أربع قصائد/ زفونكو كارانوفيتش

أربع قصائد/ زفونكو كارانوفيتش

أنتِ تعرفينني/ ولكنك لا تقولين مرحبًا أبدًا/ نهداكِ/ يرعيان مروري/ قميصك يقول لي:/ الشعراء دائمًا ما يعبثون بالخلود

زفونكو كارانوفيتش

زفونكو كارانوفيتش

>

|زفونكو كارانوفيتش|

|ترجمة” مايا أبو الحيّات|

>

الفراء المخدر

في العمل مع الله

أصبحت مُروِّجه في الشوارع

أنتظر الوحيدين واليائسين

في نفس البقعة دائمًا

في نفس المعطف الجلديّ

في نفس الحذاء القذر

.

كبرتُ في الظلام

أراقب الهالة تشع

حول المختارين

مستعدًا دائمًا للانفجار في الزاوية

لأنقذ روحي وربما روحك أيضًا

وأرواح كلِّ البشر

ولكن أحدهم فعلها قبل فترة طويلة

مُنح الفرصة وصُلب

كلّ ما تبقّى لي الآن

هذه الجدران الأربعة والمدينة

هذا كلّ ما لديّ

.

منفيّ بين الناس

أبيع الحبّ

للمارة المكفوفين

سمفونية الجحيم

والأطفال السِمان

دائما ًجائع

أمشي

دائما في الشارع نفسه

دائمًا بشفاه مُشققة

دائمًا في الجينز القذر نفسه

.

أنتِ تعرفينني

ولكنك لا تقولين مرحبًا أبدًا

نهداكِ

يرعيان مروري

قميصك يقول لي:

الشعراء دائمًا ما يعبثون

بالخلود

.

هاتف الله يرنّ

لكنه لا يملك الوقت

للردّ

حزم المعاناة وأرسلها للمؤمنين

المساعدات الإنسانية للقديسين

إنه يعتني جيدًا

بسيركه الحزين

يرنّ الهاتف

لكنّه مشغول

ويدعُ الأمور تحدثُ

كما تشاءُ

وأنا أحملُ

قلبي المليء بالشّعر في علبة

دائمًا في نفس الشارع

دائمًا في نفس الحديقة

دائمًا في نفس السّترة الجلدية

بياقة مرفوعة

.

أردت إخبارك

أحياناً أشعر بالوَحدة

عندما أقف

وأنظر مباشرة في عيون الناس

التي تعكس ألم

الكمان الحزين

في الضواحي الرمادية

الشهوة في كلّ مكان

الأرض ضجرة بالثقل

قميصي يقول:

المعاناة وحدها

تنتمي إلى البشر

.

أقف دائماً في الحديقة نفسها

أبيع حياتي

شيئًا فشيئًا

دائمًا لنفس الناس

نهداك يرعيان مروري

ودوامة الشغف المظلمة

العالقة خلف

مرثيات قديمة

.

أردت أن أقول لك

أنني اعتدت على العزلة

هي لا تؤذي

هي فقط تحرق

وإن شاء لشعلة الرغبة أن تشتعل

ستكون النهاية

النار هي الشيطان

شيطان بألف لسان جشع

يأتي شخصيًّا لأخذ

الروح

ويختفي بها

.

في العمل مع الله

أصبحت مُروِّجه في الشوارع

منفيًّا بين الناس

أنتظر الوحيدين واليائسين

هذه وظيفتي الوحيدة

لا أملك ساعةً

أو مفاتيحَ

أركن

سياراتي المستعملة الصدئة

خلف المبنى المجاور

أنتظر

دائمًا في البقعة نفسها

دائمًا في الحذاء القذر نفسه

دائما بياقة مرفوعة

أنت تعرفينني

لكنكِ لا تقولين مرحبًا أبدًا

.

لقد كبرت في الظلام

أحسد الرسامين

الذين يحوّلون الشخصيات الأرضية

إلى كائنات سماوية

أحسد

المشردين والمجانين

فهم لا يعبثون أبدًا مع البشر

أحسد الشيوعية والعقارات

فهم لا يُشيدون يومًا بالمنتصرين

.

حديقتي هي مكان عملي

لا بدّ لي من جمع حصتي

أقف وأنظر حولي

دائمًا على استعداد

أيّامي

متناثرة مثل ورق ملون

قُذف من سقف ناطحة سحاب

.

ما زلت أسافر داخلي

دخلت عالم الخطوط الملتوية

مراياي

أصبحت أفقًا

رأسي

لا يزال

بيتي الوحيد

.

ستّ عشرة ساعة من التفكير يوميًا

لماذا يتوق أعظم الفلاسفة

ليكونوا شعراء

في غرفتي

المنفضة المعدنيّة

المليئة بأعقاب السجائر

وزجاجات البيرة الفارغة

تنتظر بصبر حقائبها

.

المستقبل مشرق ولا يطاق

بينما أزحف على طول الجدران المعزولة

أسمع أجراسًا

أحيانا أتمنى أن يُقبّل شخص ما

شفاهي المشققة

أحيانًا أرى الظلال

تترك أشياءها

.

سأطالب

بيوم عمل أقصر

أجرٍ يوميّ أعلى

تدليكٍ لقدميّ

أحتاج إلى عناية

مسرح من المخمل

وراقصات عاريات

مع خناجر

هذا

هذا تماما ما أردت أن أقوله لكِ

.

المعاناة ليست نبيلة

وهي صعبة جدًا

عندما تديرين رأسك بعيدًا

وتمرّين بي

نهداك

يلمسانني

قميصك يقول

أشياء مزعجة فعلاً

.

أنت تعلمين ما أعنيه

.

ثلاثية الفتيات الوحيدات

خرجتْ إلى الممرّ بثوبها الحريريّ

مُمسكة بيد ابنها

لتقول فقط

شكرًا لاعتنائك بالطفل

كنت استحمّ ولم أسمع الجرس

وهي لم تدعُني أبدًا

لشرب القهوة أو الشاي

.

في الظهيرات والليالي

طرق أقرباؤها الكثيرون

بابي بالخطأ

إنها هناك، أقول لنفسي

يكفي أن تضغط على الجرس لفترة أطول

تجفّف شعرها على الأرجح

فقد أعرتُها مجفف شعري اليوم

؟

كثيرًا ما أسمع صرير سريرها

ينفجر خلف الجدار الرقيق

الذي يفصلها عن كرسيّ الهزاز

ربما تحرّك الأثاث

بعصبيّة

بينما تنتظر زوجها

ليعود من ألمانيا

ويأخذها بعيدًا عن كلّ هذا العفن

.

هل تحتاجين إلى المساعدة؟

أركض نحوها وأسأل

تلوّح بذراعها فقط

بالأمس وصلت الرسالة

سيعود رجلها قريبًا

سيُحضر الكثير من المال

ليصير كلّ شيء على ما يرام مرة أخرى

.

أحيانا تخرجُ في المساء

تسدل شعرها الأشقر فوق جبهتها

تضع أحمر الشفاه فوق شفاهها الشاحبة

“إن سأل عني أحد

فأنا ذاهبة إلى أمي

لإحضار الطفل”- تقول

كعبها العالي

يهزّ الدرج في طريقها إلى الأسفل

.

جواربها، الصدريّة وسروالها الداخليّ

تجف في الشرفة قربي

مناشف تيري

المزينة بورود زرقاء

عندما تفتح الباب

الموسيقى تنبعث من شقتها

مع عطورها العابقة

.

تنظر إليّ بعينيْها الزرقاويْن اللمّاعتيْن

بينما أمسك بيد ابنها

وكلّ ما تقوله

شكرًا لرعاية الطفل

.

أمشي إلى النافذة

أراقب رجليْن من أقربائها

يدخلان سيارة مرسيدس

سائقهما ينتظر

الجميع على عجلة

**

لا شيء يحدث في الحقيقة

قطعتا شوكولاتة

يوم ممطر آخر

أمي وجدت

حبيبًا جديدًا

أبي ذهب إلى العمل

ولم يعد أبدًا

أصابعه الثخينة

بين ساقيّ

لقد نسيتُ كل شيء

.

لا شيء يحدث في الحقيقة

الستائر تنسدل فوق النوافذ

الحنفية تقطر في الحوض

التاكسي ينتظرني

لقد حان الوقت مرة أخرى

لتغيير اسمي

ليديا، مايا أو تمارا

لا يهمّ

أنا أحبهم كلهم

هم وسيلتي للحرية

التي أسمح لنفسي بها

.

لا شيء يحدث في الحقيقة

جاري يصيبه الأرق

يجلس بجانب المدخل الأماميّ

ركضت إليه هذا الصباح

في طريق عودتي

رآني

أخرج من التاكسي

أردت أن أقول له: تعال

لكنني تذكرت

بناته الصغيرات

اللاتي يقلنَ لي مرحبًا

عندما أشتري الحلوى

من الصيدلية خلف المبنى

***

نحن نعيش في استوديو

أمي وأبي وأختي وأنا

عندما أعود في الليل

أحرص ألّا يستيقظ أبي

وألّا أدوس فوق أمّي

أختي تحمل أغراضي

أقول لها

اُدرسي

اُدرسي

أخرجي من هنا

سأفعل شيئا

أذهب إلى الصالون

وأحصل على مساج

وترطيب لوجهي

الجارة تحدّد حاجبيّ

وتنظف جسدي

بالشمع

تطلي أظفار يدي

ورجلي

يجب أن أبدو جميلة

لا بدّ لي من تجهيز كل شيء

الوصول إلى الجامعة

الثانوية مهمة

الاستوديو مزدحم

أدرس في بيت صديقتي

صديقها يملك صيدلية

صديقي كشكًا للجرائد

ليست مزعجة

ولكنه لا يكفي

بالأمس أعادني لاعب كرة قدم

إلى البيت

أعطيته رقم هاتفي

غدًا سيتّصل

سيرسل أزهارًا

صديقي غيور

يعمل في الليل

هذه هي وظيفته

لا يملك بيتا وحده

والدته تتذمّر طوال الوقت

ولاعب كرة القدم ليس بهذا السوء

سيلعب خارج البلاد

قد يغادر الموسم القادم

في هذه الأثناء، صديقي

يتبعني في كلّ مكان

بالأمس ظهر في صالون التجميل

ليتأكد أنني هناك

لقد قرّرت تركه

لكن

لاعب كرة القدم ليس سيئًا أبدا

يملك سيارة جيدة

بمقاعد جلدية

لها مساند

ما يزال شابًا

سيصبح شيئًا ما

.

الخطوط الرقيقة حول الشفتيْن

في الشوارع المظلمة

لا  أحد  ينتبه لدفقة

البلوغ

الخطوط الرقيقة حول الشفتين

الابتسامة الواحدة تستمرّ

اثني عشرة يومًا

كلّ شمس صغيرة

تختفي في صندوق السّكر

الندبات حقول من الورد

فوق الجلد الحالم المتورد

ورغم ذلك

الجنوب ما يزال جامحًا

مخدّرًا بالذنب

السماء الورقيّة للمدينة الصناعية

تحترق بنار لا تُنسى

وصور أسطوريّة

لمجزرة لا معنى لها  من الأحلام

تشبه كبدًا مدمىً ملقىً بالوحل

مأواي الجديد يدعى التلفاز

بينما أعتنق الماضي

يشهد الراديو عليّ

وأعترف

شعرت دائمًا بأنني ابن المسيح

أبحث عن الفخامة المفقودة

سألت مرة

أين ينام الإفطار

مرة مارست الحب مع جميلة من السومو

مرة وجدت الراحة فوق موجة كبيرة من القصاصات الملونة

ومرة وببطء شديد، شديد مثل أحمق

فتحت علبة مارلبورو

أشعلتها

ونفثت الدخان في يوم ربيعيّ

.

بيكيني للطفل، بلوز لقطرة الندى

المرأة تحمل الطفل بين ذراعيها

أمام ثكنات من الورق المقوّى

كُتب على جدرانها

تشارلي سيصبح نجم نابالم!

وأنا أفكّر بأنّ العالم

سلّة غسيل قذرة

وأنّ كرة النار الكبيرة هذه

ستمتزج دائمًا بالصمت

بعدها ضُرب الغاز

ليتحوّل كلّ شيء بعد لحظات

إلى نسيان

.

بالأمس حلمت

بأنّهم سرقوا كلّ قمصاني

وأحرقوها

كنت أشعر بالبرد

برد عظيم أسفل قمة شجرة قديمة

خسرت لحاءها تحت أقدام العابرين

عندما استيقظت

وجدت هذه الملاحظة:

أنت حطام مدنيٍ قلق

دُفن في قمامة ثقافة البوب

.

تستطيع الهرب بالفن

لكنها رحلة يوم واحد

لا بدّ من أن تعود

بوجهك المتجهّم الحزين

.

الأقوياء والابتسامات الصفراء

يملؤون الملصقات الانتخابية

إنها تذكير بأنّ الحياة لا تخسر أبداً

لصالح الهواة

للسياسيين هالة من البراءة المزيفة

فقط الماراثون

انتصار المادة على العقل

.

كما كلّ مرة

أقف وسط المدينة

وأشاهد ندفات الثلج الأولى

تغطّي كآبة العمارات الاشتراكية

أرفع باطن يدي

عاليًا في السماء

لتتذكّر رقص الأميرات البيضاوات الوادعات

(شاعر من صربيا؛ مختارات شعريّة بعنوان “أجمل القصائد دائمًا ما تتحدث عن الاشتياق والزجاج والسيارات المسرعة وتلك الأشياء الهشّة”، الصادرة عن دار “المتوسط”)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>