أهي فوضى؟! / سمير زُعبي

يقول لنا النظام عبر الفيلم: “نحن قيم الوعي وقيم الحرية وقيم الأخلاق… بينما ما يحصل في الشارع لا يمثلنا، يخرج عن نطاق قدرتنا وقوانيننا وطرحنا…”

أهي فوضى؟! / سمير زُعبي

“فيلم يقدم خدمةً للنظام…”

|سمير زعبي|

شاهدت مؤخرًا الفيلم المصري “هي فوضى” للمخرج خالد يوسف، الذي أنهى الفيلم بعد وفاة المخرج يوسف شاهين الذي كان قد بدأ بإخراجه.

حاولت أن ابحث عن الرؤية الثورية في الفيلم، ولكني وجدت فيلمًا يقدم خدمةً للنظام.

سمعت قبل مشاهدتي للفيلم آراء كثيرة وردود فعل ايجابية تشيد بثورية الفيلم والمبادئ التي ينادي بها، حيث يسلط الضوء على تمادي السلطات المصرية بقمع المظاهرات، إضافة إلى ذلك سمعت أصوات تدعي بأن خالد يوسف “تنبأ بالثورة المصرية”.

تدور أحداث الفيلم في أحد أحياء مصر القديمة، بطلها ضابط شرطة واسع النفوذ والسيطرة، يضرب ويسجن من يريد، يتلقى الرشاوى، ويظهر بوضوح ممارسًا سلطته خارج إطار القانون. بالمقابل يواجهه الخصم الخيّر؛ وكيل نيابة عامة ومحقق في جهاز الشرطة، متمسك بمبادئ أخلاقية متينة ومدافع عن حقوق الإنسان، يحترم الآخرين ويؤمن بالتعددية الفكريّة. تشرّب الشاب المحقق هذه الأخلاق من والدته- مديرة مدرسة استشهد زوجها في إحدى حروب مصر. الوالدة لا تقلّ مبدئية وصلابة عن ابنها، إذ نراها في أحد المشاهد تمنع دخول احد المرشحين بالانتخابات إلى المدرسة لينشر دعايته الانتخابية، كما تقوم بتمزيق منشوراته وملصقاته في مرحلة متقدمة من الفيلم.

"يواجهه الخصم الخيّر!"

كدّت المرأة في حياتها لتربّي ابنها الذي أصبح محط فخرها وتقديرها، إيمانًا منها بقدرته على أن يسلك طريقها، لكنها لم تكن راضية عنه بشأن واحد؛ علاقته بخطيبته المنفتحة التي تظهر على أنها تلبس لباسًا غير محتشم، تدق وشمًا على جسدها، تسهر حتى ساعات الليل المتأخر وتدخّن الحشيش. تحاول الأم بشتى الطرق أن تقنع ابنها بتخلّيه عن هذه الفتاة، ويتزوّج واحدة من المعلمات المحافظات: فتاة محافظة، عذراء خجولة، شابة لا تحتسي الكحول ولا تخرج من بيت أمها إلا إلى العمل، كانت تلك هي الفتاة التي تقيم مع والدتها في ذات العمارة التي يسكنها الضابط الفاسد القامع الذي بدوره يقع في حبها ويلاحقها وملاحقةً جنونيّة.

في نهاية الفيلم (كما في نهاية كل فيلم مصري) يرى المحقق الخير المُطلق- يترك خطيبته ويحب تلك المعلمة وتنكشف حقيقة الضابط: ينتصر الخير على الشر، وتعود الحياة إلى صيرورتها بسعادة وسرور ورفاه وبنين وابتسامات!

أود الإشارة إلى ملاحظتين حول الفيلم:

نفتقر للأفلام التي نجد فيها مظاهرات كبيرة ومشاهد صداميه قوية، فنتعاطف مع فيلم كهذا…

الأولى هي أنه فيلم موجّه سياسيًا، فالرقابة المصرية لا تسمح بإنتاج أي فيلم مناهض للنظام. ما يقوله لنا الفيلم بشكل غير مباشر عن النظام أن مبادئ هذا النظام وفكره ثابتة وقوية وراسخة الجذور، حيث يتمثل النظام بالمحقق ألشريف، يقول لنا النظام عبر الفيلم: “نحن قيم ألوعي وقيم الحرية وقيم ألأخلاق… بينما ما يحصل في الشارع لا يمثلنا، يخرج عن نطاق قدرتنا وقوانيننا وطرحنا.”

النظام إذن يرفع يديه ويتنصل من مسؤوليته اتجاه أي تصرف لا أخلاقي من قبل مستخدميه اتجاه الشعب، وان أي تصرف يحصل من “ضباط غير أحرار” هو من نتاج فكرهم الخاص وتصرفاتهم الخاصة بهم.. (يمكنكم الآن الاستماع إلى أغنية الشيخ إمام “شيد قصورك”).

الملاحظة الثانية تتعلق بالشكل الذي تظهر فيه المرأة في الفيلم. إنها تظهر بنموذجين لشخصيتين متباعدتين، أو لنقل قطبيتين، حيث تنعدم الشخصية المعتدلة المتوسطة بينهما، كما ذكرت، الأولى محافظة بشكل أقرب للبدائية مقارنة بما يدور حوله من تغييرات في العالم، أما الأخرى فهي منفتحة وغير محافظة، ولا داعي للتوسع بهذا الموضوع لأن الفوارق واضحة للمشاهد.

أخيرًا، حاولت أن ابحث عن الرؤية الثورية في الفيلم، ولكني وجدت فيلمًا يقدم خدمةً للنظام بصورة غير مباشرة، وكوننا نفتقر للأفلام التي نجد فيها مظاهرات كبيرة ومشاهد صداميه قوية، فأننا نتعاطف مع فيلم كهذا، والذي يدعم القوة الثورية بداخلنا والتي اعتمد عليها خالد يوسف كغطاء له، إضافة لذلك لاحظت الاستهتار بوعي المشاهد وذلك بوضع الخير والشر في موازين مبتذلة ترجح كفته لصالح الخير المفترض.

شاهدوا الفيلم الكامل…

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. أستغرب كيف خرجت بهذي القراءة المختلفة!
    الفلم لا يخدم النظام, ولكنه قرأه برمزية خالد يوسف المعهودة:
    - الفتاة التي يحتدم عليها الصراع هي مصر
    - المتافسون على الفتاة طرفان: الضابط, ووكيل النيابة.
    الضابط الجشع البدائي, يرمز لوزارة الداخلية وأذرعها الامنية
    وكيل النيابة يرمز للقانون
    الصراع بين وكيل النيابة والضابط على الفتاة = الصراع بين القانون والداخلية على مصر.
    في النهاية ينتصر القانون على الداخلية بعد أن ساند الشارع ذلك القانون وثاروا جمبا إلى جمب, واقتحموا مراكز الداخلية وحرروا المعذبين.

    ما أراد خالد يوسف قوله, هو ذاته اسم الفلم بعلامة استفهام استنكارية فيها تحدي: هي فوضى؟!
    جمالية الفلم تكمن في رؤية خالد يوسف لأهمية القانون, للخلاص وللعقاب في آن, فالثورة -في الفلم- لو تمت بدون قانون لكانت فوضى, والفتاة لو بقيت مغتصبة من قبل الداخلية ولم تقع الثورة لبقيت الفوضى.
    ثانياً, بالنسبة للفتاة المحافظة, يمكن قراءتها في السياق الرمزي الذي يعتمد عليه خالد يوسف دائماً, فارتباط رجل القانون بفتاة لا ترضي أمه, يعني أن القانون غريب عن البيئة الثقافية للشعب المصري, وليس غريبا فقط, بل أن التغيير والثورة لا بد أن تكون في داخل السياق المحلي, المصري البحت.
    ناهيك إلى ان صورة الفتاة المتحررة في السينما المصرية كانت دائما ترمز للطبقة الأرستقراطية المنغلقة على نفسها والمستفيدة مباشرة من النظام (مارينا, شرم الشيخ, بفيرلي هيلز .. الخ)
    أما إذا أردت لنا ان نقرأ الرمزية في سياق التحرر السطحي الذي قرأته انت في الفلم, لقلنا أن القصيدة الشهيرة “مصر يمّا يا بهية يا اُم طرحة وجلابية” هي أغنية ترسخ تحقير المرأة ويجب أن تكون “مصر يما يا مزة يا أم ميوه بمبي”.
    - ثم ان القانون هو ابن شهيد, يعني ابن حرب, يرمز إلى ما قبل الانفتاح المنفوخ, والحداثة السطحية.
    أختلف معك كلية في قراءة الفلم ولكني سعيد بقراءتك المختلفة نوعاً ما.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>