ما وراء القضبان: شرطة الأخلاق المثلية

من الواضح أنّ هناك أهدافًا عملية لإخراج المتعة الجنسية من مجموعة التصرفات “اللائقة” أخلاقيًا

ما وراء القضبان: شرطة الأخلاق المثلية

|بقلم: تادزيو|

في سنة 1976 نشر المفكر الفرنسي ميشيل فوكو الكتاب الأول في ضمن سلسلة كتب أطلق عليها اسم “تاريخ الجنسانية” (Histoire de la sexualité). في هذا الكتاب (الجزء الأول: الرغبة بالمعرفة) يبحث فوكو في التغيير الذي طرأ في القرون الأخيرة على نظم الخطاب المتعلق بالجنسانية.

يدعي فوكو أنه بواسطة قرن الجنس بالخطيئة استطاعت المؤسسات الدينية أولاً، ومن ثمّ الطبية، بفرض هيمنتها وترسيخ صورة “صحيحة” للجنس تتلاءم والقيم البرجوازية كالعائلة. وهكذا، أخرجت المتعة من المعادلة لتحلّ مكانها أهداف “أسمى” أخلاقيًا كنقل الجينات والتكاثر على غرار الوصية الأولى لآبائنا القدامى بعد أن تذوقوا المعرفة بلذّة.

في المقال الذي نشر منذ بضعة أيام بعنوان: “كيف تحوّلت المثلية الرجالية إلى ديانة لعبادة العضلات والقضيب؟” يشير راجي بطحيش إلى “البهائمية” في أنّ “طول القضيب” يظهر كإحدى معايير التعارف في موقع تعارف للمثليين ويحذّرنا من مثل هذه “الخطايا” في بلورة الحركات المثلية العربية الناشئة.

والسّؤال الذي علينا طرحه هنا: لماذا يرى الكاتب أنّ لون العينين، مثلا، أجدر في أن يُوضع في مثل هذه المواقع من طول القضيب؟ أليس كلاهما خاصيتين خارجيتين؟ أي “تفوق أخلاقي” يوجد للون العينين على طول القضيب؟

في الكتاب الثاني من هذه السلسلة –تاريخ الجنسانية (استعمال الملذات)– يسأل فوكو هذه الأسئلة بعينها: ما الذي جعل الملذات بشكل عام، والجنسية منها على الأخص، قضية أخلاقية؟ لماذا لا تعتبر المصافحة مثلا تصرفًا يحتاج إلى مراقبة أخلاقية كالجنس؟

من الواضح أنّ هناك أهدافًا عملية لإخراج المتعة الجنسية من مجموعة التصرفات “اللائقة” أخلاقيًا. كما أسلفت، فإنّ الحفاظ على مبنى العائلة هو أحدها. ولكن فوكو يضيف إلى ذلك القوة الناتجة عن المراقبة– فعندما تصبح المؤسسات الدينية الوكيلة المعتمدة الوحيدة للجنس، تركّز تلك المؤسّسات قوة كبيرة تتمثل في قدرتها على المراقبة أو “الغفران”. وبموجب تلك الصلاحية حاكمت المؤسّسات الكنسية مثلا في القرن الـ 18 كلَّ من ثبُت أنه خان زوجته (أو خانت زوجها). بموجب الصلاحية ذاتها عرّف الكتاب المتداول لتصنيف الأمراض النفسية (DSM) الميولَ المثلية على أنها “مرض نفسيّ” حتى نهاية سنوات الثمانين من القرن الماضي.

قد تكون أهم ثورة أحرزتها الحركات المثلية التي ترعرعت في الغرب في النصف الثاني من القرن الماضي هي تحرير الجنس من تحت مجهر المؤسسات الدينية والطبية، أو بالأحرى “تخليصه” -على ما تحمله هذه الكلمة من تداعيات دينية– من إثم الخطيئة الأولى والكبرى: الفضول والمعرفة.

لذلك على الحركات المثلية الناشئة أن تحذو حذو نظيراتها في الغرب وتكشف قضبانها وأشراجها على الملأ لأنّ لا “عورة” فيها تمامًا كما لا عورةَ بلون الشّعرِ أو بملامحِ الوجهِ.

أخيرًا، أودّ أن أنهي بالإشارة إلى اللوحة المشهورة للرسام الفرنسي Gustave Courbet والتي أطلق عليها اسم أصل العالم (L’origine du monde).


رسمة أصل العالم  (L’origine du monde)، للرسام الفرنسي غوستاف كوربيه (Gustave Courbet).

رسمة أصل العالم (L’origine du monde)، للرسام الفرنسي غوستاف كوربيه (Gustave Courbet).



المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. الجهل العربي عموما بالجنس أدي إلي شيوع مفاهيم متناقضة عن الإشباع وعلاقته بحجم القضيب ونري كثيراً من الأمثال الشعبية المتناقضة يستخدمها كل حسب معتقده وحسب رؤيته وإحساسه بطول قضيبه :وفي المثلين الشعبيين الآتيين تلخيص لما سبق :
    ” ضربة بالمرزبة ولا 100 بالشاكوش ” لدعم الحجم الكبير
    ” مش مهم القصر ولا الطول المهم المفعول ” لمساندة الحجم الصغير !!!
    وأي دمعة حزن لا !!!!

  2. ان الاباحيه الجنسيه تكون نتيجه لعدم الاتزان النفسي الروحي وهي تخضع لمجموعه من الرغبات والمطالب المعقده للدواخل الانسانيه ولكثرة الاستماع للعاهرات وكلامهن اصبح القضيب ذوالحجم هو الذي يعطي المتعه الجنسيه في حين ان الكثير من ذوات الرغبات الجنسيه يتمكن من امتاع انفسهن بقضيب ذو حجم متوسط متعه كامله اما عن مافي النت من انواع واشكال القضيب فهذا بسبب العاهرات اللاتي يعبدن المتعه الجنسيه اما عامة النساء يصبح مايرونه جديد مثير لهن وفي حال توفر الخلوه مع الكمبيوتر يصبحن اكثر رغبه للاثاره واكثر لرؤية الغريب والعجيب ذو المقاسات المتفاوته والاشكال والالوان المختلفه

  3. هنالك تأويل خطير لكلمة “خطيئة “التي لم تأت في مقالتي لتمنح الأمر بعدا دينيا أخلاقيا ثمة خلط غير مفهوم للأوراق في هذا النص .فالغرض من مقالتي ليس اكثر من نقد الثقافة المثلية الرجالية الغربية بتحالفها مع الثقافة الإستهلاكية لجهة فرض موديلا جسديا محددا للرجل المثلي “المقبول” ولفظ الأشكال الأخرى بينما كان يفترض بها القيام بعكس ذلك انطلاقا من تعريفاتها التحررية..وبالنسبة للقضيب فواضح للجميع ان القضيب يشكل بطاقة الهوية بالنسبة للرجل المثلي ولا ضير في ذلك ولكن المغالاة في مركزة ثقافة القضيب تنزع الإنسانية والتسامح من المثلية الرجالية ..وليس في ما اقول اية وصاية أخلاقية

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>