موقف سياحي! \ رازي نجار

وبعد وجبة (في أفخم وأغنى وأضخم وأنظف قاعة طعام في العالم) كانت مكوّنة من سباغيتي بصلصة الجبصين ومتبلة بنصف صرصور، انتقلت إلى فندق آخر منقذًا الرحلة ومعدنا من شر نصائح النصاحة…

موقف سياحي! \ رازي نجار

crocs[1]

|رازي نجّار|

كل الأسباب الصالحة لدفعي نحو ارتكاب رحلة استجمام عائلية إلى خارج البلاد كانت متوافرة، بل وذاهبة في تصعيد مستفزّ؛ انتهاء المونديال إلى حالة من الفراغ العاطفي، ركود في أجندتي التعليليّة / التعريسيّة، أسبوعان من العطلة الصيفية لصغيرتنا يستدعيان العمل بحسب نظام الطوارئ الأسريّ، حملُ زوجتي بالقشة التي ستقصم ظهر محسوبكم البعير، تهافت ألبومات الصور الفيسبوكية المعنونة غالبًا بـ”رودوس 2010″ والصارخة فرحًا ومرحًا وبلاغًا مبطنًا يقول نصه المقتضب “إلاّ إلاّ، إحنا هون وإنتو لأّ”، وعلى رأس الأسباب كلها، أنني ابنٌ لعرب الداخل التائقين دومًا إلى الخارج – خارج الحمّ والهمّ!

لكن، توخيًا للصراحة والصدق في السياحة، أعترف بأن كل الحوافز المطروحة أعلاه – مفرّقة ومجتمعة – لم تكن كافية لإخراجي من حالة التردُّد والتمنُّع في اتخاذ القرار الحاسم؛ سفرٌ أم بقاء. لذا، قررنا أنا وشريكتي في التردد والسفر والبقاء، أن نخوض غمار البحث، كي نكون جاهزين عندما يجدّ الجدّ في الدقيقة التسعين، فخضناه حارثين مواقع الدقائق التسعين طولاً وعرضًا في مساعٍ حثيثة لقنص الصفقة الأمثل، بحثٌ وصل بنا إلى حالة من الاستحواذ المعروفة محليًا بالـ”أوبسيسيا”، فأردتنا في ختام أسبوعين خبيريْن منهكيْن في أشد الحاجة لرحلة استجمام ونقاهة وراحة – راحة من البحث!

من هنا، وعملاً بالمثل الاقتصادي الشعبي الداعي لإعطاء الخبز لخبازه (بالرغم من عامل المخاطرة الواضح الذي قد يخسرني نصف الكمية)، قررنا أن ننسحب من عالم البحث الافتراضي إلى الواقع قاصدين وكيلا سياحيا بشريا من لحم ودم وليس من أولاد العم، فهل قلت تدعيمًا للاقتصاد العربي؟.. أما بعد؛

كنا قد اخترنا عن سابق ترصد خال من الإصرار (ولو عانى بعض إلحاح مَن سبقونا إليها) جزيرة رودوس اليونانية وجهة محببة للتمرُّغ على رمالها تسفًعا نحو الاصطباغ ببرونز الصيف المنشود.

- “رودوس؟!! لماذا لا تسافران إلى أنطاليا؟!”

وفي الحقيقة، لم يكن الوكيل بحاجة للترويج للإمبراطورية المنكمشة إلى دولة أبية عنيدة، ذلك أنني قبلها بأيام كنت اصطدمت بتقرير صحافي تجاري نشر في صحيفة “يسرائيل هيوم” (عقبى لْآخر يوم) استعرض المحبة المتبادلة بين الرودوسيين وشعب الله المحتار أين السفر بعد مرمرة أردوغان وزعبي، فقلت بيني وبين نفسي، وبينكم الآن: بالناقص جزيرة، مبروكة عليهم. آخر ما ينقصني في رحلة الهروب من واقعهم التي ستكلفني دم قلبي بالتقسيط (والأصح: بالتنقيط) هو سماع مامي يصرخ على ماموش في البركة مطالبًا إياها بإحضار الكروكس الأصفر من الغرفة، لذا فلتذهب رودوس ومامي وماموش مع ستين كروكسًا أصفر.. إنّه زمن فك الحصار عن أنطاليا!

“شايف!”، قال الوكيل، واسترسل في الحديث المهلِّل لأبهة فنادق أنطاليا، والمحقّر لفنادق اليونان أجمعين، ولشدة ما قيل في تفريغ بالون السياحة إلى اليونان من هوائه، كرهت اليونان بدءًا من فنادق رودوس التعيسة ووصولاً إلى أفلاطون بذاته، فبحسب وكيلنا، الله وكيلكم، اليوتوبيا المناوبة متواجدة في أنطاليا – مدينة الوليمة الفاضلة!

فعندما يتحدث وكيل السياحة العربي عن “ياعد”* تختزل جميع الحواس إلى حاسة الذوق (والشم كأقصى حد)، فنقطة الارتكاز التي تعمل بحسبها وكالات السياحة المحلية هي أن لا مكان في سياحتنا لرؤية اللا مألوف وسماع الجديد ولمسه، نحن نسافر لنأكل ونأكل ونأكل، ثم نتحلّى. هكذا، كانت تدخل الإجابة على سؤالنا حول هذا الفندق أو ذاك من باب المعدة، فالفندق “إكس” يشتهر بمطاعمه، والفندق “واي” سيدهشك بخبز الطابون واسأل مجرّبًا، والفندق “زِد” يحتوي على أفخم وأغنى وأضخم وأنظف قاعة طعام في العالم (!!)، فاخترنا زدًا، وفرحنًا جدًا، لأننا قررنا أخيرًا!

• • •

الآن، إضفاءً للمسة من الجديّة الاقتصادية على هذا النص، سأبدأ، من بعد إذنكم، الفقرة الاعتراضية التالية بـ”إنّ” واثقة.

إن مطلب الساعة الذي أطرحه عبر هذا الصرح الإعلامي الاقتصادي الرائد، هو وضع حجر الأساس لـ”سياحة المعدة العربية” نحو تسويق رزم سياحية بموجب سلم السعرات الحرارية، مثلاً: رحلة إلى شرم الشيخ، 5000 سعرة حرارية، بـ 399 دولار فقط للفرد في غرفة زوجية!

• • •

بعدها بأربعة أيام، وبعد ساعتين من تواجدي في الفندق المنتقى، وبعد وجبة (في أفخم وأغنى وأضخم وأنظف قاعة طعام في العالم) كانت مكوّنة من سباغيتي بصلصة الجبصين ومتبلة بنصف صرصور، انتقلت إلى فندق آخر منقذًا الرحلة ومعدنا من شر نصائح النصاحة…

ونعم الوكيل!

(عن مجلة “مالكم” الاقتصادية)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

4 تعقيبات

  1. شو هادا؟ هاد المقال ومقالة السينما اللي كتبتها منى زهر مش لازم يكونوا في هيك موقع. اختلاف كبير كتير عن مقال مجد الاخير!!!

  2. رائع كالعادة !

  3. مقال غير جيد هذه المرة… اهتمام زائد بصف الحكي وبدون اي مضمون يذكر

  4. اضافة لذلك ، الوعي العربي سياحيا ، لا يتجول بالطبيعة هناك ولا يستغل المسارات الجميلة هناك
    ملتهي ببطنه
    نص ومقال رائع
    حبيت

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>