الثورة السّورية بعيون فلسطينيّة/ بدور حسن

يختبر السوريّون اليوم بعضًا مما اختبره ويختبره الفلسطينيّون: قمم عربيّة عقيمة، كلام فارغ من الملوك والشيوخ العرب، كذب أنيق ومصطلحات فاخرة ودموع تماسيح من “المجتمع الدولي” وقيادة سياسيّة رجعيّة

الثورة السّورية بعيون فلسطينيّة/ بدور حسن

دمار في حي باب دريب في حمص

.

|بدور حسن|

|ترجمة: محمود عمر|

“هل تظاهرتِ ضد المجازر في سوريّا؟” سأل الضابط الإسرائيلي يوسي بيرتيز بينما كان يحتجزني ونشطاء آخرين أثناء توجهنا لتظاهرة ضد الاحتلال في بلعين. بشار الأسد يقتل العشرات يوميًا في سوريًا وأنتم صامتون- أضاف.

اليوم برمّته كان فظيعًا: أجهزة “الدولة الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط” الأمنيّة منعت باصًا يحمل متظاهرين مدنيين من الوصول إلى تظاهرة سلميّة. كان الجوّ كئيبًا وباردًا، احتجزونا لثلاث ساعات في مركز شرطة جيفعات زئيف. لم نستطع التواجد إلى جانب متظاهري بلعين وهم يحيون الذكرى السابعة لانطلاق المقاومة الشعبيّة ضد جدار الفصل العنصريّ.

أكثر ما أثار غضبي كانت محاولة ضابط إسرائيلي مهمّته حماية نظام احتلال قمعيّ عسكريّ استغلال دماء الشهداء السوريين وإبداء اهتمام مصطنع حول الضحايا في سوريّا. تذكرت حينها -ويا للسخرية- أنّ شابًا فلسطينيًا شرع في توبيخنا أثناء المشاركة قبل عدّة أيام في مسيرة ضد نظام البعث في القدس المحتلة لأننا، حسب اعتقاده، لم نشارك في أيّ مظاهرة ضد العدوان الهمجي على غزّة.

تدخل الهبّة السورية من أجل الكرامة والحريّة عامها الثاني من دون أن يُظهر السوريّون أيّ علامة على الخضوع والاستسلام لحملات النظام القمعيّة، وتستمر الخرافات في السيطرة على النقاش حول سوريا وفلسطين. واحدة من تلك الخرافات تقول إنّ دعم النضال الفلسطيني والانتفاضة السوريّة خطّان متوازيان لا يمكنهما الالتقاء, وتوجد هذه الخرافة على الرغم من أن الفلسطينيين والسوريين يتنافسون على المركز الأوّل في التضحية المبذولة, والتغطية الإعلاميّة غير العادلة. على سبيل المثال: عندما أكتب على “تويتر” عن الخروقات الفاضحة لحقوق الإنسان والجرائم اليوميّة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، تأتي الردود على شاكلة ما قاله الضابط الإسرائيلي: وماذا عن سوريا؟ (تبرير الجرائم الإسرائيلية وتشتيت الانتباه عنها عبر توجيه النقاشات صوب الطغاة العرب وجرائمهم ما هي إلا خدعة معروفة يستخدمها الصهاينة الوصوليّون وللأسف، بعض العرب).

على الطرف الآخر، يتذمّر كثيرون حول الكميّة المهولة من التغطية الإعلامية العربيّة والغربيّة للوضع في سوريا وتجاهل ما يحدث في فلسطين والبحرين. بديهيًا، وسائل الإعلام لها أجندات وأولويات تتحكم بها عوامل سياسيّة واقتصاديّة، وتسليط الضوء على القمع في البحرين أو فلسطين لا يلتقي وتلك الأجندات، الأمر الذي يمكن سحبه على ما تنتجه وسائل الإعلام الموالية للأسد في سوريا وإيران ولبنان من تركيز على جرائم إسرائيل وتعامٍ متقن عن المجازر التي يرتكبها بشار الأسد ونظام البعث. النفاق والمعايير المزدوجة في الإعلام تعمل في الاتجاهين.

حتّى لو كان النظام السوري قادرًا على تحرير فلسطين، يتحتّم علينا الوقوف ضده. لا يمكن انجاز التحرير في أيّ حال من الأحوال بالإساءة لدماء أخوتنا السوريين

أن تقضي أيّامًا في شتم وسائل الإعلام والحكومات الغربيّة لنفاقهم المخزي وغضبهم الانتقائي وإنسانيّتهم المشوّهة، في حين لا تجد متّسعًا من الوقت لإطلاق ولو كلمة تضامنيّة واحدة مع الشعب السوري، ذلك لا يمثّل إلا نفس النفاق والاستغلال المنحرف للاعتبارات الانسانيّة التي يحاول هذا المقال رفضها جملةً وتفصيلا. إنّه تشابه مؤلم. قراءة النقاشات الدائرة حول التغطية الإعلاميّة للوضع في سوريا، ومقارنتها بتلك الدائرة حول فلسطين، تذكّر المرء بمباراة كرة قدم ينتقد فيها أنصار الفريقين الحكم غير الكفؤ لتحيّزه الفاضح وقراراته النكراء التي إنّما تنتجها نظريات المؤامرة التي يؤمن بها مشجعو الفريقين بنفس التعصّب والحتميّة..

في واقع الأمر، يختبر السوريّون اليوم بعضًا مما اختبره ويختبره الفلسطينيّون منذ ما يقرب على قرن من الزمان: قمم عربيّة عقيمة، كلام فارغ من الملوك والشيوخ العرب، كذب أنيق ومصطلحات فاخرة ودموع تماسيح من “المجتمع الدولي” وقيادة سياسيّة رجعيّة تتخلّف عن الشباب الثائر بعشرات السنين الضوئيّة. ناهيك بأنّ الفلسطينيين والسوريين باتوا يتشاركون في أمر آخر، ألا وهو حصولهم المبارك على تدخل كوفي عنان، أفضل من يساوي بلمساته السحريّة بين الضحيّة والجلاد وأفضل من ينادي بسلام مُخزٍ بين ظالم ومظلوم وسط حمام الدم والقمع المستمر.

جدير بالذكر أنّ تلك التشابهات ليست كلّ شيء، ومن العبث أن نقول إنّ الوضع السوري والفلسطيني متماثلان تمامًا. ثمّة فروقات جوهريّة لا بدّ من أخذها بالحسبان. الفلسطينيّون يناضلون منذ ستّة عقود ضد احتلال امبريالي استيطاني عسكري أقيمَ بالاستعانة بعشرات الجُدر، النفسيّة منها والملموسة، وحواجز الفصل ونقاط التفتيش العسكريّة. احتلال تضمن استمراريّته تركيبة قاتلة تمزج بين الصناعات العسكريّة المعقدة والعنصريّة المؤسسيّة التي تخترق وتتجذّر في كليّة المجتمع القائم.

الدوافع والوسائل التي تستخدمها إسرائيل لقمع الفلسطينيين تختلف عن تلك التي يستخدمها الأسد. العنف الإسرائيلي، وخصوصًا في الضفة الغربيّة والقدس الشرقيّة وداخل الخط الأخضر، ليس مرئيًا بنفس درجة الوضوح التي يتّسم بها عنف النظام السوري -مع أن قطاع غزّة يحصل على حصّة أكبر من الصواريخ والغارات- إلا أنّه مدمّر بدرجة مُساوية. التطهير العرقي الصامت بحق السكّان الأصليين عبر التزايد المستمر لسياسة هدم البيوت وبناء المستوطنات وتقييد حركة الفلسطينيين والحرمان المنظّم من الاحتياجات الأساسيّة كالماء والكهرباء، كل ذلك يخنق تدريجيًا التجمّعات الفلسطينيّة التي لا تملك عمليًا وسائل دفاع مؤثّرة، ناهيك بأنّ الفلسطينيين مجبرون على التعامل مع التهويد المستمرّ للأراضي وإنكار الهويّة ومحو الذاكرة الجمعيّة، الذي بدأ يأخذ مجراه منذ نشأة دولة إسرائيل. نظام التمييز العنصري الذي يتحكّم في أدق تفاصيل الحياة اليوميّة للفلسطينيين ليس جليًا ودراميًا كما هي الحال مع نظام يستخدم القنابل والصواريخ، لهذا لن نسمع عن جرائم إسرائيل في عناوين الأخبار في صحيفة “نيويورك تايمز” أو هيئة الإذاعة البريطانيّة. على النقيض، وحشيّة نظام الأسد منذ بدء الانتفاضة كانت أكثر جلاءً وأقل استخدامًا للوسائل الحديثة كما هي الحال في إسرائيل. لا يعني ذلك تمايزًا بين الجرح الفلسطيني والسّوري: مطالبنا واحدة، الحريّة والكرامة والعدالة, وكلانا يخوض معركته بينما يتفرّج العالم من دون أن ينبس ببنت شفة.

إنّ تجاوز القضيّة الفلسطينيّة للعرق والدين والقوميّة يفسّر تحولّها لرمز نضاليٍّ في الشرق الأوسط. ولهذا السبب تحديدًا يجب علينا كفلسطينيين أن نكون أوّل من يدعم انتفاضة الشعب السّوري، ليس من منطلق تضامني، بل انطلاقًا من وعي وقناعة راسخة بأننا نتشارك نفس المطالب والأهداف والمصير.

النصر للشعب السوري البطل على الطاغية الأسدي سيكون مسمارًا إضافيّا في نعش القمع في العالم

تجدر الإشارة إلى أنّ القول بضرورة الدعم غير المشروط لهبّة الشعب السوري لا تعني على الإطلاق الموافقة على مواقف المجلس الوطني السّوري أو الجيش السوري الحرّ وما يثار حوله من انتهاكات لحقوق الانسان أو أيّ حركات مسلّحة أخرى في سوريا. إنّ رفض التجاوزات والتعديات على حقوق الإنسان والنزعة الطائفيّة والفساد البيروقراطي بغضّ النظر عن الطرف المعني، يمثّل جزءً هامًا من العمل الثوري ويصبّ في مصلحة الثورة بالضرورة. الحسّ النقديّ المقصود لا يعني أبدًا المساواة بين الضحيّة والجلاد, يجب أن نتذكر دومًا أنّ النظام السوري يتحمل كامل المسؤولية في دفع البلد نحو العنف والتوتر الطّائفي بغض النظر عن أيّ اعتبارات أخرى.

ماذا فعل النظام السوري “الممانع” كي يحرر هضبة الجولان؟ الإجابة: لا شيء. كيف إذًا سيحرّر فلسطين؟ ولكن حتّى ولو كان قادرًا على فعل ذلك، يتحتّم علينا كأصحاب قضيّة الوقوف ضده. لا يمكن انجاز التحرير في أيّ حال من الأحوال بالإساءة لدماء أخوتنا السوريين أو عبر دعم نظام يحرم مواطنيه من أبسط حقوقهم، ولهذا لا يمكن وصف وقوف بعض القادة الفلسطينيين الفاسدين ويساريّي الأرائك والقوميين العرب في صف النظام السوري، لا يمكن وصفه إلا بكونه مقرفًا، ناهيك عن أنّ الاستغلال القذر لقضيّة شعب مضطهد لتبرير اضطهاد شعب آخر لا يعدو كونه إساءة لقضيّة الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى.

خالد جبّارين، ناشط فلسطيني كنت قد التقيت به خلال مظاهرة في حيفا أقيمت في الذكرى الأول للانتفاضة السوريّة قال لي: اعتزلت النشاط السياسيّ منذ 15 عامًا، ما دفعني للعودة كان رؤية أحد القيادات الفلسطينيّة التي أكل الزمان عليها وشرب يتغنّى بالأسد على الفضائيّة السوريّة. نحن كفلسطينيين عانينا الأمرّيْن بسبب مواقف مخزية أقدم عليها قادة لم ينتخبهم أحد ويجب علينا أن لا نسمح بتكرار ذلك مع الثورة السوريّة. لا يمكننا الجلوس بينما يُقتل السوريون باسم فلسطين والفلسطينيين”.

أضاف جبّارين:  الثورة السورية عرّت ببراعة اليسار العربي التقليدي وفضحت فساده. لعقود حثّ اليساريّون الجماهير على أن تنتفض، وعندما فعلت واخترقت جدران الخوف في سوريا، معظمهم وقف في صف النظام بحجّة مناهضة الامبرياليّة أو الدفاع عن العروبة، أو جلس على الحياد. ربما يكون ذلك لأنّ الانتفاضة لم تكن جذّابة لإرضاء نخبويّتهم المريضة أو ربما لأنهم ليسوا ثوريين أصلاً. صوت أولئك المثقفين و”القادة” عال في دعمهم للأسد، ولا يمكن إنكار وجود “المنحبكجيّة” في فلسطين، إلا أنّهم لا يمثلون الشعب الفلسطيني -يشعرونني بالخزي هذا ما يفعلونه!- ولا يمثلون القضيّة الفلسطينيّة. إنّهم لا يمثلون المبادئ التي نناضل من أجل تطبيقها..

هتف الفلسطينيّون “يلا إرحل يا بشّار” في الناصرة وحيفا ويافا وباقة والقدس وبلعين والنبي صالح. الكثيرون منّا سيستمر في ذلك، لا منّة وحسن أخلاق، بل انحيازًا واجبًا وضروريًا. واجبنا أن نقف في صف أولئك الذين يغنّون للحريّة، يرقصون لها، وحتى يرتجلون نكاتًا حتى وهم تحت قصف الصواريخ. النصر للشعب السوري البطل على الطاغية الأسدي سيكون مسمارًا إضافيّا في نعش القمع في العالم. نصرٌ كذلك قادر على تغيير لغة المقاومة وطرقها، قادر على تحويلها من مفردات وخطابات إلى قاعدة شعبيّة تقود نفسها بنفسها. المقاومة ليست خطاب طاغيّة، والقضيّة الفلسطينيّة ليست لا في أبراج المثقفين العاجيّة ولا في أقبية الطغاة. القضيّة الفلسطينيّة تحيا في صوت إبراهيم قاشوش وروح حمزة الخطيب وصمود حمص الأسطوريّ والمعنويّات المتجدّدة للشعبيْن السوري والفلسطيني.

(الكاتبة ناشطة فلسطينيّة من الناصرة وطالبة في الجامعة العبريّة في القدس المحتلة)

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

8 تعقيبات

  1. أي ثورة سورية ؟؟ اللي عم بصير بسورية حرب أهلية ممنهجة مبنية على الأحقاد والانتقامات ! ولك بكفي أسماء الجُمع ..أسماء “الكتائب” ، الكذب و الإشاعات ! أنا من شهر أبريل الماضي سمعت إنو ماهر الأسد محاضر بالملعب البلدي بدرعا و إنو آصف شوكت تقلع من القصر و بلا بللا بلا بلا ! طول ماتم توسيخ سلمية “الفورة” ماراح تزبط !! ماراح تزبط !!

  2. الشعـب الفلسطيني مع الثورة الســــــورية حتى النصر لأن الثورات العربية وبذات المشتركه مع فلسطين بالحدود هي من تقوينا نحن الفلسطينين وتضعف الصهاينه

  3. شو هل هبل يا شمتان؟ عنجد غبي وبيكتب عن القشور.

  4. يعني الناس قاعدة لا شغله ولا عمله الا تقرأ قديتا وتحط لايكات لاحمد الصليبي /بطرس الصليبي /شريف من حيفا/..
    قلي وحياة أبوك كم لاب توب مشغّل ؟!
    ونازل لايكات طرطخينا لحالك !!!ومن وين متأكد هالقد انو انا ” شمتان “هو نفسه “شبيحة من عسفيا “؟ !
    يعني هاي المحقق كونان عجز عنها ..وبتحكي عالحماقة خخخخخخخخ

  5. اعتقد اني اقرأ هذا الموقع واجد فيه ان “شمتان” هنا هو نفسه “شبيحه” (من عسفيا) التي لا تعلق عادة على فحوى المقال او الجدال، وانما على القشور.
    اعتقد ان ذلك يشبه الى حد كبير تصرفات عائلة الاسد وشبيحتها بشكل مثير للشفقة، لكثرة الحماقة التي “لا تجد من يشفيها”.

  6. هاي اخرة الموقع !معلق واحد ووحيد بعشرات الاسماء المستعارة ..وين راح احمد الصليبي ؟!

  7. مقال رائع من الناحية العامة لطرح الموضوع.
    ما ينقصه، وينقص الجدل الداخلي عند فلسطينيو الداخل، هو تسمية الاسماء. أقصد، لنضع النقاط فوق الحروف، ولنسمي من يؤيد النظام باسمه.
    اولهم محمد بركة: لا يخجل بالظهور من على تلفزيون الطاغية ليوضح موقفه الجريء، والمخزي.
    ثانيهم حنا سويد: ذلك الساكت الى الابد.
    ثالثهم الطيبي: ماذا قال حتى اليوم بالموضوع؟؟ لا شيء يذكر.
    رابعهم بعض قيادة التجمع: تأييد لنظام “ممانع” ؟؟ ممانع لقيم الحياة ربما، ليس اكثر.
    ولا ننسى الحزب الشيوعي الاسرائيلي، الذي يريد فقط القاء شعارات طنانة في صحيفة الاتحاد، ويدعم الديكتاتور لان هذا بدوره ضد “الاستعمار والامبريالية الامريكية”… بعض حنين الى شعاراتهم القديمة منذ زمن ستالين وبريشنوف..
    هذه قيادات لا تمثلنا بعد اليوم. لا موقف اخلاقي جريء ولا شجاعة في القيادة. كل واحد منهم ضائع اخلاقيا، لان الحسابات هي داخلية حزبية بحتة، ولا هم يثقل ضميرهم لما يحدث في درعا، حماة، حمص او غيرها من مدن منكوبة بصواريخ ايرانية روسية الصنع.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>