الانعتاق من أبي نواس مهمة لم تنجز

بعد فترة فهمت أنّ أبا نواس كان رجلا بالغًا وليس غلامًا يحبّ غلاما من أترابه. وبهذا تحوّل موقفي من شعره

الانعتاق من أبي نواس مهمة لم تنجز


رسم متخيل لأبي النواس

رسم متخيل لأبي النواس


|بقلم: أنس|

كنت صبيًا يافعًا مغرمًا بالمطالعة ومولعًا بالرسم، وكانت أجساد الأولاد العارية تحتلّ مكانا لا يمكن وصفه بالهامشيّ في داخل رسوماتي. وفي صباي لم يكن الإنترنت قد ظهر بعد، فكنت أعتمد في رسوماتي على ما كنت أراه أو اختلس رؤيته- وأنا كنت أتقن ذلك ولم أزل.

شيئا فشيئا أدركتُ أنني مختلف عن أقراني؛ فالاهتمام والشغف والانجذاب الجنسي بلغت بي حدًا جعلني أدرك من دون عظيم عناء بأنني مختلف عن أقراني. وذات مرة وأنا أفتش في مكتبة المدرسة وقع بين يدي كتاب يتحدّث عن الأدب العربي في الأندلس وعن الموشّحات الأندلسية، كما تحدث الكتاب عن موسيقى بحور الشعر وهو موضوع جامد يتطلب فهمه ذائقة أدبية مرهفة.

ومع نهاية الحصة المخصصة للمكتبة كنت قد وصلت إلى باب شعر الغلمان وقد أزكمت أنفي رائحة صفحات الكتاب. قرأت القصيدة الأولى وكانت لأبي نواس فاندلعت شهوتي وتدفقت الهرمونات. لقد كانت تلك لحظة هامة بالنسبة لي؛ فبقدر ما أثارت شهوتي كلمات أبي نواس بقدر ما أسعدتني لأنها كانت بمثابة دليل ملموس على أنني لست وحيدا. وقد حوى باب شعر الغلمان أربع قصائد فقط، ثلاث منها لأبي نواس والرابعة لشاعر مجهول. بعض الأبيات انحفرت في ذاكرتي، وكنت في غاية الانبهار بشعر أبي نواس، الذي كان فيلم الجنس الأول الذي أشاهده في حياتي. فأنا لم أقرأ الشعر فقط بل تخيلت المشهد كاملا، وشعر أبي نواس هو من النوع الذي يجسّد المشاهد ويجسم الحركات.

إستعرت الكتاب من المكتبة وبقي معي عدة أسابيع وصرت اقرأ القصائد من أجل تلبيه حاجاتي الجنسية. ولكن بعد فترة فهمت أنّ أبا نواس كان رجلا بالغًا  وليس غلامًا يحبّ غلاما من أترابه. وبهذا وبعد أن وصلت لمرحلة صرت فيها أكثر نضوجًا تحوّل موقفي من شعر أبي نواس من الانبهار والانفعال الجنسيّ إلى الانتقاد الذي وصل إلى رسم صورة نمطية في ذهني بأنّ المثلي رجل مولع بالأطفال فتبدلت صورة أبي نواس في ذهني وصرت أرى أشعاره عبئا ثقيلا على كل مثليّ.

وقد تزامن موقفي المتطور من الانبهار والاستخدام إلى الانتقاد الذي توّج بالرفض والاشمئزاز، مع نضوجي الفكري؛ لكنني كلما رأيت ابتهاج واحتفاء المثليين العرب بشعر إبي نواس مغفلين أنّه ونصوصه صورة سيئة للمثلية وأنها خير هدية لمن يهاجم المثلية، تساءلت في نفسي: لمَ كل هذا الاحتفاء والانبهار خصوصًا أنّ كثيرًا من المنبهرين به يتوفر لديهم مستوى من النضوج الفكري يؤهلهم لأدراك أنّ شعر أبي نواس لائحة اتهام لرجل بالغ يستغلّ الأطفال القاصرين جنسيًا، وهذا التساؤل تبعه تساؤل آخر بعد التأمّل: لماذا يندر فيمن أطلعته على كتاباته وجود كاتب محترف يصوّر ما يجول في نفسه وما يجيش في مشاعره؟

بالطبع الحديث عن هذه التساؤلات علنا قد يدفع البعض -ولهم العذر من وجهة نظري- للاعتقاد بأنني أبخس الأدباء المثليين العرب قدرهم، لكنني أقرّ بأنني لم أتوصل إلى إجابة وافية لتساؤلاتي.

(رام الله)

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. الشعر او اي نوع من الكتابة الادبية لايعبر الا عن وجهة نظر و تجربة صاحب/تها
    القول ان ابا نواس او سواه يسىء الي المثليين هو لا يمثل الا لامنطقية من يهاجمون المثليين

  2. أبو خالد تحية طيبة -
    بالنسبة “لا شيء” اسمه الشعر المثلي أو انه أطروحة مستوردة فهذا من وجهة نظري على الأقل غير دقيق فالعرب من اسبق الأمم في هذا المضمار وأبو نواس أشهر من كتب في شعر الغلمان وبتذكرنا هذه الحقيقة يبدو لنا أن العرب هم صدروا هذه البضاعة التي ردت إليهم من الغرب في ظروف تشبه ظروف تصديرهم لها، أي أنهم كتبوا شعر الغلمان الذي اسميه أنا الأدب المثلي يوم كان لهم دولة تخفق بنودها في ربوع الأندلس وتضيء بنور علمها ظلمة أوربا الدامسة – أبو خالد – لقد دالت دولتهم وزالت دولتنا واستوردنا ما كنا نصدر … مرة ألنا ومرة علينا.
    أما عن مغزى عدم نشر اسم الكاتب فأسمح لي أن أذكرك أننا نعيش في مجتمع يعتبر مصدر الكرامة وعز العروبة وشرف العائلة في السلوك الجنسي فلك ان تتصور ان لامست هذه الكلمات عن المثلية مسامع رجل غيور فحتما سيقتص من ذلك الذي مس كرامة العرب- بعدين يا أبو خالد خليها مستورة يا أخي يعني لو أنو كاتب المقال عايش في رام الله أو غزة شو رح يعملوا فيو أبطال العالم في خلع الأظافر والكي بالسجائر – أتمنى لك ألا تتخيل ماذا يجرى هناك بسبب الكلام والكتابة.

  3. لا يوجد شيء أسمه الأدب المثلي أو المثلية وتخصيص حيز له (أو مؤسسات أو أطر) هو نوع من الانحياز لطروحات جاهزة مستوردة خلفها ما خلفها. الأجدر تقديمه على حقيقته: أدب بصرف النظر عن سوية مضمونه أو عدم سويته، تماما كأبي نواس، فلا أحد ينكر شاعريته وإن كانت ميوله/ مضامينه الجنسية السوية أو المنحرفة موضع نظر..
    أيضاً لا مغزى من عدم نشر أسماء الكتاب كاملة لأن ذلك من حق القارئ معرفة مَن يقرأ.. وبطريقة ما اخفاء الاسماء الكاملة طعن في (نزاهة القضية) التي خصص لها حيز.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>