وحده “رسائل البحر” أنصف المثلية في السينما

أتى العام 2006 محمّلا بأعمال هامة للغاية قلبت كافة توازنات السوق السينمائية في القاهرة

وحده “رسائل البحر” أنصف المثلية في السينما


لقطة من "رسائل البحر"

لقطة من "رسائل البحر"



|راجي بطحيش|

قدّمت السينما المصرية، وهي الأكثر تأثيرا وفاعلية في الضمير والوجدان العربيين من بين سينمات المنطقة، قدمت موضوع المثلية بشكل متواضع وهزيل واتهاميّ إلى أبعد الحدود؛ فباستثناء يوسف شاهين الذي كشف ميوله الجنسية المثلية في فيلم “إسكندرية كمان وكمان” (1988) من خلال طرح يتسم بالمزاجية النخبوية العابرة والخاضعة لولعه وإخلاصه  لمشروعه السينمائي “الهاملتي” من خلال حبّه لبطله المتمرد، عمرو عبد الجليل.

قدم يوسف شاهين فلمه الأجمل (حسب رأيي) عام 1978 وهو “إسكندرية ليه”، وهو العمل الذي افتتح سلسلة سيرته الشخصية والذي تم اختتامها بأسوأ أفلامه على الإطلاق (“إسكندرية نيويورك”) عام 2004. في “إسكندرية ليه” نشاهد خيطا دراميا منفصلا حول قصة حب غرائبية بين جندي بريطاني وعم “يحيى” الذي يجسد يوسف شاهين بالحياة. يقتل الجندي البريطاني في معركة “العلمين” الشهيرة إبّان الحرب العالمية الثانية وهكذا يتم فتح الباب أمام السينما الإنتقامية من المثلية- بمعنى الأعمال التي تقدم الشخصية المثلية ثم تعاقبها سواءً أكان ذلك عن طريق الموت أم النفي الأخلاقي. ففي “قطة على نار” (1978) ينتحر عشيق البطل المثلي نور الشريف ويعود نور لزوجته وكأنّ المشكلة تم حلها بغياب العنصر “الشاذّ”.

ويستمر هذا النمط في سنوات الثمانين مع الفرق أنّ انتشار أفلام “العوالم” في تلك الفترة كان قد أدّى لخلق شخصية “صبيّ العالمة” المخنث والمحتقر والذي يتم عقابه هو الآخر في نهاية العمل. ثم يطل علينا يسري نصرالله بفيلمه الرائع “مرسيدس” (1993) حين يقدم شخصية جمال الأخ الأصغر للنوبي بطل الفيلم، والذي يعيش مع حبيبه (باسم سمرة) في بيئة ملوثة بالمخدرات والدعارة ومراحيض سينمات الدرجة العاشرة. وهنا أيضًا تعدم الشخصية المثلية  دهسًا- وهذا ما يحدث بالضبط  في أفلام أخرى أقلّ أهمية أتت قبل وبعد “مرسيدس”.

أتى العام 2006 محمّلا بأعمال هامة للغاية قلبت كافة توازنات السوق السينمائية في القاهرة  رأسًا على عقب، وقد جاء أهمها “عمارة يعقوبيان” الذي قدم شخصية المثلي المأخوذة عن الرواية الشهيرة التي تحمل نفس الاسم، بنمط أقلّ تحفظا وأكثر إنسانية بعيدًا عن الأجواء الإجرامية وملامح الإنحطاط الأخلاقي. إلا أنّ العقاب وكالعادة كان يتربّص في النهاية بالبطل حيث يتم قتله بهدف السرقة في نهاية السيناريو السينمائي وقتله على خلفية عاطفية في نهاية الرواية. ثم يأتي “حين مَيسرة” لخالد يوسف في نهايات عام 2007 ليقدّم مشهدًا مثليًا ساخنًا بين الجميلتين سمية الخشاب وغادة عبد الرازق، ولكن مرة أخرى، في ضمن أجواء إجرامية تحمل الكثير من التداعيات الأخلاقية العقابية.

وأخيرًا يقلب فيلم “رسائل البحر” (2010) البديع لداوود عبد السيد المعادلة الأخلاقية تمامًا؛ فبالتوازي مع القصة الرئيسة للفيلم وبالتشابك معها أحيانا تتطوّر قصة حب سلسة، هادئة وإيروسية بين امرأتيْن في مجموعة مشاهد هي الأجمل ممّا قُدّم مؤخرًا في السينما العربية، وللمفاجأة لا تقتل إحدى المرأتين أو تنتحر أو يدهسها قطار في نهاية الشريط، بل تمضي العلاقة بطبيعية شديدة خالية من الأحكام ذات الطابع الديني المجتمعي.

والسؤال هو: هل ستتجرّأ السينما العربية الآن أن تقدّم قصة حبّ بين رجليْن عادييْن، من دون أن تنتهي بفاجعة عقابية، أم أنّ قداسة الرّجولة وهيبتها ما زالت اللاعب الأساسيّ على هذه الحلبة؟


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

11 تعقيبات

  1. اوﻻ أنا لست مثليه و لكنني اساند المثلئن و مع التعامل معهم كاي انسان عادي منهم الخير و منهم لا و أنا فتاه مصريه و علي فكره في فيلم اسمه طول. عمري من الافلام المصريه المهمشه و ممكن تشوفو هلي اللينك ده http://m.youtube.com/watch?v=qJMrep991Ho#. ده اول جزء هو 8 اجزاء و. ده اجراء فيلم ظهر للمثليين و الممثلين من الوطن العربي و تم تصويره في مصر و سان فرانسيسكو

  2. رائع ….

  3. في المقال أحكام متسرعة كثيرة، ليس هناك إدانة للمثلية في فيلم مرسيدس، ولكن المشكلة في الأجواء العدمية التي كان يعيش فيها الشقيق: جمال، ليسري نصر الله فيلم آخر جميل فيه قصة حب مثلية جميلة ، غير مباشرة، عنوانه سرقات صيفية. في فيلم قطة على نار، وبعد أن شاهدت أخيرا نسخته الكاملة على إحدى القنوات الفضائية، نور الشريف لم يكن عشيقا للشاب المثلي، بل كان أعز أصدقائه وانتحر هذا الشاب بمجرد أن عرف البطل ، نور، بمثليته، لأنه انكشف أمامه، ولم يسرع نور بمساندته، فاتهم زوجته بقتله ثم اعترف في نهاية الفيلم بأنه هو أيضا مدان – الفيلم لا يدين المثلية بشكل أو بآخر، بل إن موت الصديق أو انتحاره كان سببا في أزمة البطل طوال الفيلم – لن أتحدث عن يعقوبيان لأن الشخصية – في الرواية وفي الفيلم على السواء – غير مقنعة ومفتعلة، في رسائل البحر العلاقة جميلة لكنها غير مفهومة بالمرة، علاقة إيروسية، أوكي، أهلا وسهلا، ولكن ما طبيعة الدراما التي تطرحها، أو الأزمة، أو الموضوع، لا يوجد – عدا التابلوهات البديعة التي يعرف داود عبد السيد كيف يرسمها شعرت أن الفيلم مجرد نزوة سينمائية من مخرج كبير
    أما شاهين فإن حكايته طويلة مع المثلية، وأتفق معك تماما حول أن فيلم اسكندرية ليه أجمل أفلام سيرته، إن لم يكن أجمل أفلام على الإطلاق، ولكن الثري الذي أحب الجندي الأنجليزي لم يكن عم البطل، بل خال صديقه الثري على ما أذكر – شكرا لك راجي

  4. نتمنى بالفعل مشاهدة قصة حب بين رجلين لا تنتهي بعقاب على غرار جبل بروكباك وارشح خالد ابو النجا واسر ياسين للبطولة

  5. انا معاك ان الفيلم قدم المثلية بشكل مش فية ولا عنف ولا صراع ولا موت للمثلي وكأن الموت هو عقاب وللمثليين فقط .. بس برضة اختلف انة خلا العلاقة تبتدى برغبة جنسية من احدى المرآتين واتباع الاخرى ليها . مش دة الحب المثلى ,, الناس كلها وببساطة فاهمة المثلية انها جنس وعلاقة بتبتدى وتنتهى عند حدود الجنس ،، بالرغم من انها علاقات كأى علاقات انسانية تانية..انا كنت مع الهدوء فى المشاهد بس كنت ضد شكل بداية العلاقة اللى فى الفيلم

  6. أعتقد أن فيلم “حمام الملاليطي” كان محطة هامة في التعامل مع المثلية سينيمائيًا.
    أشكر رصدك الشيّق.

  7. يمكن مشاهدة الفيلم على myegy
    أو بانيت أفلام عربية
    ومتوفر على اقراص مزيفة في القدس والناصرة وغيرها

  8. اولا, برافو للسينما المصرية
    ثانيا, اين يمكن الحصول على الفيلم؟؟

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>