا, وينسى ذكره.

او يكاد.

في اقاصي الارض يلتف حوله بعض الناس. يقولون انه نبي, ويدعون انهم شهدوا معجزاته. بعد الناس يأتي امرائهم: يرى فيه الطامحون منهم فرصة, وتشتري “معجزاته” الاقل طموحا.

تتعاظم قوة الرجل ويزداد اتباعه. كل زلة قدر ترجح كفته, كل صدفة لصالحه. يحاولون ايقافه, لكن غزوة هنا وفتنة هناك تحول دون ذلك.

في سهل اخضر يسير ابو جعفر, يعظ ويغني ويبشر بالخلاص. تسقط المدن امامه, وتفتح له الحصون. من دعوا لسيده من على منابرهم ظهرا, يصلون لاله جديد في العشاء.

تدور معركة فاصلة.

خيانة.

هزيمة.

***

يفتح عينيه. ببطء شديد يفتح عينيه.

حوافر. خيول.

تحيط به الخيول. يستجمع قواه, وبصعوبة, يقف على رجليه.

“ابا سليمان!!… ام تفضل امير المؤمنين؟!” يقول الرجل على الحصان الابيض. “سمعت ان بقايا المؤمنين بايعوك يوم موت العامر!”

“وانا سمعت انه لم يبق احد ولم يبايعك!” يرد.

يبتسم ابو جعفر, “ارى ان كل سيوفك كسرت الا لسانك!”

ينظر الى حاشية الرجل. عشرة او اكثر قليلا, خيولهم سوداء كالليل, ثيابهم وجلودهم كذلك. ليسوا عربا. القوس والنشاب نارهم. يتذكر رسول الله ابراهيم, وكيف كانت النار بردا وسلاما عليه.

ماذا سيكون طعم النبال؟!

“تعلم؟!” يتابع القاضي بعدما مل انتظار جوابه, “دائما ظننت انك الاجدر بالخلافة. العامر رجل طيب. نواياه كانت دائما حسنة, الا ان هذا لا يكفي. ارادته ضعيفة وقلبه اضعف. انت تعلم هذا! كل اهل الشورة يعلمون..” يتوقف الرجل, ينظر الى الافق باحثا فيه عن بقايا جمله, عن الكلمات الملائمة ربما: ” ولهذا اختاروه. اختاروه مكانك, وعندما تم الامر كنت انت اول المبايعين.” لماذا يكلمه بلهجة المعاتب؟!

“منعا للفتنة.” يرد عليه. هذه هي الحقيقة.

يبدو ان ابا جعفر يفكر في جوابه. تمر دقائق يسود فيها صمت مر. يعاود النظر الى اصحاب الرجل. من اين اتى هؤلاء الرجال؟! تعتريه وحشة لم يشعر بمثلها في حياته. كلهم غرباء عن هذه الصحراء, هو اخر اهلها.

“لو كان موتي يطيل عمرك لقتلت نفسي!” تخرج الكلمات هادئة وحزينة من فم القاضي. تعكس نظراته صدق فحواها.

“انت احق بالعيش.” الحقيقة.

هدوء.

يتوقف الوقت.

يحبس ابو سليمان انفاسه, يترقب.

من دون انذار يبدأ مطر بالهطول. مطر هنا؟!!… ينظر الى السماء, يرفع يديه, ولا يستطيع منع ابتسامة خفية من الارتسام على وجهه.

يسمع جلبة وراءه. تضعف تدريجيا, ثم تختفي تماما.

يشد القوس. يترك. هوووف.

يمزق السهم جلده. يغوص عميقا. عميقا. يقتل افكاره.

الالم… لا يشعر ولا يفكر الا بالالم. هو كل عالمه الان.

يحرقه الالم.

هوووف. سهم اخر.

يقف على ركبتيه. مبتل تماما, بالكاد يرى حوله, اخيرا سيعتق من هذا الحبس.

سهم ثالث.

لا اله الا الله.

رابع.

محمد عبده ورسوله.

….

.

تبغ وحب/ محمد قادري

وحده التبغ من يصغي
إلا ان جوابه رمادي اللون
لا اسود فيه ليجرح ليل
ولا ابيض فيه ليرسم غيم
يستدعي النار في شهوة
وحده من يتلذذ في الحريق
ينصت في حرقة الصمت
يُصلى ويُكابر في لوعة الوقت
يحيى كلما زادته النار موت
ويموت اذا آختُزِلَ اللهب في العقيق
كم انا انت يا تبغ ولا انت انا
في الحاضر تأخُذني الى الغد
إلا لا غدٌ لحاضرِكَ لا ذكريات
لا موت في موتك كالحب
كالموج انت لا تنتهي
كولادة العنقاء تعود
كالتائه الواعد الموعود ان يلتقي

 تجتاحني في غبطه الافكار

ابني قصور الحلم من دخان

اصنع اشياء من عدم

اتجسد في عرشي ان اردت مُلكً

اصير خيلا او خيال

احتضن ضلي لو ضللت السبيل

ابكي كالأطفال او كالظالم اضحك

اجالس اي سبيةٍ سمراء

تعشقني واعشقها مراراً

تقتلني لا اموت واقتلها

افرح حيناً واحزن احيان

احن لصخره في التل

او اكره نجمتين في المساء

فأنا الان حرٌ في مملكتي

طليق في الحب وان كان سراب
فالحب تبغ غامض النفحات
كغير الاشياء متجسد في لا شيء
لا معنى يحويه ، ضلٌ ، مترنم المقامات
يضمحل ويستزيد ،، يستهل ويفيض
مملوك ويستعبد ،، مموج العلامات
كم انا انت يا تبغ في العشق
ولا انت انا في الأمنيات

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>