فرج سليمان: وظيفتي في الموسيقى إحضار الناس لسماع الموسيقى الآلاتية/ رشا حلوة

فرج سليمان: وظيفتي في الموسيقى إحضار الناس لسماع الموسيقى الآلاتية/ رشا حلوة

أهتم بأن تكون الجمل الموسيقية قصيرة ومتنوّعة كي لا يملّ المستمع ■ هل سيكون للموسيقى التأثير الذي أتمناه؟ هل سيجلس الجمهور ساعة ورُبع لسماعها؟…

coverfarag

فرج سليمان، بعدسة: محمد بدارنة

|رشا حلوة|

في الواحد والثلاثين من كانون الثاني/ يناير 2014، سيعود الموسيقي فرج سليمان إلى المسرح مع عرضه “ثلاث خطوات” في قاعة “كريغر” في حيفا، عند الساعة الثامنة مساءً، للمرة الثانية على التوالي بعد جولة عرضه الأولى في كلّ من حيفا وكرميئيل عند منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي. في “ثلاث خطوات”، والذي تستضيفه جمعية “المشغل” من جديد، يقدّم فرج سليمان باكورة ألحانه الموسيقية الأولى التي عمل عليها خلال نصف عام، يشاركه في العزف كلّ من الموسيقي حبيب شحادة حنّا (عود، بزق)، الموسيقي فادي حنّا (إيقاعات) والموسيقي يائير ليفينسون (كونتراباص)، وباستضافة الفنانة تريز سليمان في أغنيتين “مساحة” و”مش مهم” (من ألحان فرج سليمان وكلمات علاء أبو دياب)، أمّا الإخراج فهو للفنان عامر حليحل.
في لقاء “قديتا” مع الموسيقيّ فرج سليمان تحدّث بداية عن أنّ السبب الذي جعله يقدّم العرض من جديد هو نجاح العرض الأول ومحبة الناس لما قدّمه من موادّ موسيقية والضجّة التي أثارتها، فكانت توجهات عديدة لسليمان بتقديم عرض ثان في حيفا. وأضاف سليمان: “أردت أن يكون عرض إضافيّ في حيفا، من منطلق حاجتي لحضور الجمهور ومحبي الموسيقى لسماع العرض وموادّه الموسيقية من جديد”.

في منتصف شباط/ فبراير 2013، قدّم فرج سليمان عرضه الموسيقيّ “تسجيل دخول” والذي كان عبارة عن ألحان موسيقية لأغانٍ معروفة، لكنه أضاف إليها توزيعاً جديداً ممّا أعطى للّحن إضافة نوعية من خلال البيانو وحده، الآلة التي يعزف عليها ويمارس موسيقاها. وبرغم الاختلاف بين “تسجيل دخول” وعرضه الموسيقي الجديد الذي يضمّ مؤلفاته فقط، إلا أنّ هنالك خطاً ما يجمع ما بين اختلافهما. يرى سليمان أنّ هناك امتدادا ونموا ونضوجا ما بين العرضين، وأنّ هناك لغة يحاول أن يبنيها في لغة التلحين ولغة العزف، هذه اللغة بدأت مع “تسجيل دخول” إلا أنّ اكتشافها كان أصعب في ظلّ تقديم مواد ليست من تأليفه واستطاع أن يكشفها للجمهور في ألحانه الخاصة، هذه اللغة القابلة والقادرة على التطوّر أكثر. وأضاف: “التقاطع الوحيد هو في سؤال اللغة الموسيقية التي أحاول بناءها، حول كيف يمكن للموسيقى العربية أن تُقدّم في سولو بيانو؟ وكانت هناك محاولة لتقديمها بأسلوب مختلف في “تسجيل دخول”. لكن الأمر أصبح الآن مختلفاً، خاصّة حين قُدمت وكُتبت لأربع آلات موسيقية، لكنها امتداد لفكرة بناء اللغة بتوجّه جديد للعود، بأنّ المواد احتوت لأول مرة عزفا بهذا الشكل على العود، فأعطته لوناً جديداً. كذلك الإيقاعات، التي أعطيتها طاقة وقوة أكبر. وبرأيي نجحت بتقديم موسيقى عربية بحتة في “ثلاث خطوات” من خلال البيانو والعود والإيقاعات والكونتراباص”.

ثمة نظرية بأنّ العروض الموسيقية/ الآلاتية -بلا كلمات- ليست سهلة للتلقي، أو أنها لا تستدعي الجمهور في مكان متعطّش للكلمة أكثر من اللحن. إلا أنّ تجارب عديدة -مثل “ثلاث خطوات”- أثبتت أنّ هذه النظرية غير صحيحة دائماً، وأنّ الموسيقي قادر على إيصال مقطوعته الموسيقية إلى الناس. فرج سليمان يؤكد على النظرية المضادة حيث يشير في حديثه إلى قصّة حدثت بعد أحد العروض الأولى لـ “ثلاث خطوات”، حين ذهبت إليه إمرأة كبيرة السنّ وقالت له: “العرض كان بجنّن، بس ليش دحشتولنا هالأغنيتين؟” (في إشارة لأغنية “مساحة” وأغنية “مش مهم”). وأضاف فرج: “عندها فهمت أنّ الموسيقى كانت جيدة، خاصة حين تأتي الملاحظة من امرأة كبيرة السن اعتادت على سماع فيروز وأم كلثوم، فكانت بالنسبة لي دليلاً بأنّ الموسيقى نجحت”. وحول السؤال لماذا نجحت الموسيقى برأيه، أجاب سليمان: “هناك أمر له علاقة بالموسيقى، وهو نابع من اهتمامي بأن تكون الجمل الموسيقية قصيرة ومتنوّعة كي لا يملّ المستمع. فعلى سبيل المثال في مقطوعة ثلاث خطوات هناك تحوّلات دائماً والأمر الغريب أنّ هذه المقطوعة مدّتها 11 دقيقة ونصف والمقطوعة الأولى مدتها 4 دقائق، وهنالك من اعتقد أنّ الأولى -وهي سولو بيانو- أطول من ثلاث خطوات التي تميزت بسرعتها وطاقتها والتي تجذب الجمهور طوال مدّتها. أعتقد أنّ الموسيقى يجب أن تكون هكذا اليوم؛ أي الجمل الموسيقية القصيرة، لأنّ الطويلة انتهت في السبعينات، خاصة في عصر لا وقت لدى الإنسان فيه للاستماع للموسيقى الطويلة. فالجمل القصيرة هي السرّ بلا أن يكون هناك أيّ ضرر بعمقها ومتناتها. السبب الثاني حسب رأيي هو اللون الذي نتج عن الدمج بين الآلات الأربع؛ ثمة لون موسيقيّ لم أخترعه أنا، فيه تعزف كلّ آلة بخط جديد ومستقيم، لون لم أخترعه، لكنه جذاب للمستمع”.
خلال عرض “ثلاث خطوات” لا يسمع الجمهور الموسيقى فقط، بل عند خلفية المسرح السوداء، تُبث بعض مقاطع الفيديو القصيرة -فيديو آرت- تزاماناً مع العزف الموسيقيّ. جاءت الفكرة حين التقى سليمان بالفنان عامر حليحل لترتيب مسألة الإخراج المسرحيّ للعرض الموسيقيّ، وعندها رأى حليحل ضرورة وجود الفيديو. حضر المخرج المراجعات واقترح العمل على مقاطع فيديو بلا حركة زائدة لا يلفت الانتباه كثيراً ولكن يساهم في الاستماع إلى الموسيقى. المقاطع المرافقة هي عبارة عن مشاهد من حياة فتاة منذ ساعات الصباح وحتى المساء، متنقلة بين البحر و”جادة الكرمل” (بن غوريون) وجالسة في مقهى معروف في حيفا، ومن ثم تذهب إلى مكان يطلّ على كلّ حيفا والبحر. اختيار حيفا كثيمة لمقاطع الفيديو يأتي من أنها المدينة التي عاشها فرج سليمان أثناء تأليفه لمواد “ثلاث خطوات” الموسيقية”، وبالتالي مقاطع الفيديو هي عبارة عن حيفا بنهاية المطاف. عن هذا يقول فرج سليمان: “بالإضافة إلى أنها تضاف إلى المستمع جمالية ما، خاصّة أنّ مقاطع الفيديو لم تأتِ من فراغ، فأفكارها ومضمونها هي نتاج استماع حليحل للمواد الموسيقية ومن ثم إلى البحث البصريّ في موضوع حيفا”.

تحضر حيفا بقوة في “ثلاث خطوات”، فالمادة التي كتبها فرج سليمان خلال نصف عام كانت في حيفا، المدينة التي استقرّ فيها بعد القدس ومن ثم قريته الرّامة في الجليل، ممّا تحكي المقطوعات عن التغييرات والتفاصيل التي عاشها فرج سليمان في حيفا مؤخرًا. ويضيف: “جوّ حيفا مليء بالفنّ والفنانين وهناك احتكاك دائم بالحراك الثقافي مقارنة بالقدس والتي عشت فيها سنوات عديدة، فيها شيء ميت وراكد، فالإحساس كان أنّ حيفا هي محفز لثلاث خطوات”.
يرتكز الحوار الموسيقيّ في “ثلاث خطوات” على البيانو والعود، والارتكاز هذا يأتي من أنّ فرج سليمان قد خصّص موادّ لآلة العود وأعطاها دوراً بدلاً من أن تكون مؤدّية فقط. عن قراره بأنّ يكون العود رفيق درب البيانو، قال فرج بداية إنه “ليس بالضرورة أنّ هذا حوار بينهما بل هما خطان يمشيان مع بعضها البعض. لماذا قررت أن تكون الآلة عود؟ لربما شيء ما في داخلي يجعني أتحدى الآلات العربية، خاصة أني درست الموسيقى الغربية، وكلّ إحساسي وحاجتي في النهاية بأني أريد تقديم موسيقى عربية”. ويضيف: “لربما من خلال العود يكون تقديم موسيقى عربية أسهل من تقديمها من خلال آلات غربية. والعود يقول لي بأنه عربي طالباً مني أن أعطيه مواد عربية كي يعزفها. أما البيانو، فهو آلتي التي درستها، لسوء أو لحسن الحظ. أنا أرى بأني كموسيقي فلسطيني من المفروض أن أقدم الموسيقى العربية، هذه المرة مع العود ولربما المرة القادمة مع القانون”.

مخاوف كثيرة شغلت فرج سليمان ما قبل إطلاق “ثلاث خطوات” في شباط/ فبراير 2013، كانت مرتبطة بأسئلة عديدة في ذهنه، مثل: “هل سيكون للموسيقى التأثير الذي أتمناه؟ هل سيجلس الجمهور ساعة ورُبع لسماعها؟ هل سيفرح الجمهور وهو ينصت إليها؟ هل سيحب الضجة على البيانو والغرابة التي سيعزفها العود؟”، إلا أن هذه المخاوف تبددت مع انتهاء الجولة الأولى من العروض. ويضيف: “اليوم لم تعد هذه المخاوف حاضرة، فأنا متأكد من أنّ للمواد الموسيقية تأثيرًا على كلّ الأجيال، وبهذا الأمر شيء مريح.. هذا جاء مع إعجاب الناس وعطشها لسماع المزيد حتى بعد انتهاء العرض. كلّ هذا حقق عندي رغبة موجودة منذ سنوات بأن أطور الموسيقى الآلاتية وأن تكون حاضرة في الموسيقى العربية. في هذا المكان أنا موجود وهذه وظيفتي في الموسيقى، أن أحضر الناس لتسمع الموسيقى الآلاتية”.

في “ثلاث خطوات” يستضيف فرج سليمان الفنانة تريز سليمان من خلال أغنيتين للمرة الثانية بعد عرض “تسجيل دخول”، وبرغم هذا التكرار إلا أنّ التقديم كان مختلفاً، والسبب يعود حسب سليمان إلى أنّ الأغنيتين قُدّمتا في “تسجيل دخول” مع سولو بيانو، وفي “ثلاث خطوات” قُدّمتا مع الفرقة الموسيقية الكاملة. ويضيف: “حين قمت بتلحين الأغنيتين، قمت بإعطائهما التوزيع الكامل مع آلات عديدة، وثلاث خطوات أعطت مساحة لتحقيق هذه الفكرة من خلال البيانو والعود والإيقاعات والكونتراباص. وفي هذه الفترة نقوم أنا وتريز بتحضير لعرض جديد بلا هاتين الأغنيتين، ولم نرغب بأن نفوت فرصة تقديمهما على المسرح مع مجموعة من الآت، خوفاً من أن تضيع الأغاني”.

المخطط لعرض “ثلاث خطوات” أن يتحوّل إلى ألبوم موسيقيّ، إلا أنّ سليمان يرى أنّ المؤسسات والجهات المانحة قليلة في ظلّ منافسة كبيرة، مشيراً إلى أنه لا يعرف اليوم كيف يمكن له أن يسجل “ثلاث خطوات” بلا منحة ومن ثم ستحتاج المنحة إلى سنة حتى تظهر الإجابة ومن ثم المزيد من الوقت حتى تصل المكافأة، وفي مثل الحالة يكون الموسيقيّ قد وصل إلى مرحلة يكون قد جهز  لعملٍ موسيقي جديد. ويضيف: “الحلّ هو تسجيل المواد على حساب الفنان الشخصي من خلال الحصول على قرض من البنك. وبنفس الوقت لا يمكن التوجّه لجهات إسرائيلية؛ نحن ننتج موادّ من فلسطين إلى العالم العربي، أخلاقياً بتزبطش”.
من الجدير بالذكر أنّ عروض “ثلاث خطوات” هي باستضافة جمعية “المشغل للثقافة والفنون” في حيفا، وكانت “المشغل” وإدارتها قررت تبني العروض كاملة في أماكن عديدة، بما في هذه الخطوة من دعم للفنانين الفلسطينيين المحليين من خلال إنتاج أعمالهم وتسويقها في فلسطين والخارج. وامتداداً لهذا المحور، وجّه الموسيقي فرج سليمان الشكر للموسيقيّ حبيب شحادة حنّا، مدير جمعية “المشغل”، وأضاف: “أشكره كشخص وكمدير المشغل، على دعمه للعرض وعطائه للتدريبات والتحضيرات والتسويق والمبيعات والاهتمام بكلّ التفاصيل. وثانياً، لحبيب الفنان وعطائه كعازف عود وكملحن، ممّا أفادني جداً وتفهمه اللامع لي ولموادي الموسيقية”.

.
صفحات فرج سليمان عبر مواقع التواصل الإجتماعي: الفيسبوك ، ساوند كلاود ، يوتيوب .

 

 

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>