بالنسبة للطبيخ، أضمن انتصارنا.. مش عَمبمزح/ سليم البيك

استوعبتُ بأنّ اللذة في السندويشة لا تعود للفلافل ونكهتها، بل للسَلطات: سلطة ملفوف وسلطة برغل وبقدونس يسمونها تبّولة وسلطة خسّ وخسّ (فقط) وجزر مسلوق مع كمّون وطحينة ومايونيز وكتشب وصلصات بألوان ومذاقات غريبة ومخللات وزركشات أخرى

بالنسبة للطبيخ، أضمن انتصارنا.. مش عَمبمزح/ سليم البيك


فلافل في وسط الحي اليهودي في باريس

فلافل في وسط الحي اليهودي في باريس

|سليم البيك|

saleem-qadita

أكّدت لنفسي قبل الذهاب بأني إن وجدتها لذيذة فسأعترف بذلك. تأبّطت موضوعيّتي “وشرّفت لعندهم”.

كانت من أهمّ الأماكن التي قرّرت زيارتها في باريس: لو ماري، والحي اليهودي هناك تحديدًا، فأتذوّق الفلافل التي “لطشوها” والتي يحكي عنها الكثير بأنها -أي “الفلافل” “اليهودية” “الباريسية”- معروفة.. وَلوْ.

قبله تذوّقت سندويشة الفلافل في مطعم يهودي في الحي اللاتيني (العاملون هناك يتحدثون العربية) عزمتني إليه صديقة فلسطينية محاضِرة في جامعة السوربون ومتخصّصة في أدب المقاومة. سألتني عن رأيي عند مغادرتنا فقلت: والله طيبة.. هالعَكاريت!

رحتُ إلى الحيّ اليهودي في لو ماري، درت بين المحال: مخابز، مطاعم، مكتبات، أماكن أحسست بأنها لتطهير الذكور من الأطفال (ذكّرتني بالمطهّر الصفّوري في مخيم اليرموك). وقفت في طابور أحد محلات الفلافل هناك واشتريت سندويشة.

قضيت عليها، وكانت لذيذة كسَندويشة (بغض النظر أكانت فلافل أم لا)، لكني اطمأننت بأنّ الفلافل “المظبوطة” لا زالت فلسطينية، أو “شاميّة” بالمعنى الأعمّ.

استوعبتُ بأنّ اللذة في السندويشة لا تعود للفلافل ونكهتها، بل للسَلطات والـ Toppings التي تغلب على حبّات الفلافل: سلطة ملفوف وسلطة برغل وبقدونس يسمونها تبّولة وسلطة خسّ وخسّ (فقط) وجزر مسلوق مع كمّون وطحينة ومايونيز وكتشب وصلصات بألوان ومذاقات غريبة ومخللات وزركشات أخرى (بالضمّة هالمرّة).

والأنكى أنها كلّها (تقريبًا) تزاحم قرصين أو ثلاثة -مثيرين للشفقة أكثر منها للشهيّة- من الفلافل في الرغيف.

أين نكهة الفلافل طيّب؟

السندويشة بدت أكثر stylish وسياحية -يكثر السيّاح عند هذه المطاعم الموسومة بنجمتهم السداسية- ومزدحمة بالألوان والأشكال والنكهات، وكلها تختلط ببعضها بما يناسب “باريسيّتها”، وتختلف عن سندويشة الفلافل المغمّسة بالحمّص (ممممم إرتفع الأدرينالين عندي الآن) التي يعدّها مطعم “الغنّام” الضئيل على ضوء اللوكس لأنّ الكهرباء ستكون مقطوعة، في مخيم حمص، كاختلاف التراشحة من أهل المخيّم ذاته عن سكّان مستوطنة معالوت المجاورة لبلدتهم ترشيحا.

لكن، وفوق ذلك وتحته، وبكل جديّة، الفلافل ليست كالكبّة النية أو المفتول أو المسخّن أو شيخ المحشي أو لبن إمو أو غيرها من الطبخات الفلسطينية التي (حتى) تعجز عن طبخها معظم الصبايا الفلسطينيات، بنات الجيل الثالث والرابع بعد النكبة، فإعدادهنّ للسباغيتي أفضل (بكثير، يا لخيبتي ويا شحاري) منه لتلك الطبخات، فيا لشقاء تلك الروسية أو الفرنسية التي ستفّكر (بس تفكير ها) يومًا ما بطبخ المفتول أو جَبْل الكبّة، وإن فعلت (أو فكّرت) فهل سيكون ذلك على الطريقة الترشحاوية أم الموسكوية أم الباريسية؟

“الحلو بالموضوع” أنّ هؤلاء اليهود يمكنهم فتح مطاعم فلافل وإقناع العالم بأنها إحدى أكلاتهم الشعبية/التراثية/القومية/التوراتية -وإن فشلوا في ذلك عند من يعرف حقّا طعم الفلافل والحمّص في بلاد الشام- إلا أنهم لن يستطيعوا مجرّد التفكير (بس تفكير ها) بإدعاء أنّ الكبّة والمفتول وشيخ المحشي… أنها طبخات يهودية، لأنّ الطبيخ بالذات هو الذي يحتاج لحضارة وتوارث وتراث عميق يبرّره.

فمشكلة “اليهود” مع الفلافل ليست تقنية فحسب، ومشكلتهم- بالتالي- مع طبيخنا أعظم وأعقد.

خسروا معركة الفلافل، إلتفّوا على خسارتهم بدهاء وصدّقهم العالم. ثم كانوا أذكياء كفاية كي لا يخوضوا معارك الطبيخ.

أما بالنسبة للطبيخ، أضمن انتصارنا.. مش عَمبمزح.

www.horria.org



المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>