الفاشية وصومعتنا/ علاء حليحل

المظاهرة الأخيرة التي خرج بها صهيونيو “إم ترتسو” قبالة “تسافتا” في تل أبيب يمكن أن تكون القشة الأخيرة التي ستوقظنا أو أن تكون المسمار الأخير في نعشنا. الأمر مَنوط بنا

الفاشية وصومعتنا/ علاء حليحل

 

.

|علاء حليحل|

 

محمد بكري يُغيظهم. ربما كانت هذه ظاهرة شخصنة عابرة أو أنهم وجدوا الشخص الذين يريدون بواسطته أن “يُربّوا” العرب وخصوصًا فنانينهم ومُثقفيهم. لكنه يغيظهم ولهذا فهم لا يعدمون الوسائل لتكثيف الهجوم عليه. ونحن لم نتحرك بعد بما فيه الكفاية. كلنا.

تخيلوا هذا السيناريو في السبعينيات بعد يوم الأرض أو في الثمانينات، مثلا: كانت الأحزاب ستخرج عن طورها ولن تكتفي ببيانات عابرة؛ كان مسرحيّونا وكُتابنا وغيرهم سيوقعون العرائض وسيحيون أمسيات التضامن. أذكر مثلا ما حدث مع المخرج سميح جبارين مؤخرًا واعتقاله في الحبس ثم الاعتقال المنزلي وملاحقته بعناد من الشاباك والشرطة. لم نفعل شيئًا حقيقيًا. كلنا.

ماذا حدث لنا؟ كيف اعتدنا على الصمت واللامبالاة؟ هل هو تعب المادة، أم الخمول الجماهيريّ أم عدم الاكتراث من منطلق البحث عن “السُترة”؟ نحن نعيش أزمة كبيرة تجلت في قضية جبارين والآن تتجلى ساطعة في قضية بكري. لم يعودوا يطيقون صبرًا على اللعبة الليبرالية التي لعبوها معنا حتى الانتفاضة الثانية. سقطت الأقنعة ولكننا سقطنا معها أيضًا. جميعنا نُحبّ بريشت ووَنوس وغرامشي لكننا جميعًا لا نسمع ما يقولون. نحن نخبة عاجزة، نؤثر الصّمت والمضيّ قدمًا بهدوء إلى.. إلى ماذا؟ إلى المقصلة الثقافية؟

محمد بكري (إلى الأعلى) وسميح جبارين

المظاهرة الأخيرة التي خرج بها صهيونيو “إم ترتسو” قبالة “تسافتا” في تل أبيب يمكن أن تكون القشة الأخيرة التي ستوقظنا أو أن تكون المسمار الأخير في نعشنا. الأمر مَنوط بنا. برغبتنا في الحفاظ على إنجازات الأقلية هنا من الناحية الثقافية، بقدرتنا على تحويل النصوص التي نكتبها ونمثلها ونُغنيها إلى خطوات ملموسة لا تترك بكري وجبارين وحيديْن في وجه الماكينة القوموية الصّهيونية الجارفة. لكنّ مثل هذه الترجمة تستوجب أثمانًا ومواقفَ فعلية، لا ورقية أو صوتية. البيان الذي أصدره مسرح “الميدان” هو حدث ممتاز ودراماتيكي، لكنه إذا توقف هناك فسيتحول إلى “فارْس” أخرى تنضاف إلى الحالة العبثية التي نعيشها.

من المسؤول إذًا؟.. مديرو المسارح والمؤسسات الثقافية، الكُتاب، المثقفون، الأكاديميون، لجنة المتابعة، قيادات الأحزاب وكوادرها، مؤسّسات المجتمع المدني. نحن مسؤولون عن حياة ومصير بكري اليوم، ونحن مسؤولون عن الاستفراد به وبجبارين. لن يشفع لنا أن نبكي بمرارة فيما لو إذا، وهذا الـ “إذا” ليس بخيال شرقي مُجنح. إنه تحصيل حاصل لواقع التحريض الدمويّ. يُشهّرون بفنان مخضرم مثل بكري ونبحث عن الخبر القادم؛ يستفردون بمخرج مسرحي شاب مثل جبارين ونسأل: شو السّيرة؟

ليس من السّهل كتابة مثل هذه المقالة وأنا من المُقصّرين، ولكن فلتكن اعترافًا ذاتيًا قبل كلّ شيء. وبعد ذلك تعالوا نفكر قليلا. الأدوات غير معدومة: مؤتمر صحافيّ مدروس؛ وقفات اعتصامية؛ أمسيات دورية احتجاجية؛ حشد الرأي الشعبي لدينا قبلهم؛ الإعلان عن مسابقات فنية وثقافية تحت ثيمة “الحرية”؛ كتابات دورية في الصحف والمواقع لفترة طويلة لإبقاء الموضوع على الأجندة؛ إقامة طاقم ردود فعل من أهل الثقافة يلاحق ويتابع ويُحرج الصحافة العبرية؛ رفع سماعة الهاتف والاتصال والاطمئنان؛ تشغيل العلاقات الدولية لكلّ واحد ما؛ فرض أجندة برلمانية على نوابنا وغيرهم في اللجان والهيئة العامة في الكنيست؛ فرض الموضوع وبكثافة في لجنة المتابعة. أعتقد أنّ المظاهرة الأولى يجب أن تكون أمام لجنة المتابعة. ثم علينا أن نشعل دولابًا أو اثنين أمام مقر “الجبهة” و”التجمع” و”الإسلامية” وغيرها. ثم إلى تل أبيب والقدس. علينا أن نسأل بوقاحة هيئاتنا الوطنية والجمعيات التي تجند النقود باسمنا وباسم حقوق الأقلية: ماذا فعلتم وماذا ستفعلون؟

وحتى لو كنا متشائمين وقلنا إنّ كلّ هذا لن يفيد (وقد لا يفيد حقًا)؛ هل ستمرّ الفاشية فوقنا من دون أن نقاوم؟ ماذا حدث لـ “قاومتُ فقاوم”؟

هذا أضعف الإيمان. ولكن حتى هذا يحتاج إلى بعض الإيمان؛ الإيمان بقدراتنا ودورنا الرّياديّ، وإلا فلننكفئ على ذواتنا ولنُصغِ إلى رياح الفاشية وهي تُزعج سكينة صومعتنا الاختيارية.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

4 تعقيبات

  1. أخي علاء, يعطيك ألف عافية.
    مقالاتك جميلة كما عهدناها مع اختلافي بالرأي مع بعض طروحاتك.
    أحببتُ منذُ زمنٍ أن اضع تعليق تحت أحد مقالاتك وكم ترددت لألاّ أُتّهم بـ”ثقل الدم” بلهجتنا الدارجة.
    لكن قررت اليوم أن أخرِج, ولو قليلاً, من ما في جعبتي.
    تعليقي لك وللغالبية الساحقة من الأقلام التي تكتب في مجتمعنا هذا.
    لغتنا العربية تضيع في هذه الدولة وما يساهم في ضياعها أكثر هي مواقعنا التافهة الفارغة المشوهة للغة التي باتت بعض الأخطاء النحوية واللغوية ثابتة لديها, أي أصبحنا نلاحظ أخطاءً أصبحت شبه قواعد في المقالات.
    وأكثر ما يؤلمني هو محاولة استخدام مصطلحاتٍ عربية, نستخدمها في حياتنا اليومية بالعبرية, وعند كتابة نص عربي نترجمها حرفيًا للعربية دون مراجعة وجودها بهذه الصورة في لغتنا أم لا. فأنا متأكد انه إذا قرأ العرب في الدول العربية مقالاتنا ستستوقفهم بعض المصطلحات غير المفهمة لديهم بسبب نقلنا لها عن العبرية بشكل حرفي غير مدروس.
    اريد توضيح ما اقصد بأخذ عيناتٍ من مقالاتك:
    1) قلت في مقالة “لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي” أنك تحمل اللقب الأول في الفنون الجميلة. لا يوجد يا سيدي مصطلح في اللغة العربية “لقب جامعي”, فما هو إلا ترجمة حرفية عن العبرية. في اللغة العربية نقول حاصل على إجازة في الفنون الجميلة, أو تستخدم أيضًا كلمة “درجة” في هذا السياق.
    2) تستخدم في مقالك هذا أعلاه: “حبس منزلي”, وهذه أيضًا ترجمة حرفية عن العبرية, حيث نقول في لغتنا العربية “وُضِعَ رهن الإقامة الجبرية” أو قيد الإقامة الجبرية.
    وهنالك العشرات من الأخطاء الشائعة التي يتم ترجمتها حرفيًا عن العبرية ككلمة “فواكه بحرية” التي نجدها في قوائم مطاعمنا جميعًا بدون استثناء, بينما الكلمة الصحيحة هي “ثمار البحر”. وكلمة “طواحين” (الأسنان الخلفية) بينما الكلمة الصحيحة هي “أضراس”. وغيرها وغيرها.
    آسف للإطالة, لكن أحب عندما أقرأ مقالة أن أتمتع بلغتها العربية النظيفة, ولم أكتب تعليقي هذا إلا من محبتي لموقعكم المميز ولأقلامكم الحرة.
    أرجو تقبّل ملاحظتي
    تحياتي

  2. آَلَمْتَني عزيزي علاء

  3. رفيقي,
    ما أعيبه في مقالتك, ما>ا تقصد في أقلية قومية ثقافية, و بدون أن تبالي تسقط في احبال السياسة و تخرج من نفق لتزجنا بأنفاق
    أخي الحبيب
    أولا نحن ننتمي إل أمة هي امة العرب شاء من شاء
    و ثانيا عندنا من الأنتماء ممكن أن نصدر للمريخ
    و ثالثا الأهم الأقلية من هو مصاب في هلوسة استهدافه/مرض نفسي عصري و شبهت الدولة العبرية و كل ما تمثله من هذا البعد
    إذا هي الهلوسة و كل من سار عل منهج فعل الأقليات يتحق الربوبية ضمن الأقليات ما فشروا أي كانوا نقطة و سطر

  4. كلام سليم، والفكرة واضحة …. مع هذا لن يحصل المنشود للأسف ..!! ما العمل؟ وقد أهدرنا طاقاتنا في سجالنا حول الملف السوري !! ما العمل؟ لقد إعتدنا على ردات الفعل والتضامن مع الغير خارج حدودنا الوهمية …!
    ما العمل؟ ونحن المختلفين المتخلفين دوماً في قضايانا !!
    ما العمل؟؟؟ عندما نصبح شعباً، سوف نعلم ما العمل!

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>