سجّلنَ… أنا عربية

نحن الساعون الى التحرر الجندري والجنساني لا نسعى إليه بمعزل عن تحرر سياسي واجتماعي واقتصادي شامل. لن نقبل تحررًا مجزءًا مفتتاً

سجّلنَ… أنا عربية

|سونيلا سنبلة|

أعلن اليوم أنني أنتسب عمدا وبإرادتي الحرة الى العرب كمتحررة الجنس, ككويرية كإنسانة تثور على جسدها من داخل جسدها فثارت على الحدود اللغوية والثقافية التي فُرضت عليها فلا تنفصل ثورة عن ثورة أو تمرد عن تمرد. عشت في مصر, سوريا وفلسطين لمدة سنتين وزرت لبنان عدة مرات رأيت بأم عيني كل ما تعانيه الشعوب العربية من استبداد وحرمان وسلب كرامتها وتشجيع الرجعية والتخلف بين صفوفها إلى درجة قريبة من أن تصل بي إلى حالة يأس. وإذا به من لا مكان, من الفراغ بل النسيان ينبعث الانفجار؛ الانفجار الذي أكد لمنظر مثل أدونيس بطلان “تخلف العقل العربي” وكأن هناك عقلا عربيا واحدا وليس عقليات وتيارات وميول وأفكار، ليس التخلف إلا جزءا منها وإن كان مستشريًا- سواء أكان دينيا أم غير ديني.

نحن الساعون الى التحرر الجندري والجنساني لا نسعى إليه بمعزل عن تحرر سياسي واجتماعي واقتصادي شامل. لا نقبل ولن نقبل تحررًا مجزءًا مفتتاً.

لا أتصور, بعد, أنه سيكون بإمكاني غدا أن أجلس في مقهى ما على شوارع بيروت بتنورة وبلوزة حفر، وأن أقرأ مجون أبي نواس وأدخل خدر عنيزة مع امرئ القيس لأجني جناها المعلل, بيد أني لم أتصور أول أمس أن تونس ومصر ستتفجران تمردًا بالسرعة والعفوية اللتين ثارتا بهما. اذًا, كلمة مستحيل لا تعني ما كنا نظنها, بل يختلط معناها بالممكن وأكثر من ذلك بالأمل الذي قالت عنه أم كلثوم إنه لو تعلق الأمر بها لكانت “في حبك ضحية”. بعد اليوم نرفض أن نكون ضحايا الظلم وضحايا نظم سياسية واجتماعية طاغية ذات قبضة حديدية تصرّ  على إنكار كرامتنا. بعد اليوم تتراءى لنا في العالم العربي -ربما لأول مرة في تاريخنا الحديث- أن حديد تلك القبضة بدأ يصدأ.

سنظل نؤكد -نحن المنحرفون والشاذّون المشاكسون الكاسرون القوالب على مكاننا/مكانتنا في الثقافة العربية وفي مجتمعاتها؛ لا تنسوا يا أهل لغة الضاد أن الضاد هي أول حرف في جذر مضاجعة وأن العين آخر حرف فيها، ونصر على أن الضياع عن العروبة لن يكون مصيرنا.
لقد اخترت طوعا الانتساب إلى العربية والعرب لأن في قلبي من زمان طويل نفس الوجع المختلط بالشغف الذي أسمعه في غناء أم كلثوم وأشعار درويش وغضب مظفر النواب والعطش للكرامة في عالم يظل يجردنا منها من دون توقف. وجدت بين المذكر والمؤنث كلمات وأحاسيس تحطم هذه الثنائية الخانقة الملغية لتنوع الوجود البشري. وجدت في حلم فلسطين رفضاً شامخا لكل محاولة لإلغاء وجود هوية وأعلى مثال للتمسك بالحق. تعبت وشقيت وعانيت في رحلتي هذه عدة نواحٍ، غير أني لم أنكر يوما إحساسي بالانتماء ولم أشعر يوما بتناقض بينه وبين هويتي الجندرية والجنسانية، رغم التجريح والألفاظ النابية ونظرات الاستغراب والتشكيك في أمري.

وكما قال درويش في مطلع رائعته “حالة حصار:

هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ!”

فأيها المثليون والمتحولون الذين ينطقون بلسان العرب, وكل من نعت يوما بالخروج عن القالب: تعالوا نربي الأمل مع شعوبنا التي تتفجر. مكاننا لا يقع في الانفصال عنها بل في تشابك أيدينا بأيديهم فنحن نسعى إلى الحرية التي يسعون إليها ونريد استرجاع كرامتنا مثلهم تماما. قد نظل غير مقبولين في الفترة القادمة ولكننا بعد اليوم لن ننكر ولن نلغى من الوجود فلنلتحم بتفجر البركان الغاضب ونربي الأمل الذي كان ينقصنا قبل بضعة أيام.

من يريد هوية –مثل أحمد العربي– ما عليه إلا أن يصاب بالبركان.

(بموجب اتفاق نشر متبادل مع مجلة “بخصوص” اللبنانية)



المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

6 تعقيبات

  1. عن جد مش عارفة شو بدي رد ع تعليقاتكن..غمرتوني, شكرا :)

  2. مقال رائع
    لا مستحيل بعد اليوم
    فالمتغيرات الطبقية والسياسية والاجتماعية وكل ما تدعو له الشعوب العربية سواء في تونس ام مصر ام غيرها
    يجب ان تأخذ بعين الاعتبار التغييرات الجندرية كجزء من المشروع المستقبلي لبناء مستقبل يتيح الخيار لكل شخص وشخص والحياة بحرية واحترام ودونما تمييز

  3. قضية النضال المشترك على الصعيد الاجتماعي وعلى الصعيد السياسي هي موضوع في غاية الأهمية لأن الحرية لا يمكن تجزيئها، كما أننا أشخاص ذوي هويات متعددة الجوانب، عرب فلسطينيون مثليون… وكل جانب يستحق النضال، وفي النهاية تصب جميع هذه النضالات في سبيل تحقيق كرامتنا وحريتنا.

  4. كتير حلوة المقالة. من الجميل أن يكون للإنسان/ة هذا الكم من الوعي بقضيته/ا وهويته/ا برغم كونه/ا مرفوض/ة من هذا المجتمع الذي يدافع عن قضاياه. من المهم جداً، برأيي، ربط عدالة القضايا التحررية القومية بالقضايا الجندرية، لأنه بهذه الطريقة ممكن نحفز الآخر/ى، المُعادي/ة للتحرر الجنساني، أن يتعرف على هذا المجال أكثر، وقد يساعده/ا ربط القضايا بتخطي بعض من الأحكام السابقة المغلوطة والتحيزية.

    شكراً قديتا وشكراً بخصوص وشكراً للكاتبة.

  5. شكرا..جزيلا…جدا كما يقول زياد

  6. رائعه وأكثر من رائعه ! فشتلي غلّي !!!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>