في مفهوم التربية الجنسية/ عبد الصمد الديالمي

التنشئة الاجتماعية فعل أبيسي، أي فعل تاريخي اجتماعي، الشيء الذي يبين أن التراتبية بين الجنسين ليست معطى بيولوجيا وأنها قابلة للتجاوز.

في مفهوم التربية الجنسية/ عبد الصمد الديالمي

|عبد الصمد الديالمي*|

عند مقاربة مفهوم التربية الجنسية، لا بد من تجنب الوقوع في مخاطر معرفية ثلاثة قبل التذكير بأسسه التقنية وقيمه الأخلاقية المدنية.

مخاطر المفهوم

ثلاثة مخاطر، خطر اختزال التربية الجنسية في تعلم تقنيات ممارسة الجنس، خطر الخلط بين التنشئة الاجتماعية والتربية الجنسية، خطر الخلط بين آداب النكاح وعلم “الباه” من جهة وبين التربية الجنسية من جهة أخرى.

يكمن الخطر الأول، خطر الاختزال، في ذهاب الحس المشترك، عند سماع عبارة “التربية الجنسية”، إلى الاعتقاد أن التربية الجنسية تعني فقط إكساب واكتساب تقنيات ممارسة الجنس. وهذا اختزال خطير لأن المفهوم أغنى من هذا وأعم بكثير. فالمفهوم، إضافة إلى مضمونه الإيروسي (تعلم الجماع)، يشمل مضامين أخرى تتعلق بالأعضاء التناسلية وسيرها (مضمون تشريحي وفيزيولوجي)، وتتعلق بالإخصاب ومنع الحمل (مضمون ضد إنجابي)، كما تتعلق بمعرفة الأمراض المنقولة جنسيا وطرق الحماية منها (مضمون وقائي). هذا إضافة إلى المضمون القديم القائم على الإباحة الجنسية وعلى المساواة بين الجنسين في الحقوق الجنسية.

 التنشئة هي التي تبني الرجل كدور فاعل وتبني المرأة كدور مفعول به في كل حقول الممارسة الاجتماعية

أما الخطر الثاني فهو خطر الخلط بين التنشئة الجنسية والتربية الجنسية. وهو خلط أولي ينبغي أن نتجنبه لأن التنشئة الجنسية تقصد بناء هوية الفرد النوعية (gender identity)، بمعنى أن الرجل والمرأة ليسا مجرد معطيين بيولوجيين إذ لا يجوز اختزال الرجل في ذكورته (الذكر) والمرأة في أنوثتها (الفرج). فالذكر والفرج معطيان بيولوجيان يشكلان فقط الهوية الجنسية (identité sexuelle ou sexe biologique) للفرد. بتعبير آخر، يجب التأكيد على أن ذكورة الرجل تحوَّلت إلى سلطة وإلى امتيازات، أي أنها تبنى كموقع اجتماعي مسيطر.

أما المرأة فأنثى يتم تحويلها إلى موقع وأدوار اجتماعية تتميز بالدونية وبالتبعية. إن التنشئة الاجتماعية فعل أبيسي في هذه الحالة، أي فعل تاريخي اجتماعي، الشيء الذي يبين أن التراتبية بين الجنسين ليست معطى بيولوجيا وأنها قابلة للتجاوز. إن التنشئة الاجتماعية الأبيسية تكمن في تحويل البيولوجي إلى اجتماعي عبر طقوس مرور (أو تأسيس) تختلف من مجتمع إلى مجتمع، ومن ثقافة إلى ثقافة، أي في توظيف الجنس البيولوجي (الذكر والفرج) من أجل بناء النوع الاجتماعي (gender)، بمعنى في تأسيس علاقة تراتب وسيطرة بين الرجل والمرأة. من ثم، يتبين أن الرجل والمرأة هويتان نوعيتان ليستا جاهزتين منذ البداية، فالتنشئة هي التي تبني الرجل كدور فاعل وتبني المرأة كدور مفعول به في كل الحقول الممارسة الاجتماعية، ومن بينها الممارسة الجنسية. إن استبطان هذه الأدوار التمييزية يعني فقط اكتساب أدوار معينة في الفعل الجنسي، ولا يعني أبدا اكتساب تربية جنسية، أي معارف (علمية) ومواقف (إيجابية) وممارسات (مساواتية) خاصة بالسلوك الجنسي. من هنا حتمية التمييز بين التنشئة الجنسية والتربية الجنسية.

بتعبير آخر، تقوم التربية الجنسية أولا على اكتساب معارف بيولوجية علمية، لكن المعارف لا تكفي إذ هناك قيمتان كبيرتان ينتظم حولهما السلوك الجنسي المربى، وهما المساواة بين الجنسين وفك الارتباط بين الجنس من جهة والزواج والإنجاب من جهة أخرى (مبدأ استقلال وإباحة الجنس). في هذا الإطار، يغدو الجنس هدفا في ذاته ولا يظل وسيلة لتحقيق الإنجاب في إطار الزواج، أي وسيلة لإعادة النظام الاجتماعي والسياسي القائم. ولهذا يمكن أن نقر أن التربية الجنسية، كمفهوم اصطلاحي، هي في الوقت ذاته مجموعة معارف علمية وقيم ومواقف إيجابية من الجنس (بغض النظر عن سن الفاعل الاجتماعي وبغض النظر عن هويته الجنسية وعن وضعه الزوجي وعن توجهه الجنسي). إن المزاوجة بين معارف علمية وقيم ضد أبيسية هي ما يشكل التربية الجنسية. فلا يكفي أن تكون للفرد معرفة بالبيولوجيا الجنسية دون القناعات القيمية والسلوكية المصاحبة لها.

“إن التربية الجنسية امتناع عن تحويل الجنس إلى طابو”

إن القناعات والسلوكات الملازمة للتربية الجنسية، وهي القيم المضادة للذكورية وللأبيسية، ليست تطبيقا اختياريا بعديا للمعرفة البيولوجية، فهي على العكس من ذلك بعد جوهري ومؤسس لها وفيها. إن المعرفة الجنسية لوحدها لا تكفي لتعريف التربية الجنسية إذ لا بد من قيم وممارسات جنسية مساواتية. في كلمة واحدة، التربية الجنسية علم وعمل، معرفة وأخلاق (تميزها الإباحة وليس الإباحية).

أما الخطر الثالث فناتج عن إسقاط معرفي وإيديولوجي، بمعنى أننا نحاول العثور على التربية الجنسية في حضارات سابقة عن الحضارة الغربية الحديثة التي أنتجت المفهوم كمعرفة وكسلوك. طبعا، لكل مجتمع بشري “تربية جنسية” خاصة به. فالمجتمعات “القديمة”، مثل المجتمعات الهندية واليونانية والعربية الإسلامية الوسيطة، كانت لها تصوراتها الخاصة عن السلوك الجنسي، عن تقنياته وعن غائياته. وكانت لها تقنيات تمرير تلك التصورات من جيل لآخر. لكن الحديث عن “تربية جنسية” في تلك المجتمعات ما هو إلا إسقاط، بمعنى أننا نحاول العثور (لأسباب إيديولوجية) على مقابل تقليدي لمفهوم التربية الجنسية الحديث والحداثي. مفاد الإسقاط القول بوجود “تربية جنسية” خاصة بكل مجتمع. إن تعميم وجود ” التربية الجنسية” لا يجوز إلا إذا انتقالنا من المفهوم الاصطلاحي إلى المعنى اللغوي.

والمقصود بالمعنى اللغوي أن كل مجتمع يلقن أفراده بشكل معلن أو مبطن معارف وسلوكيات جنسية تتلاءم مع قيمه وأهدافه الإستراتيجية العامة. من هنا، يتجلى أن الخلط يقع بين مفهوم اصطلاحي لمفهوم لتربية الجنسية (يقوم على أشياء ثلاثة هي الإباحة، القرص المانع للحمل والغشاء الواقي) وبين مفهوم لغوي عام يري في تبليغ أية رسالة جنسية للفرد من طرف أي مجتمع تربية جنسية.والواقع أن الخلط غير جائز لاعتبار آخر، بسيط، مفاده أن المجتمعات قبل الحديثة لن تستعمل قط عبارة “التربية الجنسية”. من هنا يتبين بوضوح أن استعمال هذه العبارة بصدد تلك المجتمعات هو إسقاط دفاعي، ومقاومة.

فبعد ظهور مصطلح “التربية الجنسية” في المجتمع الحديث، افترض البعض أن للمجتمعات التقليدية تربية جنسية خاصة بها، وهو ما يعطيها الحق في رفض القيم والسلوكيات الجديدة المؤسسة لمفهوم التربية الجنسية. لا إمكان إذن لذلك الإسقاط ولتلك المقاومة إلا بفضل انزلاق نحو تعريف لغوي للتربية الجنسية. من هذا المنطلق، يذهب مثلا تأويل الإسلام، السائد معرفيا لأنه سائد سياسيا، إلى أن للإسلام منظوره الخصوصي للتربية الجنسية. والواقع أن ذلك المنظور ما هو في نهاية المطاف سوى تعريف لغوي للتربية الجنسية. يكمن المنظور الإسلامي للتربية الجنسية على الربط بين الجنس والشرعية (الزوجية والرِّقِّية)، ويؤكد على أهمية الملاعبات التقديمية وعلى ضرورة مراعاة حق الزوجة في المتعة من أجل إحصانها ضد الزنا. في هذا السياق، لا مجال للاعتراف بجنس مثلي أو استمنائي.

وقد نصت كتب الفقه في الفصول المتعلقة بآداب النكاح على ما ينبغي أن يراعيه الزوج ليلة الدخول بالخصوص. وخلافا للفقه، تعرضت كتب علم الباه إلى الجنسانية اللاشرعية و”اللاسوية” أيضا، لكن دون معاودة النظر في وضعهما الشرعي والاجتماعي، أي دون الدفاع عنهما كاختيار جنسي ممكن. بالإضافة إلى ذلك، قام الفقه وعلم الباه على معطيات بيولوجية خاطئة، منها مثلا أن صعود المرأة فوق الرجل يعوق الإخصاب ويسبب أمراضا في الإحليل والمتانة أو أن تقبيل العينين يسبب الفراق أو أن النظر إلى فرج الشريك شيء مكروه ينبغي اجتنابه. في نفس السياق، حرم الفقهاء إتيان المرأة في دبرها معللين ذلك بأدلة عقلية (أيضا)، وهي أدلة واهية فندها العلم الحديث.

لا داعي إذن لجعل الجنس شيئا مباحا للبعض ومحرما على البعض الآخر، ولا داعي لتجريم السلوكيات والممارسات التي مازال الفكر الأبيسي يعتبرها ممارسات “شاذة” أو محرمة شرعا.

إن “التربية الجنسية” المتضمنة في آداب النكاح وعلم الباه تركز على كثرة الجماع كقيمة يتحتم على كل مسلم تحقيقها إما في إطار النكاح أو في إطار الاسترقاق الجنسي. وكثرة النكاح بمعنيي الوطء والزواج تعتبر نجاحا للتنشئة الجنسية الأبيسية من حيث أنها تؤشر على تحقيق الرجولة وعلى تكثير سواد الأمة.

إن كثرة النكاح رجولة، فهي فحولة وخصوبة. لا أعتقد أنه يمكن أن نسمي آداب النكاح وعلم الباه تربية جنسية لأن الرسالة الجنسية في هذا التراث موجهة إلى الرجل لوحده باعتباره فاعلا جنسيا لوحده ومسؤولا عن قيادة الوطء لوحده، ومسؤولا لوحده عن إرضاء زوجاته جنسيا. كل ذلك يؤشر على خضوع المرأة وتبعيتها للرجل في الجماع سواء في إطار النكاح أو في إطار الاسترقاق. إن خضوع المرأة، المزدوج (زواج أو استرقاق)، أمر يمنعنا من الحديث عن تربية جنسية بالمفهوم الاصطلاحي. ذلك أن التربية الجنسية مساواتية النزعة، في حين أن آداب النكاح وعلم الباه لهما توجه ذكوري غير مساواتي واضح. إن اعتراف آداب النكاح وعلم الباه بحق الزوجة في المتعة الجنسية، وإن كان عنصرا إيجابيا وجد امتداده الطبيعي في الحداثة، عنصر لا يؤدي لوحده إلى إدراك ذلك التراث بمثابة تربية جنسية بالمعنى الدقيق للكلمة، أي كمفهوم. فالحرص على إرضاء الزوجة قصده تحصين الفرج قصد عدم اختلاط الأنساب والأموال.

القرص، الغشاء والأخلاق المدنية

إن التربية الجنسية هي أولا معارف علمية. وهذا شيء لم نتمكن منه إلا منذ القرن الثامن عشر، أي منذ أن تحولت البيولوجيا إلى علم، حيث مكنت من معرفة الأعضاء التناسلية بشكل دقيق، ومن معرفة مسلسل الإخصاب، ثم من معرفة آليات الإثارة والقذف… ومكنت بالخصوص من التمييز بين الرجل والمرأة كمعطيين بيولوجيين مختلفين ومتمايزين، وفي ذلك قطيعة نهائية مع اعتبار المرأة رجلا ناقصا أو رجلا مقلوبا (موجها نحو الداخل). ومن ثم لا مجال للحديث عن التربية الجنسية قبل القرن الثامن عشر (على الأقل).

فقد أدى تطور العلوم والتقنيات إلى صنع الغشاء الواقي (préservatif) الصناعي سنة 1880 وإلى اكتشاف القرص المانع للحمل (Pilule) سنة 1955، وهو ما زود التربية الجنسية بوسائل هامة تجنب الحمل (غير المرغوب فيه) والأمراض المنقولة جنسيا. لهذا السبب على الأقل، لا يجوز الحديث عن التربية الجنسية بشكل دقيق قبل هذه المرحلة. فالغشاء الواقي هو التقنية الحديثة التي تحقق العزل بنجاعة، وهو عزل مزدوج يجنب في الوقت ذاته خطر الحمل وخطر الجراثيم والفيروسات (بالخصوص). في كلمة واحدة، يشكل القرص والغشاء شرطي النشاط الجنسي السليم. أضف إلى ذلك تمكن الطب الحديث من معالجة الأمراض الزهرية التي حاول الإنسان الاحتماء منها، دون جدوى، بفضل أغشية واقية مصنوعة من مصران الأغنام.

بفضل القرص المانع للحمل والغشاء الواقي اللذين حررا النشاط الجنسي من مخاطر الحمل والمرض، أصبح ذلك النشاط مباحا إذ لا خوف من حدوث عواقب تؤدي إلى اضطرابات عائلية أو اجتماعية عند أخذ الاحتياطات اللازمة. من ثم، سقط التمييز بين المتزوجين وغير المتزوجين، بين الرجال والنساء، بين الكبار والصغار وبين الغيريين والمثليين الجنسيين، فلكل تلك الفئات الحق في الجنس لأن الجنس لم تعد له مخاطر صحية واجتماعية كتلك التي كانت له من قبل. لا داعي إذن لجعل الجنس شيئا مباحا للبعض ومحرما على البعض الآخر، ولا داعي لتجريم السلوكيات والممارسات التي مازال الفكر الأبيسي يعتبرها ممارسات “شاذة” أو محرمة شرعا. طبيعي إذن أن يدافع عن التربية الجنسية كل أولئك الذين يحلمون بنظام جنسي جديد، وهم ضحايا النظام الأبيسي من عزاب ونساء ومثليين ومراهقين. إن التربية الجنسية امتناع عن تحويل الجنس إلى طابو، أي إلى شيء نخافه لاعتبارات عائلية واقتصادية (فنحرمه باسم المقدس). حين يكتشف الطفل عضوه الجنسي، توصي التربية الجنسية بعدم دفعه إلى تحويل عضوه إلى عورة، إلى شيء ينبغي إخفاؤه والتعامل معه بحشمة، وإقناعه بأنه مصدر إثم وخطر. منذ البداية، تتبنى التربية الجنسية مبدأ الإباحة في مفهومها الإيجابي، فهي إدراك وتقبل للأعضاء الجنسية كأعضاء جنسية في المقام الأول قبل إدراكها كأعضاء تناسلية، وهي تقبل لها كأعضاء طبيعية لها حاجيات ووظائف طبيعية. بهذا المعنى، يجب أن نفهم الإباحة المرتبطة والمؤسسة للتربية الجنسية، والإباحة تعني أيضا قبول النشاط الجنسي كعلاقة طبيعية مسؤولة كلما حصل تراض حولها بين طرفين عارفين بكل عواقبها الممكنة.

 ما ينبغي معرفته حول مفعول التربية الجنسية هو أن كل الدراسات تبين أنها تدفع الشباب إلى تأخير بداية النشاط الجنسي، وأنها على عكس البورنوغرافيا لا تعمل على إثارة الشباب جنسيا.

الإباحة إذن لا تعني الإباحية لأن الإباحية غلو يرى أن كل العلاقات الجنسية مباحة بغض النظر عن الوضع الاجتماعي للشركاء الجنسيين وعن عددهم، وهي تشجيع للأفراد في اتجاه الاستهلاك الجنسي دون حدود ودون قيود. لا نجد مثل هذا التشجيع في الإباحة. الإباحة تعني فقط الموقف الإيجابي من الجنس دون تشجيع على الاختلاط العام أو على الشيوعية الجنسية. في الإباحة، يظل سؤال “من يجامع من؟” سؤالا قائما ومشروعا. على العكس من ذلك، يغيب هذا السؤال في إطار الإباحية. تقوم التربية الجنسية إذن على الإباحة، على قبول الجنس كنشاط اجتماعي علائقي يحقق المتعة الضرورية لتوازن الفرد.

وبالتالي، لا يمكن أبدا الإقرار بأن التربية الجنسية منافية للأخلاق بشكل مطلق. إنها منافية لأخلاق معينة فقط، وهي تحمل أخلاقا خاصة، مغايرة، جديدة، تقطع بشكل جدري مع الذكورية والأبيسية. لا يمكن أبدا اختزال الأخلاق في الدين، ولا يمكن أبدا القول أن لا وجود لأخلاق خارج الدين أو دونه. على العكس من ذلك، ولتوضيح الأمور وتدقيقها، ينبغي الاعتراف بأن الأخلاق الدينية تعتمد على آليتي الترغيب (الجنة) من أجل القيام بالمعروف والترهيب (جهنم) من أجل تجنب عن المنكر. هذه الأخلاق تعامل الإنسان كطفل، تجازيه إن فعل خيرا وتعاقبه إن فعل شرا. الأخلاق التي تعامل الإنسان كراشد لا تلجأ إلى الترغيب والترهيب، بل تنتظر من الإنسان فعل الخير لأنه خير، دون انتظار جزاء… الجزاء عند الإنسان الراشد، وهو عند المواطن، هو ارتياح الضمير فحسب. من هذا المنطلق الجديد، تتصور التربية الجنسية علاقة جنسية تطبعها أخلاق مدنية، أخلاق الوفاء والالتزام والإخلاص، دون إكراه ودون خوف، دون عَقْد ودون عقدة. إن الحرية الجنسية لا تعني أبدا الفوضى أو الخيانة أو تعدد الشركاء الجنسيين أو البوهيمية. ومن ثم فإن التربية الجنسية ليست أبدا نشرا للإباحية باسم العلم والحرية. الرهان هو أن يقتنع المربي (في كل تجسداته) بهذه الأخلاق المختلفة، الجديدة، غير المسايرة للاشعور الأبيسي في أشكاله الدينية وغير الدينية.

ما ينبغي معرفته حول مفعول التربية الجنسية هو أن كل الدراسات تبين أنها تدفع الشباب إلى تأخير بداية النشاط الجنسي، وأنها على عكس البورنوغرافيا لا تعمل على إثارة الشباب جنسيا. فهي تعلم الشباب تجنب خطري المرض والحمل (الغير المرغوب فيه) وتسعى إلى إفراز فرد سليم جنسيا في مجتمع سليم جنسيا. وبالتالي لا مجال للربط بين الحرية الجنسية وبين الأمراض الاجتماعية (مثل العمل الجنسي) أو الأمراض المنقولة جنسيا. صحيح أن تلك الأمراض موجودة في المجتمعات الغربية الليبرالية على الصعيد الجنسي، لكنها موجودة فيها بنسب أقل. ونعرف أنها موجودة لأن تلك المجتمعات قررت تبني الشفافية في التعامل معها. وقد جهزت نفسها لتشخيص كل الأمراض المنقولة جنسيا ولمعالجتها، كما أنها تعترف بالعمل الجنسي وتنظمه.

هذه الظواهر السلبية لا يمكن أن تحجب الترابط الرائع بين التربية الجنسية وانخفاض نسبة الأمراض المنقولة جنسيا وانخفاض نسبة الحمل الغير المرغوب فيه. أما في المجتمعات التي لا تزال ترفض التربية الجنسية وتسجن الجنس في الزواج وفي الغيرية، هناك عمل جنسي كثيف، هناك نسب أعلى من الأمراض المنقولة جنسيا ومن الحمل الغير المرغوب فيه. ورغم تفشي هذه الظواهر، فإن مؤسسات المجتمعات التقليدانية ترفض تشخيصها والاعتراف بها لأنها عاجزة عن معالجتها من جهة، ولأن تلك الظواهر تزعزع صورتها وشرعيتها أمام الرأي العام.

*عبد الصمد الديالمي من أبرز الباحثين العرب في الجنسانية والهوية الجنسية، سوسيولوج و أستاذ بجامعة فاس بالمغرب، عرفت له دراسات عديدة حول الجنس والأصولية وتداعيات ذلك على المجتمع المغربي. مدير “مختبر الدراسات الاجتماعية حول الصحة”، له مقالات مؤسسة لخطاب المثلية العربية بعضها نُشر في قديتا.نت. بين كتبه:

  • “المرأة والجنس في المغرب” (1985)
  • “السكن، الجنس والإسلام” (1996)
  • “نسائية، أصولية، صوفية” (1997)
  • “الشباب، السيدا والإسلام” (2000). 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>